كل شيء عن أحكام الزكـــــاة على المذاهب الأربعة

التعريف:
تعريف الزكاة في اللغة: النماء والربع والزيادة، من زكا يزكو زكاة وزكاء، وقيل : "العلم يزكو بالإنفاق" أي ينمو.
والزكاة أيضاً الصلاح، قال الله تعالى: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً} [الكهف: 81] أي صلاحاً.
وقال تعالى:
{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور: 21]. أي ما صلح منكم {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور: 21] أي يصلح من يشاء.
وقيل لما يخرج من حق الله في المال "زكاة"، لأنه تطهير للمال مما فيه من حق، وتثمير له، وإصلاح ونماء بالإخلاف من الله تعالى.
تعريف الزكاة في الشرع: يطلق على أداء حق يجب في أموال مخصوصة، على وجه مخصوص ويعتبر في وجوبه الحول والنصاب.
والمزكي: من يخرج عن ماله الزكاة.
والمزكي أيضاً: من له ولاية جمع الزكاة.
الحكم التكليفي:
الزكاة فريضة من فرائض الإسلام، وركن من أركان الدين. وقد دل على وجوبها الكتاب والسنة والإجماع.
دليل الكتاب: قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [النور: 56] وقوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11] وقوله:
{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34-35] وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أدي زكاته فليس بكنز" رواه ابن أبي حاتم.
دليل السنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس .." وذكر منها إيتاء الزكاة، رواه البخاري وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل السعاة ليقبضوا الصدقات، وأرسل معاذاً إلى أهل اليمن، وقال له: "أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم" رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك" رواه البخاري.
دليل الإجماع: فقد أجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوبها من حيث الجملة، واتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتال مانعيها. فقد روى البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر رضي الله عنه، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر رضي الله عنه: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله" رواه البخاري. فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال. والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها، قال عمر: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه، فعرفت أنه الحق".
- أطوار فرضية الزكاة:
إيتاء الزكاة كان مشروعاً في ملل الأنبياء السابقين، قال الله تعالى في حق إبراهيم وآله عليه الصلاة والسلام: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 73].
وشرع للمسلمين إيتاء الصدقة للفقراء، منذ العهد المكي، كما في قوله تعالى:
{فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 11-16].
وبعض الآيات المكية جعلت للفقراء في أموال المؤمنين حقاً معلوماً، كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24- 25].
ومما يدل على أن فرض الزكاة وقع بعد الهجرة اتفاقهم على أن صيام رمضان إنما فرض بعد الهجرة، لأن الآية الدالة على فرضيته مدنية بلا خلاف، وثبت من حديث قيس بن سعد قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، ثم نزلت فريضة الزكاة فلم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله" رواه النسائي.
- فضل إيتاء الزكاة:
يظهر فضل الزكاة من أوجه:
1- اقترانها بالصلاة في كتاب الله تعالى، فحيثما ورد الأمر بالصلاة اقترن به الأمر بالزكاة، من ذلك قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة: 110].
2- أنها ثالث أركان الإسلام الخمسة، لما في الحديث "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت" رواه البخاري.
3- أنها من حيث هي فريضة أفضل من سائر الصدقات لأنها تطوعية، وفي الحديث القدسي "ما تقرب ألي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه" رواه البخاري.
- حكمة تشريع الزكاة:
أ- أن الصدقة وإنفاق المال في سبيل الله يطهران النفس من الشح والبخل، وسيطرة حب المال على مشاعر الإنسان، ويزكيه بتوليد مشاعر الموادة، والمشاركة في إقالة العثرات، ودفع حاجة المحتاجين، أشار إلى ذلك قول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103].
وفيها من المصالح للفرد والمجتمع ما يعرف في موضعه، ففرض الله تعالى من الصدقات حداً أدنى ألزم العباد به، وبين مقاديره، إذ لولا التقدير لفرط المفرط ولاعتدى المعتدي.
ب- الزكاة تدفع أصحاب الأموال المكنوزة دفعاً إلى إخراجها لتشترك في زيادة الحركة الاقتصادية، يشير إلى ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا من ولي يتيماً له مال فليتجر فيه، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة" رواه الترمذي.
