بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته





أعجبني محتوى هذه المقالة الغني بالحقائق التاريخية عن الصهاينة و بالخصوص المسيحيين المتطرفين؛

أفكارهم العقائدية و دورها في تطوير الفكر الصهيوني،
دورها السياسي في خلق دولة إسرائيل
و تشويه صورة الإسلام و المسلمين...

أرجو لكم الإستفادة منها...


هناك مصطلح شائع "المسيحية الصهيونية" وله مؤسساته وإعلامه الخاص والمتنوع، بل ويدافع أتباع المصطلح عن مسيحيتهم المتصهينة بكل صفاقة تفوق صفاقة الصهاينة اليهود.
ولكن بما أنه لا يمكن عزل مفهوم المصطلح عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والتطورات السياسية والمصالح المحركة، فلا بد من ذكر أن بعض المسيحيين يعترض على المصطلح ولا سيما التابعين للكنائس الشرقية، فالكنيسة الأرثوذكسية مثلاً ترفض وبشدة تسمية (المسيحية الصهيونية) فهي لا تعترف بوجود شيء اسمه الكنائس المسيحية الصهيونية أو المجموعات المسيحية الصهيونية وكذلك الكنيسة القبطية... ويتهمون أصحاب المصطلح بأنهم خرجوا عن مسيحيتهم وصاروا يهوداً وصهاينة!


وبعضهم يطرح استخدام تعبير أدق هو المتصهينون المدعون بأنهم مسيحيون. ومع أن المصطلح طويل لكن معهم الحق؛ فالمسيحيون المتصهينون هم غربيون وقسم من البروتستانت، أي فرقة متطرفة منهم. لكننا نرى أنه يمكن استخدام (المسيحيون المتصهينون)، تجاوزاً اختصاراً لطول المصطلح السابق أو مصطلح الصهيونية الألفية إن قبل به الآخرون، فالمصطلح هو ما يستخدمه الآخرون ويشيع بين الجميع!!


...



ويجب التمييز وبدقة بين المسيحية والمسيحيين كما التمييز بين الإسلام والمسلمين، فالذين صنعوا المشروع الصهيوني على أرض فلسطين هم المسيحيون الغربيون الصهاينة. وكما نميز بين الشعوب والحكومات، نميز بين سلطة الكنيسة وبين أتباعها فقد تخضع الكنيسة للسلطات السياسية ولكن لا يعني هذا قبول أتباعها لتوجهاتها ورضاهم عن سلوكها!

ونحب أن نلفت انتباه المسيحيين الغيورين على مسيحيتهم بالقول: طالما الكتاب المفدس يضم بين دفتيه العهدين القديم والجديد، تبقى الإشكالية قائمة! وعندما يتم فصل العهد القديم عن الكتاب المقدس، تسقط القضية برمتها!


...


فالدارس للعهد القديم يكتشف أنه الوثيقة الأولى للصهيونية، والمشرّع الأول للميكافيلية والبراجماتية.. فهو نص ساقط أخلاقياً وتاريخياً وجغرافياً وعلمياً، ويتناقض كلياً مع المبادئ التي دعا إليها المسيح وخاصة كما تجلت في إنجيل يوحنا. فلم الإصرار على بقاء العهد القديم إلى جانب العهد الجديد في كتاب واحد!؟ ولم الإصرار على جمع النقيضين ثم اللجوء إلى التفسير الرمزي لستر لا أخلاقية العهد القديم!؟

إن المسيحية الشرقية ولا سيما العربية الواعية، تجاوزت الإشكالية وهي تعد أن المسيحية ألغت اليهودية، وبأن شعب الله هم المؤمنون بالمسيح وبالقيم، وبأن فلسطين هي أرض المسيح المقدسة وهي لشعبها الفلسطيني، وبأن الصهيونية مشروع استعماري، ويؤمنون بأن يهود اليوم لا علاقة لهم بيهود الأمس ولا ببني إسرائيل الوارد ذكرهم في العهد القديم، وهم كعرب في خندق واحد مع المسلمين، وفي النظرة الواحدة إلى القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني!
والمطلوب من المسيحية العربية فصل العهد القديم عن الكتاب المقدس لأنه يسيء إليه ويسيء إلى المسيح نفسه!!


...



وإذا ما عدنا إلى الجذور نكتشف المؤامرة التي تمت عبر ما يسمى المسيحية المتهودة، وهذه بدأت منذ اللحظة التي أقرت فيها الكنيسة ضم العهد القديم (التوراة وبقية الأسفار) إلى العهد الجديد (الأناجيل وأعمال الرسل)، وقد تم هذا بفعل اليهود الذين دخلوا الديانة المسيحية، معتمدين على أن المسيح جاء ليتمم كما يقول: "ما جئت لأنقض بل لأتمم". ورامين اتهام مارسيون (144م) للمسيحيين بالتزوير حيث قال إن نص الآية هو: "لم آت لأكمل العهد بل لأنقضه".

فإنجيل مرقس ويوحنا لا يباليان بقضية نسبة المسيح إلى اليهود، ويوحنا وبولس يريان أن المسيحية ألغت اليهودية وحاصة الشعب المختار والرب الخاص بهم وناموس موسى، بينما لوقا ومتى بقيت مسيحيتهم يهودية فهما يركزان على نسب المسيح اليهودي متخذين من تسلسل ذرية إبراهيم كما وردت في التوراة والأسفار (مع خلافات في ذكر تسلسل الشجرة)، لإثبات يهودية المسيح المنتمي إلى بيت داود!


