بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.......وبعد:
فإن الأمة الإسلامية اليوم تتطلع إلى نصر عاجل يرفع عنها هذا الذل والهوان الذي تسربلت به ،
وينقلها من دركات المهانة والإذلال إلى درجات العزة والرفعة والسمو ...
نصراً يعيد لها مجدها السابق ، وحماها المستباح ....
ولاشك أن الناصر هو الله تعالى وحده .... فهذه عقيدة الموحدين التي لا يساومون عليها ...
ولا يشكون فيها ... عقيدة ثابتة مغروسة في النفوس ....
ولكن الله تبارك وتعالى قد جعل لذلك النصر أسباباً وأمر بتحصيلها والاعتناء بها حتى تؤتي الشجرة ثمرتها ....
وقبل أن أذكر جملة من أسباب النصر المادية والمعنوية لابد من بيان سنة ربانية يترتب على فهمها حقيقة عقدية
تؤهلنا إلى معرفة أسباب نصر
ونجاة هذه الأمة المسلمة المستضعفة.... وهذه السنة هى :
سنة الله في القرى:
أولا : أنباء القرى :
قال تعالى:
" ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ "..[100: هود].
قال قتادة: القائم ما كان خاويا على عروشه,
والحصيد ما لا أثر له.
وقيل: القائم العامر, والحصيد الخراب; قاله ابن عباس...

وقال مجاهد: قائم خاوية على عروشها, وحصيد مستأصل; يعني محصودا كالزرع إذا حُصد.

مصير القرى المؤمنة:...
قال تعالى: " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " ..[96: الأعراف].

مصير القرى الفاسقة الظالمة:
قال تعالى: " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ "..[102: هود].
أي كما أخذ هذه القرى التي كانت لنوح وعاد وثمود يأخذ جميع القرى الظالمة ,
فهو إخبار عما جاءت به العادة في إهلاك من تقدم من الأمم المهلكة إذ أخذهم.
وقال تعالى:
" وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا "..
[59: الكهف].
وقوله :" وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا "
:أي الأمم السالفة والقرون الخالية أهلكناهم بسبب كفرهم وعنادهم
" وجعلنا لمهلكهم موعدا "
أي جعلناه إلى مدة معلومة ووقت معين لا يزيد ولا ينقص أي وكذلك أنتم أيها المشركون
احذروا أن يصيبكم ما أصابهم فقد كذبتم أشرف رسول وأعظم نبي ولستم بأعز علينا منهم
فخافوا عذابي ونذر.
وقال تعالى:
" وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ " ..
[11: الأنبياء].
وقوله:
" وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة "
هذه صيغة تكثير كما قال
" وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح "
وقال تعالى
": وكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها " الآية.
وقوله " وأنشأنا بعدها قوما آخرين " أي أمة أخرى بعدهم.
وقال تعالى:
"وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ " [48: الحج].
وقال تعالى:
" وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ "..
[31: العنكبوت].
وقال تعالى:
" وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا "..
[8: الطلاق].
يقول تعالى متوعدا لمن خالف أمره وكذب رسله وسلك غير ما شرعه ومخبرا عما حل بالأمم السالفة بسبب ذلك فقال تعالى:
" وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله"
أي تمردت وطغت واستكبرت عن اتباع أمر الله ومتابعة رسله
" فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا "
أي منكرا فظيعا.

وفى السنة المطهرة:
أخرج البخارى فى كتاب الفتن:
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ".
وأخرجه مسلم أيضا فى كتاب الفتن..

وقال النووى فى شرح مسلم:
قوله صلى الله عليه وسلم :
" أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : إذا كثر الخبث "
هو بفتح الخاء والباء ,
وفسره الجمهور بالفسوق والفجور ,
وقيل : المراد الزنا خاصة ,
وقيل : أولاد الزنا , والظاهر أنه المعاصي مطلقا .
و ( نهلك ) بكسر اللام على اللغة الفصيحة المشهورة , وحكى فتحها . وهو ضعيف أو فاسد .

ومعنى الحديث أن الخبث إذا كثر فقد يحصل الهلاك العام , وإن كان هناك صالحون ...

