علامات محبة النبي:-
اعلم أن من أحب شيئا آثره وآثر موافقته وإلا لم يكن صادقا في حبه وكان مدعياً([1])ولا يوافق قوله فعله، ومحبة النبي لا تخرج عن هذا الإطار، ولا شك أن لمحبة النبي علامات ودلائل تدل على حقيقة صدق هذه المحبة، ولهذا كان لزاماً على المسلم أن يعرفها ليحققها ويعمل بها وأهم هذه العلامات ما يلي:-
1-الإقتداء به واستعمال سنته وسلوك طريقته والاهتداء بهديه وسيرته والوقوف عندما حد لنا من أحكام شريعته ومحبتهr من مهماتها وهذه أعظمها([2]) فعن أنس بن مالك قال: قال لي رسول الله: يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل ثم قال لي يا بني وذلك من سنتي ومن أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة([3]).
وتأمل قوله تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) أي الشأن في أن الله يحبكم، لا في أنكم تحبونه وهذا لا ينالونه إلا بإتباع الحبيب r([4]) قال المحاسبي : و علامة محبة العبد لله عز و جل اتباع مرضاة الله ، و التمسك بسنة رسول الله r فإذا ذاق العبد حلاوة الإيمان ، ووجد طعمه ظهرت ثمرة ذلك على جوارحه ولسانه([5])
وقال غيره : من الزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة ، ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب في أوامره ونواهيه وأفعاله وأخلاقه و قال أبو إسحاق الرقي: علامة محبة الله إيثار طاعته ومتابعة نبيه r.
وقال غيره: لا يظهر على أحد شئ من نور الإيمان إلا بإتباع السنة ومجانبة البدعة([6])
2-أن يرضى مدعيها بما شرعه الله حتى لا يجد في نفسه حرجا مما قضى([7]) قال تعالى : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }(النساء65) فسلب الإيمان عمن وجد في صدره حرجا من قضائه و لم يسلم له
3-وهي داخله فيما قبلها :إيثار ما شرعه وحض عليه على هدى نفسه وموافقة شهوته قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }(الحشر9) و اسخاط العبد في رضا الله تعالى([8])
4-كثرة ذكره له فمن أحب شيئا أكثر ذكره([9]) و لبعضهم : المحبة دوام ذكر المحبوب([10]) قال ابن القيم في الصلاة على النبي r : إنها سبب لدوام محبته للرسول و زيادتها و تضاعفها ، و ذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به ، لان العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب و استحضار محاسنه و معانيه الجالبة لحبه تضاعف حبه له و تزايد شوقه إليه و استولى على جميع قلبه ، وإذا أعرض عن ذكره و إحضاره ، و إحضار محاسنه بقلبه نقص حبه من قلبه، ولا شئ أقر لعين العبد المحب من رؤية محبوبه ، ولا أقر لقلبه من ذكره و إحضار محاسنه، فإذا قوى هذا في قلبه جرى لسانه بمدحه و الثناء عليه و ذكر محاسنه، و تكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه([11]).
و ذكره r يكون بالصلاة عليه وبهذا يعلم فضيلة الحديث و أهله لذكرهم له كثيرا ([12])و صح في السنة قوله :البخيل من ذكرت عنده فلم يصلي على([13]).
وقد شرع ذكر النبي لإظهار محبته واحترامه وتوقيره وتعظيمه و هذا من علامات محبته، ولقد ورد أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا بعد وفاته r لا يذكرونه إلا خشعوا و اقشعرت جلودهم وبكوا ، وكذلك كان كثير من التابعين من يفعل ذلك محبة له و شوقا إليه([14]).
و يدخل ضمن الذكر المشروع تعداد فضائله و خصائصه وما وهبه الله من الصفات و الأخلاق و الخلال الفاضلة، وما أكرمه به من المعجزات و الدلائل و ذلك من أجل التعرف على مكانته ومنزلته والتأسي بصفاته وأخلاقه و تعريف الناس و تذكيرهم بذلك ليزدادوا إيمانا و محبه له و لكي يتأسوا به ، ولا محظور في التمدح بذلك نثرا و شعرا مادام ذلك في حدود المشروع الذي أمر به الشارع الكريم([15]) 0
5-نصر دينه بالقول والفعل والذب عن شريعته و التخلق بأخلاقه في الجود و الإيثار والحلم و الصبر و التواضع وغيرها، فمن جاهد نفسه على ذلك وجد حلاوة الإيمان، ومن وجدها استلذ الطاعات و تحمل المشاق في الدين ، واثر ذلك على أغراض الدنيا الفانية([16]) 0
6-كثرة الشوق إلى لقائه فكل حبيب يحب لقاء حبيبه([17]) ، أما في حياته rفمعروف وأما بعد موته فبأن يشتاق إلى لقائه في الآخره و يشاهد ذاته الكريم r([18]).
و قد نص النبي على هذه العلامه فقال : من أشد أمتي لي حبا ناس يكونون بعدي يود احدهم لو راني بأهله و ماله([19]).
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : و الذي نفسي محمد في يده ليأتيني على أحدكم يوم لا يراني ثم لإن يراني معهم أحب إليه من أهله و ماله([20]).