وقال عمر رضي الله عنه: ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة" رواه البيهقي بإسناد صحيح.
جـ- الزكاة تسد حاجة جهات المصارف الثمانية وبذلك تنتفي المفاسد الاجتماعية والخلقية الناشئة عن بقاء هذه الحاجات دون كفاية.
  • ·أحكام مانع الزكاة:

أ- إثم مانع الزكاة.
بـ- العقوبة لمانع الزكاة.
- إثم مانع الزكاة:
من منع الزكاة فقد ارتكب محرماً هو كبيرة من الكبائر، وورد في القرآن والسّنة ما يفيد أن عقوبته في الآخرة من نوع خاص. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم، فيجعل صفائح، فيكوى بها جنباه وجبينه، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاعٍ قرقرٍ كأوفر ما كانت تستن عليه، كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها، حتى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إمَّا إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها، إلا بطح لها بقاع قرقر، كأوفر ما كانت، فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها، ليس فيها عقصاء ولا جلحاء، كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها، حتى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" رواه مسلم.
- العقوبة لمانع الزكاة:
من منع الزكاة وهو في قبضة الإمام تؤخذ منه قهراً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" ومِنْ حقها الزكاة.
قال أبو بكر رضي الله عنه بمحضر الصحابة: "الزكاة حق المال" وقال رضي الله عنه: "والله لو منعوني عقالاً كان يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه". وأقره الصحابة على ذلك.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن مانع الزكاة إذا أخذت منه قهراً لا يؤخذ معها من ماله شيء.
وذهب الشافعي في قولٍ : إلى أن مانع الزكاة يؤخذ شطر ماله عقوبة له.
فأما من كان خارجاً عن قبضة الإمام ومنع الزكاة، فعلى الإمام أن يقاتله، لأن الصحابة قاتلوا الممتنعين من أدائها، فإن ظفر به أخذها منه من غير زيادة.
وهذا فيمن كان مقراً بوجوب الزكاة، لكن منعها بخلاً أو تأولاً، ولا يحكم بكفره، ولذا فإن مات ورثه المسلمون من أقاربه وصلي عليه.
وفي رواية عن أحمد يحكم بكفره ولا يورث ولا يصلى عليه.
وأما من منع الزكاة منكراً لوجوبها، فإن كان جاهلاً ومثله يجهل ذلك لحداثة عهده بالإسلام، أو لأنه نشا ببادية بعيدة عن الأمصار، أو نحو ذلك، فإنه يعرف وجوبها ولا يحكم بكفره لأنه معذور، وإن كان مسلماً ناشئاً ببلاد الإسلام بين أهل العلم فيحكم بكفره، ويكون مرتداً، وتجري عليه أحكام المرتد، لكونه أنكر معلوماً من الدين بالضرورة.
  • ·من تجب في ماله الزكاة:

أ- الزكاة في مال الصغير والمجنون.
بـ- الزكاة في مال الكافر.
جـ- من لم يعلم بفرضية الزكاة.
د- من لم يتمكن من أداء الزكاة.
اتفق الفقهاء على أن البالغ العاقل المسلم الحر العالم بكون الزكاة فريضة، رجلاً كان أو امرأة تجب في ماله الزكاة إذا بلغ نصاباً، وكان متمكناً من أداء الزكاة، وتمت الشروط في المال.
واختلفوا فيما عدا ذلك كما يلي:
أ- الزكاة في مال الصغير والمجنون:
ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الزكاة تجب في مال كل من الصغير والمجنون ذكراً كان أو أنثى.
واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا من ولي يتيماً له مال فليتجر فيه، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة" رواه الترمذي، والمراد بالصدقة الزكاة المفروضة، لأن اليتيم لا يخرج من ماله صدقة تطوع، إذ ليس للولي أن يتبرع من مال اليتيم بشيء، ولأن الزكاة تراد لثواب المزكي ومواساة الفقير، والصبي والمجنون من أهل الثواب وأهل المواساة، وبأن الزكاة حق يتعلق بالمال، فأشبه نفقة الأقارب وأروش الجنايات وقيم المتلفات.