...


وهذا ما يدفعنا للقول إن متى ولوقا كانا يهدفان إلى كسب اليهود فربطا نسب المسيح بالسلسلة الواردة في الأسفار القديمة ليكون المسيح المنتظر الذي بشرت به تلك الأسفار، ومرقس لم يخرج خطابه عن اليهود.

فالمبشرون بالمسيحية في بداية الأمر كانت دعوتهم لإصلاح روحانية الدين اليهودي الذي شوهه الفريسيون بالدرجة الأولى، ولم يفكر المبشرون الأولون في الانفصال عن يهوديتهم إلا بولس الذي يعد المؤسس الحقيقي للمسيحية. لذلك بدت المسيحية كمذهب من المذاهب اليهودية التي ينتمي إليها كل يهودي، كما أن الرومان نظروا إلى المسيحية باعتبارها مذهباً من المذاهب اليهودية. لكن مسار المسيحية بدأ فيما بعد يبتعد عن مسار اليهودية على يد بولس. وحسم في نهاية الأمر انتصار المسيحية بتبني قسطنطين للمسيحية في القرن الرابع، ولكن لم تكن مسيحيته عن إيمان بالمسيحية ولكن مصلحته السياسية دفعته إلى ذلك، والغريب أنه كان يفكر بدمج الوثنية والمسيحية في دين واحد!

...


إن بولس هو الذي أعطى الخطاب المسيحي البعد الأممي منهياً الطابع اليهودي. ولعل ثقافته اليونانية الرومانية هي التي أعطت المسيح البعد الجديد الذي دمج ما بين البشري والإلهي!!
إذاً، القارئ للعهدين يلمس بوضوح التناقض الصارخ بينهما! وعلى كل بقيت الكنيسة جامعة للعهدين ضمن كتاب واحد مقدس كما سمته سواء الشرقية أم الغربية.

وهنا صار المسيحي ملزماً بالإيمان بالعهد القديم إيمانه بالعهد الجديد، وما يهمنا هنا هو إيمانه بفكرة الشعب المختار والأرض الموعودة، واللتان تغلغلتا في الذهنية المسيحية الغربية!!
وهكذا استطاع اليهود الذين تحولوا إلى المسيحية أن يدمجوا عقيدتهم في الديانة المسيحية، وبالمقابل وجد رجال الكنسية، في العهد القديم ما يحتاجونه من تشريعات وقوانين وصلوات... بل وحكايات أسقطوا عليها قسراً قضية التبشير بمجيء المخلص المسيح كما ورد في العهد القديم، علماً بأن المقصود بالمسيح (وكذلك عمانوئيل) في العهد القديم الملك الدنيوي الذي يعيد بناء دولة داود لبني إسرائيل.


...



فالمسيح في العهد القديم ليس نبياً، بل هو ملك يعينه نبي، ويمسح النبي رأسه بالزيت ليتم الأمر طقوسياً. وفكرة المخلص في العهد القديم ارتبطت مع أحداث السبي وزوال المملكة المزعومة، كأمل بمجيء المخلص ليخلصهم من العبودية والأسر وليستعيد مملكة داود، وقد انتهى الأمر مع عودتهم من السبي كما يرى المفسرون المسيحيون المخلصون لمسيحيتهم.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن عزرا هو الذي دمج بين الديانة اليهودية والعرق جهلاً، فاليهودية دين وليست عرقاً، واليهود ليسوا شعباً بل هم المنتمون إلى الديانة اليهودية، وبالتالي هل هم أبناء الله من خلال الجنسية والعرق أم بتبني اليهودية!! وأي جواب ينسف المقولة العنصرية السخيفة كلها!!


...



نستنتج مما مر وجود تيارين: تيار يؤيد اليهودية والتوراة والأسفار القديمة، وتيار بولس (يوحنا) الرافض لليهودية (كمسألة الختان وحرفية الناموس..)، وجاء تبني قسطنطين للمسيحية، لينحسر تيار المسيحية اليهودية لفترة، لكنه نمكن فيما بعد وعبر التآمر من دمج العهدين!!

إن الجمع بين العهدين يعني بالضبط تهود المسيحية!! فإما أن تبقى المسيحية متهودة، وإما أن تعاد إليها مسيحيتها، ولا يكون ذلك إلا بفصل العهد القديم عن الكتاب المقدس ورميه بعيداً!
إننا نجد في موسوعات الكتاب المقدس ومعاجمه ما يثبت يهودية المسيحية؛ فقد جاء في معجم اللاهوت الكتابي تحت عنوان (إسرائيل في خدمة حروب الرب): "إن التطلعات التي أتاحها عهد سيناء، ليست تطلعات سلام وإنما تقوم على قتال: فاللّه يعطي شعبه وطناً، ولكن على هذا الشعب أن يغزوه غزواً". (خروج 23/ 27- 33). إنها حرب هجومية، وهي مقدسة، ولها ما يبررها في تطلعات العهد القديم؛ كنعان بحضارته الفاسدة، المقرونة بعبادة القوى الطبيعية، يشكل فخاً لإسرائيل (تثنية 7/ 3- 4)، ولذا يوافق اللّه على إفنائه (تثنية 7/ 1- 2). وهكذا ستصبح حروب إسرائيل القومية "حروب اللّه". (معجم اللاهوت الكتابي ص 259)!!

