السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاختلاف.. لا يفسد للود قضية
الاختلاف موجود منذ نشأة الخلق، وهو سنة كونية، وطبيعة بشرية، ولا يمكن جمع الناس على كلمة واحدة، أو رأي واحد؛ لذا قال الله - تعالى -: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)[هود118].

إن اختلاف الناس، والفروقات بينهم في الجنس والشكل والديانة، إضافة إلى الشخصيات والأنماط، هو أساس تعايش الحياة والمجتمعات، ومسيرتها وعدم ركودها.. قال - تعالى -: (... وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ). [فاطر27].
إن التنوع في ألوان البشر ولغاتهم ومعتقداتهم، يمثل آية من آيات القدرة الإلهية، كما يمثل تنوع الزهور ومشاهد الطبيعة، آية يستمتع بها الإنسان، إلا أنه لم يستمتع بتنوعه هو نفسه (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)[الذاريات21].
وقامت الدراسات النفسية والاجتماعية على هذا الأساس، ولحكمة اقتضاها المولى تبارك في علاه، قال - تعالى - في ذلك: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات13].
قال البغوي في تفسير الآية: (.. لِتَعَارَفُوا.. ) لِيَعْرِف بعضكم بعضا في قرب النسب وبُعْدِه، لا لِيَتَفَاخَرُوا.
وقال ابن عطية في تفسيره: وقصد هذه الآية التسوية بين الناس، ثم قال - تعالى -: (.. وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، أي: لئلا تَفَاخَرُوا، ويُريد بعضكم أن يَكون أكْرَم مِن بعض، فإن الطريق إلى الكرم غير هذا (.. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
وقال ابن كثير: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا.. ) أي: ليحصل التعارف بينهم، كل يرجع إلى قبيلته.
وقال مجاهد في قوله - عز وجل - (.. لِتَعَارَفُوا.. ): كما يُقال فلان ابن فلان من كذا وكذا، أي: مِن قَبيلة كذا وكذا.
لا للفراق عند الخلاف
كم نشتكي من وجود المشاكل والنزاعات، بناءً على أشياءٍ رتيبةٍ كانت أم عقيمة أو قويةٍ عظيمة! وأحياناً تنتهي أو تشارف على التفكك والانتهاء، معظم العلاقات الإنسانية والمجتمعاتية، بين الأقارب والأرحام وبين الصحبِ والخلان، بسبب زلات لسان، وسوء الظن، وعدم احترام، ليكون النصيب الوافر، والحظ المفرح، لعدونا الغادر الوسواس الخنّاس "الشيطان"، وفي ذلك موعظةٌ وذكرى، لكل من كان له رجاحة جنانٍ وقوة إيمانٍ ونصرٌ على الخبيث الشيطان، وقد قال حبيبنا المصطفى عليه أفضل الصلاة: ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب. ولكن في التحريش بينهم))[أخرجه مسلم].
وهنا نقف وقفة عميقة عند مقولة: الاختلاف في الرأي لا يفسد للودِ قضية.. لماذا نفترق عندما نختلف؟!
نحن نفترق حين نختلف، لأننا تنقصنا القدرة على فهم الآخرين، وتقبل وجهات نظرهم..
وهناك عوامل تهدم أي نقاش جاد، منها: عدم الاحترام في لغة الحوار، والتمسك بالرأي، وعدم التنازل، أي نكابر على رأينا حتى لو كان خطأ.
فإذا كــان الاختلاف يؤدي إلــى القطيعة.. فأيــن يذهب الود؟
فــإذا كــان الاختلاف يحتــاج سنين حتى تعود المحبــة من جديد.. فأين الفضيلة في حديث الرســول - صلى الله عليه وآله وسلم -؟
وإذا كــان الاختلاف يؤدي إلى الهجـــر.. فأين تذهب المحبة؟
وإذا كــان الاختلاف يؤدي إلى الأحقــاد..فأين تذهب المصداقية؟