ويتولى الولي إخراج الزكاة من مالهما، لأن الولي يقوم مقامهما في أداء ما عليهما من الحقوق، كنفقة القريب، وعلى الولي أن ينوي أنها زكاة، فإن لم يخرجها الولي وجب على الصبي بعد البلوغ، والمجنون بعد الإفاقة، إخراج زكاة ما مضى.
وذهب أبو حنيفة وهو مروي عن علي وابن عباس إلى أن الزكاة لا تجب في مال الصغير والمجنون، إلا أنه يجب العشر في زروعهما وثمارهما، وزكاة الفطر عنهما.
واستدل لهذا القول بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة : عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم"رواه أبو داود.
ولأنها عبادة، فلا تتأدى إلا بالاختيار تحقيقاً لمعنى الابتلاء، ولا اختيار للصبي والمجنون لعدم العقل، وقياساً على عدم وجوبها على الذمي لأنه ليس من أهل العبادة، وإنما وجب العشر فيما يخرج من أرضهما لأنه في معنى مؤنة الأرض، ومعنى العبادة فيه تابع.
ب- الزكاة في مال الكافر:
لا تجب الزكاة في مال الكافر الأصلي اتفاقاً، حربياً كان أو ذمياً، لأنه حق لم يلتزمه، ولأنها وجبت طهره للمزكي، والكافر لا طهرة له مادام على كفره.
وأخذ عمر رضي الله عنه الزكاة مضاعفة من نصارى بني تغلب عندما رفضوا دفع الجزية ورضوا بدفع الزكاة.
وبناء على هذا قال الشافعية: لو قال قوم من الكفار: نؤدي الجزية باسم زكاة لا جزية، فللإمام إجابتهم إلى ذلك ويضعف عليهم الزكاة.
وقد ذهب الجمهور إلى أن ما يؤخذ منهم يصرف في مصارف الفيء، لأنه في حقيقته جزية، وذهب بعض الفقهاء إلى أنه يصرف في مصارف الزكاة.
- أما المرتد، فما وجب عليه من الزكاة في إسلامه، وذلك إذا ارتد بعد تمام الحول على النصاب لا يسقط في قول الشافعية والحنابلة، لأنه حق مال فلا يسقط بالردة كالدين، فيأخذه الإمام من ماله كما يأخذ الزكاة من المسلم الممتنع، فإن أسلم بعد ذلك لم يلزمه أداؤها.
وذهب الحنفية إلى أنه تسقط بالردة الزكاة التي وجبت في مال المرتد قبل الردة، لأن من شرطها النية عند الأداء، ونيته العبادة وهو كافر غير معتبرة، فتسقط بالردة كالصلاة، حتى ما كان منها زكاة الخارج من الأرض.
وأما إذا ارتد قبل تمام الحول على النصاب فلا يثبت الوجوب عند الحنفية والحنابلة.
وعند الشافعية أن ملكه لماله موقوف فإن عاد إلى الإسلام تبين بقاء ملكه وتجب فيه الزكاة وإلا فلا.
جـ- من لم يعلم بفرضية الزكاة:
ذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة أن العلم بكون الزكاة مفروضة ليس شرطاً لوجوبها، فتجب الزكاة على الحربي إذا أسلم في دار الحرب وله سوائم ومكث هناك سنين ولا علم له بالشريعة الإسلامية ويخاطب بأدائها إذا خرج إلى دار الإسلام.
وذهب أبو حنيفة إلى أن العلم بكون الزكاة فريضة شرط لوجوب الزكاة فلا تجب الزكاة على الحربي في الصورة المذكورة.
د- من لم يتمكن من الأداء:
ذهب مالك والشافعي إلى أن التمكن من الأداء شرط لوجوب أداء الزكاة، فلو حال الحول ثم تلف المال قبل أن يتمكن صاحبه من الأداء فلا زكاة عليه، حتى لقد قال مالك: إن المالك لو أتلف المال بعد الحول قبل إمكان الأداء فلا زكاة عليه إذا لم يقصد الفرار من الزكاة.
واحتج لهذا القول بأن الزكاة عبادة فيشترط لوجوبها إمكان أدائها كالصلاة والصوم.