وفي المعجم نفسه: "فيحارب إسرائيل الكنعانيين لأنهم وثنيون... وفي الوقت عينه لكونهم يحتلون المكان، أي أرض الميعاد...". (معجم اللاهوت الكتابي ص 536)!!


...


ويجيب اللاهوتيون المسيحيون المتهودون عن اختيار الرب لبني إسرائيل بأنه: "مجانية الاختيار الإلهي، فقد اختار اللّه شعب إسرائيل، دون أي فضل من جانبهم". (معجم اللاهوت الكتابي ص 574).
وفي الطبعة الكاثوليكية نجد في مقدمة سفر التكوين صفحة 7 عن الوعد: "وإن كان موضوع الوعد المباشر هو امتلاك البلاد التي عاشوا فيها فما ذلك سوى الناحية المادية من الوعد الذي يعني وجود علاقات خاصة بين الله الواحد والشعب المكرس له".

وجاء في مقدمة سفر العدد عن ارتباط الله باليهود: "ولكن الشعب المختار على الرغم من تقلباته ما زال موضوع رحمة الله وعنايته الخاصة".
وجاء في صفحة 3 حول تاريخ اليهود: "وهذا التاريخ المقدس هو كختم إلهي موضوع على الشريعة التي يحكم بها الله شعبه".


فما الفرق بين هذه النصوص وغيرها (وهي كثيرة)، عما يقوله المسيحيون الصهاينة، والصهاينة اليهود!؟

...



فالوعد العنصري المزيف والمنحط صار في اللاهوت المسيحي المتهود مرسوماً تشريعياً. ففي مقدمة سفر يشوع: "وكالمصدر القانوني لحق إسرائيل في أرضه". (معجم اللاهوت الكتابي ص 360).
وتصهين المسيحية الغربية جاء نتيجة الإيمان بأن أرض فلسطين هي لليهود بالاستناد إلى خلفية حمقاء جاهلة تربط بين يهود العصر ويهود التاريخ وتربط كل أولئك بسلالة إسرائيل (يعقوب)، رامية العقل والمنطق والعلم والتاريخ والآثار خلف ظهرها!!
ولم تعد الصهيونية مقتصرة على اليهود أو المسيحيين المتصهينين، فلقد صرنا نرى عرباً صهاينة ومسلمين صهاينة وبوذيين صهاينة!!

...


إن الصهيوني هو من يؤمن بأن يهود اليوم هم من سلالة يهود التاريخ وبأنهم من سلالة يعقوب، ويعترف بالكيان القومي الاستعماري لليهودي (المنتمي للديانة اليهودية)، ويمنحه شرعية سرقته للأرض الفلسطينية وتشريد شعبها منها، سواء بالاستناد إلى التوراة أو الشرعية الدولية أو سياسة الأمر الواقع!!

والمسيحيون الصهاينة تقوم مبادئهم على الدعم المسيحي للصهيونية اليهودية من خلال العمل على مساعدة هجرة اليهود إلى فلسطين وإقامة دولة التوراة، والدفاع عن الكيان الصهيوني وما يقترفه من جرائم!

...


إن الكنيسة الكاثوليكية وقفت بصلابة ضد الصهيونية، لكنها انزلقت في بداية الستينات من القرن العشرين وتراجعت بدءاً بتبرئة اليهود من دم المسيح (ونحن نؤيد هذه التبرئة لكن من منطلق آخر يختلف جذرياً عن مفهوم الكنيسة وهو أن يهود العصر ليسوا من السلالة اليهودية التي صلبت المسيح، فالذين صلبوه انقرضوا في التاريخ، ويهود اليوم معظمهم خزر 85 % وإسبان وقلة من إثنيات متنوعة تهودت، وهؤلاء لا علاقة لهم بدم المسيح، مع رفضنا لتوارث حمل الجريمة أصلاً)، ثم الدعوة التي وجهتها الكنيسة للمسيحيين الكاثوليك لأن يعترفوا بالمعنى الديني لدولة "إسرائيل" بالنسبة لليهود، وأن يفهموا ويحترموا صلة اليهود بتلك الأرض، وانتهاء بنهاية القرن الماضي أواخر التسعينات عندما نظرت إلى الأناجيل بأنها تعلم اللاسامية، ثم باعتذار البابا لليهود عما جرى في الفترة النازية، في الوقت الذي رفض فيه الاعتذار للعرب عن جرائم الحملات الصليبية في القرون الوسطى!

....



وقد تم إعداد وثيقة تطرح حذف الآيات المعادية لليهود من الأناجيل. وشكل الفاتيكان لجنة لتعديل الآيات في الأناجيل!!
وكل هذا يدل على انصياع الكنيسة الباباوية للسياسة الغربية المؤيدة للصهاينة وانصياعها للنفوذ الصهيوني!




1- المسيحيون الأوروبيون المتصهينون:




إذا كانت الصهيونية اليهودية السياسية الرسمية قد ظهرت أواخر القرن التاسع عشر مع هرتزل، فإن المسيحيين المتصهينين يعود تاريخهم إلى الحركة البروتستانتية في القرن السادس عشر. أما البدايات الأولى فتعود كما ذكرنا إلى لحظة التهويد عندما ضم العهد القديم إلى العهد الجديد تحت عنوان الكتاب المقدس!!

