تحسن العلاقات الدبلوماسية بين الغرب وإيران يمكن أن يفتر بسرعة إذا لم يتمكن الجانبان من السيطرة على كثير من الجوانب المتغيرة فى برنامج طهران النووى المثير للجدل تحت ضغط أكثر من ثلاثة عقود من انعدام الثقة.

ولا يتعلق النزاع فقط بأن يمنع الغرب إيران من صنع قنبلة نووية وإنما يمنعها من توسيع قدراتها والوصول إلى نقطة تعرف باسم "الانطلاق" التى يمكن عندها تحقيق تقدم سريع نحو صنع أسلحة نووية- إذا اختارت ذلك.

وهناك حاجة لتحقيق كثير من الشروط حتى لمجرد التوصل إلى اتفاق مؤقت لإبطاء البرنامج النووى الإيرانى ومنعه من الوصول إلى نقطة- يتوقع بعض الخبراء النوويين الوصول اليها بحلول منتصف العام القادم- قد تضطر الولايات المتحدة وإسرائيل عندها إلى القيام بعمل عسكرى لمنع إيران من التقدم أكثر نحو صنع قنبلة.

وقال شاشانك جوشى الخبير بالمعهد الملكى للخدمات المتحدة فى لندن "يدور الجدل أكثر حول (النقطة التى تعرف باسم) الانطلاق".

وعلى عكس الهند وباكستان اللتين طورتا أسلحة نووية سرا قبل اجراء اختبارات علنية عام 1998 فإن إيران عضو فى معاهدة حظر الانتشار النووى الأمر الذى يخضعها للتفتيش الدولى، ونتيجة لذلك سيعرف العالم الخارجى بسرعة إذا حققت تقدما مفاجئا لصنع قنبلة نووية.

وتحقق إيران تقدما فى قدراتها النووية- بما فى ذلك قدرتها على تخصيب اليورانيوم- بمعدل جعلها تقلل الوقت الذى تحتاج إليه للوصول إلى نقطة الانطلاق مما يعنى انه يمكنها صنع قنبلة قبل أن يتمكن الغرب من رصدها ومنعها.

وقال جوشي: "المسألة التى تلوح فى الأفق الآن هى قدرتها على تخصيب اليورانيوم، بحلول منتصف العام القادم ستكون قدرتها عالية جدا حتى أن البعض يخشى من انه عند ذلك المستوى الخطير ستكون قد وصلت إلى نقطة الانطلاق التى لا يمكن عندها رصدها".
وتؤكد إيران أنها لا تسعى إلى صنع أسلحة نووية- وهو تأكيد كرره مجددا الأسبوع الماضى الرئيس الإيرانى الجديد حسن روحانى الذى أثارت مفاتحاته الدبلوماسية للغرب الآمال بتحقيق تقدم فى النزاع النووى المستمر منذ فترة طويلة.

وأصدر الزعيم الأعلى على خامنئى الذى له القول الفصل فى البرنامج النووى فتوى ضد الأسلحة النووية قائلا إنها تتنافى مع الإسلام. ويعتقد خبراء نوويون غربيون أن هذه الفتوى سارية فى الوقت الراهن.

لكن مهدى خلجى وهو دارس للفقه الشيعى وباحث فى الشؤون الإيرانية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى قال: إن فتوى خامنئى يمكن أن تتغير على سبيل المثال إذا واجه الحكام الإيرانيون ما يعتقدون انه تهديد للوجود.

وأضاف "فى الفقه الشيعى نعتقد انه لا يمكن التوصل إلى الحقيقة (المطلقة) وبالتالى فأنها إلى حد ما نسبية للغاية"، مضيفاً أن صنع القرار فى إيران يحركه "مبدأ تشخيص مصلحة النظام. .. لذلك فان منطق صنع القرار عملى ويحافظ على البقاء أكثر منه على نظام الفقه الإسلامى"؛ وعلاوة على ذلك لا تغطى الفتوى سوى القنابل النووية فقط.

وتابع: "لم يقل (خامنئي) قط أن القدرات النووية ضد الشريعة ولم يقل قط أن الجانب العسكرى للبرنامج النووى ضد الشريعة. . كل ما قاله متعلق بالقنبلة فى حد ذاتها"، ومع إصرار إيران على حقها السيادى فى تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية فإن أى حل للنزاع يجب أن يحدث نوعا من التوازن بين رغبة طهران فى الاحتفاظ بقدراتها وإصرار الغرب على تقييدها.

وأى اتفاق يمكن أن يصبح مؤقتا مقابل رفع جزئى للعقوبات أو تسوية نووية طويلة المدى أو "مساومة كبرى" بين واشنطن وطهران تحل الخلافات التى ترجع إلى الثورة الإيرانية عام 1979.
واقترح بعض المحللين مزيجاً بين هذه العمليات التى بموجبها تؤدى محادثات أمريكية إيرانية بشأن قضايا أمنية غير نووية من بينها سوريا إلى بناء الثقة التى يقوم عليها إحراز التقدم فى المفاوضات النووية بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا (الدول الخمس زائد واحد).

لكن إذا كانت إدارة الجوانب المتغيرة فى مسارات تفاوض موازية أمرا صعبا فإن الاتفاق حتى على الشروط الأساسية لاتفاق مؤقت يمكن أن تصبح أكثر صعوبة.