وذهب الحنفية والحنابلة إلى أن التمكن من الأداء ليس شرطاً لوجوبها، لمفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول" رواه أبو داود. فمفهومه وجوبها عليه إذا حال الحول، ولأن الزكاة عبادة مالية، فيثبت وجوبها في الذمة مع عدم إمكان الأداء، كثبوت الديون في ذمة المفلس.
- الزكاة في المال العام (أموال بيت المال):
نص الحنابلة على أن مال الفيء، وخمس الغنيمة، وكل ما هو تحت يد الإمام مما يرجع إلى الصرف في مصالح المسلمين لا زكاة فيه.
إذ لم يعهد علماً ولا عملاً أخذ الزكاة من الأموال العامة.
- الزكاة في الأموال المشتركة والأموال المختلفة والأموال المتفرقة:
الذي يكلف بالزكاة هو الشخص المسلم بالنسبة لماله، فإن كان ما يملكه نصاباً وحال عليه الحول وتمت الشروط ففيه الزكاة، فإن كان المال شركة بينه وبين غيره، وكان المال نصاباً فأكثر فلا زكاة على أحد من الشركاء عند الجمهور، حتى يكون نصيبه نصاباً، ولا يستثنى من ذلك عند الحنفية شيء، ويستثنى عند الجمهور ومنهم الشافعية السائمة المشتركة فإنها تعامل معاملة مال رجل واحد في القدر الواجب وفي النصاب عند غير المالكية، وكذا السائمة المختلطة -أي التي يتميز حق كل من الخليطين فيها لكنها تشترك في المرعى ونحوه من المرافق-.
وذهب الشافعية على أن المال المشترك والمال المختلط يعامل معاملة مال رجل واحد في النصاب والقدر الواجب. وهو رواية أخرى عند الحنابلة.
واحتجوا بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة" رواه البخاري.
هذا إذا كان المال في بلد واحد، أما إن كان مال الرجل مفرقاً بين بلدين أو أكثر، فإن كان من غير المواشي فلا أثر لتفرقه، بل يزكى زكاة مال واحد.
وإن كان من المواشي وكان بين البلدين مسافة قصر فأكثر فكذلك عند الجمهور.
وذهب الحنابلة إلى أن كل مال منها يزكى مفرداً عما سواه، فإن كان كلاً المالين نصاباً زكاهما كنصابين، وإن كان أحدهما نصاباً والآخر أقل من نصاب زكى ما تم نصاباً دون الآخر.
واحتج من ذهب إلى هذا بأنه لما أثر اجتماع مال الجماعة حال الخلطة في مرافق الملك ومقاصده على أتم الوجوه حتى جعله كمال واحد وجب تأثير الافتراق الفاحش في المال الواحد حتى يجعله كمالين. واحتج أحمد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا يجمع بين متفرق" رواه البخاري ولأن كل مال تخرج زكاته ببلده.
  • ·شروط المال الذي تجب فيه الزكاة:

- الشرط الأول: كون المال مملوكاً لمعين.
- الشرط الثاني: كون لملوكية المال مطلقة.
- الشرط الثالث: كون المال نامياً.
- الشرط الرابع: كون المال زائداً عن الحاجات الأصلية.
- الشرط الخامس: حولان الحول.
- الشرط السادس: بلوغ المال نصاباً.
- الشرط السابع: كون المال سالماً من وجود مانع كفراغه من الدين.
يشترط في المال الذي تجب فيه الزكاة من حيث الجملة شروط:
1- كونه مملوكاً لمعين.
2- وكون مملوكيته مطلقة (أي كونه مملوكاً رقبة ويداً).
3- وكونه نامياً.
4- وأن يكون زائداً على الحاجات الأصلية.
5- حولان الحول.
6- وبلوغه نصاباً، والنصاب في كل نوع من المال بحسبه.
7- وأن يسلم من وجود المانع، والمانع أن يكون على المالك دين ينقص النصاب.
الشرط الأول: كون المال مملوكاً لمعين:
فلا زكاة فيما ليس له مالك معين، ومن هنا:
ذهب الحنفية إلى أن الزكاة لا تجب في سوائم الوقف، والخيل المسبلة، لأنها غير مملوكة، لأنه في الزكاة تمليكاً، والتمليك في غير الملك لا يتصور، ولا تجب الزكاة ما استولى عليه العدو، وأحرزوه بدارهم، لأنهم ملكوه بالإحراز، فزال ملك المسلم عنه.