كانت المسيحية الأوروبية الكاثوليكية، قبل مارتن لوثر والإصلاح الديني في القرن السادس عشر في ألمانيا، تنظر إلى اليهود بازدراء (الغيتوات الإجبارية واللباس الخاص المميز لهم..) لأنهم لم يؤمنوا بالمسيح، وهم سلالة من قاموا بصلبه، لذلك هم ملعونون وقد عاقبهم الله على جريمتهم بطردهم من فلسطين. وكانت الكنيسة تعتبر أن المسيحيين هم الورثة وقد انتهى أمر عودة اليهود، وبأن أورشليم هي مدينة العهد الجديد أي مدينة المسيح. ولم يعترفوا بارتباط يهود عصرهم بالوعد الذي أعطي لإسرائيليي العهد القديم. وفسرت الكنيسة الكثير من آيات العهد القديم تفسيراً رمزياً يتوافق مع رؤيتها المسيحية. ولم تكن فكرة الألفية التي ظهرت في القرن الأول الميلادي (استناداً لما ورد في سفر رؤيا يوحنا بأن المسيح سيعود إلى هذا العالم محاطاً بالقديسين ليملك في الأرض ألف سنة)، لها أية أهمية بل حاربتها الكنيسة. وفي القرون الوسطى ومع الحروب الصليبية استغلت الفكرة لتجنيد المقاتلين المسيحيين، لكن لم تكن فكرة إعادة اليهود إلى فلسطين مطروحة أبداً، بل على العكس ازداد اضطهاد اليهود كقتلة للمسيح ولرفضهم دخول المسيحية. ثم خمدت فكرة عودة المسيح مع تلاشي الحملات الصليبية، ثم عادت للانتعاش في القرن السابع عشر في بريطانيا.


...




في القرن الرابع عشر والخامس عشر بدأت الاحتجاجات تتزايد ضد الكنيسة التي كانت على قمة الهرم الإقطاعي والبابا الديكتاتور المطلق الذي يحمل صفة النائب عن الله/ المسيح على الأرض. لقد عمت المفاسد والفقر في الوقت الذي كانت فيه الكنيسة تعبش حياة البذخ، من الأموال التي كانت تجنيها من الفلاحين والإقطاعيات ومن بيع صكوك الغفران والحرمان من الكنيسة والقهر والقمع...

وجاءت البروتستانتية (الاحتجاج) كثورة ضد سلطة البابا في روما وما آلت إليه الكنيسة كسيف إرهابي مسلط على الجميع..

...


وما يهمنا هنا ما يتعلق بموضوع مسار التهود والتصهين، فلقد نشر مارتن لوثر مؤسس حركة الإصلاح (البروتستانتية) كتابه "المسيح ولد يهودياً" عام 1523، والذي هاجم فيه وبلسان حاد الكنيسة والبابا لاضطهادهما اليهود ومعاملتهما السيئة لهم، مما أدى بهم إلى الابتعاد عن الدخول في المسيحية. وقال: "لو كنت يهودياً ورأيت كل أولئك الحمقى يقودون ويعلِّمون العقيدة المسيحية، فسأختار بالفطرة أن أكون خنزيراً بدلاً من أن أكون مسيحياً. لقد عاملوا اليهود على أنهم كلاب لا بشر". واستند إلى الأناجيل ليثبت أن المسيح يهودي، وبالتالي اليهود يتصل نسبهم بالمسيح فهم أهل المسيح "أقارب وبنو عمومة وإخوة للرب"، ولهم مكانة خاصة بسبب ذلك، ويجب دعمهم وخدمتهم!!

ولذلك دعا إلى معاملة اليهود معاملة حسنة لاستمالتهم إلى الدين المسيحي، لأنهم هم شعب الله المختار أبناء الرب بينما المسيحيون ضيوف غرباء!!

...


ولما لم تنجح دعوته في دخول اليهود في الديانة المسيحية انقلب ضدهم وبأسلوبه الحاد جداً.
لقد طرح لوثر فكراً صهيونياً دون أن يعي ذلك فمن شدة كرهه لليهود طالب بترحيلهم وعلى حساب الدولة إلى بلادهم (فلسطين) ليتخلصوا منهن ويرتاحوا. فقد آمن، لجهله، بأن يهود عصره هم من سلالة يهود التاريخ، وبأنهم شعب /عرق/ وبأن وطنهم الأصلي هو فلسطين!!

لقد اعتمدت حركة الاحتجاج على إحياء العهد القديم لأنه بزعمها الأساس للمسيحية. وجعلت الكتاب المقدس هو المرجعية بدلاً من البابا وكنيسته. وفتحت باب التفسير الحرفي الظاهري للنص على مصراعيه ضاربة عرض الحائط تفسيرات الكنيسة الكاثوليكية الرمزية لكثير من نصوص العهد القديم. وترجم الكتاب المقدس إلى لهجات عدة (صارت فيما بعد لغات مستقلة) مما أدى إلى تحطيم احتكار الكنيسة الكاثوليكية للغته اللاتينية. وأعيد الاعتبار للعبرية من منطلق أنها لغة الكتاب المقدس أي لغة الله وبالتالي هي مقدسة. واستخدمت العبرية أيضاً لغة للصلاة في الكنائس البيوريتانية، وصارت ذكرى قيام المسيح يوم السبت بدلاً من يوم الأحد!


...



وقد جاءت البيوريتانية في القرن السابع عشر في بريطانيا (وهي طائفة من البروتستانتية ولكنها الأكثر ميلاً باتجاه اليهودية) لتعلن تمسكها بالعهد القديم وحده متجاهلة العهد الجديد وكأنما لا وجود له في الديانة المسيحية. وتقديس العهد القديم دفعهم إلى تحسين العلاقة مع اليهود لأنهم بزعمهم أبناء الرب، الشعب المختار. وأهم من كل ذلك تبنيهم فكرة إعادة أبناء الرب إلى وطنهم (فلسطين) كمقدمة لعودة المسيح!!