ويرجع هذا فى جزء منه إلى أن تحقيق سرعة الانطلاق يتوقف على عوامل عدة من بينها حجم مخزون اليورانيوم لدى إيران والتقدم التكنولوجى الذى حققته وما إذا كان لديها مواقع تخصيب لم تكشف عنها من قبل.

وعلى مدار العام المنصرم تركز قدر كبير من الاهتمام على قيام إيران بتخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20 فى المئة وهو مستوى يمكنها عنده وبسرعة التخصيب إلى مستوى 90 فى المئة وهى الدرجة المستخدمة فى صنع أسلحة بعد أن قال رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو أنه لن يسمح لطهران بامتلاك ما يكفى من اليورانيوم المخصب اللازم لصنع قنبلة نووية واحدة.

وترى إسرائيل- التى يعتقد أنها الدولة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى تملك أسلحة نووية- أن إيران تمثل تهديدا لوجودها.
ويقدر خبراء أن ما يكفى من اليورانيوم لصنع قنبلة واحدة يعادل 25 كيلوجراما من اليورانيوم المخصب حتى درجة صنع أسلحة أو نحو 250 كيلوجراما من اليورانيوم المخصب حتى درجة 20 بالمئة، و"الخط الأحمر" الذى وضعه نتانياهو نجح إلى حد ما فيما يبدو.

فقد بقيت إيران دون ذلك المستوى بتحويل بعض مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى مستوى 20 بالمائة إلى وقود للمفاعل.
ووفقا لتقرير "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" فى أغسطس، زاد مخزون إيران منذ مايو بمقدار 3.8 كيلوجرام فقط إلى 185.8 كيلوجرام لأسباب أهمها تحويله إلى وقود.
غير أن إيران فى نفس الوقت طورت أجهزة طرد مركزى متقدمة تستخدمها فى تخصيب اليورانيوم وبالتالى تحسين الكفاءة وسرعة تخصيب اليورانيوم وتقليل الوقت المحتمل للوصول إلى نقطة الانطلاق.
ورغم أن تعليق التخصيب إلى مستوى 20 بالمائة ضرورى لأى اتفاق مؤقت قد يعقبه توقف فى نهاية الأمر فى أى تسوية دائمة إلا أن هذا فى حد ذاته ليس كافيا لتخفيف مخاوف الغرب.

وفى دراسة نشرها فى يوليو معهد العلوم والأمن الدولى قال الكاتبان ديفيد اولبرايت وكريستينا والروند أن تطوير أجهزة الطرد المركزى يعنى أن إيران ستصل إلى "قدرة حاسمة"- وهى القدرة على انتاج ما يكفى من اليورانيوم من الدرجة المستخدمة فى صنع أسلحة من مخزونها لصنع شحنة نووية متفجرة دون أن يتم رصدها بحلول منتصف 2014.
وقال المعهد فى الدراسة: "منع إيران من الوصول إلى القدرة الحاسمة سيتطلب مجموعة واسعة من ردود الأفعال لكن أهمها هو الحد من عدد ونوع أجهزة الطرد المركزى التى تقوم إيران بصنعها".

ورغم القيود على مخزوناتها من اليورانيوم المخصب وفرض قيود على اجهزة الطرد المركزى يخشى الغرب من منشأة تخصيب اليورانيوم الإيرانية فى فوردو. ولأن منشأة التخصيب مدفونة على عمق 91 مترا تحت الارض فانه من الصعب ضربها بالقنابل إذا قرر الغرب أو إسرائيل الحاجة إلى القيام بعمل عسكرى.

ومن بين شروط التوصل إلى اتفاق مؤقت استمرار مراقبة منشأة فوردو بما فى ذلك استخدام كاميرات يتم التحكم فيها عن بعد.
ومع تركز الاهتمام فى الوقت الراهن على السرعة التى يمكن بها لإيران تحقيق الانطلاق يسعى الغرب إلى السماح لمفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول المواقع بصورة أكبر حتى يمكنهم رصد أى تحول إلى برنامج لصنع الأسلحة قبل أن يفوت الوقت لإيقافه.

ويشمل ذلك على أقل تقدير توقيع إيران على البروتوكول الاضافى الذى يمنح مفتشى الوكالة قدرا أكبر من الوصول إلى المنشآت النووية والحصول على معلومات ويعزز القدرة على رصد الأنشطة النووية التى لم يعلن عنها على أن يشمل ذلك أى مواقع لم يكشف عنها حتى الآن.
وحتى إذا تم التوصل إلى اتفاق مؤقت لإبطاء أو تعليق إيران لبرنامجها النووى فان هذه العملية سيكون أمامها طريق طويل تقطعه قبل التوصل إلى تسوية نهائية تبدد أسباب القلق العالقة لدى الغرب بشأن أبحاث الأسلحة الإيرانية.

ورغم أنه فى عام 2007 ذكر تقييم للمخابرات الأمريكية أن إيران علقت على الأرجح ما وصف بأنه برنامج أسلحة فى عام 2003 فإن تقريرا للوكالة الدولية للطاقة الذرية فى أواخر عام 2011، أشار إلى أن بعض أنشطة الأبحاث المتعلقة بالأسلحة ربما استمرت بعد عام 2003 وحتى عام 2009.

ومن التفاصيل الأخرى التى سعى الغرب للحصول عليها معلومات بشأن أبحاث الأسلحة النووية وإجراء لقاءات مع العلماء الإيرانيين.