وأخرج البخارى فى كتاب تفسير القرآن:
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ قَالَ ثُمَّ قَرَأَ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ".

قوله إن الله ليملي للظالم )...وفى رواية
" إن الله يملي " وربما قال " يمهل "
قوله : ( حتى إذا أخذه لم يفلته ) ...
بضم أوله أي لم يخلصه , أي إذا أهلكه لم يرفع عنه الهلاك وهذا على تفسير الظلم بالشرك على إطلاقه ,
وإن فسر بما هو أعم
فيحمل كل على ما يليق به , والله أعلم .

كيف يأخذ الله القرى وبما يهلكها:
قال تعالى: "وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا "..
[16: الاسراء].
وقال تعالى:
"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ "
[123:الأنعام].
والمعنى: وكما زينا للكافرين ما كانوا يعملون كذلك جعلنا في كل قرية.
" مجرميها " والأكابر جمع الأكبر.
وهم الرؤساء والعظماء.
وخصهم بالذكر لأنهم أقدر على الفساد.
والمكر الحيلة في مخالفة الاستقامة,

قال مجاهد: كانوا يجلسون على كل عقبة أربعة ينفرون الناس عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم;
كما فعل من قبلهم من الأمم السالفة بأنبيائهم
. ......
وقال تعالى:
" وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ " ..[112: النحل].
وهذا مثل أريد به أهل مكة فإنها كانت أمنة مطمئنة مستقره يتخطف الناس من حولها ومن دخلها كان آمنا لا يخاف , "يأتيها رزقها رغدا" أي هنيئا سهلا

"من كل مكان فكفرت بأنعم الله"
أي جحدت آلاء الله عليها وأعظمها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إليهم كما قال تعالى
"ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار"
ولهذا بدلهم الله بحاليهم الأولين خلافهما فقال
" فأذاقها الله لباس الجوع والخوف "
أي ألبسها وأذاقها الجوع
بعد أن كان يجبى إليهم ثمرات كل شيء ويأتيها رزقها رغدا من كل مكان
وذلك أنهم استعصوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوا إلا خلافه فدعا عليهم بسبع كسبع يوسف فأصابتهم سنة
أذهبت كل شيء لهم فأكلوا العلهز وهو وبر البعير يخلط بدمه إذا نحروه
وقوله: " والخوف " وذلك أنهم بدلوا بأمنهم خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
حين هاجروا إلى المدينة من سطوته وسراياه وجيوشه.