لقد انتشرت فكرة عودة المسيح في أنحاء أوروبا المسيحية وارتبطت بضرورة إعادة اليهود أولاً إلى أرضهم (فلسطين)!!!

...


هذه الحماسة تجاه اليهود جعلت بعض المسيحيين يطلقون على حركة الإصلاح الديني المسيحي تسمية "نهضة اليهودية" لأن الحركة الإصلاحية رفعت اليهود إلى أعلى المراتب وعدتهم شعباً، وبأنهم سلالة الشعب المختار الذين اختارهم الرب شعباً له، وأن اليهود المشتتين في العالم يجب إعادتهم ثانية إلى وطنهم (فلسطين) لأن ذلك حقهم الذي أعطاهم إياه الرب منذ وعده القديم لإبراهيم والذي استمر عبر إسرائيل (يعقوب) وسيستمر إلى الأبد، وعودة اليهود إنما هي تمهيد لعودة المسيح!

تلك المفاهيم أدت إلى جريمة تاريخية حيث ثبت اللاهوتيون البروتستانت والمؤرخون الصهاينة فيما بعد تاريخ فلسطين القديم كحقائق، بالاعتماد على نصوص العهد القديم الخرافية، وتم معها طمس تاريخ فلسطين الحقيقي وشعبها المتجذر فيها عبر آلاف السنين!!


...


كما أن إيمان الحركة البروتستانتية بالنبوءات وخاصة قضية "العصر الألفي السعيد" والتي تعني عودة المسيح المنتظر الذي سيقيم مملكة الله على الأرض والتي ستدوم ألف سنة، أدى إلى جريمة أخرى بحق فلسطين وشعبها، وهي الإيمان بضرورة إعادة اليهود إلى فلسطين تمهيداً لمجيء المسيح! وهذه الفكرة (الصهيونية) أدت إلى المناداة بالعمل على إنهاض اليهود الذين هم شعب الله المختار ومساعدتهم ليتمكنوا من العودة إلى فلسطين!!
ولقد ظهرت كتب تتحدث عن عودة اليهود إلى "بلادهم" ومن بين الكتب التي تدور حول ذلك كتاب لتوماس برايتمان (1562 - 1607) يدعو فيه إلى إعادة "الشعب اليهودي" إلى أرض "آبائه وأجداده" لتحقيق نبوءة الكتاب المقدس!!

...



وانعكست أسفار العهد القديم على البروتستانت حتى في الأدب والفن والتصوف (القبالة)، وكل هذا كان مع عصر النهضة الأوروبية وتطور العقل الغربي!!
فعصر الإصلاح الديني، عصر النهضة الأوروبية ارتبط بإحياء الأدبيات اليهودية الدينية والفلسفية السخيفة والخرافية!

نذكر من الأدباء الذين اعتمدوا على أسفار العهد القديم في أعمالهم: جون ميلتون وهو بيوريتاني وقصيدته الشهيرة "الفردوس المستعاد" حول عودة اليهود وكان يؤمن بالألفية السعيدة، ألكسندر بوب، راسين، لسنغ "رواية ناثان الحكيم"، الشاعر اللورد بايرون، الروائي والتر سكوت، وردزورث، جورج إليوت..
حتى أن الكثير من مشاهير المفكرين والفلاسفة والعلماء في القرن السابع عشر والثامن عشر دعوا إلى مساعدة اليهود في العودة إلى بلادهم (فلسطين) نذكر منهم: جون لوك، إسحق نيوتن، برستلي، باسكال، روسو..

...


والكارهون لليهود كفخته (ولوثر كما مر) كانوا يدعون لطرد اليهود ليعودوا إلى بلادهم (فلسطين) ليتخلصوا منهم، فلا فرق بينهم وبين المؤيدين لليهود فكلاهما يطالب بعودة اليهود إلى فلسطين سواء أكان ذلك حباً لهم أم كرهاً، فالنتيجة واحدة!!

ومع بدء المد الإمبريالي بدأت زعامات تلك الإمبرياليات تتبنى عودة اليهود إلى فلسطين ليقيموا دولتهم، لتكون فلسطين الموقع الإستراتيجي تحت سيطرتهم!


...



ففي آخر القرن الثامن عشر (1799) دعا نابليون بونابرت اليهود للعودة إلى فلسطين وإقامة دولتهم التي منحهم الله إياها!! فهو المسيحي الصهيوني الأول الذي أراد استثمار فكرة إعادة اليهود إلى وطنهم ليستفيد من أموالهم ومن جعل فلسطين دولة يهودية ترعى وتحمي مصالح فرنسا.. ولم تتأخر بريطانيا الإمبريالية عن فهم توجهات نابليون فعملت هي الأخرى على كسب اليهود إلى جانبها وتبني مشروع عودة اليهود إلى فلسطين!!

وفي عام 1860 ظهر كتاب لأرنست لاهاران وهو السكرتير الخاص لنابليون الثالث بين فيه أهمية وجود دولة يهودية في فلسطين وما ستعكسه على المصالح الأوروبية. ودعا إلى مساعدة اليهود على إقامة دولة لهم في فلسطين، ورفع شأن اليهود إلى أعلى الدرجات بمديحه المبتذل!! بينما اليهود لم يفكروا بعد بهذه القضية، وعندما شاعت الفكرة رفض كثيرون من اليهود العودة من منطلق أن الله لم يقرر عودتهم بعد، وهم في عقاب إلهي لا يجوز لهم معاندة عقاب الله لهم بالإبعاد!

