الفرق بين الحسد والعين وكيفية الوقاية والعلاج
من أهم الفروق التي ذكرها أهل العلم كابن الجوزي وابن القيم وابن حجر والنووي وغيرهم ـ رحمهم الله جميعاً ـ
الحاسد أعم من العائن، فالعائن حاسد خاص، فكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائناً، ولذلك جاء ذكر الاستعاذة في سورة الفلق من الحاسد، فإذا استعاذ المسلم من شر الحاسد دخل فيه العائن، وهذا من شمول القرآن وإعجازه وبلاغته .( التفسير القيم:759)

الحسد يتأتى عن الحقد والبغض وتمني زوال النعمة، أما العين فيكون سببها الإعجاب والاستعظام والاستحسان .

الحسد والعين يشتركان في الأثر حيث يسببان ضرراً للمعين والمحسود، ويختلفان في المصدر، فمصدر الحسد تحرُّق القلب واستكثار النعمة على المحسود، وتمنى زوالها عنه، أما العائن فمصدره انقداح نظرة العين، لذا فقد يصيب من لا يحسده من جماد أو حيوان أو زرع أو مال، وربما أصابت عينه نفسه، فرؤيته للشيء رؤية تعجب وتحديق مع تكيف نفسه بتلك الكيفية تؤثر في المعين .
(التفسير القيم:577، وبدائع الفوائد جـ2صـ 231)

الحاسد يمكن أن يحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه،أو يحصل عند غيبة المحسود وحضوره بينما العائن لا يعين إلا الموجود بالفعل .

لا يحسد الإنسان نفسه ولا ماله ولكنه قد يعينهما .

لا يقع الحسد إلا من نفس خبيثة حاقدة، ولكن العين قد تقع من رجل صالح من جهة إعجابه بالشيء دون إرادة منه إلى زواله، كما حدث من عامر بن ربيعة عندما أصاب سهل بن حنيف بعين برغم أن عامراًرضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام، بل ومن أهل بدر .






علاج الإصابة من الحسد والعين
أولاً: كيف تّتَّقِى الإصابة بالعين قبل وقوعها ؟
أولا وقبل أن نتكلم عن كيفية العلاج،ينبغي أن نتكلم عن كيفية الوقاية من الإصابة بالعين،فالوقاية خير من العلاج.
ومن طرق الوقاية:
ستر محاسن من يخشى عليه الإصابة بالعين:
قال ابن القيم – رحمه الله – :
ومن علاج ذلك أيضاً والاحتراز منه: ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه.
كما ذكر البغوى في كتاب ( شرح السنة):
إن عثمانرضي الله عنهرأى صبياً مليحاًفقال:
دَسِّموا نونته، لئلا تصيبه العين
ثم قال في تفسيره: ومعنى دَسِّموا نونته: أي سودوا نونته،
ـ والنونة: النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير وهي محل الحسن. ( شرح السنة:13/116)
وقال الخطابي في ( غريب الحديث ) له عن عثمان رضي الله عنه:
إنه رأى صبياً تأخذه العين، فقال: دَسِّموا نونته .
فقال أبو عمر: سألت أحمد بن يحيى عنه، فقال: أراد بالنونة: النقرة التي في ذقنه .
ـ والتدسيم: التسويد،أراد: سودوا ذلك الموضع من ذقنه، ليرد العين. ( زاد الميعاد 4/173 )

2ـ قراءة فاتحة الكتاب وآية الكرسي:
فقد أخرج الديملي عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" فاتحة الكتاب وآية الكرسي لا يقرأهما عبد في دار فتصبهم في ذلك اليوم عين إنس أو جن "



3ـ قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين:
عن عبد الله بن حبيبرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" اقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسى وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء "( أحمد والترمذي والنسائي )
عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات "

عن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" يا عقبة . ألا أعلمك خير سورتين قرئتا: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس . يا عقبة. اقرأهما كلما نمت وقمت ما سأل سائل ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما "
( أحمد والنسائي والحاكم )
4ـ المحافظة على أذكار الصباح والمساء:

