قال ابن القيم رحمه الله

لا تحسب أن قوله تعالى :
"إن الأبرار لفي نعيم و إن الفجار لفي جحيم"
[ الانفطار : 13 - 14 ] مقصور على نعيم الآخرة و جحيمها فقط ؟

بل في دورهم الثلاثة كذلك -
أعني دار الدنيا ، و دار البرزخ ، و دار القرار -
فهؤلاء في نعيم ، و هؤلاء في جحيم ،
و هل النعيم إلا نعيم القلب ؟
و هل العذاب إلا عذاب القلب ؟
و أي عذاب أشد من الخوف و الهم و الحزن ، و ضيق الصدر ، و إعراضه عن الله و الدار الآخرة ، و تعلقه بغير الله ، و انقطاعه عن الله ، بكل واد منه شعبة ؟ و كل شيء تعلق به و أحبه من دون الله فإنه يسومه سوء العذاب .
فكل من أحب شيئا غير الله عذب به ثلاث مرات في هذه الدار ، فهو يعذَّب به قبل حصوله حتى يحصل ، فإذا حصل عذب به حال حصوله بالخوف من سَلبه و فَواتِه ، و التنغيص و التنكيد عليه ، و أنواع من العذاب في هذه المعارضات ، فإذا سلبه اشتد عليه عذابه ، فهذه ثلاثة أنواع من العذاب في هذه الدار
و أما في البرزخ : فعذاب يقارنه ألم الفُراق الذي لا يرجو عودة
و ألم فوات ما فاته من النعيم العظيم باشتغاله بضده ،
و ألم الحجاب عن الله سبحانه ، و ألم الحسرة التي تقطع الأكباد ، فالهم و الغم و الحزن تعمل في نفوسهم نظير ما يعمل الهوام و الديدان في أبدانهم ، بل عملها في النفوس دائم مستمر ، حتى يردها الله إلى أجسادها ، فحينئذ ينتقل العذاب إلى نوع هو أدهى و أمرّ ،
فأين هذا من نعيم من يرقص قلبه طربا و فرحا و أنسا بربه ، و اشتياقا إليه ، و ارتياحا بحبه ، و طمأنينة بذكره ؟