بسم الله الرحمن الرحيم


قال تعالى :


وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِوَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)
يقول شيخنا الإمام محمد متولى الشعراوى رحمه الله فى خواطره حول تلك الآيات :


" يقول الحق " فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ المسجد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ " ، ومعنى هذا أن المسجد الأقصى سيضيع من المسلمين ويصبح تحت حكم اليهود فيأتي المسلمون ويحاربونهم ويدخلون المسجد كما دخلوه أول مرة في عهد عمر بن الخطاب " تفسيرالشعراوي - (ج 1 / ص 170)
ثم يقول :" والمتأمل لسورة الإسراء يجدها قد ربطتهم بالإسلام ، فيبدو أن المراد بالمرتين أحداثٌ حدثتْ منهم في حضْن الإسلام "
و ما يهمنا بيانه هنا بالدرجة الأولى أن شيخنا الإمام الشعراو
ى رحمه الله يربط هذه الآية بآية أخرى وردت فى خواتيم سورة الإسراء ، وهي قوله تعالى :


وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا -الإسراء/104 ، حيث يقول ::
جاء قوله تعالى
" اسْكُنُواْ الأَرْضَ "هكذا دون تقييد بمكان معين ، لينسجم مع آيات القرآن التي حكمتْ عليهم بالتفرُّق في جميع أنحاء الأرض ، فلا يكون لهم وطن يتجمعون فيه ، كما قال تعالى " وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً " الأعراف: 168
ثم يقول : " وقوله تعالى
" فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً" المراد بوَعْد الآخرة هو : الإفساد الثاني لبني إسرائيل ، وهذه الإفسادة هي ما نحن بصدده الآن ، حيث سيتجمع اليهود في وطن واحد ليتحقق وَعْد الله بالقضاء عليهم ، وهل يستطيع المسلمون أن ينقضُّوا على اليهود وهم في شتيت الأرض ؟ لا بُدَّ أن الحق سبحانه أوحى إليهم بفكرة التجمُّع في وطن قومي لهم كما يقولون ، حتى إذا أراد أَخْذهم لم يُفلتوا ، ويأخذهم أخْذ عزيز مقتدر، وهذا هو المراد من قوله تعالى "جِئْنَابِكُمْ لَفِيفاً "


أي:مجتمعين بعضكم إلى بعض من شَتّى البلاد ، وهو ما يحدث الآن على أرض فلسطين "

وإلى نفس هذا القول ذهب العديد من العلماء المعاصرين غير شيخنا الشعراوى ، منهم : فضيلة الدكتور العلامة فضل عباس فى كتابه " المنهاج ، نفحات من الإسراء والمعراج "، والدكتور صلاح الخالدي في كتابه الماتع " حقائق قرآنية حول القضية الفلسطينية "، والدكتور عمر سليمان الأشقر فى " زبدة التفاسير"، والدكتور أحمد نوفل ، والدكتور طارق سويدان ، وفضيلة الشيخ صالح المغامسى، والدكتور مصطفى محمود فى العديد من كتبه ، والدكتور جمال أبو حسان فى بحثه القيّم " طلائع الإعجاز الغيبي في طوالع سورة الاسراء ".والشيخ بسام جرار فى كثير من كتاباته
كل هؤلاء الأفاضل - على سبيل المثال لا الحصر - ذهبوا إلى أن الإفساد الثاني لبنى إسرائيل ينتمى إلى عصرنا الحالى ، وأننا نعيش إرهاصاته

وهكذا نرى أن هذا الرأى يُعد رأياً مشتهراً بين المتخصصين والمفسرين المعاصرين










وسوف أعتمد فى هذا البحث فهم هؤلاء العلماء المعاصرين للآيات الكريمة المتعلقة بإفساد اليهود مرتين ، وبخاصة تفسيرهم لـ ( وعد الآخرة ) فى خواتيم سورة الإسراء بأن المراد به قيام دولة اسرائيل فى سنة 1948 بعد ميلاد المسيح عليه السلام ، والتى توافق سنة 1367 من الهجرة الشريفة ، كما توافق سنة 5708 من تقويم بنى اسرائيل أنفسهم المعنيين بالخطاب فى تلك الآيات ، وستكون تلك التواريخ الثلاثة هى لب المعجزة التى سنعرض لها فى هذا الموضوع ،












- 2 -

نأتى الآن إلى الحديث عن الإعجاز العددى فى سورة الإسراء
والمعجزة التى بين أيدينا اليوم تُعد معجزة عجيبة بحق ، لأننا نصل إليها من طريقين لا من طريق واحد ، هذان الطريقان هما :

الأول : إحصاء الكلمات من بعد عبارة " فإذا جاء وعد الآخرة " فى مطلع السورة ، وحتى تكرار نفس هذه العبارة فى ختام السورة ،



























وتم الكشف عن وجه الإعجاز فيه سنة 2001م على يد الدكتور سليمان محمد فضل




















الثانى : إحصاء الحروف ما بين نفس الموقعين المذكورين ، وتم الكشف عن الإعجاز المتعلق به على يد الفقير كاتب هذه السطور

وسوف أبدأ بعرض الشطر الأول من هذه المعجزة والذى أبان عنه الدكتور سليمان فضل ، حيث لفت إنتباهه تكرار عبارة " فإذا جاء وعد الآخرة " فى بداية السورة ونهايتها ، وهو بالفعل أمر ملفت للنظر بشدة

يقول الباحث أنه قام بإحصاء الكلمات التى تلت مباشرة عبارة :" فإذا جاء وعد الآخرة" فى الآية السابعة ، وحتى آخر كلمة فى نفس هذه العبارة فى الآية 104 ، فوجد أنه قد توقف عند العدد 1367 تماماً ، ثم اكتشف أن هذا العدد - ويا للعجب - هو موعد قيام دولة إسرائيل بالتقويم الهجرى !!
أى أنه موعد تجمع بنى إسرائيل من شتى بقاع الأرض فى فلسطين ، كما تشير إلى ذلك العبارة التى تلت مباشرة نهاية العد والإحصاء ، وهى قوله تعالى :" جئنا بكم لفيفأ " !