ومن الامثله التطبيقية لهذه العلامه أن الأشعريين عند قدومهم المدينة كانوا يرتجزون : غدا نلقى الأحبه ... محمدا و حزبه([21])



و روي إن بلالا و حذيفه بن اليمان و عمار بن ياسر كانوا يقولون لما حضرتهم الوفاة :غدا ألقى الاحبه محمدا و حزبه([22])
7-حب القرآن الذي أتى به ، وهدى به واهتدى و تخلق به حتى قالت عائشة: رضي الله عنها: إن خلق نبي اللهr كان القرآن([23]) أي كان دأبه التمسك به والتأدب بآدابه والعمل بما فيه من مكارم الأخلاق فجعلت عائشة رضي الله عنها القرآن نفس خلقه مبالغة في شدة تمسكه به، وأنه صار سجية له وطبيعة كأنه طبع عليها([24]).
وتمثيل حب القران بكثرة تلاوته له على الوجه المرضي فيها عند أهل الأداء، و ليس المراد مطلق القراءة كذا قال الخفاجي([25]) و الصواب أن كثرة تلاوته تدل على حب القرآن و الشغف به، و قد صح أن من يتعتع في قراءته له أجران فلاوجه لقصر محب القرآن على المقرئين فقط ، وإضافة إلى كثرة تلاوته ودوام قرأته ، العمل بما فيه من أحكام و مواعظ ، و تفهمه أي طلب فهمه في مواعظه و قصصه ووعده و وعيده و بيان أحوال أنبيائه وأوليائه و عاقبة أعدائه([26]) وكذا التقيد بفهم معانيه([27]).
هذا و السنة مليئة بالحث على تعلم القران و إتباعه، فصح عن عثمان رضي الله عنه عن النبي r قال : خيركم من تعلم القران و علمه([28]).
و صح عنه انه قال : كتاب الله عز وجل هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى و من تركه كان على ضلاله([29]).
و لهذا إذا أردت إن تعرف ما عندك و عند غيرك من محبة الله و رسوله فانظر محبة القرآن من قلبك، و التذاذك بسماعه أعظم من التذاذ أصحاب الملاهي و الغناء المطرب بسماعهم ، فإنه من المعلوم أن من أحب محبوبا كان كلامه وحديثه أحب شئ إليه كما قيل :


إن كنت تزعم حبي ... فلم هجرت كتابي





أما تأملت ما فيـ ... ـه من لذيد خطابي



و يروى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله([30]) 0
8-محبة سنته ، و الذي يشمل: طريقه وهديه بالإقتداء به قولا وفعلا، وأحاديثه فيقف عند حدودها، و هي أوامرها و نواهيها([31]) و أن يكثر من قراءتها فإن من دخلت حلاوة الإيمان في قلبه إذا سمع كلمه من كلام الله تعالى أو من حديث رسوله تشربتها روحه وقلبه ونفسه([32]) قال سهل بن عبدالله : علامة حب الله حب القران وعلامة حب القران حب النبي وعلامة حب النبي حب السنة و علامة حب السنة حب الآخره([33])
9-محبته لمن أحب النبي ومن هو بسببه من آل بيتة وحمايته من المهاجرين والأنصار ، وعداوة من عاداهم ، وبغض من يبغضهم وسبهم ، فمن أحب سيئاً أحب من يحب([34]) فعن زيد بن رقمه رضي الله عنة قال : قام رسول الله فينا خطيباً بما يدعي ((ضما)) بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى علية ، ووعظ وذكر ثم قال : أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ،فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال : وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ،أذكركم الله في أهل بيتي([35]).
ومن آل بيته أزواجه rقال البهيقي: ويدخل في جمله حب النبي حب أصحابة لأن الله عز وجل أثنى عليهم ومدحهم فقال : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ... }(الفتح29) وغيرها من الآيات([36]) وصح في السنة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنة قال :قالرسول الله :آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بغضهم([37])
10-بغض من أبغض الله ورسوله ، ومعاداة من عاداه ، ومجانبة من خالف سنته وابتدع في دينة واستثقاله كل أمر يخالف شريعته([38]) قال تعالى : {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }المجادلة22
وهؤلاء أصحابهr قد قتلوا أحباءهم وقاتلوا آباءهم وأبناءهم في مرضاته، وقال له عبدالله بن عبد الله بن أبي: لو شئت لأتيتك برأسه –يعني أباه-"([39]).
11- شفقته على الأمة بأن يحبهم ويتلطف بهم ويرقق قلبه عليهم ونصحه لهم في أمرهم ونهيهم وموعظتهم وبيان ما يصلحهم من أمورهم وسعيه في مصالحهم الدينية والدنيوية بشفاعته ومعاونته وقضاء حوائجهم ورفع المضار عنهم بدفع المظالم وإزالة مضايقتهم كما كان رسول الله بالمؤمنين رؤوفا رحيما"([40]).