تأمل معي قوله تعالى في الآيات التالية من سورة عبس: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}.. (الآيات من 33: 37).

تخيل معي هذا المشهد العظيم يوم القيامة عندما يفر الإنسان من أقرب الأشخاص له في الدنيا، وأكثرهم حبا ومعزة إلى نفسه.. هذا اليوم الذي يصبح لكل إنسان منا شأن خاص به، ولا يهتم بمن حوله من عائلته، ولا بمن كانوا أقرب الناس إليه في حياته الدنيا، ويأبى أن يعطيهم من حسناته، ويصير شغله الشاغل (نفسه نفسه)..

ولكنه يأتي على النقيض وبكل سهولة ويسر فيعطي من حسناته لأشخاص كانوا سببا في يوم من الأيام لمضايقته أو ظلمه أو حزنه.. ولكن كيف يحدث هذا؟! أيرفض الإنسان إعطاء حسنات لعائلته وأقربهم محبة إلى قلبه ويعطيها لأناس كانوا سببا في حزنه في الدنيا أو أشخاص لم يكونوا بمنزلة أهله وأسرته؟!

يقول الله تعالى في سورة الحجرات (آية:12): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}.

وقال رسولنا الكريم صلوات الله عليه: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) – رواه أبو داود ومعناه أيضاً في مسند الإمام أحمد.

كما قال – صلى الله عليه وسلم – : (أتدرون ما الغيبة؟) قالوا الله ورسوله أعلم، (قال: ذكرك أخاك بما يكره)، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ (قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) – رواه مسلم.

وبذلك ووفقا لحديث المصطفى – عليه أفضل الصلاة والتسليم – ، معنى الغيبة: إنك إذا ذكرت أخا لك بشيء هو يكرهه، فهذه هي الغيبة.

وإن كان فيه ما ذكرته بالفعل، فهذه هي الغيبة.

وإن لم يكن فيه ما ذكرته ، فهذا هو البهتان.

فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (أتدرون ما المفلس؟) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: (إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا و ضرب هذا فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) – رواه مسلم والترمذي.

هل مازالت ستفكر في الحديث على غيرك حتى وإن كان سببا في حزنك؟! هل مازالت ستتبادلين أطراف الحديث حول صديقتك أو جارتك التي فعلت كذا وكذا ؟!

الذنب فعلا كبير.. وعاقبته أكبر.. فلنحاول ونحاول ونجدد نيتنا ونسعى لحفظ ألسناتنا من الغيبة والنميمة.. وندعو الله – عز وجل – أن يعافينا من هذه الآفة اللعينة.