يا الله!! سبحانك ربنا !!

قرأت هذا الكلام للدكتور سليمان وتملكنى العجب الشديد ، وكان من الطبيعى أن أتأكد بنفسى من صحة كلامه هذا ، فقمتُ بإجراء الإحصاء بنفسى ، فماذا كانت النتيجة ؟

لقد جاءت نتيجة إحصائى موافقة تمامأ لإحصاء الدكتور سليمان ، كما اتفقت معها إحصاءات الأستاذ عبد الله جلغوم فى كتابه ( المعجم الإحصائى لكلمات القرآن الكريم )، واتفقت معها كذلك إحصاءات موقع نون للدراسات الإسلامية المنشورة على صفحة الموقع ، فالعدد عند الجميع هو1367 بالفعل !!

- 3 -










لقد كان الإحصاء السابق خاصاً بعدد كلمات النص المذكور ، فماذا عن عدد حروفه ؟









إنه سؤال منطقى تماماً ، برغم أن عدد الحروف فى أى نص يفوق عدد الكلمات أضعافاً مضاعفة ، ولنا أن نتخيل نصاً كهذا يبلغ عدد كلماته 1367 كلمة ، فكم يبلغ عدد حروفه ؟!









لا شك أنه سيكون عدداً كبيراً يتراوح ما بين خمسة آلاف وستة آلاف حرفأ ، على اعتبار أن متوسط عدد حروف الكلمة الواحدة لن يقل عن أربعة أحرف تقريبأ



















وهنا يثور سؤال جديد : وهل يمكن أن يكون لعدد الحروف هنا دلالة على ما نحن بصدده من تاريخ إفساد وعلو بنى إسرائيل ؟



















وهنا تذكرت أن تاريخ قيام الدولة العبرية ( إسرائيل ) فى سنة 1948 م ، يوافق سنة 5708 فى التقويم العبرى الذى يسير عليه اليهود حتى يومنا هذا









وحينها خطرت على بالى فكرة عجيبة : إن العدد 5708 هو عدد كبير يصلح أن يكون عدد حروف 1367 كلمة ، فهل يمكن أن تحدث المعجزة بأن يأتى هذا العدد ( 5708 ) موافقأ لعدد عدد حروف النص الذى أحصينا كلماته



















لقد بدا لى هذا السؤال للوهلة الأولى غريباً وعجيباً ، ولكن لأن ثقتى فى إعجاز كلام الله لا حد لها فقد قررت أن أخوض غمار تلك التجربة الإحصائية الصعبة لهذا النص الطويل



















وكنتُ قبل بحثى فى سورة الإسراء أسير على منهج محدد فى إحصاء حروف القرآن ، ، أهم ما يميزه هو إلتزامه التام برسم المصحف الشريف ، وهو نفس منهج الباحث الإسلامى عدنان الرفاعى ، والذى توصل عن طريقه إلى أن عدد حروف سورة نوح يبلغ 950 حرفاً تماماً ، أى بنفس عدد السنين التى لبثها نوح عليه السلام فى قومه ، كما نص على ذلك القرآن الكريم !!! ( أنظر كتاب" المعجزة " للمهندس عدنان الرفاعى )









وقد كان نجاح هذا المنهج فى التوصل إلى هذه النتيجة الإعجازية الخاصة بسورة نوح هو ما أغرانى بتطبيقه كذلك على نفس النص الذى أحصينا كلماته فى سورة الإسراء ، وقمت بتطبيقه عليه بالفعل ، وراجعته عدة مرات حتى أتأكد تمامأ من صحة النتيجة
وصدّقوا أولا تصدّقوا ، ولكنها الحقيقة المذهلة :
لقد وجدتُ أن عدد حروف نفس هذا النص وفقاً للمنهج المذكور قد بلغ 5708 حرفاً تماماً ، لا تزيد ولا تنقص حرفاً واحداً !!!!



















أى أنه وافق سنة قيام الدولة العبرية فى التقويم العبرى نفسه !!!



















فما رأى الأخوة الأفاضل والأخوات الفضليات فى هذا الأمر العجيب ؟!










وهل هناك أعجب من هذا : أن يتضافر عدد الحروف مع عدد الكلمات فى نص واحد بالغ الطول ليعطينا نفس التاريخ لواقعة واحدة ، وأن يعطينا إياه مرتين : مرة بالتقويم الهجرى ، ومرة بالتقويم العبرى الخاص بأصحاب تلك الواقعة أنفسهم !!



















ويجب الإنتباه إلى أمر آخر شديد العجب ، هو أن حصيلة الإحصاء فى هذه المرة لم تكن دون الألف حرف مثل سورة نوح ، بل بلغت 5708 حرفأ ، ومن العدل والإنصاف القول بأن حدوث توافق فى مثل هذا العدد الكبير لا يمكن بحال من الأحوال نسبته إلى المصادفة