5ـ الرقية بهذا التعوذ الذي كان يعوذ به النبي صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين:
فقد أخرج البخاري منحديث ابن عباس – رضي لله عنهما – قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذ الحسن والحسين يقول: أعيذكما بكلمات الله التامّة من كل شيطان وهامّة ومن كل عين لامّة، ويقول: كان أبوكم إبراهيم يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق .
ـ لامّة: جامعة للشر






ثانيا:علاج الإصابة بالحسد أو العين بعد وقوعها:
ويتم ذلك عن طريق:الاغتسال، والرقية الشرعية .
أولا: الاغـتـســـال
إذا تأكدنا أن أحد الناس حسد آخر بالعين، فإننا نطلب من الحاسد أن يتوضأ في إناء، ثم نأخذ هذا الماء ونصبه على رأس وظهر المحسود من خلفه فيبرأ بإذن الله تعالى
فقد أخرج الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة بسند صحيح صححه الألباني في صحيح الجامع (3908) من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال:
" اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخَرَّار([1]) فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر إليه، وكان سهل شديد البياض، حسن الجلد، فقال عامر: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبَّأة عذراء([2])فوَعِك ([3]) سهل مكانه واشتد وعكه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلمبوعْكِه فقيل له: ما يرفع رأسه، فقال: هل تتهمون له أحداً ؟ قالوا: عامر بن ربيعة، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ عليه فقال: " علام يقتل أحدكم أخاه، ألا برَّكْت ([4])، اغْتَسِل له " فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب عليه من ورائه فبرأ سهل من ساعته "
.


عن أبي أمامة (سعد بن سهل بن حنيف) قال:
مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال: لم أر كاليوم ولا جلد مخبَّأة، فما لبث أن لُبِطَ به ( أي: سقط ) فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: أدرك سهلا صريعاً، قال: من تتهمون به ؟ قالوا: عامر بن ربيعة . قال صلى الله عليه وسلم: " علام يقتل أحدكم أخاه ؟ إذا رأى أحدكم ما يعجبه فليدع له بالبركة، ثم دعا بماء فأمر عامراً أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره وأمره أن يصب عليه" .
قال سفيان: قال معمر عن الزهري: وأمر أن يكفأ الإناء من خلفه .
فانظر ـ حفظك الله – إلى هذا الحديث لتعلم خطورة العين
ففي قول النبي صلى الله عليه وسلم" علام يقتل أحدكم أخاه "
دليل على أن شر العين عظيم وربما بلغ بها بالجناية حد القتل، فتدخل الرجل القبر وتدخل الجمل القدر كما مر بنا في الحديث .

صـفـة الاغـتـســال:
قال ابن شهاب الزُهَري ـ رحمه الله تعالى ـ:
الغسل الذي أدركنا علماءنا يصفونه: أن يؤتى للرجل العائن بقدح فيدخل كفه فيه فيمضمض، ثم يمُجَّه في القدح، ثم يغسل وجهه في القدح، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على كفه اليمنى في القدح، ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على كفه اليسرى صبة واحدة، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على مرفقه الأيمن، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على مرفقه الأيسر، ثم يدخل اليسرى فيصب بهل على قدمه اليمنى، ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على قدمه الأيسر، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على ركبته اليمنى، ثم يدخل يده اليمنى ويصب بها على ركبته اليسرى، كل ذلك في قدح، ثم يدخل داخلة إزاره في القدح ولا يوضع القدح في الأرض، فيُصَبُّ على رأس الرجل الذي أصيب بالعين من خلفه صبة واحدة. أهـ
( السنن للبيهقى 9/252 )
واختُلِف في داخلة الإزار،فقيل: المراد موضعه من الجسد، وقيل:المراد مذاكيره
وقيل: المراد وركه إذ هو معقد الإزار .
قال القاضي ابن العربي ـ رحمه الله ـ:
الظاهر والأقوى بل الحق أنه ما يلي الجسد من الإزار . الرد على من عارض طريقة الإغتسال (قال ابن القيم: هذه الكيفية لا ينتفع بها من أنكرها ولا من سخر منها ولا من شك فيها أو فعلها مجرياً غير معتقد، وإذا كان في الطبيعة خواص لا يعرف الأطباء عللها، بل هي عندهم خارجة عن القياس وإنما تفعل بالخاصية، فما الذي تنكر جهلتهم من الخواص الشرعية ؟ هذا مع أن في المعالجة بالاغتسال مناسبة لا تأباها العقول الصحيحة، فهذا ترياق سم الحية يؤخذ من لحمها، وهذا علاج النفس الغضبية توضع اليد على بدن الغضبان فيسكن . فكأن أثر تلك العين كشعلة نار وقعت على جسد، ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة، ثم لما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد لشدة النفوذ فيها، ولا شيء أرق من المغابن، فكان في غسلها إبطال لعملها، ولاسيما أن للأرواح الشيطانية في تلك المواضع اختصاصاً، وفيه أيضاً وصول أثر الغسل إلى القلب من أرق المواضع وأسرعها نفاذاً، فتطفيء تلك النار التي أثرتها العين بهذا الماء .( فتح الباري 10/215 )