...



وبعد كتاب لاهاران بسنتين 1862 ظهر أول كتاب صهيوني ليهودي هو موسى هس يحمل الأفكار التي روج لها الصهاينة المسيحيون.
لقد بلغ التعاطف مع اليهود ذروته في القرن التاسع عشر، والدعوة لمساعدة اليهود بالعودة إلى وطنهم، حيث

كانت المصالح المحرك الأساسي لعصر الإمبرياليات ولكنها بقيت مغلفة بالدين. وكان سعي بالمرستون (1784 - 1865) وزير الخارجية البريطاني لا يتوقف في ثلاثينات القرن من أجل تنفيذ الفكرة، خاصة بعد حملة محمد علي على فلسطين والخوف من نجاحه في إقامة دولة عربية على أنقاض الدولة العثمانية! ثم سعى تشارلز تشرشل الضابط البريطاني في الأربعينات لحث شخصيات يهودية لتبني فكرة الوطن القومي لهم في فلسطين!!

...


وظهرت شخصيات صهيونية بريطانية تتبنى دولة اليهود في فلسطين وأجرت الاتصالات مع الشخصيات اليهودية لإقناعها بمشروع الدولة اليهودية وطرد العرب منها كلورنس أوليفنت المسيحي المتدين (1829 - 1888)، ووليم هشلر (1845 - 1931) الذي ألف كتاب "إعادة اليهود إلى فلسطين" عام 1894 (قبل كتاب هرتزل "الدولة اليهودية" الذي صدر عام 1896).

وكان أول من صاغ عبارة شعب بلا أرض، لأرض بلا شعب، هو اللورد المسيحي الصهيوني الإنجليزي شافتسبيري في مقال كتبه عام ‏1839‏.

...


تلك المواقف هي التي خلقت برنامج الصهاينة اليهود في بازل عام 1897.. وتتابعت مواقف المسيحيين الصهاينة لتصل إلى آرثر جيمس بلفور الغارق حتى أذنيه بتعظيم اليهود وعبقريتهم وبضرورة بناء دولتهم في فلسطين بمساعدة بريطانيا كتمهيد لعودة المسيح (الألفية). وجسد مشاعره فيما بعد بوعده المنحط عام 1917، عندما كان وزيراً للخارجية في عهد رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج الصهيوني حتى العظم. هذا الوعد الحقير تحقق برغبة وإيمان المسيحيين الصهاينة، وليس بجهد الصهيونية اليهودية حتى أن اليهود الغربيين فوجئوا بالوعد الذي لم يكونوا يحلمون به!

لقد مجد البروتستانت الأوروبيون، اليهود ورفعوهم إلى أعلى المراتب كشعب الله المختار الذي حافظ على مقوماته عبر آلاف السنين رغم التشرد والقمع والقهر الواقع عليهم، متجاهلين أنهم يهود خزر ولا يمتون لفلسطين بأية صلة ولا علاقة لهم بيهود التاريخ ولا بشخصيات العهد القديم، وكل ذلك بهدف أن يقنعوا اليهود بالمشروع الاستعماري البريطاني. كما أن اليهود ساهموا في ترسيخ تلك الأضاليل وبأنهم من سلالة يعقوب (إسرائيل). ومن هنا نفهم غطرسة اليهود وتعاليهم وتمردهم، فقد وجدوا أمامهم مسيحيين بروتستانت أغبياء آمنوا بخرافات عزرا وتفاهاته أكثر مما هم يؤمنون بها. فلم لا يستغلون ذاك الدلال والجهل والدين لتحقيق مصالحهم وليخرجوا من الغيتو والذل إلى السيادة!؟؟

...


لقد قلب المسيحيون البروتستانت الغربيون الوضع مئة وثمانين درجة قتحول اليهود بفضلهم من يهود ملعونين إلى شعب (إثنية - عرق) الرب "أبناء الرب"، ومن الانغلاق القسري والاختياري (الغيتو) ليهود مدنسين إلى شعب مدلل، بل أمة مقدسة، ومن يهود (ينتمون إلى الديانة اليهودية) وهم من جنسيات مختلفة، إلى يهود تجمعهم قومية واحدة، وبالتالي إقامة دولة لهم على أرض فلسطين!!

هذا ما صنعته عقول المسيحيين البروتستانت الغربيين المجرمين، والنتيجة استعمار فلسطين وعلى حساب شعبها الشرعي الذي طرد وشرد ليحل مكانه المستعمرون الغربيون الذين ينتمون إلى الديانة اليهودية!!





2- المسيحيون الأمريكيون المتصهينون:




منذ أن فكر كريستوف كولومبس بالإبحار غرباً أواخر القرن الخامس عشر ادعى أمام ملكة إسبانيا إيزابيلا أن الذهب الذي سيجلبه سوف يستخدم لتحرير القدس من المسلمين، ولإعادة بناء هيكل اليهود في القدس. وقد دعمت إيزابيلا (الكاثوليكية) رحلته التي أدت إلى اكتشاف أمريكا. وعندما بدأت جحافل الإنكليز تبحر باتجاه أمريكا كمستعمرين في القرن السابع عشر (بعد أن ضعفت هيمنة إسبانيا الكاثوليكية)، كان البروتستانت في طليعة المهاجرين هرباً من الاضطهاد الديني، وطمعاً في الغنى والحياة الأفضل.

