جناية الأسد على عاشقين


( أهل الهوى والعشق في تعب)



قال احمد بن عمر الزهري، حدثني عمي عن أبيه قال : خرجت في نشدان ضالة لي، فآواني المبيت إلى خيمة اعرابي، فقلت : هل من قرى؟؟ فقال : انزل. فنزلت.


فأقبل علي يحدثني ثم اتاني بطعام فأكلت . ثم ثنى لي وسادة ونمت. فبينما انا بين النائم واليقظان، إذا بفتاة قد أقبلت لم أر مثلها جمالا وحسنا، فجلست، وجعلت تحدث الشاب ويحدثها، ليس غير ذلك، حتى طلع الفجر، ثم انصرفت، فقلت في نفسي: والله لا أبرح موضعي هذا حتى اعرف خبر الفتاة والاعرابي.


قال: فمضيت في طلب ضالتي في اليوم التالي، ثم أتيته عند الليل، فاتاني بطعام فأكلت وذهبت للنوم ، فأقبلت الفتاة وجلسا يتحدثان حتى طلوع الفجر ثم انصرفت.




فخرجت في الصباح في طلب ضالتي، وعدت إليه في الليل، فطعمت وتظاهرت بالنوم واخذت اراقبه، وقد تأخرت الفتاة عن وقتها فقلق الشاب ، وكان يذهب ويجيء وهو يقول:


ما بال مية لا تاتي لعادتها


أعاجها طرب أم صدها شغل


لكن قلبي عنكم ليس يشغله


حتى الممات وما لي غيركم امل


لو تعلمين الذي بي من فراقكم


لما اعتذرت ولا طابت لك العلل


نفسي فداؤك قد أحللت بي سقما


تكاد من حره الاعضاء تنفصل


لو أن غادية منه على جبل


لماد وانهد من اركانه الجبل



ثم اتاني فانبهني، وقال لي: إن خليلتي التي رايت بالأمس قد أبطأت علي، وبيني وبينها غيضة، ولست آمن السبع عليها، فانظر ما ههنا حتى اعلم ما بها وارجع، ثم مضى وأبطا قليلا ، ثم جاء بها يحملها بين ذراعيه، وقد نهشها السبع، فوضعها أمامي باكيا، ثم اخذ سيفه، وذهب فلم أشعر إلا وقد جاء بالاسد يجره مقتولا، ثم أنشا يقول مقهورا:



ألا أيها الليث المضر بنفسه


هبلت لقد جرت يداك لك الشرا


أخلفتني فردا وحيدا مدلها


وصيرت آفاق البلاد بها قبرا


أأصحب دهرا خانني بفراقها؟


معاذ إلهي أن أكون بها برا



ثم أقبل علي فقال: هذه ابنة عمي كانت من احب الناس إلي، فمنعني ابوها ان أتزوجها، وزوجها رجلا من اهل هذه الديار، فخرجت من مالي كله، ورضيت بالمقام ههنا من اجلها، على ما ترى، فكانت إذا وجدت خلوة او غفلة من زوجها أتتني ، فحدثتني وحدثتها، كما رايت لا شيء غيره والله شاهد علينا، وقد آليت على نفسي ألا أعيش بعدها، فأسألك بالحرمة التي جرت بيني وبينك ، إذا أنا مت فلففني وإياها في هذا الثوب، وادفنا في مكاننا هذا، واكتب على قبرنا هذه الابيات:



كنا على ظهرها والدهر في مهل


والعيش يجمعنا والداروالوطن


ففرق الدهر بالتصريف ألفتنا


فاليوم يجمعنا في بطنها الكفن



ثم إتكأعلى سيفه، فخرج من ظهره، فسقط ميتا، فلففتهما في الثوب وحفرت لهما فدفنتهما في قبر واحد وكتبت عليه ما امرني.



وا حسرة للفتى ساعة


يعيشها بعد أودائه


عسر الفتى لوكان في كفه


رمى به بعد احبائه


الامام الشافعي