والله لايهلك القرى الا بعد الانذار:
قال تعالى: " وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ "..[59: القصص].
وقال تعالى: " ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ " ..
[131: الأنعام].
أى: لم يرسل إليهم رسول يبين لهم؟
وما من قرية الا سترى ذلك أو نحوا منه كله مقدر عند الله فى كتاب:
قال تعالى: " وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ " ..[4: الحجر].
أى: أي أجل مؤقت كتب لهم في اللوح المحفوظ.
وقال تعالى: " وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا "..
[58: الاسراء].
أى: هذا إخبار من الله عز وجل بأنه قد حتم وقضى بما قد كتب عنده في اللوح المحفوظ
أنه ما من قرية إلا سيهلكها بأن يبيد أهلها جميعهم
أو يعذبهم " عذابا شديدا "
إما بقتل أو ابتلاء بما يشاء وإنما يكون ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم
كما قال تعالى عن الأمم الماضين
"وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم"
وقال تعالى " فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا ".
وأخذه لايُعلم وقته وهو غيرُ مأمون:
.....
قال تعالى: " وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ "..
[4: الأعراف].
أى: ليلا... أو نائمون بالظهيرة والقيلولة إستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم,
أي مرة جاءها ليلا ومرة جاءها نهارا..
وقال تعالى:
" أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ "..[97: الأعراف].
أى: ليلا... وهم غافلون عنه...
وقال تعالى: " أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ "..
[98: الأعراف].
أى: أي وهم فيما لا يجدي عليهم;
يقال لكل من كان فيما يضره ولا يجدي عليه لاعب,
وقال تعالى:
" وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ "..[94:الأعراف]
ومن العجيب أن مثل ذلك لم يحدث الا قليلا جدا مثل ما حدث فى قوم يونس كما فى قوله تعالى:
" فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين".
وروي في قصة قوم يونس عن جماعة من المفسرين:
أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل
وكانوا يعبدون الأصنام،
فأرسل الله إليهم يونس عليه السلام يدعوهم إلى الإسلام وترك ما هم عليه فأبوا؛
فقيل: إنه أقام يدعوهم تسع سنين فيئس من إيمانهم؛
فقيل له: أخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث ففعل، وقالوا: هو رجل لا يكذب فارقبوه فإن أقام معكم وبين أظهركم فلا عليكم،
وإن ارتحل عنكم فهو نزول العذاب لا شك؛
فلما كان الليل تزود يونس وخرج عنهم فأصبحوا فلم يجدوه فتابوا ودعوا الله
ولبسوا المسوح وفرقوا بين الأمهات والأولاد من الناس والبهائم، وردوا المظالم في تلك الحالة.
وقال ابن مسعود:
وكان الرجل يأتي الحجر قد وضع عليه أساس بنيانه فيقتلعه فيرده؛
وعن ابن عباس أنهم غشيتهم ظلة وفيها حمرة فلم تزل تدنو حتى وجدوا حرها بين أكتافهم.
وقال ابن جبير:
غشيهم العذاب كما يغشى الثوب القبر، فلما صحت توبتهم رفع الله عنهم العذاب.
وقال الطبري:
خص قوم يونس من بين سائر الأمم بأن تيب عليهم بعد معاينة العذاب؛
وقال الزجاج:
إنهم لم يقع بهم العذاب، وإنما رأوا العلامة التي تدل على العذاب، ولو رأوا عين العذاب لما نفعهم الإيمان.
قال القرطبى:
قول الزجاج حسن؛ فان المعاينة التي لا تنفع التوبة معها هي التلبس بالعذاب كقصة فرعون،
ولهذا جاء بقصة قوم يونس على أثر قصة فرعون لأنه آمن حين رأى العذاب فلم ينفعه ذلك،
وقوم يونس تابوا قبل ذلك. ويعضد هذا قوله عليه الصلاة والسلام:
(إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر).
والغرغرة الحشرجة، وذلك هو حال التلبس بالموت، وأما قبل ذلك فلا. والله أعلم.

والنجاة من ذلك أن يكون أهل القرى مصلحين:
قال تعالى:
"وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ "..[117: هود].
أي فيما بينهم في تعاطي الحقوق;
أي لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى ينضاف إليه الفساد, كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان,
وقوم لوط باللواط;
ودل هذا على أن المعاصي أقرب إلى عذاب الاستئصال
في الدنيا من الشرك,
وإن كان عذاب الشرك في الآخرة أصعب.

وفي صحيح الترمذي من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ".
[صحيح الجامع برقم:1973].
وقيل:
المعنى وما كان الله ليهلكهم بذنوبهم وهم مصلحون;
أي مخلصون في الإيمان.
فالظلم هنا المعاصي على هذا المعنى.

ولذلك أمرنا أمرا جامعا لعل فيه النجاة:
فقال تعالى: "وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا "..[75: النساء].
أى: يحرض تعالى عباده المؤمنين على الجهاد في سبيله وعلى السعي في استنقاذ المستضعفين بمكة
من الرجال والنساء والصبيان المتبرمين من المقام بها ولهذا قال تعالى
" الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية "
يعني مكة كقوله تعالى
" وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك " ثم وصفها بقوله
" الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا أي سخر لنا من عندك وليا ناصرا.
خلاصة:
مما سبق بيانه نفهم عدة حقائق:
1- أن القرى – الدول – منها ما يبقى ومنها ما يحصد.

2- أن البقاء والحصاد أمر رباني لا يحكمه ويقدره الا الله وحده لأن الملك ملكه والكون له وحده.

3- أن أعظم أسباب إهلاك القرى الظلم والطغيان حتى لو كان فيها إيمان.

4- أن أعظم أسباب البقاء والنجاة هو الإيمان والتقوى لتكون القرى طائعة عادلة.

