صدرت الرواية الأولى للناقد الكبير دكتور حامد أبو أحمد بعنوان (فقراء المثل الأعلى) عن روايات الهلال، وجاءت الرواية فى 212 صفحة من القطع المتوسط، والرواية ترصد مشاهد من السيرة الذاتية، يكتب المؤلف عن شخصيات حقيقية من لحم ودم شاهدها خلال سنواته الأولى بقريته أو طوال سنوات دراسته الابتدائية، شخصيات وأحداث عاشها أثناء دراسته الإعدادية بالمعهد الدينى الأزهرى بطنطا، ويرصد ملامح استطاعت أن تنحت صورها فى ذاكرة الطفل داخله ورغم مرور أكثر من خمسين عامًا على هذه الأحداث إلا أن ملامح هذه الشخصيات لا يزال حاضرًا ونابضًا بالحياة والحركة داخل تلافيف الذاكرة، يكتب عنها وكأنه يشاهد فيلمًا سينمائيًا يمر أمام عينه.

يكتب عن شخصية بكر صاحب النخلات الخمس فى القرية والذى يصوره الكاتب وهو يدافع عن بلح هذه النخلات كأنه أسد يخاف منه أهل القرية ويرهبهم جميعًا، ويكتب عن سنية الجحشة، والمرأة الجُعرمة، والشيخ محمود الدق حامل الصولجان فى المولد النبوى الشريف بالقرية، يرصد تفاصيل ملامح الشيخ السيد أبو حطب صاحب كتاب القرية، والشيخ حمود الكفراوى عريف الكتاب الكفيف، ويكتب عن والدته (المرأة الحديدية) وعن والده كاتب ماكينة الطحين الذى يوفر من قوت يومه حتى يوفر القروش القليلة ليواصل ابنه البكرى رحلته مع التعليم خلال فترة الخمسينيات مع بداية ثورة يوليو 1952 عندما فتح الزعيم جمال عبد الناصر أبواب التعليم المجانى أمام الفلاحين فقراء مصر، وينصت الطفل حماد ويسمع نصيحة والده وهو يقول له: يا ولدى التعليم هو جسر عبورك من هذا الفقر وأنا أملى فيك كبير.

هكذا يرصد دكتور حامد ويكتب هذه المشاهد الإنسانية العذبة التى تقطر صدقًا، هنا لا يكذب المؤلف ولا يدعى واقعًا ورديًا؛ لكنه يرصد أشد صور الواقع شديد الإنسانية من صور الفقر السائدة خلال هذه الفترة من حياة الفلاحين وهو ما انعكس على حالة الطالب اليسيرة هو يسكن ويعيش لأول مرة بعيدا عن دفء أسرته فى مدينة طنطا ويعيش على القرص والعيش البتاو والقروش القليلة، ومع هذا ظل يكافح ويأكل دروسه ليحافظ على المركز الأول خلال سنوات دراسته. هذه الصور والمشاهد الإنسانية التى نجح الكاتب أن يكتبها هى التى أخذت بتلابيب القارئ وجذبته لقراءة هذه الرواية المدهشة لأنها رصدت بصدق رحلة كفاح طالب فقير خرج من بسطاء وفقراء القرية المصرية وتوجت هذه الرحلة بحصول الطالب على المركز الأول الذى أهله ورشحه هذا التفوق للدراسة فى جامعة مدريد على نفقة الدولة، بالفعل ما خرج من القلب صدقه القلب، وما خرج من اللسان عافته الآذان.

إن الصدق فى سرد ملامح هذه الرحلة هو جواز المرور إلى عقل وقلب القارئ العربي؛ ولهذا جاءت هذه الرواية فاتنة ومؤثرة لأنها اعتمدت على بساطة الحكى وعفوية الأحداث والصدق فى رسم صورة واقعية للأحداث التى مرت فى حياة الطفل حماد. الجدير بالذكر أن دكتور حامد أبو أحمد هو عميد كلية اللغات والترجمة السابق بجامعة الأزهر وصاحب المؤلفات الكثيرة فى النقد الأدبى، وقد ترجم الكثير من الروايات العالمية الحاصلة على جائزة نوبل من أسبانيا وأمريكا اللاتينية للأدب العربى.