وقال المالكية إلى أنه يجب الزكاة في الموصى به لغير معينين. وتجب في الموقوف ولو على غير معين كمساجد، أو كبني فلان، لأن الوقف عندهم لا يخرجه عن ملك الواقف، فلو وقف نقوداً للسلف يزكيها الواقف أو المتولي عليها منها كلما مر عليها حول من يوم ملكها، أو زكاها إن كانت نصاباً، وهذا إن لم يتسلفها أحد، فإن تسلفها أحد زكيت بعد قبضها منه لعام واحد.
ذهب الشافعية والحنابلة إلى تفصيل ذلك فقالوا: إذا كان الوقف على غير معين، كالفقراء، أو كان على مسجد، أو مدرسة، أو رباط ونحوه مما لا يتعين له مالك لا زكاة فيه. وكذا النقد الموصى به في وجوه البر، أو ليشترى به وقف لغير معين، بخلاف الموقوف على معين فإنه يملكه فتجب فيه الزكاة.
الشرط الثاني: أن يكون ملكية المال مطلقة:
وهذه عبارة الحنفية، وعبر غيرهم بالملك التام: وهو ما كان في يد مالكه ينتفع به ويتصرف فيه.
والملك الناقص يكون في أنواع من المال معينة، منها:
1- مال الضمار: وهو كل مال مالكه غير قادر على الانتفاع به لكون يده ليست عليه، فمذهب أبي حنيفة، ورواية عند الحنابلة أنه لا زكاة عليه فيه، كالبعير الضال، والمال المفقود، والمال الساقط في البحر، والمال الذي أخذه السلطان مصادرة، والدين المجحود إذا لم يكن للمالك بينة، والمال المغصوب الذي لا يقدر صاحبه على أخذه، والمسروق الذي لا يدرى من سرقه، والمال المدفون في الصحراء إذا خفي على المالك مكانه، فإن كان مدفوناً في البيت تجب فيه الزكاة عند الحنفية، أي لأنه في مكان محدود.
واحتجوا بما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: ليس في مال الضمار زكاة.
ولأن المال إذا لم يكن الانتفاع به والتصرف فيه مقدوراً لا يكون المالك به غنياً.
وهذا بخلاف ابن السبيل (أي المسافر عن وطنه) فإن الزكاة تجب في ماله، لأن مالكه يقدر على الانتفاع به، وكذا الدين المقربه إذا كان على مليء.
وذهب مالك إلى أن المال الضائع ونحوه كالمدفون في صحراء إذا ضل صاحبه عنه أو كان بمحل لا يحاط به، فإنه يزكى لعام واحد إذا وجد صاحبه ولو بقي غائباً عنه سنين.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الزكاة تجب في المال الضائع، ولكن لا يجب دفعها حتى يعود المال. فإن عاد يخرجها صاحبه عن السنوات الماضية كلها، لأن السبب الملك، وهو ثابت. قالوا : لكن لو تلف المال، أو ذهب ولم يعد سقطت الزكاة. وكذا عندهم المال الذي لا يقدر عليه صاحبه لانقطاع خبره، أو انقطاع الطريق إليه.
- والمال الموروث صرح المالكية بأنه لا زكاة فيه إلا بعد قبضه، يستقبل به الوارث حولاً، ولو كان قد أقام سنين، وسواء علم الوارث به أو لم يعلم.
- الزكاة في مال الأسير، والمسجون ونحوه:
من كان مأسوراً أو مسجوناً قد حيل بينه وبين التصرف في ماله والانتفاع به.
ذهب الحنابلة إلى أن ذلك لا يمنع وجوب الزكاة عليه، لأنه لو تصرف في ماله ببيع وهبة ونحوهما نفذ، وكذا لو وكل في ماله نفذت الوكالة.
وذهب المالكية إلى أن كون الرجل مفقوداً أو أسيراً يسقط الزكاة في حقه من أمواله الباطنة، لأنه بذلك يكون مغلوباً على عدم التنمية فيكون ماله حينئذ كالمال الضائع، ولذا يزكيها إذا أطلق لسنة واحدة كالأموال الضائعة.
