بحث : العقم والعُقر.... بين الطب والقرآن



مقدمة:

من الحقائق التي قد تغيب عن بعض الأذهان أنه لا ينبغي لأحدٍ الاعتقاد بجواز وجود ترادف في ألفاظ الآيات القرآنية الكريمة، وهو ما ذهب إليه الإمامان ابن تيمية ومحمد عبده [ 10، 11] (1)وهو منطلق الحديث الحالي، فقد قمنا بمراجعة ما ورد في المعاجم اللغوية وشروح الآيات الكريمة، في محاولة لاستقراء أية فروق في الدلالة بين التعبيرين ( العُقم ) و ( العقر )، وهما تعبيران عريقان في اللغة العربية، ومعناهما عدم القدرة على الإنجاب، فلا تحمل المرأة ولا يولد للرجل، والصفتان هما: عاقر وعقيم، على الترتيب [ 12 16 ]. وبالرغم من اشتراكهما في المعنى، إلا أنه لم يرد ما يوضح بجلاء الفرق بين دلالة التعبيرين ( العقم ) و ( العقر ) في معاجم اللغة القديمة والحديثة حيث قيل: والعقر والعقر: العقم، وهو استعقام الرحم، وهو ألا تحمل [ 12 ].

وقيل: عقر وعقر وعقر، فهو عاقر: عقم، لم يولد [ 16 ]، وهذا وقد ورد التعبيران في آيات قرآنية عديدة، فورد التعبير ( عاقر )، وهو اشتقاق من التعبير الأول ( العقر )، في ثلاثة مواضع بالقرآن الكريم في سياق قصة زكريا عليه السلام، قوله تعالى:  هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) [آل عمران].
وقوله تعالى:  كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9) [سورة مريم].


بينما ورد التعبير: ( عقيم )، وهو اشتقاق من التعبير الثاني: ( العقم )، في أربعة مواضع بالقرآن الكريم، واحد منها في سياق قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهو قوله تعالى: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) [سورة الذاريات].


والثلاثة مواضع الأخرى في قوله تعالى:  لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) [سورة الشورى].


وقوله تعالى:  وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) [ سورة الحج].وقوله تعالى:  وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) [سورة الذاريات].


وقد خلط بعض المفسرين أيضاً، بين مدلول الصفتين، في شروح الآيات، وذهبوا إلى أن (عاقر ) تعني ( عقيم ).


ففي سورة آل عمران ( 40 ) قال القرطبي: أي: عقيم لا تلد [ 3 ].


وقال الألوسي: والعاقر العقيم التي لا تلد، من العقر وهو القطع، لأنها ذات عقر من الأولاد [ 7 ].


وكذلك في سورة مريم ( 5 ، 8 ).

قال القرطبي: إن امرأته كانت عقيماً لا تلد [ 3 ].

وفي سورة الذاريات ( 29 ) قال الألوسي وأبو السعود: أي: أنا عجوز عاقر فكيف ألد [ 8 7 ].

وقد انعكس هذا الاضطراب في فهم الفرق بين مدلول الصفتين ( عاقر ) و( عقيم ) على ترجمة معاني القرآن الكريم لعبد الله يوسف علي [ 9 ]، حيث تم استخدام التعبير الإنجليزي (barren)، وهو يعني: قاحل ( صفة الأرض ) [ 17 19 ]، أو غير مثمر ( صفة الثبات)، أو عاقر [ 17 ]، أو عقيم [ 17 19 ]، وذلك للتعبير عن (عاقر) في سورتي آل عمران (40 )، ومريم ( 5 ، 8 )، وكذلك للتعبير عن ( عقيم ) في سورتي الذاريات ( 29 ) والشورى ( 50 )، بينما في قوله تعالى: عذاب يوم عقيم الحج ( 55 )، وردت الترجمة كالآتي: ( the penalty of a day of disaster) وكلمة (disaster) تعني كارثة أو نكبة [17 ]، وعليه فالترجمة تعني عذاب يوم الكارثة أو النكبة.

وفي قوله تعالى: الريح العقيم الذاريات ( 41 ). قيل: (the devastating wind)، وكلمة (devastate) تعني يدمر أو يخرب [ 17 ]، وعليه فالتعبير يعني: الريح المدمرة أو المخربة.

من المعلوم طبياً وجود مصطلحان في اللغة الإنجليزية هما (Infertility) و (sterility)، يشتركان في المعنى، وهو عدم القدرة على التناسل، إلا أنه أصبح لكل منهما لاحقاً دلالة مختلفة في مجال الطب، فالمصطلح الأول يعني حالة نسبية وقابلة للعلاج، بينما المصطلح الثاني يعني مطلق عدم القدرة على التناسل، أي: أنها حالة غير عكوس [ 21 25 ].

إن إدراك الفروق الدقيقة في دلالة الألفاظ في اللغة العربية ذو أهمية حيوية في هذا المجال، فبدونه لا يمكن اختيار اللفظ العربي الصحيح والمقابل للمصطلحات الطبية الإنجليزية، ولذلك يجد المرء اضطراباً في تعريب المصطلحين، مما يدل على عدم الوضوح في الفهم، حيث جعلت (sterility) بمعنى عقم [ 17 19 ] أو عقامة [ 18 ] و (sterile) بمعنى عقيم [ 17 19 ] أو عاقر [ 18 ]، أما (Infertility) فبمعنى عقر [ 19 ] أو عقم [ 18 ، 19 ] أو عدم الإخصاب [ 17 ]، (Infertile) عقيم أو عاقر [ 18 19 ] أو غير مخصب ( صفة للبيضة ) [ 17 ].