وهؤلاء البروتستانت الإنجليكان وتفرعاتهم كالمعمدانيين والبيوريتانيون (المتطهرون) حملوا مفاهيمهم إلى أمريكا وكانوا هم المؤسسون للعقلية الأمريكية.

...


كانت طائفة المتطهرين مهووسة بفكرة الأمة الطاهرة وبالألفية السعيدة، وكانت حاقدة ومعادية للكاثوليك لأنهم اضطهدوهم في أوروبا. لقد عدوا أنفسهم كاليهود شعب الله المختار وأمريكا هي أرض كنعان، وبالتالي عليهم أن يقضوا على الكنعانيين (الهنود الحمر) لأنهم وثنيون وكما أمرهم ربهم في التوراة!!

وطائفة المورمون عدت نفسها وهي في الصحراء الأمريكية بأنها بنو إسرائيل في تيه سيناء! (قتل المستعمرون الأوروبيون مئة مليون هندي أحمر تحت غطاء الخزعبلات الدينية، بينما الحقيقة قتلوهم ليستعمروا أراضيهم)!

...


كان المستعمرون الأوروبيون البيوريتانيون يجسدون العهد القديم في حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأعيادهم وحتى أسماء أبنائهم وبناتهم، ومستعمراتهم. وكانت العبرية اللغة المقدسة عندهم.

وفي القرن الثامن عشر قويت البيوريتانية وانتشرت، وتنامت معها قضية النهوض اليهودي والربط بينه وبين فلسطين كما حدث في أوروبا.
وساند البروتستانت في القرن التاسع عشر المشروع الصهيوني، وكانت أمريكا السلطة السباقة لتبني كل الأطروحات الصهيونية.

...


ففي عام 1878 ظهر كتاب "يسوع قادم" للأمريكي المسيحي البيوريتاني الصهيوني وليام بلاكستون وفيه يروج لفكرة عودة المسيح والحياة الألفية السعيدة، وهذا يستدعي - كما يطالب - قيام دولة اليهود الممهدة لذلك. وقد أثر الكتاب كثيراً في الأمريكيين البروتستانت، الذين تشربوا على تنوع فرقهم ولا سيما المتطهرون، العهد القديم أكثر من نصوص العهد الجديد، وآمنوا أكثر من اليهود بأن:


1- اليهود شعب واحد وليسوا مجرد طائفة دينية، وهم مختارون من قبل الرب، لذلك هم أفضل الأمم على وجه الأرض.


2- فلسطين هي لليهود المشتتين عنها، وقد أعطاهم الرب عهداً أبدياً وميثاقاً بأن تكون لهم فلسطين (الأرض المقدسة) إلى الأبد، وبالتالي على المسيحيين البارين والأخيار العمل على إعادتهم.


3- بعد عودة اليهود إلى فلسطين واستعادة دولتهم، وإقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، ستنشب حرب كونية يقودها الأخيار ضد الأشرار ويبيدونهم بعد المعركة الفاصلة "هَرْمَجدّون" على أرض فلسطين (الدور السادس حيث قسمت طائفة القدرية الزمن إلى سبعة أدوار أو حقب) بحسب ما تنبأ به سفر الرؤيا ليوحنا، ومن ثم سيأتي المسيح (الدور السابع) وستكون هناك ألف سنة سعيدة تحت ظلال حكمه ولن يكون هناك غير المؤمنين به (الألفية السعيدة). وبعد الألف سنة تنتهي الحياة على الأرض ويبدأ يوم الحساب!



يعد سايروس سكوفيلد أهم من ألف حول الحرب الكونية على الأشرار، ولكنه جعلها حرباً نووية مدمرة (هرمجدون) بين اليهود وأعدائهم من المسلمين والكفار، ونتيجتها انتصار اليهود الذين لن يبقى منهم سوى 133 ألفاً أو أكثر وسيؤمنون بالمسيح ويعترفون بألوهيته!!

وكل هذه الهلوسات والخزعبلات السخيفة والتافهة نتيجة تفسيراتهم المضحكة لبعض الأسفار كسفر حزقيال وسفر دانيال من العهد القديم، ورؤيا يوحنا من العهد الجديد.


...


وعندما قامت دولة ما تسمى "إسرائيل" عام 1948 عدوا ذلك تحقيقاً للنبوءة الأولى!!
لقد كثرت الفرق وتطرفت، وبعضها صار يهودياً صرفاً كـ"شهود يهوه" و "السبتيون" و"المسيحيون المولودون من جديد"... وهؤلاء يؤمنون باليهودية وبالكيان الصهيوني أكثر مما يؤمن به الصهاينة اليهود، ويرون أن أي نقد يوجه لما يسمى "إسرائيل" إنما هو نقد موجه للرب، فقد وحدوا بين اليهود والرب فهم الأبناء وهو الأب!!
يعرف والتر ريغنز الأمين العام لـ "السفارة المسيحية العالمية"، (تأسست عام 1980 ولها فروع في أكثر من خمسين دولة في العالم. وهي أحقر المؤسسات الصهيونية ومركزها في القدس) المسيحي الصهيوني بأنه: المسيحي الذي يدعم الهدف الصهيوني لدولة إسرائيل وجيشها وحكومتها وثقافتها... !!

...