5- أن هلاك القرى يبدأ بتسليط مترفيها ومجرميها عليها.

6- أن الهلاك لايتحقق الا بعد الإنذار من الله لعل القرى ترجع.

7- ما من قرية الا وسيأتيها هذا الإنذار والبلاء والعذاب...
سنة الله سبحانه فى القرى...وحكمته إرجاع القرى قبل هلاكها...لعلهم يتضرعون.

8- ذلك الأخذ والإنذار لايعلم وقته لكل قرية الا الله وحده ,
ويأتى فجأة بلا مقدمات...وهو أمر مسطور.

9- من أعظم أسباب نجاة أهل القرى أن يكونوا مصلحين...
ولذلك علينا بالصلاح والاصلاح والتمسك بأسباب النجاة والنصر.

أسباب النجاة والنصر:
أولا لابد هنا من معرفة أن النصر نوعان:
الأول: نصر العبد في نفسه منفرداً بالثبات على الحق حتى الممات:
فمن مات على الحق فقد نصره الله نصرأ فرديا مؤزراً
...
وهذا النوع من النصر جاء فيه مثل قول الله تعالى:
" إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "..
[40 :التوبة].
وهو بين فى أيات كثيرة من كتاب ربنا العلى حيث قال:
قال تعالى:
" وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ"..[40 :الحج].
وقال تعالى:" إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ "..
[51 :غافر].
ويقول تعالى:" يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ "..
[27 :إبراهيم].
وقال تعالى:
" وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ "..
[48 :البقرة].
وقال تعالى:" أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ "..[86 :البقرة].
وهذا النصر هو أعظم النصر للعبد ولايملكه له الا الله وحده:
قال تعالى:
" وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ "..
[197 :الأعراف].
وقال تعالى:" وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " ..
[10 :الأنفال].
وقال تعال:" وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ"..[47 :الروم].
وقال تعالى:" وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ"..[62 :الأنفال].

وقال فى حق من حرم هذا النوع من النصر:
قال تعالى:
" فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ "..[81 :القصص].
وقال تعالى:
" وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ "..[34 :الجاثية].

والنوع الثاني من النصر:
هو المعلوم المعروف ....وهو نصر جماعة المؤمنين الذين رضى الله عنهم ,
على عصابات الكافرين الضالين الهالكين وهو الذى تبحث عنه الأمم جميعا حتى الكافرة التى ترفع رايات الكفر
وتقول إن الله – بزعمهم وضلالهم – سينصرهم ,
فأنت ترى قوى الكفر ترفع الصليب
والعلمانية والصهيونية والإلحاد , وتقول الله ينصرنا
...
والله سيهلكهم بكفرهم وطغيانهم كما علمنا سبحانه ,
لكن الأمة المسلمة الباحثة عن هذا النوع من النصر ,
لابد للأمة أن تقف على أسبابه وتعرف مقوماته ,
وهو ما سأذكر منه نبذة أو أذكر ببعضه
....
لكن من الأهمية بمكان أن تعرف أن النوع الأول من النصر هو من أعظم أسباب النوع الثانى فهو كالأساس بالنسبة له...

ثم من الأسباب:
1- الإيمان بالله تعالى [ باطناً و ظاهراً ]:
قال تعالى : " إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ "
قال تعالى :
" وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ "
ولاشك أن من أسباب الهزيمة المعاصي ....
ومن أسباب النصر الطاعات.

2- الصبر..[على الطاعة وعلى ترك المعصية والإبتلاء]:
قال تعالى :
" بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ "..
[125:آل عمران ] .
قال تعالى :
" وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ "..[46 :الأنفال] .
قال تعالى :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ".. [200 :آل عمران].
وهنا أذكر أن المعاصى تمنع النصر وتورث الحرمان
لمن عصى من الموحدين يدل على ذلك موقف يوم أحد حيث قال الله تعالى:
" وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ "..
[152:آل عمران]....
وانظر الى قوله تعالى
" حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ"...