ويبقى ( العقم ) هو التعبير الشائع عن كل من التعبيرين في معظم الأحيان بين العامة والمتخصصين الذين قاموا بإنشاء الكثير من المراكز الطبية الحديثة في العالم العربي، والتي أطلق عليها مراكز العقم [ 26 31 ].

يذهب الباحث إلى أن التعبيرين ( العقم ) و ( العقر ) يشتركان في الدلالة على عدم القدرة على الإنجاب، فلا تحمل المرأة ولا يولد للرجل، وأن ل ( العقر ) مدى من الأقل إلى أشد، وأنه قابل للعلاج.

أما مطلق ( العقر )، وهو ( العقم )، فهو غير قابل للعلاج ولا يبرأ منه، فلا يولد للمصاب به أي طفل، ف ( العقم ) هو من ( العقر ) وهو أشده ومنتهاه وأي منهما من الممكن حدوثه قبل أن يولد للمرء أي طفل، أو بعد أن يولد للمرء وهذه الدلالات ثابتة منذ أمد طويل، كما تدل عليه اللغة والآيات الكريمة، وبقبول ذلك يمكن إعادة تدبر الآيات الكريمة بالنظر في حكمة ورود أي تعبير منهما في السياق، كما أنه يمكن مراجعة التعريف الطبي للمصطلحات الإنجليزية، وهي تعاريف مستحدثة.

وعليه: يذهب الباحث إلى أن (sterility) تعني ( عقم ) و(sterile) تعني ( عقيم )، ثم إن كلمة (Infertility) تعني ( عقر ) و(Infertile) تعني ( عاقر ).

وعليه: فإنه لا يجوز للأطباء ادعاء علاج ( العقم )، بل إن كان ما يعالج هو ( العقر ).

والأدلة على صحة هذا الرأي هي:

عدم القدرة على الإنجاب إما أن تكون نسبية ( العقر ) أو مطلقة ( العقم ):

( 1 ) ( العقم ) في اللغة:

(أ ) ( العقم ) و ( العقم ) بفتح العين وضمها [ 12 14، 16 ]: هزمة تقع في الرحم فلا تقبل الولد [ 12 ، 14 ]. عقم يعقم عقماً عقيم: كان به ما يحول دون الإنجاب، والجمع عقماء وعقام، وللمؤنث [ 16 ] عقائم وعقم [ 12 14 ، 16 ].

وأصل ( العقم ) في اللغة: القطع [ 12 ]. وقاله المفسرون، أيضاً، في شرح الآية ( 42 ) من سورة الشورى [ 3 ، 5 ، 6 ]، ومنه يقال الملك عقيم [ 3 ، 5 ، 12 14 ] لأنه تقطع فيه الأرحام بالقتل والعقوق [ 3 ، 5 ، 12 ] فلا ينفع فيه نسب لأن الأب يقتل ابنه على الملك [ 12 14 ].

ويلاحظ علاقة ذلك المدلول ل ( عقيم ) بالتعبير ( الأبتر ) والذي ورد في قوله تعالى: إن شانئك هو الأبتر ( 3 ) ]الكوثر ].

وقيل: إن أصل البتر: القطع [ 3 ، 6 ، 7 ]، يقال بترت الشيء بتراً قطعته [ 3 ، 6 ] قبل الإتمام [ 3 ].

والأبتر من الدواب: الذي لا ذنب له [ 3 ، 6 ، 7 ].

وكان العرب يقولون إذا مات الذكور من أولاد الرجل: قد بتر فلان [ 3 4 6 ]، فالأبتر من الرجال: الذي لا ولد له [ 3 ، 6 ]، أي: لا عقب له [ 4 ، 7 ]، فإذا هلك انقطع ذكره [ 3 7 ].

وكذلك كل أمر انقطع من الخير أثره فهو ابتر [ 3 ، 6 ].

وقال المفسرون في شرح الآية الكريمة: يعني بقوله جل ثناؤه: إن شانئك إن مبغضك [ 2 8 ] يا محمد وعدوك [ 2 ] ومبغض ما جئت به من الهدى والحق [ 4 ] هو الأبتر، أي: الأقل والأذل [ 2 ، 4 ] والمنقطع عقبه [ 2 ]، أي: الذي لا عقب له [ 2 ، 5 ، 6 ، 7 ، 8 ]، حيث لا يبقى منه نسل [ 5 ، 7 ، 8 ] أو ولد [ 2 ]، والمنقطع ذكره [ 4 ، 6 ] بعد موته [ 6 ]، فلا يبقى منه حسن ذكر [ 5 ، 7 ، 8 ]، فهو منقطع عن الخير على العموم، ومنع خيري الدنيا والآخرة [ 6 ].

وعليه، فإن كلاً من ( العقيم ) و ( الأبتر ) يدل على القطع والانقطاع، و( العقيم ) أشد، حيث لا يولد للمرء فهو مقطوع النسل، بينما ( الأبتر ) يولد له ولكن الذكور من أولاده يموتون في حياته، وقبل أن تكون لهم ذرية، فلا يعقبه أحد، فهو منقطع الذكر.