لقد تجاوزت الفرق الدينية أكثر من مئتي وخمسين طائفة، ونسبة المتدينين في الولايات المتحدة تتجاوز الثمانين في المئة. وعدد بعض الفرق الدينية بالآلاف وبعضها بالملايين (المسيحيون الكاثوليك يتجاوزون الـ 36 مليوناً والأرثوذكس الشرقيون أكثر من خمسة ملايين..)، لكن الذين يطلقون على أنفسهم تسمية "المسيحيون الصهاينة" عددهم عشرات الملايين، وقد اختلف في العدد فمنهم من يدعي بأنهم خمسون مليوناً وآخرون يقولون سبعون مليوناً!! وهذا الأمر يعني أنهم يشكلون ربع المجتمع الأمريكي تقريباً! وخطورتهم بدأت من ثمانينات القرن الماضي، عندما وصلوا إلى الإدارة السياسية في الولايات المتحدة (كالكنيسة المورمونية).. مما يعني أن الهلوسة الدينية السخيفة والتافهة للأصوليين قفزت إلى القرار السياسي للولايات المتحدة، وكأننا في العصور الوسطى والحملات الصليبية، ولكن البابا هنا هو الرئيس الأمريكي والكرادلة هم الصهاينة اليهود، والصهاينة المسيحيون الذين هم أكثر أصولية وتعصباً من الصهاينة اليهود!!

...



لقد سيطر اليمين المسيحي المحافظ الصهيوني على الحزب الجمهوري منذ كارتر وريغن وبوش الأب... وتشكل التحالف الجمهوري الجديد بين "المسيحية الصهيونية" والصهيونية اليهودية.

فكارتر البيوريتاني المؤمن بتيار "المسيحية الصهيونية"، وجد في الخائن السادات المطية المناسبة لصهيونيته والتي عبر عتها عام 1979 أمام الكنيست: "إن علاقة أميركا بإسرائيل أكثر من مجرد علاقة خاصة. لقد كانت ولا تزال علاقة فريدة، وهي علاقة لا يمكن تحطيمها، لأنها متأصلة في وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الأمريكي".

...


وما يقوله اليوم ويفعله المهووس بوش ابن تلك المدرسة البار، لا يحتاج لأي تعليق!!
لقد امتلك الذين يسمون أنفسهم أتباع "المسيحية الصهيونية" كل وسائل المال والدعم والميديا والسلطة؛ فهناك المئات من المحطات المرئية والمسموعة، والصحف والمجلات والكتب، والمواقع على شبكة الإنترنت، والأندية، والجمعيات والمؤسسات...

ويعد جيري فالويل زعيم إحدى أهم منظمات "المسيحية الصهيونية"، أكثر المسيحيين الصهاينة تطرفاً وانحطاطاً وهو مؤسس جماعة العمل السياسي الأصولي (الأغلبية الأخلاقية).

...


وقد لمع نجمه في مطلع 2002، وله آراء وأقوال مقرفة منها: "إن اليهودي هو بؤبؤ عيني الله، ومن يؤذي اليهودي كأنه يضع إصبعه في عين الله"، "لا أعتقد أن في وسع أمريكا أن تدير ظهرها لشعب إسرائيل وتبقى في عالم الوجود، والرب يتعامل مع الشعوب بقدر ما تتعامل هذه الشعوب مع اليهود".

ويقول: "إن من يؤمن بالكتاب المقدس حقاً يرى المسيحية ودولة إسرائيل الحديثة مترابطتين على نحو لا ينفصم، إن إعادة إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 لهي في نظر كل مسيحي يؤمن بالكتاب المقدس تحقيق لنبوءات العهدين القديم والجديد"..

...


وهو يدعي أن السلام لن يحل قبل عودة المسيح، لذلك يقف بصلابة إلى جانب ما يسمى دولة "إسرائيل" ويدافع عنها أكثر من اليهود أنفسهم ويرفض أي سلام بين العرب والصهاينة!!
كما يؤكد على ضرورة امتداد حدود دولة "إسرائيل" من الفرات إلى النيل، ويرى أن الأرض الموعودة في التوراة هي فلسطين والأردن ولبنان وسورية والعراق والسعودية والكويت وتركيا ومصر والسودان!!

والقس الأصولي المسيحي الصهيوني مايك إيفانز يقول: "إن إسرائيل تلعب دوراً حاسماً في المصير الروحي والسياسي لأمريكا‏"!

...


ونحن الآن نسمع ونرى حقد هؤلاء وشراستهم ضد العرب والمسلمين وضد الفلسطينيين، ولا سيما بعد المسرحية التي صنعوها بتفجيرات نيويورك!!

إن أولئك المسيحيين الصهاينة، ليسوا بمسيحيين إنما هم صهاينة يهود خلطوا القضية الدينية بالسياسية، ليخدعوا المغفلين، وكما تبنى نابليون مشروع الدولة الصهيونية ليسيطر على فلسطين كموقع إستراتيجي وكما صنعت بريطانيا وأمريكا في العالم تحت شعارات الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، يجد اليوم ثلة لصوص البترول فرصتهم في المطية بوش المهووس بالألفية السعيدة فيتخذون هلوسات ما يسمى "المسيحية الصهيونية" غطاء ليحققوا أحلامهم!!

...


ويبقى الأمر واضحاً تماماً وهو أن الدين هنا أفيون للتخدير، وأن الحقيقة المطلقة هي الجشع والطمع بخيرات الآخرين، والنهب والسلب والسيطرة والهيمنة والاستغلال... وإقامة الإمبراطورية الأمريكية الصهيونية!!