باب التقوى


الحديث 71 / 3 رواية رياض الصالحين عن أبي مسعود رضي الله عنه إن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول:



(اللهم إني أسألك الهدي والتقي والعفاف والغني)

رواه مسلم









شرح الحديث


من كتاب رياض الصالحين بشرح
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

ج 1 / باب التقوى / الطبعةالإلكترونيةالحديث 71/ 3


الشرح
من الأحاديث التي أوردها المصنف
_ رحمه الله_
في باب التقوى هذا الحديث:
أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو
الله_ عز وجل_
بهذا الدعاء
(( اللهم أني أسألك الهدى التقى والعفاف و والغنى))

(( الهدى)) هنا بمعني العلم
والنبي صلي الله عليه وسلم
محتاج إلى العلم كغيره من الناس
لأن الله سبحانه وتعالى قال له:

( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)
(طـه: من الآية114)




وقال الله له:
( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) (النساء: من الآية113)

فهو عليه الصلاة والسلام محتاج إلى العلم فسأل الله الهدى
والهدي إذا ذكر وحده يشمل العلم والتوفيق للحق
أما إذا قرن معه ما يدل على التوفيق
للحق فانه يفسر بمعني العلم
لأن الأصل في اللغة العربية أن العطف يقتضي المغايرة
فيكون الهد الهدى له معني
وما بعده مما يدل علي التوفيق له معني آخر


وأما قوله: (( والتقى)) فالمراد بالتقي هنا
تقوى الله عز وجل
فسأل النبي صلي الله عليه مسلم
ربه التقى أي
أن يوفقه إلى تقوي الله
لأن الله_ عز وجل_
هو الذي بيده مقاليد كل شىء
فإذا وكل العبد إلى نفسه ضاع ولم يحصل على شيء
فإذا وفقه الله عز وجل
ورزقه التقى
صار مستقيمًا علي تقوى الله عز وجل

وأما قوله: (( العفاف))
فالمراد به أن يمن الله عليه بالعفاف والعفة عن كل ما حرم الله عليه
فيكون عطفه على التقوى من باب عطف الخاص على العام
إن خصصنا العفاف بالعفاف عن شيء معين
وإلا فهو من باب عطف المترادفين
فالعفاف
أن يعف عن كل ما حرم الله عليه
فيما يتعلق بجميع المحارم التي حرمها الله عز وجل

وأما (( الغني)) فالمراد به الغني عما سوي الله
أي: الغني عن الخلق
بحيث لا يفتقر الإنسان إلى أحد سوي ربه عز وجل
والإنسان إذا وفقه الله ومن عليه بالاستغناء عن الخلق
صار عزيز النفس غير ذليل



لأن الحاجة إلى الخلق ذل ومهانة والحاجة إلى الله تعالى عز وعبادة
فهو عليه الصلاة والسلام يسأل
الله عز وجل الغنى
فينبغي لنا أن نقتدي بالرسول عليه الصلاة والسلام
في هذا الدعاء
وأن نسأل الله الهدى والتقى والعفاف والغنى
وفي هذا الحديث دليل
على أن النبي صلى الله عليه وسلم
لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضراً
وأن الذي يملك ذلك هو الله
وفيه دليل أيضاً

على إبطال من تعلقوا بالأولياء والصالحين
في جلب المنافع ودفع المضار
كما يفعل بعض الجهال
الذين يدعون الرسول عليه الصلاة والسلام
إذا كانوا عند قبره
أو يدعون من يزعمون أهم أولياء من دون الله
فإن هؤلاء ضالون في دينهم
سفهاء في عقولهم
لأن هؤلاء المدعوين هم بأنفسهم لا يملكون لأنفسهم شيئاً


قال الله تعالى لنبيه صلي الله عليه وسلم
(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ )
(الأنعام: من الآية50)


وقال له: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ )

(لأعراف: من الآية188)
وقال له:

(قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً)

(قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً)

(الجـن:22،21)