( ب ) في الحديث الشريف: ( العقل عقلان، فأما عقل صاحب الدنيا فعقيم، وأما عقل صاحب الآخرة فمثمر ).

والعقيم هاهنا الذي لا ينفع ولا يرد خيراً على المثل [ 12 ]، أي: أنه غير منتج [ 16 ]، ف (العقم ) يقطع الخير والإنتاج، والعقل العقيم لا يثمر كالإنسان العقيم لا نسل له.

( ج ) داء عقام وعقام:لا يبرأ [ 12 14 ]، ورجل عقام: رجل لا يولد له [ 12 14 ].

وقال أبو دهبل يمدح عبد الله بن الأزرق المخزومي:

عقم النساء فلا يلدن شبيهه إن النساء بمثله عقم [ 12 ]

وقد ورد هذا البيت في التفاسير في شرح الآية ( 50 ) من سورة الشورى [ 3 ، 6 ].

ويلاحظ أن الشاعر قد أتى بلفظي ( عقم ) و ( عقم ) من مادة ( عقم )، وهذا يتفق مع ما يذهب إليه الباحث لأنها تفيد مطلق عدم قدرة النساء على ولادة شبيهة لأن ( العقم ) لا يبرأ منه، فلم يأت الشاعر بالمشتقات من مادة ( عقر ) لأن ( العقر ) من الممكن زواله وولادة شبيهة.




2- ( العقم ) في الآيات الكريمة:

( أ ) في سورة الذاريات ( 29 ):قيل: العقيم: التي لا تلد [ 2 ]، أي: قالت أنا عجوز عقيم، فكيف ألد [ 3 ـ 8 ]، كما حكى الله تعالى عنها قولها:  قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) [سورة هود]:[ 3 ] فاستبعدت ذلك لوصفين من اجتماعهما:
أحدهما: كبر السن.

والثاني: العقم [ 5 ، 6]،لأنها كانت لا تلد في صغر سنها، وعنفوان شبابها، ثم عجزت وأيست فاستبعدت [ 5 ]، وكان بين البشارة والولادة سنة، وكانت سارة لم تلد قبل ذلك [ 3 ] فولدت وهي بنت تسع وتسعين سنة، وإبراهيم عليه السلام يومئذٍ ابن مئة سنة [ 3 ، 6 ].
وجاء في شروح قوله تعالى:  قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) [سورة هود]: وقدمت بيان حالها إذ ربما يولد للشيوخ من الشباب، أما العجائز فداؤهن عقام، ولأن البشارة متوجهة إليها صريحة [ 7 ، 8 ].

وهذه المعاني تؤيد ما يراه الباحث، وخاصة اقتران كبر السن بالعقم.
قوله تعالى: عجوز عقيم ،حيث يحدث تغير وظيفي طبيعي مع تقدم العمر يشمل ضمور المبيضين وخلوهما من النطف ( البيضات ) ببلوغ سن الإياس ( أو اليأس ) في المرأة، أي: انقطاع الحيض، وبالتالي تفقد المرأة ـ بصفة نهائية ومطلقة ـ قدرتها على الحمل [ 22 ].

والارتباط بين انقطاع الحيض في النسوة العجائز وعدم القدرة على الإنجاب حقيقة معروفة منذ زمن طويل، ومما يدل على ذلك شروح بعض المفسرين لقوله تعالى:  وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) [ سورة هود ]حيث قيل: قوله تعالى:  فَضَحِكَتْ بمعنى: حاضت [ 2 ، 3 ، 5 ـ 8 ]، ونقل ذلك عن مجاهد [ 2 ، 3 ، 5 ـ 8 ]، وعكرمة [ 3 ، 5 ـ 7 ] وابن عباس وابن عمر [ 7 ].

( ب ) في سورة الشورى ( 49 ، 50 ): قيل: معنى الآيات هو: فيهب لبعض إما صنفاً واحداً من ذكر أو أنثى وإما صنفين، ويعقم آخرين [ 8 ].
وقوله تعالى: عقيماً ،أي: يمنعه هذا وهذا فلا نسل له [ 4 ]، أي: لا يولد له [ 3 ـ 7 ] ذكر ولا أنثى [ 6 ].
ومما يدل أيضاً، على صحة مذهب الباحث ما ورد في التفاسير من أن هذه الآية نزلت في الأنبياء ـ عليهم السلام ـ خصوصاً، وإن عم حكمها: وهب للوط وشعيب الإناث ليس معهن ذكر، ووهب لإبراهيم الذكور ليس معهم أنثى، ووهب لآدم وإسماعيل وإسحاق ومحمد الذكور والإناث وجعل عيسى ويحيى عقيمين [ 3 ـ 8 ].

