إلى كل قياديّ في رحلة الصعود أو التغيير:
تحقّق من انسجامك مع ثقافة المواقع الجديدة

خبير التدريب والمرشد العالميّ: مارشال غولدسميث
عزيزي القارئ هل سمعت السؤال التالي من حولك، أو شعرت به يتردّد في داخلك:

في رحلتي المهنية صعوداً عبر المستويات التنظيمية لاحظت معدّل تقلبٍ كبيراً في المناصب العليا. يبدو أنّ كثيراً من الموظفين الموهوبين الذي كانوا ناجحين نجاحاً متميزاً في مواقعه السابقة يخفقون في الثبات بعد صعود درجات السلّم.

ترى كيف يمكنني أن أبعد عن نفسي قدر المستطاع أشباح هذا النوع من الإخفاق؟

أجل، إنّ تحدّي الارتقاء بنجاح ثم الثبات والازدهار يبقى في عالم اليوم من أهم التحدّيات التي يواجهها التنفيذيّون. ولأنّ سؤال الباحثين المجرّبين يختصر علينا الوقت والجهد، ويطلعنا على إطلالات لم نكن لننتبه لها فإنني أعتمد في الإجابة على هذا التساؤل على عمل الخبيرين والمؤلفين نات ستودارد وكلير ويكوف المقدّم في كتابهما الأخير "القائد المناسب: كيف نختار التنفيذي الملائم لموقعه"

العمل في الموقع المناسب أهم من العمل بالأسلوب المناسب
يقول الكاتبان: إنّ ما يراه كثيرٌ من الموظفين المترقّين من فشلٍ إبان الانتقال صعوداً مشاهدةً واقعية. أكثر من 64 % من الرؤساء التنفيذيين الجدد يخفقون في الاستمرار بعد سنتهم الرابعة وراء دفة القيادة، و40% يتقهقرون ويرفعون الراية البيضاء بعد سنةٍ ونصف.

إنّ معدّلات التقلّب لدى كل أنواع كبار القادة التنفيذيين قد ازدادت في أمريكا زيادةً كبيرةً خلال العقد الماضي، بل هي في الحقيقة تربو على معدلات التقلب المسجلة خلال التسعينات بأكثر من ثلاثة أضعاف.

المشكلة ليست أن أولئك التنفيذيين لا يقومون بوظائفهم. وإنما ترجع المشكلة في كثير من الأحيان إلى أنهم لا "يلائمون" الموقف الجديد ملائمة حسنةً تكفي لتحقيق التغييرات المرجوّة منهم.

والمقصود "بالملاءمة" هنا هو كم تتناغم شخصية القائد (وخصوصاً قيمه وقناعاته) مع ثقافة الشركة التي يراد توليد التغييرات المنشودة فيها. إن كانت شخصية القائد غير متناغمة (أو متوازية) مع شخصية المؤسسة فإنّ "الاتباعيّة" لن تتحقّق للقائد أبداً.

إن الناس لن يثقوا بقائدٍ لا يشاركهم قيمهم، ومن دون الثقة لا يمكن أن يتبعوه. وبالنظر إلى هذه النقطة نتفهّم تماماً كيف أنّ ضعف التلاؤم (أو التوازي) بين القياديّ الجديد وبين قيم المؤسسة التي يقودها يؤدّي إلى إخفاق كثيرٍ من القادة الصاعدين أو المنتقلين إلى مواقع قيادية جديدة.

عندما تفكّر في ترقية أو انتقال متاح فإنّ أحد أهم العوامل التي يجب أن تهتمّ بها هو حسن انسجامك مع ثقافة تلك المؤسسة الجديدة. لا تكتف بالنظر في مدى ملاءمة مهاراتك وقدراتك لاحتياجات تلك المؤسسة.

وفي تقدير حسن انسجام شخصيتك مع ثقافة المؤسسة هناك ثلاثة عناصر ينبغي البحث فيها:
- ثقافة المنظمة عموماً.
- ثقافة الفريق الذي ستكون عضواً فيه
- ثقافة الفريق الذي تنتظر منك قيادته

وفي السطور التالية نورد أهمّ النقاط التي تنبغي مراعاتها حتّى يكون صعود القياديّ الجديد خالياً من الخلاف المدمّر والاصطدام السلبيّ مع ثقافة الموقع الجديد الذي انتقل إليه.

1- اعرف نفسك
إننا نحثّ المرشّحين للترقّي أو الانتقال على إجراء عددٍ من الاختبارات النفسية والسلوكية، إذ من المهمّ جداً أن تتفهّم مكوّنات نفسك تفهّماً شاملاً عميقاً قدر الإمكان، وخصوصاً ما يتصل بممارسة العمل من قناعات وأساليب صناعةِ القرار.

ومن المفيد أيضاً تحديد جوانب الثقافات المختلفة التي تتفق معها والتي لا تتفق معها. دوّن هذه الجوانب على قائمة وارجع إليها أثناء بحثك وتحليلك المعطيات الخاصة بفرص الترقّي أو الانتقال المتاحة أمامك.

2- استكشف وتفهّم ثقافة الموقع الجديد:
ترى هل يتعامل الناس الذين تقابلهم في هذه المؤسسة مع الثقافة التنظيمية تعاملاً سطحياً متهاوناً؟ إن العبارات والإشارات الصادرة في هذا السياق تنبؤك بالكثير عن أهميّة الثقافة النسبية في هذه المؤسسة، وعن تفهّم أعضائها للتحدّيات التي يواجهها القادة المنتقلون حديثاً.

3- استخدم شبكة علاقاتك للتحقق من رؤيتك لثقافات المؤسسات:
إن الموظفين السابقين، والمورّدين، والاستشاريين يمكنهم أن يلقوا الأضواء ويكشفوا لك عمّا ستواجهه في تلك المؤسسة فعلاً. ويمكنك أيضاً أن تستأذن للحديث مع عددٍ من الزملاء المحتملين، والتابعين المباشرين، ومع رئيس رئيسك، ومع بعض أعضاء مجلس الإدارة.

تمعّن ملياً في الأسئلة التي تريد طرحها حول "كيفية القيام بالأعمال المختلفة في تلك الشركة" حتّى تصل إلى تقدير التوافق مع تركيبة ثقافتها.

تذكّر:
بالرغم من أنّ موقعاً جديداً قد يبدو منسجماً معك مئةً بالمئة فإنّ التقصير في "التلاؤم" مع مكوّنات ثقافة الشركة الجديدة سوف يزيد زيادةً كبيرةً من احتمالات تحوّلك إلى رقمٍ جديد في سجل "كان على هذا الكرسي ثم مضى".

والنقطة الأخرى الجديرة بالاهتمام هي أنّه مع ارتفاع المستوى الذي تبلغه في المنظمة تزداد أهمية تلاؤمك مع ثقافتها وتزداد صعوبة التعافي وتدارك تبعات التجارب الفاشلة بسبب ضعف الانسجام.