تفسير قوله تعالى(وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )البلد،

ما المقصود بالنجدين،

طريق الخير وطريق الشر،هذا هو مراد النجدين الطريقين،
لأن الله،جل وعلا،بين لعباده الطريقين طريق الشر، الشرك والمعاصي،ونهاهم عن ذلك،
وبين لهم طريق الخير التوحيد والطاعات، ودعاهم إليه على أيدي الرسل، والكتب المنزلة من التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن، وغيرها،
والهداية ،بمعنى دلالة وإرشاد،
فعرفه طريق الخير ودعاه إليها، ومعرفه طريق الشر،وحذره منها،وهذه منة عظيمة من الله تعالى،كما قال الله،تعالى(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى)سورة فصلت،
يعني دللناهم،وأوضحنا لهم الحق بدليله،ومن هذا قوله تعالى(وَإِنَّكَ)،يخاطب الله النبي،صلى الله عليه وسلم،محمد(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ،صِرَاطِ اللَّهِ)يعني ترشد وتدل،
أما الهداية التي معناها التوفيق لقبول الحق، والرضا به،هذه بيد الله،سبحانه وتعالى،ليست في يد الإنسان ولا يدركها، وهي المراد في قوله سبحانه(لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء)سورة البقرة،أي،ليس عليك توفيقهم وإدخال الإيمان في قلوبهم هذا إلى الله سبحانه وتعالى،ومن هذا قوله تعالى(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء)سورة القصص,
يقول شيخ الإسلام بن تيمة رحمه الله تعالى(وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن)قال علي وابن مسعود،سبيل الخير،والشر،وسبيل الهدى والضلال ،السعادة والشقاوة،أي فطرناه على ذلك وعرفناه إياه،والنجدان الطريقان الواضحان،فالمعنى ألم نعرفه طريق الخير والشر ونبينه لَه،
قال الله تعالى(إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا) النساء،
قال الطبري(وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا)يقول،ولم يكن ليسدِّدهم لإصابة طريق الحق فيوفقهم لها،ولكنه يخذلهم عنها،عقوبة لهم على عظيم جُرمهم، وجرأتهم على ربهم،
فالشاكر يسلك سبيل النجاة والإيمان،والكافر يسلك سبيل الكفر والهلاك،
وقد استعيرت الهداية هنا للإِلهام الذي جعله الله في الإنسان يدرك به الضارّ والنافع،وأصل العلوم والهداية بدين الإسلام إلى ما فيه الفوز ،وتكون الهداية،هداية العقل للتفكير في دلائل وجود الله ووحدانيته بحيث لو تأمل لعَرف وحدانية الله تعالى،
وذكر القرطبي القولين،حيث قال في تفسير الآية،قوله تعالى(إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ)أي بينا له وعرفناه طريق الهدى والضلال،وطريق الجنة،وعرفناه سبيله،والخير والشر ببعث الرسل،فآمن أو كفر، كقوله تعالى(وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ)هديناه الرشد،والسبيل،هنا سبيل الرشد والهداية إلى الخير والسعادة،وكمال عقله(إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)أي،بينا له الطريق إن شكر أو كفر،
وهو الذي يناسب المقام وهو الامتنان بالنعم،والقرآن الكريم للهداية،نحن هديناه سبيل الخير، فإما يكون شاكراً على نعمة الهداية ويقبلها،أو يكفر بها ويأباها،
أنه ليس هناك مقام أعلى للعبد من مقام الإيمان ومقام التواصي بالخير،إن الله لا يهدي طريق الشر،بل يهدي للحق،وأيضا ما غرسه الله في الفطر من حب الخير وكراهية الشر،هو من الهداية،
فالله سبحانه وتعالى،قد هدى عباده،بمعنى دلهم إلى طريقين واضحين لا خفاء بهم ،فأوضح لهم طريق الخير وأمرهم باتباعها،وأوضح لهم طريق الشر ونهاهم عن سلوكها،وإتيان الخير واجتناب الشر هو الطريق المبلغ إلى المكان المقصود وهو الجنة،
نسأل الله جنته ونعوذ به من ناره
.