( جـ ) سورة الحج ( 55):قوله تعالى: أو يأتيهم عذاب يوم عظيم اختلف في هذا اليوم أي يوم هو؟ فقيل: هل يوم القيامة. وقيل: هو يوم بدر [ 2 ـ 8 ]، وقيل: المراد بيوم عقيم يوم موتهم، فإنه لا يوم بعد بالنسبة إليهم [ 7 ]، وشرح وصف اليوم بأنه ( يوم عقيم ) لأن يوم القيامة يوم لا ليلة بعده [ 2 ، 3. 4 ، 6 ] أي: لا يوم بعده [ 6 ]. والعقيم في اللغة: من لا يكون له ولد [ 3 ، 6]، ولما كان الولد يكون بين الأبوين [ 3 ] كهيئة الولادة، ولما لم يكن بعد ذلك اليوم يوم وصف العقم [ 3 ، 6 ، 7 ، 8 ]. وكذلك يوم بدر لأنهم لم ينظروا فيه إلى الليل، بل قتلوا قبل المساء، فصار يوماً لا ليلة له [ 2 ، 3 ]، وهذا يؤيد رأي الباحث.

( د ) في سورة الذاريات ( 41 ):قيل: ( العقيم ) فعيل بمعنى مفعول، وكذلك بمعنى فاعل [5 ، 7 ]، ومنه امرأة عقيم لا تحمل ولا تلد [ 3 ]، كأنه شبه عدم تضمن المنفعة بعقم المرأة فعيل بمعنى فاعل من اللازم [ 7 ]، أي: الريح المفسدة التي لا تنتج شيئاً [ 4 ]، فهي لا تلقح شيئاً [ 2 ، 7]، لا تلقح نباتاً [ 2 ]، ولا الشجر [ 2 ، 3 ، 6 ـ 8]، ولا تلقح [ 3 ]، ولا تثير [ 2 ]، السحاب [ 2 ، 3 ]، ولا تحمل مطراً [ 6 ـ 8 ]، أي: ليس فيها خير [ 6 ، 8 ]، ولا بركة [ 2 ، 3 ، 6 ، 7 ]، ولا رحمة [ 3 ]، ولا منفعة [ 3 ، 7 ].
وقيل: سميت عقيماً لأنها أهلكتهم وقطعت دابرهم [ 7 ـ 8 ]، على أن هناك استعارة تبعية شبه إهلاكهم وقطع دابرهم بعقم النساء وعدم حملهن لما فيه من إذهاب النسل ثم أطلق المشبه به على المشبه واشتق منه العقيم [ 7 ].

( 3 ) ( العقر ) في اللغة:

( أ ) ( العقرة ) والعقر والعقر [12]، وقد عقرت المرأة [12 ، 14 ـ 16 ]، تعقر [13 ، 14 ـ 16]، عقراً [12 ، 14 ـ 16]، وعقراً [12 ، 14]، وعقاراً [14]، وعقارة وعقارة [12]، وعقرت عقاراً [12 ، 16 ]، فهي عاقر [12 ، 14 ، 16]، والجمع عقر [12 ، 14]، وعواقر وعاقرات [15]، وعقر الرجل مثل المرأة أيضاً [12]، ورجل عاقر [12 ، 16]، وعقير [12 ، 14]، لا [12 ـ 14 ، 16]، أو لم [15]، يؤله له [12 ـ 16]، ولد [14]، والجمع عفر [12 ، 15 ، 16]، وقد ( عقرت ) المرأة تعقر بالضم ( عقراً ) بضم العين أي: صارت عاقراً [13]، وعقرها الله بالفتح جعلها كذلك [15]، وأعقر الله رحمها [12 ، 14]، فهي معقرة [12].
( ب ) العقر الجرح [14]، و ( عقره ) عقراً جرحه [12 ، 13 ، 15 ]، فهو ( عقير ) وهم (عقرى ) كجريح وجرحى [12 ، 13].

وقال الرازي في الآيتين: [5 ، 8] من سورة مريم: العقر في اللغة الجرح، ومنه أخذ العاقر لأنه نقص أصل الخلقة، وعقرت الفرس بالسيف إذا ضربت قوائمه [5]، والعقر أثر كالحز [12 ، 14]، في قوائم الفرس والإبل [14]، و ( عقر ) البعير [12 ، 15]، والفرس بالسيف [12 ، 13]، عقراً [12]، يعقره وعقره [12 ، 14]، ضرب به [13 ، 15]، أي: قطع [12]، قوائمه [12 ، 13 ، 15]، فهو ( عقير ) [13 ، 15]، أي: المعقور [12 ، 14]، والجمع عقرى [12 ، 15]، الذكر والأنثى فيه سواء، وعقر الناقة يعقرها ويعقرها عقراً وعقرها عقها إذا فعل بها ذلك حتى تسقط فنحرها مستمكناً منها [12 ، 16]، ومنها قوله تعالى: فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم.... ( 77 ) [الأعراف][16]،
وعقره الكلب: عضه [16]، ويقال: كلب ( عقور ) [12 ـ 15]، والجمع عقر [12، 14،15]. وعليه فـ ( العاقر ) من النساء والرجال لا ينجب، شبه بالجريح به جرح يؤلمه ويؤرقه.

( جـ ) قيل: ( العقرة ) وتضم العقم[14]، وهذا يتفق مع ما ذهب إليه الباحث من أن (العقر) له مدى من الأقل إلى الأشد بينما مطلق ( العقر ) وأشده ومنتهاه هو ( العقم ).

( د ) ( العقر )
كل ما شربه الإنسان فلم يولد له،فهم عقر له [12]، والعقرة: خرزة تحملها المرأة [12 ، 14]، بشدها أو تعليقها على حوقيها لئلا تحمل [12]، وتلد [14]، إذا وطئت.
وقيل: إنها خرزة تعلق على العاقر لتلد [12]. ويفيد هذا في أن ( العقر ) يمكن أن يبرأ منه، ولذلك: سميت تلك الخرزة التي كانت تستعمل لمنع الحمل أو الحث عليه باسم ( العقرة ).