أما المال الظاهر فقد اتفقت كلمة المالكية أن الفقد والأسر لا يسقطان زكاته، لأنهما محمولان على الحياة، ويجوز أخذ الزكاة من مالهما الظاهر وتجزئ، ولا يضر عدم النية، لأن نية المخرج تقوم مقام نيته.
- زكاة الدين:
الدّين مملوك للدائن، ولكنه لكونه ليس تحت يد صاحبه فقد اختلفت فيه أقوال الفقهاء:
وذهب جمهور العلماء إلى أن الدين الحالَّ قسمان: دين حال مرجو الأداء، ودين حال غير مرجو الأداء.
فالدين الحال المرجو الأداء: هو ما كان على مُقّرٍ به باذل له، وفيه أقوال:
فمذهب الحنفية والحنابلة أن زكاته تجب على صاحبه كل عام لأنه مال مملوك له، إلا أنه لا يجب عليه إخراج الزكاة منه ما لم يقبضه، فإذا قبضه زكاه لكل ما مضى من السنين.
ووجه هذا القول: أنه دين ثابت في الذمة فلم يلزمه الإخراج قبل قبضه، ولأنه لا ينتفع به في الحال، وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به. على أن الوديعة التي يقدر صاحبها أن يأخذها في أي وقت ليست من هذا النوع، بل يجب إخراج زكاتها عند الحول.
ومذهب الشافعي: أنه يجب إخراج زكاة الدين المرجو الأداء في نهاية كل حول، كالمال الذي هو بيده، لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه.
وذهب المالكية إلى أن الدين أنواع: فبعض الديون يزكى كل عام وهي دين التاجر المدير عن ثمن بضاعة تجارية باعها، وبعضها يزكى لحول من أصله لسنة واحدة عند قبضه ولو أقام عند المدين سنين، وهو ما أقرضه لغيره من نقد، وكذا ثمن بضاعة باعها محتكر، وبعض الديون لا زكاة فيه، وهو ما لم يقبض من نحو هبة أو مهر أو عوض جناية.
وأما الدين غير المرجو الأداء، فهو ما كان على معسر أو جاحد أو مماطل، وفيه مذاهب: فمذهب الحنفية ورواية عن أحمد فيه كما أنه لا زكاة فيه لعدم تمام الملك، لأنه غير مقدور على الانتفاع به.
ومذهب الشافعي ورواية عن أحمد إنه يزكيه إذا قبض لما مضى من السنين، لما روي عن علي رضي الله عنه في الدين المظنون "إن كان صادقاً فليزكيه إذا قبضه لما مضى".
وذهب مالك إلى أنه إن كان مما فيه الزكاة يزكيه إذا قبضه لعام واحد وإن أقام عند المدين أعواماً.
واستثنى الشافعية والحنابلة ما كان من الدين ماشية فلا زكاة فيه، لأن شرط الزكاة في الماشية عندهم السوم، وما في الذمة لا يتصف بالسوم.
- الدين المؤجل:
ذهب الحنابلة وهو الأظهر من قولي الشافعية: إلى أن الدين المؤجل بمنزلة الدين على المعسر، لأن صاحبه غير متمكن من قبضه في الحال فيجب إخراج زكاته إذا قبضه عن جميع السنوات السابقة.
أقسام الدين عند الحنفية:
وذهب أبو حنيفة إلى أن الدين ثلاثة أقسام:
الأول: الدين القوي: وهو ما كان بدل مال زكوي، كقرض نقد، أو ثمن مال سائمة، أو عرض تجارة. فهذا كلما قبض شيئاً منه زكاه ولو قليلاً (مع ملاحظة مذهبه في الوقص في الذهب والفضة، فلا زكاة في المقبوض من دين دراهم مثلاً إلا إذا بلغت 40 درهماً ويكون فيها درهم) وحوله حول أصله، لأن أصله زكوي فيبنى على حول أصله رواية واحدة.
