عاد الزوج إلى بيته بعد يوم طويل قضاه مع أصدقائه، فوجد زوجته في حالة نفسية سيئة، فسألها وألح عليها في السؤال.. ماذا حدث؟!



فأخبرته أنها اليوم تعرضت لمواقف أدمعت قلبها من تعليقات وألفاظ نابية ونظرات جارحة لها، فكانت عليها كالسهام القاتلة!!



فهدأ من روعها.. وجلس لفترة منفرداً، وبدأ يتذكر ما حدث معه اليوم كأنه يستعيد في ذاكرته مشاهد فيلم سينمائي شاهده من قبل!



يقول د. خالد أبو شادي في كتابه (شباب جنان) أن من المسائل العلمية المؤكدة التي أشار إليها العلماء أن الرجل مخلوق بصري والمرأة مخلوق سمعي، بمعنى أن أكثر ما يؤثر في الرجل عينه، وأشد ما يأسر المرأة أذنها، وهذا لا يعني أن النظرة لا تؤثر في المرأة، أو أن الرجل لا يتأثر بما يسمع.. ولكن!!



عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا فهو مدرك ذلك لامحالة: العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه) – متفق عليه.



وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (إياكم والجلوس في الطرقات) قالوا: يا رسول الله مالنا من مجالسنا بد: نتحدث فيها، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (فإذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه) قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) – متفق عليه.



وعن جرير – رضي الله عنه – قال: سألت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - عن نظرة الفجأة فقال: (اصرف بصرك) – صحيح مسلم.



وبعودة مرة أخرى للزوج.. نجده مازال جالساً منفرداً !!!



عزيزي القارىء.. إذا مازالت تتابع قصة هذا الرجل وما حدث معه اليوم، فتذكر قول الله تعالى في سورة النور(آية 30 – 31): {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.



وقوله - عز وجل – في سورة غافر (آية 19): {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}.



وفي سورة الإسراء (آية 36): {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.



فلا تنسى أن الله – سبحانه وتعالى – مطلعا عليك في كل صغيرة وكبيرة، فأنت لا تعلم قد تكون هي آخر نظراتك في الدنيا.. واعلم أنك مسئول أمام المولى – عز وجل - عن سمعك وبصرك وفؤادك، فماذا أنت فاعل بهم ؟!



وتذكر دائمًا ما قاله الإمام ابن القيم – رحمه الله – في كتابه (الجواب الكافي) عن فوائد غض بصرك، منها:



1- امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده، وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى.



2- أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب، فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي.



3- يقوي القلب ويفرحه، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه.



4- أنه يورث القلب أنسا بالله وإطلاق البصر يفرق القلب ويشتته، ويبعده من الله.



5- أنه يكسب القلب نورا كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة.



6- أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والاشتغال بها، وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول بينه وبينها فتنفرط عليه أموره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه.



7- أن بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجب اشتغال أحدهما بما يشغل به الآخر، يصلح بصلاحه ويفسد بفساده، فإذا فسد القلب فسد النظر، وإذا فسد النظر فسد القلب، وكذلك في جانب الصلاح.



فالآن جدد نيتك.. ولاتؤجل توبتك .. وارجع إلى ربك، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.. فعن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم - قال : (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب) - رواه مسلم.



وأخيراً.. هل مازالت تتذكر هذا الزوج الجالس وحيداً؟!.. فإذا كانت الإجابة بنعم.. فبنظرة سريعة عليه .. بعد تفكير وتذكر دام ساعات، وجد نفسه هو هذا الشيطان الذي تعرض لزوجته بطريقة غير مباشرة.. فقد تكلم ونظر وعلق على أخريات مثلما فعل غيره مع زوجته اليوم!!..