( هـ ) ( بيضة العقر ) بالضم.

قيل: هي أول بيضة تبيضها الدجاجة [12 ، 14]، لأنها تعقرها [12]، وقيل: هي آخر بيضة [12 ، 14]، تبيضها إذا هرمت [12]، فأول بيضة تبيضها الدجاجة تخرجها من الوصف بـ (العقر ) فإذا لم تبيضها فهي عاقر، بينما آخر بيضة لها إذا هرمت بعقبها مطلق ( العقر ).

( و ) العقر: فرج ما بين شيئين [12]، وهذا يتفق مع ما يذهب إليه الباحث، فما بين عدم حدوث الحمل والحمل لأول مرة ( عقر ) وما بين حملين ( عقر ) وما يعقب آخر حمل هو مطلق ( العقر ).

( ز ) يقال: عقر الأمر عقراً لم ينتج عاقبة [14 ، 12]. وذلك على التشبيه بعدم القدرة على الإنجاب.

( ح ) العاقر من الرمل مالا ينبت [12 ، 14]، يشبه بالمرأة، وفي الحديث: ( أنه مر بأرض تسمى عقرة فسماها خضرة ).
قيل: كأنه كره لها اسم العقر لأن العاقر المرأة التي لا تحمل، وشجرة عاقر لا تحمل، فسماها خضرة تفاؤلاً بها [12]، وعقر النخلة قطع رأسها فيبست فهي عقيرة [14]، أو عقرة [12]، وطائر عقر [12 ، 14]، وعاقر [12]، أصاب في ريشه آفة فلم تنبت [12 ، 14].
فكل هذه الأشياء التي لا تنبت شبهت بالإنسان العاقر الذي لا يلد.
( ط ) العقار بالفتح: الدواء [12 ، 15 ، 16]، أو ما يتداوى به من النبات [12 ، 14]، أو أصول الأدوية [12 ، 14].
والجمع ( العقاقير ) [12 ، 13 ، 15 ، 16]، فالعقاقير أو الأدوية يشتق اسمها من نفس المادة ( عقر ) وهذا يتماشى مع ما يذهب إليه الباحث من أن ( العقر ) يمكن أن يبرأ منه بالتداوي.




( 4 ) ( العقر ) في الآيات الكريمة:

( أ ) سورة آل عمران ( 38 ـ 40 ): قيل: المعنى أنه دعا أن يهب الله له ذرية طيبة، والذي بعثه عليه السلام، على الدعاء ما رآه من ولادة حنة لمريم، وقد كانت عاقراً، فحصل له رجاء الولد وإن كان كبيراً وامرأته عاقراً [6]، فإن كانت عاقراً عجوزاً فقد كانت حنة كذلك [8].
وهذا يوضح بجلاء أن العاقر من الممكن أن تلد.

وقوله تعالى على لسان زكريا عليه السلام: أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر يعني: من بلغ من السن ما بلغت لم يولد له [2].وقيل: إن زكريا عليه السلام يوم التبشير كان كبيراً.
قيل: كان يوم بشر بالولد ابن عشرين ومئة سنة بينما امرأته كانت بنت ثمان وسبعين سنة [3 ، 5 ـ 7].
وقيل: كان له من العمر تسع وتسعون.
وقيل: اثنتتان وتسعون [7].
وقيل: تسعون [3 ، 6].
وقيل: خمس وثمانون، وقي: خمس وسبعون، وقيل: سبعون، وقيل: ستون، [7].
والعاقر: التي لا تلد وقيل: عاقر لأنه يراد به ذات عقر على النسب [3 ، 6 ، 7]، فصيغة فاعل للنسب وهو في المعنى مفعول أي: معقورة، ولذلك لم تلحق تاء التأنيث [7]، ولو كان على الفعل لقال: عقرت فهي عقيرة كأن بها عقراً [3 ، 6]، أي: بها كبر من السن [3]، يمعنها من الولد [3 ، 6].
فزوجة زكريا عليه السلام لم يكن بها كبر من السن يجعلها ( عقيرة ) أو ( عقيم ) ـ فلم يرد أي من التعبيرين على لسان زكريا عليه السلام بل كانت ( عاقراً ) أي: ذات عقر على النسب، أي: لم تحمل قط منذ زواجها، فهو أمر ملازم لها حتى البشارة، ولا يعارض ذلك المنقول من أن عمرها كان ثمان وتسعون، حيث يخالفه ما ورد من أن زكريا عليه السلام كان أصغر من ذلك بكثير، ويلحق بذلك صغر عمر زوجته.