الثاني: الدين الضعيف: وهو ما لم يكن ثمن مبيع ولا بدلاً لقرض نقد، ومثاله المهر والدية والخلع، فهذا متى قبض منه شيئاً وكان عنده نصاب غيره قد انعقد حوله يزكيه معه كالمال المستفاد، وإن لم يكن عنده من غيره نصاب فإنه لا تجب فيه الزكاة إلا إذا قبض منه نصاباً وحال عليه الحول عنده منذ قبضه، لأنه بقبضه أصبح مالاً زكوياً.
الثالث: الدين المتوسط: وهو ما كان ثمن عرض قنية مما لا تجب فيه الزكاة، كثمن داره أو متاعه المستغرق بالحاجة الأصلية.
ففي رواية، يعتبر مالاً زكوياً من حين باع ما باعه فتثبت فيه الزكاة لما مضى من الوقت، ولا يجب الأداء إلا بعد أن يتم ما يقبضه منه نصاباً، وفي رواية أخرى: لا يبتدئ حوله إلا من حين يقبض منه نصاباً، لأنه حينئذ أصبح زكوياً، فصار كالحادث ابتداء.
- الأجور المقبوضة سلفاً:
مذهب الحنابلة: إن الأجرة المعجلة لسنين إذا حال عليها الحول تجب على المؤجر زكاتها كلها، لأنه يملكها ملكاً تاماً من حين العقد. بدليل جواز تصرفه فيها، وإن كان ربما يلحقه دين بعد الحول بالفسخ الطارئ.
ومذهب المالكية لا زكاة على المؤجر فيما قبضه مقدماً إلا بتمام ملكه، فلو آجر نفسه ثلاث سنين بستين ديناراً، كل سنة بعشرين، وقبض الستين معجلة ولا شيء له غيرها، فإذا مر على ذلك حول فلا زكاة عليه، لأن العشرين التي هي أجرة السنة الأولى لم يتحقق ملكه لها إلا بانقضائها، لأنها كانت عنده بمثابة الوديعة، فلم يملكها حولاً كاملاً، فإذا مر الحول الثاني زكى عشرين، وإذا مر الثالث زكى أربعين إلا ما أنقصته الزكاة، فإذا مر الرابع زكى الجميع.
ومذهب الشافعية: لا تجب إلا زكاة ما استقر، لأن ما لم يستقر معرض للسقوط، فتجب زكاة العشرين الأولى بتمام الحول الأول، لأن الغيب كشف أنه ملكها من أول الحول. وإذا تم الحول الثاني فعليه زكاة عشرين لسنة وهي التي زكاها في آخر السنة الأولى، وزكاة عشرين لسنتين، وهي التي استقر عليها ملكه الآن، وهكذا.
زكاة الثمن المقبوض عن بضائع لم يجر تسليمها:
إذا اشترى مالاً بنصاب دراهم، أو أسلم نصاباً في شيء، فحال الحول قبل أن يقبض المشتري المبيع، أو يقبض المسلم فيه، والعقد باق لم يجر فسخه.
قال الحنابلة: زكاة الثمن على البائع، لأن ملكه ثابت فيه، ثم لو فسخ العقد لتلف المبيع، أو تعذر المسلم فيه، وجب رد الثمن كاملاً.
وقال الشافعية بما هو قريب من ذلك وهو أن البضاعة المشتراة إذا حال عليها الحول من حين لزوم العقد تجب زكاتها على المشتري وإن لم يقبضها.
- الشرط الثالث: النماء:
ووجه اشتراطه عند الحنفية أن المقصود من شرعية الزكاة بالإضافة إلى الابتلاء مواساة الفقراء على وجه لا يصير به المزكي فقيراً، بأن يعطي من فضل ماله قليلاً من كثير، والإيجاب في المال الذي لا نماء له يؤدي إلى خلاف ذلك مع تكرر السنين.
والنماء متحقق في السوائم بالدر والنسل، وفي الأموال المعدة للتجارة، والأرض الزراعية العشرية، وسائر الأموال التي تجب فيها الزكاة، ولا يشترط تحقق النماء بالفعل بل تكفي القدرة على الاستنماء بكون المال في يده أو يد نائبه.
وبهذا الشرط خرجت الثياب التي لا تراد لتجارة سواء كان صاحبها محتاجاً إليها أو لا، وأثاث المنزل، والحوانيت، والعقارات، والكتب لأهلها أو غير أهلها، وخرجب الأنعام التي لم تعد للدر والنسل، بل كانت معدة للحرث، أو الركوب، أو اللحم.
