بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كثير من الآباء الذين يهتمون بأمر التربية ويقصرون اهتماماتهم على متابعة ما توصل إليه علم التربية،وخاصة إذا كانت من مصادر الشريعة وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، واستنباطات العلماء منها
قال تعالى(وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً)يقول بن كثير،رحمه الله ،في تفسـيره،فيه دليل على أن الرجل الصالح يُحفظ في ذريته وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة بشفاعته فيهم،ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة،لتقر عينه بهم،
إنه لم يدخر والدٌ لولده ذخراً أعظم من أن يكون الأب صالحاً في نفسه،فإن الأب إذا كان صالحاً في نفسه حفظ الله جل وعلا من بعده ذريته بصلاحه،
روي أن محمد بن كعب القرظي،أحد أئمة السلف من أهل التفسير رحمه الله،رزق مالاً فجأة،وكان المال كثيراً فتصدق به إلا قليلاً جداً
فعاتبه الناس وقالوا له،لو أبقيت هذا المال لولدك،
فقال رحمه الله( جعلت المال ذخراً لي عند ربي ، وجعلت لربي ذخراً لي عند ولدي )وهذه منازل عالية لا يعطاها كل أحد
والذي خبث لا يخرج إلا نكداً

قصّة ذلك الشاب السارق الذي لما أرادوا قطع يده، نادى القاضي وقال له،اقطعوا يدّ أمي لأنني وأنا صغير سرقتُ بيضة فتهلل وجهها وضحكت لي،
تلك القصة يؤيدها ذلك المثال الذي ضربه الله ليبين لنا كيف لا تستوي السنبلة على عودها إلا إذا كانت بذرتها صالحة وتربتها
صالحة،فإذا كانت البذرة فاسدة وتربتها سبخة فأي عود وأي زرع ترجو من وراء ذلك، فقد قال تعالى(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا)
فمن حق البذرة ألا توضع إلا في أرض طيبة وذلك من حق الولد على والده أن يحسن اختيار أمه، فالأب الصالح والأم الصالحة لا شك أن ثمرة وذرية ذلك الزواج ستكون صالحة،
الثمرة الطيبة المباركة،عبد الله بن المبارك

الإمام شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك، كان عبداً رقيقاً أعتقه سيده، ثم عمل أجيراً عند صاحب البستان،وفي يوم خرج صاحب البستان
مع أصحاب له إلى البستان وقال للمبارك،ائتنا برمان حلو فقطف رمانات، فإذا هي حامضة،فقال صاحب البستان،أنت ما تعرف الحلو
من الحامض،فقال له، أنت لم تأذن لي لأعرف الحلو من الحامض، فقال،أنت من كذا وكذا سنة تحرس البستان وتقول هذا،وظن أنه
يخدعه،فسأل الجيران، فقالوا،ما أكل رمانة واحدة منذ عمل هنا، فقال له صاحب البستان،يا مبارك ليس عندي إلا ابنة واحدة فلمن أزوجها،قال المبارك،اليهود يزوجون للمال، والنصارى للجمال، والعرب للحسب، والمسلمون يزوجون للتقوى،فمن أي الأصناف
أنت،زوّج ابنتك للصنف الذي أنت منه،فقال،وهل يوجد أتقى منك، ثم زوّجه ابنته،فكان من ثمرة ذلك شجرة يانعة مباركة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها،
فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديدًا

خلق الله في نفوس عباده محبة الولد، والرغبة في إسعاده، فقلوب الآباء مرهفة الحساسية تجاه أبنائهم، شديدة الشغف بهم، قال تعالى(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ)وقال(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)غير أن كثيرًا من الآباء يقصرون اهتماماتهم على
تأمين حياة راغدة ومعيشة هانئة بجمع المال، وكل ذلك حسن إن كان من حل،فقد قال صلى الله عليه وسلم(إنك إن تترك ورثتك
أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس)وانظر كيف وصف الله الطريق لمن تملك الخوف قلوبهم على ذريتهم في المستقبل فكانت التقوى والصلاح هما الطريق،
وعمر بن عبد العزيز يضرب المثال

وهو في زهده وورعه،مات وما خلف لأهل بيته من حطام الدنيا شيئاً،ثم،يقول العارفون من أهل عصره،قد رأينا أبناء عمر بن عبد
العزيز،أغنى الناس،فترك الحرام،وتبع قول المعروف وفعل الخيرات وبذل الصدقات هي الأمان لولد تتقلب أحواله في الدهر
وأنت لا شك تاركه، ولكن الذي لا يزول، والذي بيده مقادير السماوات والأرض وخزائنها إن استودعته وديعتك لن يضيعها،قال تعالى(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفهمْ ذُرِّيَّة ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ , فَلْيَتَّقُوا اللَّه وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)كان أحد العلماء،أبو المعالي الجويني،ينسخ بالأجرة، ويتكسب وينفق على زوجته الصالحة وابنه الرضيع, وكان قد أوصى زوجته ألاّ تمكّن أحدًا من إرضاعه،فدخل مرّة وقد أخذته إحدى الجارات فرضع قليلاً،فما كان منه إلا أن أدخل إصبعه في فيه ولم يزل يفعل ذلك حتى قاء جميع ما شربه
وهو يقول،يسهل عليّ أن يموت ولا يفسد طبعه بشرب لبن غير أمه،وانظر كيف لقمة واحدة قد تفسد صاحبها،وكذلك فعل النبي
،صلى الله عليه وسلم(عندما أُتي بتمر الصدقة فأخذ الحسن بن علي،رضي الله عنهما،تمرة منها وجعلها في فيه فقال النبي صلى
الله عليه وسلم،كخ كخ ليطرحها ثم قال،أما شعرت أنّا لا نأكل الصدقة)رواة البخاري،فيا ليت أولياء الأمور يحولون بين أولادهما
الصغار وبين ما حرّم الله على عباده، فانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،استخرج تمر الصدقة من فم الحسن وهو طفل لا
تلزمه الفرائض ولم تجر عليه الأقلام،فاعتني بابنك أن يصله شيء من الحرام حتى لو يجر عليه القلم هكذا كان فهم الصالحون،ومن
يتأمل قوله سبحانه وتعالى(وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً)ليجد سبباً عظيماً من أسباب،صلاح الأبناء،قد نغفل عنه أو نتغافل،يقول ابن
كثير،رحمه الله،في تفسيره لهذه الآية،فيه دليل على أن الرجل الصالح يُحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والأخرى بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقرّ عينه بهم،كما جاء في القرآن الكريم ووردت السنة به.