( ب ) سورة مريم ( 1 ـ 9 ):قوله تعالى: لم نجعل له من قبل سميا ،نقل عن ابن عباس أنه قال: معناه لم تلد العواقر مثله ولداً [3].
وقيل: معناه: لم تلد عاقر مثله [6].
وقوله تعالى: قال رب أنى يكون لي غلام  ليس على معنى الإنكار لما أخبر الله تعالى به [3]، بل على سبيل التعجب من قدرة الله تعالى أن يخرج ولداً من امرأة عاقر [3 ، 4]، لم تلد من أول عمرها [4] في شبابها [6 ، 7]، على شيبها [7]، وهي الآن عجوز [6].
والعاقر هي التي لا تلد لكبر سنها والتي لا تلد أيضاً لغير كبر وهي المرادة هنا [6].
وبناءاً على هذا فالعاقر ـ خلافاً ( للعقيم ) ـ من الممكن أن تلد، والقول بأن العاقر هي التي لا تلد لغير كبر سن وهي المرادة هنا [ 6 ] يؤيد ما ذهب إليه الباحث سابقاً، كما أن العاقر هي التي لا تلد أيضاً لكبر سنها [ 6 ] فإن لم تحمل على الإطلاق حتى شيبها فهي ( عقيم ).
استعمالات أخرى للمصطلح القرآني ( عقيم )

هناك دلالات علمية أخرى للمصطلح (sterile) وقد استخدم في تعريبها مشتقات من مادة (عقم ) وهي:

( أ ) المصطلح الإنجليزي (sterilization)يستخدم في مجال تنظيم الأسرة [23 ، 32]، ولغوياً، فإن تعريبه هو: التعقيم من يعقم: أي: يجعله عقيماً [16 ـ 18]، لا ينجب [16]، أو إعقام من أعقم [18].
وهذا يتفق مع ما يذهب إليه الباحث، فمن المعلوم طبياً أنه عند اكتمال الأسرة واعتلال صحة الزوجة يصبح التعقيم (sterilization) طريقة مقبولة لمنع الحمل بصفة دائمة [23]، لأن التعقيم الجراحي (surgical sterilization ) هو وسيلة قطعية للحد من التناسل حيث أن الإجراءات غالباً ما تكون غير عكوس، وبالتالي يجب اعتبارها وسيلة نهائية [23 ، 32].

( ب ) المصطلح الإنجليزي (sterilization)يستخدم، أيضاً، في علم الأحياء بمعنى تدمير كل الكائنات الحية المجهرية المتواجدة على أو في داخل أي جسم [21]، ولغوياً، فإن تعريبه المتفق عليه هو التعقيم من يعقم [16 ـ 19 ]، أي: يبيد ما به [ 16 ] أو يطهره [ 17 ] من الجراثيم [ 16 ، 17 ]، و (sterile) صفة تفيد خلو الشيء من أي صورة حياة للكائنات المجهرية [21]، وتعريبها: معقم [ 16 ـ 19]، وهذا يتفق مع ما يذهب إليه الباحث، حيث أن ما يتم تعقيمه يخلو كلياً من أي صورة للحياة قادرة على التناسل.

( العقر ) و ( العقم ) في الطب

الخصوبة هي على الأصح حالة نسبية وليست مطلقة، إذ أن نسبة قليلة من البشر تقع عند الحد الأقصى، وهو مطلق الخصوبة (fully fertile)، أو تقع عند الحد الآخر وهو العقم (sterile)، بينما يقع معظم الناس في أية نقطة بين هذين الحدين [ 32 ]، والخصوبة في الإنسان ذات علاقة وثيقة بتزامن حدوث الإباضة والجماع، مما يجعل وضع تعريف دقيق للعقر (Infertility) أمراً صعباً، ونتيجة لعدم وجود اتفاق في ذلك لا يوجد متسع لاستخدام تعبيرات أخرى، مثل نقص الخصوبة (subfertility). وبالرغم من أن المصطلحين الإنجليزيين (steriluty) ( العقم ) و (subfertility) ( العقر ) لهما معنى واحد ( وهو عدم القدرة على الإنجاب )، فقد أصبح لكل منهما مدلول خاص لدى عامة الناس مما استوجب التمييز بينهما.

فالعقر (subfertility) يعني الإخفاق في حدوث الحمل، وهو بالتالي أمر نسبي، بينما العقم (steriluty) يعني عدم القدرة على الحمل، وبالتالي فهو أمر مطلق [ 22 ]، أي: أن التعبير (العقم ) يعني (absolute Infertility) ( مطلق العقر ) واستعماله كمصطلح طبي صحيح فقط عند وصف حالة إنسان لديه سبب أو عامل يمنع التناسل بصورة مطلقة، ويتضمن ذلك أن الحالة الطبية غير عكوس [ 21 ، 32 ، 24 ]، بينما المصطلح الطبي العقر (Infertility) يمكن القول به في حالة عدم حدوث حمل بعد مضي فترة متفق عليها ـ وعادة ما تكون عام واحد ـ من العلاقة الزوجية المنتظمة بدون استخدام وسائل لمنع الحمل [23 ، 24 ].

من المعروف طبياً أن التعبير ( عقر أولي ) (primary Infertility) يشير إلى المرضى الذين لم يسبق لهم الحمل مطلقاً قبل ذلك، بينما التعبير ( عقر ثانوي ) (secondary Infertility) يشير إلى الذين لا يستطيعون الإنجاب، بالرغم من أنه قد سبق لهم حدوث حمل [ 22ـ 24 ، 32 ، 33 ] وبغض النظر عن نوع وطول مدة الحمل [ 33 ]، أي: كونه انتهى بولادة طفل أو حدوث إجهاض عقب حمل تم تشخيصه بصورة مؤكدة [ 22 ]، ومثل ذلك، فإن ( العقم الثانوي ) (secondary sterility) يشير إلى فقدان القدرة على الإنجاب عقب فترة من الخصوبة [ 32 ].

