عمر والخنساء بين الجاهلية والإسلام




رجل وامرأة عرف أمرهما في الجاهلية وعرف أمرهما في الإسلام.

كان هناك تحول واضح في حالهما من الجاهليه للاسلام








الرجل هو "عمر بن الخطاب"





الذي رووا أنه بلغ في جاهليته من انحراف العقل، أن عبد إلهاً من الحلوى ثم جاع يوماً فأكله، ومن انحراف العاطفة، أن وأد بنتاً له صغيرة كانت تمسح الغبار عن لحيته وهو يحفر لها مكانها في التراب.




عمر هذا ينتقل من الجاهلية إلى الإسلام، فيتحرر عقله حتى يقطع شجرة الرضوان التي بايع النبي أصحابه يوم الحديبية تحتها خشية أن يطول الزمن بالناس فيقدسوها، ويقف أمام الحجر الأسود بالكعبة فيقول: أيها الحجر، إني أقبلك وأنا أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك.




وعمر هذا ... يبلغ من سمو عاطفته، ورقة قلبه، وخشيته لله، ما ملأ صفحات التاريخ بآيات الرحمة الشاملة للمسلم وغير المسلم، بل للإنسان والحيوان، حتى قال: لو عثرت بغلة بشط الفرات لرأيتني مسئولاً عنها أمام الله ... لِمَ لَمْ أسوِّ لها الطريق؟


هذا هو الرجل.









المرأة فهي الخنساء ..




المرأة التي فقدت في جاهليتها أخاها لأبيها «صخراً» فملأت الآفاق عليه بكاءً وعويلاً، وشِعراً حزيناً، ترك الزمن لنا منه ديواناً كان الأول من نوعه في شعر المراثي والدموع:





يذكرني طلوع الشمس صخراً.....وأذكره بكل غروب شمس
ولولا كثرة الباكين حولي.......على إخوانهم لقتلت نفسي





ولكننا بعد إسلامها نراها امرأة أخرى ... نراها أماً تقدم فلذات أكبادها إلى الميدان، أي إلى الموت، راضية مطمئنة، بل محرضة دافعة...





روى المؤرخون أنها شهدت حرب القادسية بين المسلمين والفرس تحت راية القائد «سعد بن أبي وقاص»، وكان معها بنوها الأربعة، فجلست إليهم في ليلة من الليالي الحاسمة، تعظهم وتحثهم على القتال والثبات، وكان من قولها لهم: "أي بني، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجّنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، والله تعالى يقول:(يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)(آل عمران: 200)، فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمن فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائكم مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها، تظفروا بالغنم في دار الخلد...".




فلما أصبحوا باشروا القتال بقلوب فتية، وأنوف حمية، إذا فتر أحدهم ذكَّره اخوته وصية الأم العجوز، فزأر كالليث، وانطلق كالسهم، وانقض كالصاعقة، ونزل كقضاء الله على أعداء الله، وظلوا كذلك حتى استشهدوا واحداً بعد واحد.




وبلغ الأم نعي الأربعة الأبطال في يوم واحد، لم تلطم خداً، ولم تشق جيباً، ولكنها استقبلت النبأ بإيمان الصابرين، وصبر المؤمنين، وقالت: "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته".







ما الذي غير عمر القديم وصنع عمر الجديد؟


وما الذي غير خنساء النواح والبكاء إلى خنساء التضحية والفداء؟


إنه صانع المعجزات ... إنه الإيمان!!




فاين قلبك



واين الايمان منك