الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين .

سبحان من قصرت الأفهام عن ذاتيته وعجزت الأوهام عن كيفيته

أخطأ من قال بأن العقل مادي بالذات وهو مادة في ادراكه ووعيه للوقائع كافة

قال الحسن الحلاج رحمه الله : لا يجوز لمن يرى غير الله أو يذكر غير الله أن يقول عرفت الله
وقال سفيان بن عيينة : ما أنعم الله على العباد نعمة أفضل من أن عرفهم لا الاه الا الله ، وأن لا الاه الا الله في الآخرة كالماء في الدنيا .

حجب الله تعالى الخلق عن معرفة كنه ذاته ودلهم عليه بآياته المودعة بعنايته وحكمته الجلية لتتحقق رؤية العلم ظاهرا في ملكه وقدرته تعظيما لعزته وعلوه فيستشعر العبد الموقن كنه أبعاد موغلة فيستكين .
والعبادة لا تتزكى الا بالعلم والفكر والتأمل وكلما ارتقى العلم أصبح مشاهدة ونورا ، والعبد المخلوق شاهد بقلبه عظمة ما يحيط به والقلب مجازا هو العقل المبصر
الذي يفقه الحقائق وما القلب والروح والنفس والعقل الا تجانس واحد لمظهر واحد لغاية واحدة وادراك واحد وهي المحل الأرفع الخالي من كل الشوائب ، والابصار هو :
الاستنارة الداخلية ومثله كالشمعة التي تضيء الأعماق ، فكلما كان ابصارك قويا ازداد وهج نور الشمعة فأنار في صفاء .
والعبد الموقن يرى وفق الأبعاد المحكمة والمرسومة بعناية ربانية واذا قوي ابصاره العقلي فانه يرى وراء هذه الأبعاد ويتذوق دون أن يعرف كنه هذه المعادلة الباهرة فكلما ارتقى بمعرفته عرف وعلم وشاهد برؤية العلم .
ومن ميزة العقل التصديق وهذا يحمل في حذ ذاته معاني جليلة من الطهر والصفاء، وليس لها أي تفسير في المصطلحات المادية سوى أنها نور يرقى لكمال معرفي ومشاهدة واعية وتحقق وعلم وهذا الادراك المعرفي هو اللب المميز في الانسان في صفاءه ونوره .
والمعرفة القلبية هي المعرفة العقلية في سموها وارتقاءها ومعادلة باهرة لا تخطئ في تمييزها بين الحق والباطل .
وبالعقل صار الانسان خليفة الله في الأرض ، وهو القيمة الحقيقية للانسان فالعبد يعتريه احساس عميق بوجوده في مكان حقيقي مفارقا في الحقيقة كل أشكال عمليات الدماغ الذي يحق له أن ينقل الصور كيفما يشاء ، اذن فالعقل مطلقا -في سموه- هو الأقرب الى الحقائق الملكوتية وله استقلالية خاصة ومخالفة لكل ما يحمل صبغة مادية وهو جوهر متميز عن الدماغ وحقيقته غير مادية .
ويبقى السؤال المثير الذي يثير جدالا قويا في الأوساط العلمية والذي لم تجب عنه الحضارات المتعاقبة هل التفكير عملية مادية بحثة
لا علاقة للروح بها من قريب أو بعيد ؟ يبقى هذا السؤال بلا مقدمات وبحاجة الى تمحيص أدق لأنه بمجرد ذكرنا التفكير يتبادر الى أذهاننا العقل ونطاقه فيطرح السؤال العميق ما حقيقة وماهية العقل ؟ .
فأبحاث العالم الكندي بنفيلد المتخصص في جراحة الدماغ بينت تجاربه الملموسة بعد أبحاث مضنية أن العقل لا يفسر الدماغ و هو جوهر مستقل عن الدماغ ، وأن حقيقته غير مادية ، ولقد انطلق هذا العالم في أبحاثه من أسس مادية بحثة فوصل الى هذه النتيجة .
أما أصحاب النظريات الحسية في الغرب فيقولون أن العقل مادي بالذات وهو مادة في ادراكه ووعيه للوقائع كافة ، وأقوال هؤلاء بحاجة الى اثباث وبرهان لأنه رغم تطور العلوم بفروعها المختلفة فهي لم تكشف عن حقيقة المادة في أدق جزيئاتها .
وكذلك فهم وادراك حقيقة كنه المادة هو نفسه بحاجة الى اثباث وبرهان عملي ذاتي .
فاذا كانت الصور المدركة بخصائصها الهندسية عبر الحواس تأخذ في أذهاننا أشكالا معينة يبقى السؤال المطروح هل هذه الأشكال قائمة في عضو مادي أو في صورة ميتافيزقية مجردة عن المادة ؟ خصوصا اذا علمنا أن الذرات بعوالمها المطلقة اللا متناهية هي في حركية وتجدد مستمرين ومعها خلايا الانسان وذلك في أقل من أجزاء من المليون في الثانية باسترسال دائم .
وكل مظاهر الكون بخصائصه الفريدة والمرتبطة بالمادة يستقرأها العقل بقرائنها وقياساتها وأبعادها المختلفة بتجدد دائم غير منقطع فيميز ويوازن ويحكم ويدرك .
وكما بين العلم أن الخط الفاصل للوجود المادي هو الكواركات وبعد هذه النقطة الفاصلة لا يمكن التعبير عن كل الأشياء الموجودة الا باعتبارها أنها طاقة ، ويبقى التصور النظري بعد هذه الحدود بحاجة الى اثباث ، لكن المثير حقا هو هذه الظواهر اللا محدودة والمتغيرة وهي في حقيقتها تفاعلات عميقة تحدث في محيط الذرة ومجالاتها فتجعل مواصفات معينة ودقيقة ولولاها ما رأينا هذه النظم المودعة في الكون بهذه الدقة وهذه المواصفات التي لا تنتهي الى حد .
والعقل مطلقا -في سموه - كما ذكرت له المحل الأرفع الخالي من كل الشوائب والارهاصات متتبع لهذه المجريات يعتريه احساس عميق بوجوده الحقيقي في مكان حقيقي وهذا يدل على أنه القيمة الحقيقية في الوجود بغض النظر عن عمليات الدماغ بكل أجزاءه وصوره
وهذه القيمة الحقيقية لا تفارقه في كل المراحل الارتقائية المعرفية
وهي ليست مجرد مكتسبة بل ضرورية ولازمة لأنها لا تهدم .
ولا يعكر صفو العقل الا أوهام الحواس والخيالات لذا فالمعرفة القلبية هي المعرفة العقلية في سموها وارتقاءها بتصفية نوازعها وهي معادلة برهانية ايجابية لا تخطئ في تمييزها بين الحق والباطل ولها فاعلية مؤثرة .
ولعل التجربة التي عاشتها تلك السيدة التي أخبرها الأطباء بعد الكشف عن مرضها الخطير بعد
فحوص دقيقة مخبرية وأخبروها عن قرب موتها فالتجأت الى باريها فأشفاها الله شفاءا تاما
وبينت الفحوص ذلك فحار الأطباء ، فماذا يمكن القول وماذا حدث على المستوى المادي وماذا يقول أصحاب النظريات الحسية ؟
فهذه التجربة بينت أننا نحمل في أعماقنا-المحل الأرفع- أو الروح ما يفعل المادة والخلايا والتي هي في تفاعل وتجدد دائم فتنقيها وتطهرها وتشفيها وتسمو بها الى الصفاء والنور باتباعها السبل الصحيحة .