هذا، وقد سبق بيان أن ( العقر ) قد يكون منذ أول العمر، كما ورد في قصة زكريا عليه السلام [ 4 ، 6 ، 7 ]، وكذلك في قولهم ( بيضة العقر ) وهي أول بيضة تبيضها الدجاجة [12 ، 14 ]، أو أنه قد يحدث عقب ولادة طفل أو أكثر نتيجة شراب [ 12 ] أو تعليق خرزة [ 12 ، 14 ] حيث أن العقر هو أيضاً فرج ما بين شيئين [ 12 ]، أو حملين، كما أنه قد يحدث بصورة طبيعية نتيجة لكبر السن في المرأة [ 6 ]، والدجاجة [ 12 ، 14 ] وهو مطلق ( العقر ) أي: ( العقم )، وقول الشاعر:
عقم النساء فلا يلدن شبيه إن النساء بمثله عقم [ 3 ، 6 ، 12]
وهو دعاء على النساء يفهم منه أيضاً: أن ( العقم ) مرض قد يحدث عقب ولادة طفل أو أكثر، ويؤيد ذلك قول العرب: ما كانت عقيماً ولقد عقمت.
وقولهم: أعقمها الله وعقمها [ 12 ].
والقول: أنجبت طفلين ثم عقمت [ 16].

وفي سورة الشورى ( 46 ، 50 ) يلاحظ أن التعبير القرآني في قوله تعالى: ويجعل من يشاء عقيماً [سورة الشورى / 50 ] قد أتى بالفعل ( جعل )، وهو يعني صبّر [12]، ولم يأت بالفعل ( خلق )، والفرق أن الجعل قد يحدث في أي مرحلة من حياة الإنسان، فقد يصيره الله عز وجل ( عقيماً ) منذ الحياة الرحمية أو عقب ولادته وقبل زواجه فلا يولد له على الإطلاق، أو بأن لا يقدر له أن يتزوج رغم عدم وجود أية عائق فلا يولد له ومنه أن الله تعالى جعل عيسى عليه السلام عقيماً [ 8 ـ 3 ] كما أنه قد يجعل المرء ( عقيماً ) عقب ولادة طفل أو أكثر.

( العقر ) والحالة النفسية للمريض

منذ بدء التاريخ المسجل لعبت مشكلة الزواج المجدب دوراً هاماً في حياة الإنسان [24]، وكانت مصدراً لتعاسته [32]، حيث يوجد الكثير من الممارسات الدينية والاجتماعية القديمة، والمرتبطة خصيصاً بالعقر والعقم [ 24 ].
وعلى وجه العموم، ففي حالة عدم وجود أطفال تعيش المرأة المتزوجة في مأساة، قد تتسبب في حدوث الاضطرابات الزوجية، والإحساس بالشقاء، واعتلال الصحة وكان، وما يزال في بعض المجتمعات، يعتبر العقم عاراً، أو علامة لعدم الرضا الإلهي، وسبباً لحدوث الطلاق، أو انتحار المرأة [32]، وبتضاؤل أمل الزوجين يزداد عدم الثقة بالنفس، والقلق، والضغط العصبي، والذي قد يتضح في علاقة الزوج بالطرف الآخر والطبيب والأقارب والأصدقاء الذين لديهم أطفال [ 33 ].

وباعتبار ما تم بيانه من أن العقر يعني الجرح [ 14]، و( عقره ) عقراً جرحه [ 12 ، 13 ،15] تستشعر مناسبة التعبير اللغوي ( العقر )، والذي يوضح النقص في أصل الخلقة [ 5 ] ومدى المشكلة النفسية لهؤلاء المرضى، فكل منهم كالجريح، به جرح يؤلمه ويؤرقهن أو هو كالذبيح ومنه قول بعض العوام: لقد ذبحني المريض.

العقر والعقم والتقنيات الحديث

أسباب حدوث العقم (sterility) عديدة وتشمل، على سبيل المثال، عدم تطور الرحم في المرأة، وعدم القدرة على إنتاج الحيوانات المنوية في الرجل نتيجة لعدم تطور الخصيتين أو إصابتهما أو استئصالهما.
وقد تكون الأسباب وظيفية وطبيعية، مثل: عدم البلوغ، أو تخطي سن الإياس أو أثناء الحمل في المرأة [22]. ويتم تقييم خصوبة الرجل بإجراء تحليل السائل المنوي [ 34 ]، وينبغي الحذر عند تأويل أي تحليل للسائل المنوي، فلا يوجد ما يعرف بالتحليل الطبيعي ولكن هناك قواعد عملية تقريبية يمكن إتباعها، حيث من المستحيل تأويل التحليل إلا بصورة عامة، وطالما يوجد حيوان منوي، فلا يمكن القول بأن الرجل يعاني من العقم (sterility) إلا إذا مات قبل أن تكون له ذرية [ 32 ].