أخرج البخاري في كتاب المغازى عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا مِنْ الرُّمَاةِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ ابن جبير وَقَالَ لَا تَبْرَحُوا إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلَا تَبْرَحُوا وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلَا تُعِينُونَا... في رواية
" وإن رأيتمونا تخطفنا الطير "...
فَلَمَّا لَقِينَا هَرَبُوا حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ قَدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ فَأَخَذُوا يَقُولُونَ الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَبْرَحُوا فَأَبَوْا فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ فَأُصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلًا..
وفي حديث ابن عباس
" فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأباحوا عسكر المشركين انكفت الرماة
جميعا فدخلوا في العسكر ينتهبون , وقد التفت صفوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم هكذا
- وشبك بين أصابعه -
فلما أخلت الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها دخلت الخيل من ذلك الموضع على الصحابة ,
فضرب بعضهم بعضا والتبسوا , وقتل من المسلمين ناس كثير......
ووقع عند الطبري من طريق السدي قال :
" تفرق الصحابة : فدخل بعضهم المدينة , وانطلق بعضهم فوق الجبل ,
وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الله , فرماه ابن قمئة بحجر فكسر أنفه ورباعيته ,
وشجه في وجه فأثقله ,
فتراجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون رجلا فجعلوا يذبون عنه .
فحمله منهم طلحة وسهل بن حنيف , فرمى طلحة بسهم ويبست يده .
وقال بعض من فر إلى الجبل : ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي يستأمن لنا من أبي سفيان ,
فقال أنس بن النضر : يا قوم إن كان محمد قتل فرب محمد لم يقتل . فقاتلوا على ما قاتل عليه "
.....
وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ فَقَالَ لَا تُجِيبُوهُ فَقَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ قَالَ لَا تُجِيبُوهُ فَقَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ قُتِلُوا فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَأَجَابُوا فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُخْزِيكَ
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ اعْلُ هُبَلُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجِيبُوهُ قَالُوا مَا نَقُولُ قَالَ قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجِيبُوهُ قَالُوا مَا نَقُولُ
قَالَ قُولُوا اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ
وَالْحَرْبُ سِجَالٌ وَتَجِدُونَ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي"..

أرأيت أخي كيف تمنع المعاصي النصر....نسأل الله العافية:

3- الإخلاص لله تعالى .
[ أن يكون القصد نصرالنفس بالإيمان ونصر دين الله وإقامة شرعه ]:
قال تعالى :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ".. [7 :محمد] .
قال تعالى :
" وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ "..[40 :الحج] .
وعلامة الإخلاص ... في قوله تعالى:
" الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ"
[41 :الحج].

4- الإعداد المادي [ وأعدوا لهم].
قال تعالى :
" وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ "...
[60 :الأنفال].
فلما تركنا هذا التوجيه الرباني الكريم هنا على أنفسنا وصرنا مطمع لكل طاغية وكافر.

5- الائتلاف وعدم الاختلاف:
قال تعالى : " وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " ..
[46 :الأنفال] .
فلما اختلفنا زرع الأعداء بيننا من ليس منا ... ليزيد الفرقة والتمزق ...
وقسمونا عبادا وأرضا وأقليم..وقادونا بسياسة فرق تسد....
حتى صرنا قطعاناً تتناهشها الكلاب ....

6- التوكل على الله والاعتماد عليه واللجوء إليه والتضرع بالدعاء إليه والإستغاثة به وحده:
قال تعالى :
[ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ".. [159 :آل عمران].
قال تعالى : " إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ "..[160 :آل عمران]
قال تعالى : " وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"..
[250 :البقرة].
وقال تعالى :
" ... أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ".. [286 :البقرة].

7- الإقدام وفداء الدين بالنفس والنفيس:
قال تعالى :
" قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ".. [23 :المائدة]

ولذلك كان الانغماس في العدو من أفضل الجهاد لما ينتج عنه من علو في الهمم ،
ورفع للمعنويات ، وبه تقوى عزائم أهل الإيمان ، وبه تتحطم معنويات أهل الظلم والطغيان ...
وفي المقابل حُرم التولي يوم الزحف وصار من السبع الموبقات لما يسببه من الهزيمة ....
والتثبيط ...وتخبيل صفوف المسلمين.... ورفع معنويات العدو ....

