كلمتا الوسواس والخناس من أكثر الكلمات ترديداً على ألسنتنا، نظراً لقراءة سورة الناس بكثرة بصفتها من المعوذات، ومعنى الوسواس بفتح الواو اسم للذي يلقي في نفوس الناس خواطر الشر والسوء وبكسر الواو المراد به المصدر أي الوسوسة والوسوسة هي ما يجده الإنسان في صدره من الأفكار الشريرة والخاطئة التي تدعوه الى فعلها وتطبيقها وبمعنى اخر هو حديث النفس الذي يفكر به الانسان فإذا احس العبد بذلك الوسواس عليه ان يذكر الله تعالى حتى يذهب ويختفي كيد الشيطان.



في صدر الإنسان



أما الخناس في اللفظ صيغة مبالغة هو الشيطان الجاثم في صدر الانسان، فإذا ذكر الله تعالى خنس واذا غفل عنه اخذ يوسوس له بالسوء والشر ويلتقم قلبه فيحدثه ويمنّيه ويكون مسلطاً عليه الا من عصمه الله. وثبت في الحديث الصحيح ان صفية ام المؤمنين زارت النبي وهو معتكف في المسجد فلما خرجت خرج معها ليردها الى منزلها ليلا فلقيه رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم اسرعا متنحيين عن الطريق فقال عليه الصلاة والسلام »على رسلكما انها صفية بنت حيي« فقالا سبحان الله يا رسول الله »اي نحن لا نشك فيك« فقال ان الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم واني خشيت ان يقذف في قلوبكما شرا. وفي حديث آخر ان الشيطان واضع خطمه على قلب ابن ادم فإن ذكر الله خنس وان نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس. فالإنسان اذا غفل عن الله تعالى تعاظم عليه الشيطان وغلبه ومتى ما ذكر الله تصاغر الشيطان وغلبه الإنسان.



الصفات الثلاث



وسبب ذكر الصدور »في صدور الناس«، لأنها تحتوي على القلوب وهي محل الخواطر. وكيفية الاستعادة بهذه السورة، ان نستعيذ بصفات ثلاث لله تعالى بالربوبية والملك والالوهية »قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس« من شرور الشيطان واضراره في الدين والدنيا والاخرة برب الناس وملك الناس واله الناس. فذكر ربنا هنا الناس وان كان رباً لجميع الخلق وذلك لأمرين، لأنهم معظّمون وعندهم قدرة لفعل الشر فاعلم انه ربهم، ولأنه امر بالاستعاذة من شر الناس »من الجنة والناس« لأنه هو القادر الذي يعيذ منهم. وذكر الله صفة الملك والالوهية ليبين للناس ان الله هو المالك الحقيقي وانه إلاههم ومعبودهم ولا معبود لهم سواه وانه الذي يلجأ اليه دون الملوك والعظماء.



وسبب تسمية السورة بالناس، لافتتاحها بالناس »قل اعوذ برب الناس« وهي اخر سورة في القرآن، وقد بدأ بالفاتحة التي هي استعانة بالله وبالحمد له وختم القرآن بالمعوذتين للاستعاذة به. والمقارنة في التعوذ بين سورة الفلق وسورة الناس، ان المستعاذ به في سورة الفلق »قل اعوذ برب الفلق« صفة واحدة وهي الربوبية والمستعاذ منه اربعة، وهناك انواع عدة من الآفات وهي »شرور الخلق« و»الغاسق« وهو دخول ظلام الليل، والنفاثات، وهي الساحر اذا نفث اي قذف الريق القليل في سحره، والحاسد.



النفس والدين



أما في سورة الناس المستعاذ به موصوف بثلاث صفات وهي الرب والملك والإله والمستعاذ منه آفة، واحدة وهي الوسوسة، وسبب التفرقة ان المطلوب في سورة الفلق، سلامة النفس والبدن والمطلوب. في سورة الناس سلامة، الدين ومضرة الدين اعظم من المضرّة في الدنيا والنفس والبدن. كان صلى الله عليه وسلم يستشفي بسور الإخلاص والفلق والناس وكان علاجاً ناجحاً قوي المفعول سريع الأثر مضمون النتائج في كل حالات المرض، حتى من السحر، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب السور الى الله »قل أعوذ برب الفلق« »قل اعوذ برب الناس« وفضائلهما كثيرة لا تحصى، وهما تحميان العبد من الشياطين وهما رقية من المس.



وسبب نزول سورة الناس، ان رجلا من بني زريق »لبيد الاعصم« سحر النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في غلاف طلع نخل ذكر ووضعه في بئر فأحسّ النبي صلى الله عليه وسلم بأثره فجاء الأمين جبريل بسورتي الفلق والناس فقرأهما النبي صلى الله عليه وسلم فكلما قرأ آية يجد خفة حتى انحلت العقد الإحدى عشرة ولهذا يقول بعض المفسرين إن هاتين السورتين احدى عشرة آية على عدد تلك العقد ثم وجد النبي صلى الله عليه وسلم نشاطاً كأنما حل من انعقاد، فلما نزلت هاتان السورتان كان يرقي بهما وترك ما سواهما.