وحتى سنوات قريبة كان يتم تشخيص العقم في الرجل في حالة وجود حيوانات منوية ميتة، أو عدم وجود حيوانات منوية على الإطلاق، في السائل المنوي [34]. وفي أواخر السبعينيات من القرن العشرين ظهرت تقنية جديدة للعلاج وهي ( الإخصاب المعملي وإرجاع الأجنة ) (in vitro fertilization & embryo transfor. Ivf - et)، وهو ما يعرفه العامة باسم ( طفل الأنبوب ) [35]، ولحق بذلك وسائل أخرى غير مقبولة من الناحية الشرعية، مثل: التبرع بالنطف أو الأجنة والرحم المستأجر [35].
وحديثاً استحدثت تقنية حقن الحيوان المنوي في داخل البيضة تحت المجهر (intra- cytoplasmic sperm inqection, icsi) [36].
واستتبع ذلك إمكانية علاج الرجال في حالة عدم وجود حيوانات منوية في السائل المنوي، وذلك باستخراج الحيوانات المنوية من الجسد، إما من ( البربخ ) عند انسداد الأوعية الناقلة (epididymal aspiration)[ 37 ، 38 ]، أو من ( الخصية ) (testicular sperm exraction) في حالات الفشل الوظيفي وضمور الخصية [38]، ويتبع ذلك حقن الحيوان المنوي في داخل البيضة [37 ، 38].
ولذلك: أعلن البعض أنه قد تم فتح الباب لعلاج الذين يعانون من العقم التام [29] أو الذين حكم عليهم بالعقم الأبدي [30]، وفي هذا قصر نظر وسوء فهم للغة والعلم والدين، حيث أن الإطلاع على قوانين وسنة الله في الخلق يسمح للأطباء والعلماء بالأخذ بالأسباب العلمية في العلاج والتي قد تكلل بإذن الله بالنجاح في بعض الحالات، فبغض النظر عن كون المسببات بسيطة أو معقدة، فهذه الحالات تعاني من ( العقر ) وليس ( العقم )، وبغض النظر عن أي مستحدثات علمية في هذا المجال وكثير منها قيد البحث حالياً في المراكز العالمية المتخصصة [39 41]، فإن الثوابت الدينية وكذلك اللغوية الغربية والإنجليزية تبين أن ( العقر ) (infertility) يعني عدم القدرة على الإنجاب، فلا تحمل المرأة ولا يولد للرجل، وأن ل ( العقر ) مدى من الأقل إلى الأشد وأنه قابل للعلاج، ومطلق ( العقر ) غير قابل للعلاج ولا يبرأ منه وهو ( العقم ) (sterility)، فلا يولد للمصاب به أي طفل.

وبالتالي لا يمكن القول به إلا في حالتين:


أولاهما: وجود سبب يستحيل علاجه، مثل عدم وجود خلايا التناسل، أي: النصف، نتيجة لضمور غدة التناسل كلياً وذلك إما لمرض أو لتغير وظيفي طبيعي مع تقدم العمر مثل ضمور المبيضين ببلوغ سن الإياس (أو ما يعرف بسن اليأس ) في المرأة.

وثانيتهما: موت الإنسان دون أن يتزوج أو يكلل الله مساعيه بالنجاح بل يولد له، ف ( العقم ) هو من ( العقر ) وهو أشده ومنتهاه.


الخاتمة:

أوضح البحث الحالي مدى الالتباس في فهم الفرق بين دلالتي التعبيرين ( عقم ) و (عقر)، وانعكاس ذلك على فهم ما ورد في الآيات الكريمة واستخدامهما في حياتنا اليومية، بالرغم من أن الفروق في دلالة التعبيرين ثابتة منذ أمد طويل كما تدل عليه محاولة إعادة النظر بعمق في اللغة والآيات الكريمة، انطلاقاً من مبدأ هام، ألا وهو رفض القول بوجود ترادف في ألفاظ القرآن الكريم.

إن محاولة استقراء المدلول الأصلي للألفاظ عند الرجوع إلى المصادر الأصلية للغة العربية وفي مقدمتها القرآن الكريم يسهم بحيوية في إثراء وترسيخ عملية التعريب خلال مد جسور بين تراثنا وحاضرنا، وباعتبار ما سبق، فلا ينبغي لأحد ادعاء علاج ( العقم )، كما أنه لا يليق بمن يمارس أحدث التقنيات في الطب أن يظل منفصلاً عن هذه الجذور.

ولعل دراستنا وفهمنا وممارستنا في الطب تكون أفضل من دراستنا وفهمنا للغة الأم والآيات الكريمة.
وبناء على ما خلص إليه الباحث فإنه يبدو أن العدول عن تسمية تلك المراكز من ( مراكز العقم ) إلى ( مراكز العقر ) أصح من الناحية اللغوية ولكن البعض قد يلتبس عليه ذلك التعبير مع ( العقر ) بالكلاب ونحوه، كما أنه قد لا يستسيغه لأجل ذلك أيضاً، والأمثل حينئذٍ هو العدول عنه إلى التعبير ( مراكز الخصوبة )، وهو الهدف العلاجي لهذه المراكز مع تجنب إلصاق صفة ( العقر ) بالمرضى، وهي كما تم بيانه توحي بنقص الخلقة والجرح واللم، مما قد يكون أفضل لهم خاصة إذا وضعت حالتهم النفسية عين الاعتبار.
قال تعالى: إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون ( 3 ) [سورة الزخرف ). وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون ( 93 ) [سورة النمل].هذا، والله تعالى أعلم، وهو سبحانه من وراء القصد.