الوصايا العشر في الحوار

جلست يوما إلى شخص عرفت.. كان هاويا للنقاش محبا للجدال. . ومااكثر ما كان يتكلم وما اقل ماكان يصمت .. لم يدع جدالا يهمه إلا ودخله ولا رأيا يخنقه إلا وباح به .. كسب في ذلك ماكسب وخسر في ذلك ماخسر ..

وفي أحدى لحظات هدوءه القليلة..سألته ياسيدي.. يامن صناعتك الكلام .. علمني الكلام وفن الحوار .. التفت لي بتثاقل و تمتم بكلمات حفظتها من فوري عن ظهر قلب.. وهاأنذا أنقلها إليكم بقليل من التبديل و بأقل مايكون من التحريف ..
قال لي يابني .. إن عزمت على الكلام فأنظر من تكلم .. إن كلمت سفيها فأنت مثله .. وإن جادلت وضيعا فهو لك ند.. فاختر لنفسك في جدالك من تحب أن تكون أنت وهو سواء.

يابني إني لن أحاور من أثق في جهله .. فحتى وإن كان عالما بما سأناقشه فيه فلن يتمكن من إقناعي أو إخراجي عن خطأي في مااذا كنت خاطئ لأني من البداية أعلم إني لن آخذ عنه فهو على زعمي .. لايعلم ..

حين أحاور فإني لن أحاور شخصا في مزاج غير جيد مثلما لن أحاور شخصا حين يكون مزاجي كذلك.. ومن البديهي أيضا إني لن اختار غير الوقت والمكان المناسبين للحوار.. هل قلت إني لن اختار الموضوع المناسب أيضا؟ لابد من دقة الاختيار إن كنت أريد الخروج بشئ من هذا الحوار .

لن أحاور من اعلم عنه يقينا فساد الرأي والفكر.. فإنه إن لم يفسدني بفساده فهو على أقل تقدير لايريد لي الفائدة .. فإن كنت املك الكثير من الوقت والجهد والأعصاب.. وأردت إنفاق كل ذلك جدال لافائدة منه فلااسهل من اختيار احدهم ولأبدأ معه النقاش . يقول أحد مفكرين الغرب ((ديل كارينج)) .. أفضل وسيلة لتكسب جدلا ما .. أن لا تشترك فيه..

ماذا إن قررت الاشتراك في حوار ما ؟

سأضع نفسي دائما موضع من أناقشه.. وسأعرض عليها كل مااريد قوله أولا .. ولأسألها .. إن قيل لي مثل هذا ترى ماهو الرد المناسب .. وعليه فلن أضع في نقاشي من الكلمات والعبارات مااكره أن يوجه لي كما أني لن اتجه بالحوار إلى منحى لااحب أن أؤخذ إليه .

إن كان النقاش يدور حول مسألة عقائدية فينبغي ان أكون في أشد حالات الحذر فلاشئ يحول الإنسان من الوداعة إلى حالة الافتراس أكثر من اللغو في العقائد ... وإن خرج محدثي عن طوره فعلي أن التمس له العذر فقد علمت منذ البداية حساسية مااناقش فيه .

وكما علي الحذر في الخوض في العقائد علي أيضا الحذر المشابه حين أخوض في مثل أعلى .. تستطيع أن تمازح شخصا فتسبه وقد يتقبل منك ذلك ولكن جرب أن تمزح بأحد من والديه وانظر النتيجة.. فإن عزمت الحوار ،، إياك والمساس بالمثل العليا .. يمكنك الالتفاف حولها إن استطعت ولكن لاتحاول الاقتراب أكثر من ذلك إن أردت أن تكسب من محدثك أعصابا هادئة في النقاش .

و ليس فساد معتقد محدثك بكافي ليخرجك ذلك عن اللين في الخطاب . . فبرغم أن عقائد العرب في الجاهلية كانت من أفسد العقائد حتى ليرسل الله نبيا ليصححها فإننا نجد هذا النبي عليه السلام يتبع أسلوب اللطف والين في دعوته بل ويأمره الله تعالى بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة كتأكيد لنا على ماينبغي علينا إتباعه .

قد يصل الحوار إلى نقطة ينفجر عندها أحد المتحاورين لأي سبب .. منطقي كان أو غير منطقي .. كيف أتصرف ؟ هل أرد ؟ قيل قديما أن الكلمة تولد عقيما فإن أنت رددتها ألقحتها ... أن أردت أن تستمتع بشجار حاد وكان بك القدرة على تحمل أي إصابات محتملة.. فليس مطلوب منك إلا الرد على الإساءة بمثلها وسيتكفل محاورك بالباقي.

