من السُّنَّة ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ اعتكف العشر الأواخر من رمضان حتَّى توفَّاهُ الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده .

وقد أجمعت الأُمَّة على سُنِّيَّته ، وهو من الشرائع القديمة، والاعتكاف مُسْتَحَبٌّ في كل وقت، سواء أكان في رمضان أم في غيره، وهو في العشر الأواخر من رمضان أفضل منه في غيره؛ لطلب ليلة القدر بالصلاة والقراءة وكثرة الدعاء، فإنها أفضل ليالي السنة؛ قال تعالى: {لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ} [القدر: 3]، أي: خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، والجمهور على انحصارها في العشر الأخيرة .
وقد يكون الاعتكاف واجِبًا عند نَذْرِهِ، بمعنى أن ينذر المسلم الاعتكاف، كأن يقول: لله علَيَّ أن اعتكف، أو نذرت الاعتكاف لله أو نحو ذلك بما يقع به النَّذر.

وأقل مدَّةٍ للاعتكاف هي ما يُطْلَقُ عليه اسم الاعتكاف عُرْفا؛ وهذا ما ذهب إليه متأخرو الحنفية، والشافعية، والحنابلة؛ فإن الاعتكاف في اللغة يقع على القليل والكثير، ولم يحده الشرع بشيء يخصه فبقي على أصله ، لكن العلماء استحبوا إتمام الاعتكاف يوما؛ ليخرج مِن خلاف مَن يَشْتَرط الاعتكاف يومًا فأكثر، كما نصوا على أنه يُستَحَبُّ لداخل المسجد أن ينوي الاعتكاف ولو كان مُكْثُه يسيرًا
وأَمَّا أكثر مُدَّة للاعتكاف فلا حَدَّ لها؛ قال النووي: "وكُلَّما كثُر كان أفضل، ولا حَدَّ لأَكْثَرِه، بل يصحُّ اعتكافُ عُمر الإنسان جميعه، ويصحُّ نذرُ اعتكاف العمر" .
وقال ابن الملقن: "وأَجْمَع العلماءُ على أن لا حدَّ لأكثره".

وبداية الاعتكاف ونهايته يحددها الْمُعْتَكِف بنفسه، فإن نوى اعتكاف مدة معلومة استُحب له الوفاء بها بكمالها، فإن خرج قبل إكمالها جاز؛ لأن التطوع لا يلزم بالشروع، وإن أطلق النِّيَّة ولم يُقَدِّر شيئًا دام اعتكافُه ما دام في المسجد .