8- الشورى والمشورة:
وذلك بمشاورة القائد [ حاكماً أو قائداً ]
لأصحابه وبطانته
[ من أصحاب الرأي والمشورة من أهل الحل والعقد وغيرهم ]
وإشراكهم في صناعة القرار....
[ فتطيب النفوس وتقوى العزائم ...ويسدد القول والرأى]
قال تعالى : " وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ "...
[159 :آل عمران].
قال تعالى : " وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ.."..
[38 :الشورى]
وهذا يشمل الجهاد وغيره من أمور سياسية واقتصادية وتعليم ومجتمع ...ألخ...
فهو قاعدة عامة الحكم والقيادة.

9- طاعة أمراء الحق والدين و التصرف بإذنهم وعدم الخروج عليهم:
لقوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ "..
[59 :النساء]
وقوله : " وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ".. [62 :النور].

10- تقريب الخيار وإبعاد الفجار وإتخاذ بطانة خير وبر لا بطانة سوء [كالخبراء والمستشارين]:
يقول تعالى:
" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "..[72 :الأنفال].
وقال تعالى:
" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "..[71 :التوبة].

وحذر من بطانة السوء فقال سبحانه:
" وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ "..[113 :هود]
ويقول تعالى:
" لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ "..[28 :آل عمران].
وقال تعالى:
" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا "..
[144 :النساء].
وقال تعالى:
" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "..[51 :المائدة].

11- التصرف على وفق الشرع فى الشدائد والحروب وعند الملاقاة:
وهذا باب واسع يحتاج الى فقه عظيم وعلم دقيق للمسائل المتعلقة بذلك لكن أذكر منها على سبيل الإجمال:

أ- وحدة صفوف المقاتلين و تراصها:
لقوله تعالى :
" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ".. [4 :الصف]

ب- الثبات عند اللقاء:
لقوله تعالى :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ "..
[45 :الأنفال]

ج- الإكثار من ذكر الله:
لقوله تعالى :
" وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ "..
[45 :الأنفال]

د- الإستغاثة بالله سبحانه:
لقوله تعالى :
" إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ "..
[9 :الأنفال]

ر- إتخاذ الحيطة والحذر مع الأعداء:
لقوله تعالى :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً ".. [71 :النساء].
قال تعالى :
" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ"..[149 :آل عمران].

س- السرية في القول و العمل ورد الأخبار إلى ولاة الأمور:
لقوله تعالى :
" وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ".. [83 :النساء].

ع- الرفق بالمؤمنين و تحريضهم على القتال:
لقوله تعالى :
" أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ "..[54 :المائدة]
ولقوله تعالى :
" لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ "..
[47 :التوبة]

ق- منع المتخلفين من القتال:
لقوله تعالى :
" فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ "..[83 :التوبة]

ك- إرهاب الأعداء والغلظة عليهم:
لقوله تعالى :
" تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ ".. [60 :الأنفال]
وقوله :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً "..
[123 :التوبة]

هـ- دعوة من طلب الأمان من الأعداء إلى الإسلام قبل أي أمر أخر:
لقوله تعالى:
" وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ "..[6 :التوبة].
ومن المبشرات:
قال تعالى:
" سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ"..
[151 :آل عمران]

قال تعالى:
" وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ "..
[178 :آل عمران]
قال تعالى:
" لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ.."..[196 :آل عمران].

وبعد أخي الباحث عن النصر فهذه نبذة فيها القليل مما ينبغى على الأمة ولعله ينفع مع قلته .....

اللهم أنصر الإسلام وأعز المسلمين واهلك الكفرة اعداءك أعداء الدين ...
وأخرجنا منها منصورين بالإيمان غير خزايا ولا مفتونين , ولا مغيرين ولا مبدلين...
أمين...
اللهم ارحم الأمة واكشف الغمة...وأعد عليها أسباب نصرها وعزتها...أمين...أمين ...أمين .
هذا والحمد لله رب العالمين ولاعدوان الا على الظالمين وصلى اللهم وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين...سبحانك اللهم وبحمدك , أشهد الا إله إلا أنت , أستغفرك وأتوب إليك....