لن أفكر أن انتصر في جدال ما لمجرد الانتصار.. فتفوقك على محاورك بالضربة القاضية لايعني بالضرورة أنك المُحق .. ألم يقال أن أحمق واحد يسأل سؤالا قد يعجز عشرة من العلماء عن إجابته؟ ومن ذا يكسب عشرة من المجادلين في كلمة واحدة إن لم يكن ..... .

حين ادخل حوارا سأضع تصوراتي ومفاهيمي وقناعاتي الخاصة على المحك .. وسأقابلها بما يعرض علي ولكني قبلا لن أفعل ذلك قبل أن أسلحها بمبادئي وعقيدتي وتفكيري أيضا .. ولأدخل النقاش .. فإن عرضت علي مفاهيم جديدة أو تصورات من الطرف الآخر واستطاعت أن تعبر من حاجز أسلحتي فلماذا لا آخذ بها فهي حتما الاصوب على الأقل في مقابل ماكنت اعتقده والذي لم يصمد أمامها .. كما أريد الآخر أن يتقبل رأيي علي أن اهئ نفسي لتقبل رأيه إن بدا لي الاصوب .

أريد أن أخرج بحوار هادف.. فلن التف حول محدثي ولن أشعب حواري.. ولن انتقل إلى نقطة ما إلى التي تليها قبل أن أكون واثقا من إني لست بحاجة إلى العودة إليها مجددا.. أما إن شعرت بهزيمتي في حوار ما وأردت الإفلات من الموقف فليس أسهل من تشعيب الموضوع وطرح نقاط هامشية للبعد عن هدف الحوار الأصلي.. ولكن للأسف لم يعد هنالك من لا يحفظ هذه الخدعة عن ظهر قلب.. إذا لنتفق.. إن شعبت الحوار لا تقلق أنا لا أجد مااقول .. هل تحب أن يظن بك قول هذا ؟

لايعني أني اشتركت في نقاش مع شخص ما انه مسموح لي بتجاوز حدودي مع هذا الشخص .. فحين اكلم والدي سيختلف ذلك عن كلامي مع أخي وسيختلف حين أتحدث مع ابني وإن كنا نتناقش في ذات الموضوع. فمهما كان الداعي لن أفقد أعصابي حين احدث شخصا له مكانته ولو كان مخطئا وسأعمل دائما على انتقاء كلماتي بعناية حين أخاطبه فمهما حدث سيظل للكبير احترامه .. سواء كان كبيرا بسنه أو بعلمه أو بمركزه.. وكما للكبير احترامه فللمجلس الذي يجمعني بهذا الكبير هو الآخر احترامه .. فما سأقوله أمام أناس عاديين ليس بالضرورة أن يكون هو ذاته مااقوله في حضرة شخص له مكانته .. وأيا كان فاحترامك لغيرك هو احترامك لنفسك ..

لن أقول لشخص ما علانية أمر يسيئه حتى لو اعتدت أن أكلمه كذلك سرا .. قد تقبل مني أمرا بيني وبينك ولكن هذا لايقتضي أن تتقبله مني أمام الناس .. إن أردت أن أكون مقبولا على كل وجه علي أن افرق بين مااعد ليكون أمام الجميع وماهو خاص بالخاص ..

بديهي أني لن أقاطع غيري حين يتحدث وأني لن افرض رأيي عليه أيضا وكما أني لن ادخل بين اثنين يتحدثان إن لم يشركاني في حديثهما إن لم يكن على مسمع من الكل منذ البداية فإني أيضا لن احدث أحدا بغيبة عن آخر ولن اجعل حديثي ملوثا بسباب أو مصابا بالخارج من الكلمات ولن أتكلم بغير المفيد فضلا عن أن يكون ضارا .. ولن أشجع غيري على ماينبغي لي تركه .. ولن احيي مجلسا بحضوري وأنا اعلم انه للهو أو لخوض في باطل سأنفض عنه وأحث غيري على ذلك..ولن اسب أحدا أو أكذبه .. ولن أتكلم إن كنت اعلم أن لااحد يصغي .. ولن أقول سرا مااخشى افتضاحه علانية .

إن علمت أني لن أخرج من نقاشي أو حواري بأمر جديد علي .. ولن أصحح لغيري مفهوم أرى انه ينبغي له التصحيح.. أو لم أسعى لتثبيت فكرة لدي خشيت أنها بحاجة إلى إيضاح .. ولو لم يزدني حواري خبرة أو يلفت نظري إلى شاردة أو لم يذكرني بأمر نسيته .. أو يبصرني بشئ أظنني بحاجة إليه .. ولن أديم به ودا أو أصل به رحما.. فلا حاجة لي بهذا الحوار .

فإن كنت في مجلس فقبل أن أقوم منه سأتذكر أن اردد كفارته .. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .