بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.



من الغريب في الأمر المناضل العملاق جحا، لازال في نضاله يتربع على الصدارةِ رغم تعادله أمام الكثير من المناضلين العرب، غُرسَ تاريخه رغم المحولات المستميتة لطمس معالم نضاله الشريف من أجل نصرة المقهورين،
كانت نشأته حرة نقية وخفيفة الظل في نضاله ويستمدُ قوته مستعيناً بأسلوبه القتالي الفعال وأسلحته الفتاكة التي تعبر للملاء عن مما يحتويه خلجان فِكْره الحر من خلال فوهته الساخنة التي لا تخلو من السخرية الهادفة،
ورسم للشعوب الأمل ونشر الطُرْفَة في مجرى حياة المساكين، كانْ جحا يعي جيداً هواجس وهموم وأحلام أهله، أما الناس في زمانه لا يعوا الأسباب الحقيقية ورأى الظلم الاجتماعي والاقتصادي، كانوا يأنفون من الذل ويأبون الضيم والاستصغار،
هذا جلياً وظاهراً من صفحات تاريخه النضالي، نراه عمل جاهداً على تحقيق شروط التمكين في النضال السلمي، فحقق لحزبه النضال بكل معانيه السامية و أظهرَ لهم كافة أركانه، ومارسا العمل الصالح بكل أنواعه وحرصا على كل أنواع الخير وصنوف البر، وتقديراً لمجهوده الصادق،
مُنحَ هذا المناضل من قبل الشعوب المُتعاقبة على كل الاحترام والتقدير، ونصبواعلى وشاحهِ وسام الشرف والشهامة،
وسجلوا له بذاكرة الأمة التاريخية كل بطولاته المليئة بالدروس والعبر والعظات التي خطها من خلال رسالته النضالية،
من هؤلاء الذين انحنوا تكريماً واحتراماً لهذا الفارس (جُحا) الشعوب القوقازية، ورسيا البيضاء ،
أقدم الاتحاد السوفيتي على أنتاج فيلماًً يصور، (جُحا) بطلا شعبيا تكريماً لنضاله ضد الطغاة.
أما سر استمرار سيرة هذا المُناضل تكمن في ميزته التنافسية المستديمة الخالدة في ذاكرةِ الشعوب، ونضاله المستمر في كل الأماكن العربية والإسلامية خاصة والعالم بصورة عامة،
يتجسد ذلك من خلال الرسوم التي نحتهاهذا المقاتل بعقول الشرفاء و قدمها من خلال حزب الفقراء وحاضنة المحرومين والمقهورين والضعفاء من الناس، منذُ القرن السابع من الهجرةِ،
تضارب الناس بنسبه وأصله وكان سبب هذا التضارب هو شهرته بين الأوساط الفقيرة والمضطهدة من الشعوب في العالم، ومن شدّت حبهم لهذا المناضل (جُحا) كان لهم بمثابة قوة قاهرة أمام الطُغاة التي كانت تستبدُ بهم وتستغلهم وتدوس وتستهين كرامتهم وتضطهد حياة الأغلبية المسحوقة من الشعوب،
لهذا تسارعَ الناس بتبني أصل المنشأ لهذا المناضل،
وتشرفوا بجلب لهذهِ المعارك بقعر دارهم وقراهم وأقاليمهم في الكثير من أرجاء العالم والدليل القاطع على هذا التحليل،
لأنه لا يوجد توثيق ونص مؤكد على أصل المنشأ والاسم الكامل والصحيح لهذا المُناضل، تجده متواجد في كل الأماكن التي فيها شعوب مضطهدة ومحرومة من العيش الكريم0
وقد أشارت الكتب التراثية لإنتصاراته في نقد الذات، الفساد، الزندقة، الصعاليك، والطغاة
ومن أسرار هذا المناضل، السرية التامة، بإخفاء أسمه الحقيقي وهويته الأصلية،
لأنة كان يعمل باسم جميع المقهورين في العالم بدون استثناء، واتخذا له أسماً مستعارا، ( جُحا )
رُكّبَ هذا الاسم بشكل صوتي جذاب و مختصر، يستسيغه الكثير من الشعوب الحرة،
استمرت صورة هذا المُناضل بمخيلة الناس عبر الأزمنة على أشكال نضالية فكرية مختلفة، لغاية هذا الزمان،
و تم تصويره على شكل هيئة رجل و شيخاً مسن بلحية بيضاء ضخمة وثياب بسيطة يمتطي حماراً وساقاه منفرجتان, لا يزال لهذا اليوم الناس يتداولون نوادره الفكرية النضالية، في العالم على اختلاف الأطياف والأجناس،
واتخذت البشرية من هذا الفارس درعاً واقياً، لكي تحتمي به من النيل والقبض عليهم من قبل الطُغاة الماردين، من أجل الاستمرار في الكفاح النضالي السلمي0
لابد أن يكون لقوة هذا المقاتل دلاله وصفية لها خاصية ومعنوية في تلك الحقبة من الزمان،
ومن أبرز المعارك التي خاضهاهذا المناضل هي تتجسد بقصته مع الطاغية تيمور لنك0
وفيما يلي بعض ما ورد من أشكال و أساليب المعارك الهزلية التي أحدثت هزة عنيفة بذاكرة و وجدان المظلومين في العالم0