متى نفعل الاغتسال ؟
قال الحافظ بن حجر: هذا الغسل ينفع بعد استحكام النظرة، فأما عند الإصابة وقبل الاستحكام فقد أرشد الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة سهل بن حنيف المذكورة كما مضى:" ألا برَّكت عليه "وأخرج البزار وابن السني من حديث أنسرضي الله عنه عن النبيصلى الله عليه وسلمقال :
" من رأى شيئاً فأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، لم يضره " .
وفي الحديث من الفوائد أيضاً: أن العائن إذا عُرف يُقضى عليه الاغتسال، وأن الاغتسال من النشرة النافعة، وأن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد، ولو من الرجل المحب، ومن الرجل الصالح، وأن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة، ويكون ذلك رقية منه، وأن الماء المستعمل طاهر، وفيه جواز الاغتسال بالفضاء . وأن الإصابة بالعين قد تقتل. (فتح الباري)

)
قال النبي صلى الله عليه وسلم
" العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا اسْتُغْسِل أحدكم فليغسل "
( أخرجه مسلم (5/32)
وعلى هذا لو طلب منك شخص أن تستغسل له فافعل طلباً للسنة،ولا تفعل كما يفعل البعض من التغيظ ويقول في غضب: أنا لم أحسد أحداً ولم أصبه بعين ولن أغتسل، لا . بل الواجب أن تفعل وتغتسل له إن طلب منك ذلك، فإن الرجل يكون صالحاً ويصيب بالعين إذا رأى ما يعجبه ولم يبرك،كما كان من عامر بن ربيعة وهو صحابي جليل، واعلم أن استجابتك لأخيك يطيب نفسه وخاطره، وتدفع عنه الغيبة التي قد تقع منه في حال رفضك، وفي استجابتك لطلب أخيك برهان للقيام بواجب الأخوة،فرسول الله صلى الله عليه وسلم وصف المؤمنين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
كيف يعالج الحاسد أو العائن نفسه ؟
ويستحب للمسلم إذا رأى شيئاً فأعجبه أن يبرك عليه، بمعنى:أن يدعو بالبركة سواء كان هذا الشيء له أو لغيره .
لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سهل بن حنيفرضي الله عنه:
" ألا برَّكت عليه "
أي: ألا دعوت له بالبركة فإن هذا الدعاء يمنع تأثير العين .
( رواه البخاري في كتاب الطب، باب دعاء العائد للمريض، ومسلم في كتاب السلام باب استحباب رقية المريض )
وعلى هذا كل من يخشى ضرر عينه وإصابتها للمعين أن يقول:
اللهم بارك عليه، أو: اللهم بارك فيه

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حنيف ـ رضي الله عنهما ـ
كما عند الإمام أحمد وهي في صحيح الجامع (1/212):
"إذا رأى أحدكم من أخيه أو من نفسه أو من ماله ما يعجبه فليدع بالبركة فإن العين حق

ومما يدفع به أيضاً إصابة العين قول:
ما شاء الله لا قوة إلا بالله،
روى هشام بن عروة عن أبيه:أنه كان إذا رأى شيئاً يعجبه، أو دخل حائطاً من حيطانه قال:
ما شاء الله، ولا قوة إلا بالله .

وهذا نحو قوله تعالى:
{ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً }
( الكهف: 39 )

[1])) واد من أودية المدينة قرب الجحفة .

[2])) أي: فتاة مختبئة في خدرها

[3])) أي: أصيب بمغص شديد

[4])) ألا برَّكْت: أي: دعوت بالبركة