الحمد لله والصلاة والسلام على رسول لله وبعد ...

فقد ثبت عند الطيالسي عن أنس رضي الله عنه أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا حكمتم فاعدلوا ، وإذا قلتم فأحسنوا ، فإن الله يحب المحسنين " ،

وثبت عنده عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله محسن يحب الإحسان ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " .

يصف نبينا ربه بصفة عظيمة وهي صفة الإحسان ، فالله سبحانه محسن ، أي الإحسان وصف لازم له ، لا يخلو موجود عن إحسانه طرفة عين .

والمحسن اسم فاعل من أحسن ، وإحسان الله ظاهر في خلقه ، فقد من عليهم بما غمرهم من الإحسان والفضل والجود والإنعام .

ومعنى المحسن راجع إلى معنى المفضل وذي الفضل والمنان والوهاب سبحانه .

أيها الإخوة .. إن للإيمان باسم الله المحسن آثارا كثيرة منها :

أولا : أن نعلم بأن الله هو المحسن الذي غمر الخلق جميعا بإحسانه وفضله : برهم وفاجرهم ، مؤمنهم وكافرهم ، لا غنى لهم عنه طرفة عين ، ولا قيام لهم ولا بقاء إلا به سبحانه ، وبجوده وإنعامه .

ثانيا : أن الله هو المحسن الذي جاد على خلقه بفضله وإحسانه : فأحسن إلى الإنسان وأخرجه من العدم إلى الوجود {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} – وأحسن إلى الإنسان بعد خلقه بأن صوره في صورة آدم وهي أحسن صورة {وصوركم فأحسن صوركم } ، {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} – وأحسن إلى الإنسان بأن جعله عاقلا لا مجنونا ولا معتوها ولا سفيها – وأحسن إلى الإنسان بأن جعله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأمم {كنتم خير أمة أخرجت للناس} – وأحسن إلى الإنسان بأن حفظ كتابه العظيم الذي فيه الخير كله {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} – وأحسن إلى الإنسان بأن علمه بعد أن كان جاهلا {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا } – وأحسن إلى الإنسان بأن علمه معاني القرآن وشريعة نبيه صلى الله عليه وسلم ورفعه بهذا العلم { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } – وأحسن إلى الإنسان بما من عليه من العمل بما علم ، وهذا هو ثمرة العلم {إنما يخشى الله من عباده العلماء} – وأحسن إلى الإنسان بما أنعم عليه من كمال الصورة واعتدال الخلقة وفصاحة اللسان ، وسلامة الهيئة من تشوه أو نقص عضو ، أو لحوق خلل ، حتى يبقى صحيحا سليما ، ويسلك من طاعة الله طريقا قويما – وأحسن إلى الإنسان بما أنعم عليه من انتظام الحال ، واتساع المال ، حتى لا يحتاج إلى أحد من الخلق في اكتساب الرزق ، ويحتاج إليه غيره ، فيعمهم خيره ، وهذه نعمة يجب شكرها ، إذ ليس كل أحد يعطاها - وأحسن إلى الإنسان بما أنعم عليه من المرأة الصالحة ، فتسكن إليها نفسه ، ويتم له بها أنسه ، ويكثر منها نسله ، حتى يكون من ذريته في أمة محمد صلى الله عليه وسلم عدد وافر كلهم لله موحد ، ولآلائه شاكر {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " – وأحسن إلى الإنسان بما أنعم عليه من صحة الجسم ، وفراغ البال ، ليستغل ذلك بما ينفعه من أمور الدين والدنيا ، في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " .

سبحانه من إله عظيم ، سبحانه من إله كريم ، تفضل علينا بصنوف النعم ، وأحسن إلينا وغمرنا بلطفه وإحسانه ، وعد من أطاعه بالدخول إلى جناته ، وكل ذلك بفضله ومنته ، وإحسانه سبحانه {فتبارك الله أحسن الخالقين}

إلهي إذا ما عشت في الأرض محسنا فليس بغيض من ذكائي ولا فضلي
فأنت الذي يسرتني وهديتني إلى الخير والإحسان يا واسع البذل


أيها الإخوة ...

ثالثا : ومن آثار الإيمان باسم الله المحسن أن نعلم بأن الله سبحانه يحب من خلقه التعبد بمعاني أسمائه وصفاته ، فهو عليم يحب العلماء ، جميل يحب الجمال ، محسن يحب الإحسان ، ولذا كتب الإحسان على كل شيء ، والإحسان نوعان :

الأول : إحسان في عبادة الله ، وهو أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
والنوع الثاني : إحسان إلى عباد الله ، وذلك بإيصال جميع أنواع الخير لهم ، وقد وعد سبحانه بالثواب لكلا النوعين فقال : { إن الله لا يضيع أجر المحسنين}

قال ابن القيم في بيان أسباب انشراح الصدر : ( ومنها الإحسان إلى الخلق بما يمكنه من المال والجاه والنفع بالبدن ، وأنواع الإحسان ، فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدرا ، وأطيبهم نفسا ، وأنعمهم قلبا ، والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدرا ، وأنكدهم عيشا ، وأعظمهم هما وغما ) .

أيها الأخوة ... ومن أعظم الإحسان إلى الخلق تعليمهم ما ينفعهم من أمور دينهم ما يكون سببا في نجاتهم في الدنيا والآخرة : من علوم الكتاب والسنة وفقه السلف الصالح ، وإرشادهم إلى طرق الخيرات والقربات ، وتحذيرهم من مسالك الشر والهلكات ، وهي وظيفة الرسل وأتباع الرسل ، وبهذا كانوا أعظم الناس إحسانا إلى الخلق ، ولهم عليهم المنة والفضل ما لا يؤدى شكره ، كما قال سبحانه {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} .

أيها الأخوة ... ومن فضل الله وكرمه وإحسانه أن من أحسن في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح أبدله الله بالحسنى في الآخرة ، وأسكنه الجنة ، وأعطاه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر :

والثواب العظيم في جنة المولى وفيها يكون الرضا والخلود
كل نفس تحظى بما تشتهيه حور عين فيها وطلع نضيد
لبن سائغ وشهد مصفى ولدى ربك الكريم المزيد


وبعد أن يكرم الله عباده ويحسن إليهم بدخول الجنة ، يزيدهم مقابل إحسانه زيادة عظمى ، أكمل مما مضى ، وأجمل مما ذكر ، وهي النظر إلى وجهه الكريم جل وعلا ، وهي أعظم منة ، وأتم نعمة ، وأكمل إحسان ،

صح في المسند عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، نادى مناد : يا أهل الجنة ، إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه ، فيقولون : وما هو ؟ ألم يثقل موازيننا ، ويبيض وجوهنا ، ويدخلنا الجنة ، وينجنا من النار ؟ فيكشف الحجاب ، فينظرون إليه ، فوالله ما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه ، ولا أقر لأعينهم

{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}
.

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل .
اللهم إنا نسألك الشوق إلى لقائك والنظر إلى وجهك الكريم في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة .
اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين
.