المرآة
نظر تيمورلنك في المرآة إلى صورته وظهرت في عينيه بضع دمعات , لاحظ جحا ذلك فأخذ هو أيضا يبكي .
وسرعان ماتمالك تيمورلنك نفسه بينما استمر جحا في البكاء.
فقال تيمر لنك :
يا جحا عندما رأيت وجهي في المرآة قبيحا حزنت بعض الشيء , ولما كنت أعلم أنك تحبني كثيرا لمأدهش حين رأيتك تقاسمني حزني وأشكرك على ذلك, ولكن أخبرني لماذا ما زلت تبكي وأنا قد تغلبت على حزني ؟ فقال حجا وهو يجفف دموعه:
يا مولاي إنك رأيت وجهك في المرآة لحظة فحزنت بعض الوقت، ولكني أراك طوال اليوم فمن حقي أم أبكي وقتا أطول0


هذهِ أحد المعارك الفكرية التي جسدها لنا هذا الفارس الفذ، التي لاتخلو من الفسحة الأنتقامية والتسلية النفسية من الطغيان الذي كانْ يعششُ حولهم،
وتخذوا من هذهِ الانتصارات ملاذاً روحياً لكي يمنحهم الانتصار النفسي والمعنوي وتبهجهم من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب0
وقد كتب عن هذهِ المعارك وأخبارهذهِ الملحمة النضالية، بخمسين لغة،
وغزت بصداها العالم أجمع ولقرون طويلة، مما جعل هذا البطل يقترن أسمه بقصص خيالية وأسطورية تتلقفها الشعوب بكل شغف شديد لتحدياته التي لاقت نجاحاً لافتاً ومنقطع النظير، وأقحموها بين طيات قصص المسرحية الدرامية الفكاهية، من أجل مسرحت النضال السياسي عن طريق السخرية الهزلية 0
ورغم ذلك فقد كانت كل قصة منها نموذجا لاستخدام الذكاء والسخرية كسلاح ضد القوة الغاشمة والقهر،
سُجل لهذا المقدام أول احتجاج و إضراب في عصره، وروج له قصة الاحتجاج عندما ركب حماره بالشكل المقلوب،
وبداء يتجول به في الطُرقات العامة و أمام المظلومين من أفراد الشعب رافعاً شعارات النضال بخفة دمه وحكمة فكرهِ الفذّ، عندما ضاق الأمر على الطغاة أردوا التخلص من هذا الشبح الخطير الذي كان بمثابة خطراً مستديم وصاحب العمل الدؤوب والنضال المستميت للُتربص بهم من كل جانب0
وكانت خطتهم تتسم بالخباثة والدنائة والجبن والأعمال الخبيثة، قاموا بخلق له أسم غير معرف أصلاً وليس له فصلاً، أعلنوا عن الاسم المُزور بين الناس،
بأن هذا المناضل يدعا (نصر الدين خوجه) لكي يحض علىالشعبية والمصداقية لأن المدعو (خوجه)
أي المعلم هو الفظ الذي ينمّ على الاحترام والمصداقية، أما مكان ومنشأ هذا المعلم مجهولاً لا يوجد أي دلائل علمية موثقة تثبت صحة أو وجد لهذا المعلم،ولا يوجد أثار معالم مادية تشير على وجوده0

كانت الخطط التي يحيكها الطغاة، تتمحور حول خلق نكات مضادة للمناضل جحا البطل من أجل التشويش وطمس الروح النضالية لهذا المقاتل الشرس، بثوا بين الناس النكات الرذيلة والبذيئة وألصقوها باسم المناضل الحقيقي ( جحا )، من أجل تشويه سمعة وأسم جحا المناضل0
أما المحور الثاني والأخطر هو يتمحور حول شق شعبية المناضل وتوجيها فكرياً إلى الاتجاه لذي يضمن لهم القضاء على الفكر النضالي لهذاالمقاتل الشرس، وعندما أرادوه ميتاً ومحي وجوده من عالم النضال أدعوا أنه توفيعام 1392 م .
ولكن سبحانه وتعالى جعل لهذا المناضل عمراً نضالياً مديد ومؤثراً بالحركة النضالية عند الشعوب المقهورة ، لهذا نرى بيارق هذا المناضل تُحمل من جيلٍ إلى جيلٍ،
ولا زال هذا المناضل مستمراً إلى ما شاء الله0من الملفت للاهتمام ،
والأمر الغريب لن يسجل قط الهوية المذهبية لهذا المناضل....!
حقاً إنها الأسطورة الشعبية التي لا تنضب0

وأخيراً أترك لكم الحرية للتحليل وتصوير الحال والتمعن جيداً والعود للحقبة التاريخية
من 656 ه إلى 941 ه، خير الناس رجل آخذ بعنان فرسه كلما سمع النداء لنصرة الدين والإسلام فيما جاء به من الحقّ والهدى المبين0
أما الإبداع فهو في مخيلتكم الخصبة التي ترى ما وراء الصورة وما بين سطورها