رواية المتاهة الرمادية .
تسلط الرواية الضوء على ظاهرة تتعلق بالتركيب النفسي الإنساني و هي السبب في كثير من المشكلات و المصائب و ربما الحروب.الا و هي ( إغلاق الواقع ) .
و يقصد بهذا المصطلح ان الأنسان يدرك جزء معين فقط من الواقع او الموقف الذي يتعرض له و لا يرى بقية عناصر الواقع او مكوناته , و بعبارة اخرى ان الانسان يرى الحياة بمنظور معين لا يستطيع ادراك الواقع خارج اطاره .
و لو بحثنا في اسباب ذلك لوجدنا عدة امور منها :
اولا تركيب و طبيعة العقل الانساني :
عقل الأنسان لا يمكنه التركيز في اكثر من امر في وقت واحد , فالعقل البشري مصمم كي يدرك معطيات لا تزيد عن السبعة و يقوم بتجاهل الباقي , فعلى سبيل المثال و انا اكتب هذه السطور هناك عدة اشارات تصل الى اجهزة الأحساس لدي لكن عقلي يقوم بتجاهل اكثرها و لا استطيع ادراكها الا عندما اركز عليها , فأنا الان اقوم بالتركيز على ما يعرض لي في الشاشة و افكر في انتقاء الكلمات التي اكتبها , هناك احاسيس لا ألاحظها الا عندما احاول التركيز عليها فعلى سبيل المثال :
هناك الم اسفل ظهري نتيجة للجلوس المتواصل على الكمبيوتر ,احساس ضغط جسدي على الكرسي , هناك نسمة هواء تنساب من باب الغرفة المفتوح جزئيا, مروحة الكمبيوتر تصدر صوت خافت, رائحة كعك قادمة من المطبخ, صوت السيارات في الخارج . هناك هاتف يرن في الغرفة المجاورة .
كل هذه الأحساسات يقوم العقل بتجاهلها لينقل لي الإحساسات التي اركز عليها او الإحساسات القوية او المزعجة – كصوت اخي الذي يتحدث في الهاتف هذه اللحظة .
ثانيا خدع الدفاع النفسي :
يساهم العقل الباطن بشكل كبير في مسألة ( إغلاق الواقع ) و ذلك عن طريق خدع الدفاع النفسي. لكن لنقم اولا بتعريف خدع الدفاع النفسي :
عمليات لاشعورية ترمي إلى تخفيف التوتر النفسي المؤلم وحالات الضيق و القلق التي تنشأ عن استمرار حالة الإحباط مدة طويلة بسبب عجز المرء عن التغلب على العوائق التي تعترض إشباع دوافعه.

و اكثر حيل الدفاع النفسي استخداما الإنكار و التبرير.
فمثال الإنكار: طفلة توفي والدها لكنها تنكر ذلك و تعيش على يقين ان والدها ما يزال حيا ..
و مثال التبرير: ان يبرر شخصا فشله في الإقلاع عن التدخين بأنه يتعرض لضغوط شديدة في العمل مما يجبره على التدخين.
و في حديثنا عن حيل الدفاع النفسي يجب ان نؤكد على حقيقتين :
أنها تعمل بطريقة لا شعورية فلا يدرك الإنسان حدوثها بل يعتقد انها امر طبيعي و التصرف السليم لهذا الموقف.
أنها تشوه الواقع وتزيفه و تقلب الحقائق مما يجعلنا لا نرى الواقع كما هو بل ما يمليه علينا هذا التشويه .
و هذا التشويه للأسف تنبني عليه آرائنا و أحكامنا بل و تصرفاتنا مع الآخرين و التي لا تتناسب في كثير من الأحيان مع الواقع و الحقيقة لكننا مؤمنين تمام الأيمان انها صحيحة و اننا على حق. و من ناحية اخرى يرى الآخرين انهم على حق لأنهم ايضا تحت تأثير تشوية و تزييف ( الا شعور ). و من هنا يتضح ان المشكلات الكبرى و التي تبدو بدون حل إطلاقا في كثير من الأحيان سببها بسيط و هو ان كل طرف ينظر الى المشكلة من زاويته الخاصة فيؤمن إيمان جازم بأنه على حق .
و مفهوم ( إغلاق الواقع ) يقودنا أيضا الى تفسير نوع معين من الجرائم , و هي ( الجرائم النبيلة ), اناس مدفوعين بنية خالصة و هدف نبيل لكنهم يرتكبون ابشع الجرائم في طريقهم الى أهدافهم السامية - تحت مبدأ ( الغاية النبيلة تبرر الوسيلة) , و قد جسد الكاتب هذا النوع من البشر في شخصية الجنرال هايروكي , و الذي دفعه حبه لبلاده و دفاعه عن شعبه بأن يقوم بقتل كل من يظن مجرد ظن انه يتعامل مع العدو كما انه كان مجرما سفاحا في معاركه ..
و هو في كل ذلك يؤمن كل الأيمان ان ما دامت نواياه نبيلة و نيته خالصة فكل ما يفعله في سبيلها لا يهم ,, و مهما فعل سيبقى ابد الدهر يرى نفسه ذلك النبيل صاحب المبادئ الذي يسرق كي يطعم الفقراء .