والذهب والفضة لا يشترط فيهما النماء بالفعل، لأنهما للنماء خلقة، فتجب الزكاة فيهما، نوى التجارة أو لم ينو أصلاً، أو نوى النفقة.
قالوا: وفقد النماء سبب آخر في عدم وجوب الزكاة في أموال الضمار بأنواعها المتقدمة، لأنه لا نماء إلا بالقدرة على التصرف، ومال الضمار لا قدرة عليه.
وهذا الشرط يصرح به الحنفية، ويراعيه غيرهم في تعليلاتهم دون تصريح به.
- الشرط الرابع: الزيادة على الحاجات الأصلية:
قال الحنفية: لا زكاة في كتب العلم المقتناة لأهلها وغير أهلها ولو كانت تساوي نصباً، وكذا دار السكنى وأثاث المنزل ودواب الركوب ونحو ذلك.
قالوا: لأن المشغول بالحاجة الأصلية كالمعدوم، وهي بما يدفع عنه الهلاك تحقيقاً كثيابه، أو تقديراً كدينه.
والزكاة تجب في النقد كيفما أمسكه للنماء أو للنفقة.
- الشرط الخامس: الحول:
المراد بالحول أن يتم على المال بيد صاحبه سنة كاملة قمرية، فإن لم تتم فلا زكاة فيه، إلا أن يكون بيده مال آخر بلغ نصاباً قد انعقد حوله، وكان المالان مما يضم أحدهما الآخر، فيرى بعض الفقهاء، أن الثاني يزكى مع الأولى عند تمام حول الأول.
ودليل اعتبار الحول قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول".
ويستثنى من اشتراط الحول في الأموال الزكوية الخارج من الأرض من الغلال الزراعية، والمعادن، والركاز، فتجب الزكاة في هذين النوعين ولو لم يحل الحول، لقوله تعالى في الزروع {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] ولأنها نماء بنفسها فلم يشترط فيها الحول، إذ أنها تعود بعد ذلك إلى النقص، بخلاف ما يشترط فيه الحول فهو مرصد للنماء.
- المال المستفاد أثناء الحول:
إن لم يكن عند المكلف مال فاستفاد مالاً زكوياً لم يبلغ نصاباً، فلا زكاة فيه ولا ينعقد حوله، فإن تم عنده نصاب انعقد الحول من يوم تمَّ النصاب، وتجب عليه زكاته إن بقي إلى تمام الحول.
وإن كان عنده نصاب، وقيل أن يحول عليه الحول استفاد مالاً من جنس ذلك النصاب أو مما يضم إليه، فله ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن تكون الزيادة من نماء المال الأول، كربح التجارة، ونتاح السائمة، فهذا يزكى مع الأصل عند تمام الحول.
القسم الثاني: أن يكون المستفاد من غير جنس المال الذي عنده، كأن يكون ماله إبلاً فيستفيد ذهباً أو فضة. فهذا النوع لا يزكى عند حول الأصل. بل ينعقد حوله يوم استفادته إن كان نصاباً، اتفاقاً.
القسم الثالث: أن يستفيد مالاً من جنس نصاب عنده قد انعقد حوله وليس المستفاد من نماء المال الأول. كأن يكون عنده عشرون مثقالاً ذهباً ملكها في أول المحرم، ثم يستفيد ألف مثقال في أول ذي الحجة، فقد اختلف العلماء في ذلك.
فذهب الشافعية والحنابلة، إلى أنه يضم إلى الأول في النصاب دون الحول، فيزكي الأول عند حوله أي في أو المحرم في المثال المتقدم، ويزكي الثاني لحوله أي في أول ذي الحجة ولو كان أقل نصاب، لأنه بلغ بضمه إلى الأول نصاباً. واستدلوا بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول". وبقوله: "من استفاد مالاً فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول عند ربه" رواه الترمذي.
وذهب الحنفية إلى أنه يضم كل ما يأتي في الحول إلى النصاب الذي عنده فيزكيهما جميعاً عند تمام حول الأول، قالوا: لأنه يضم إلى جنسه في النصاب سبب، والحول شرط، فإذا ضم في النصاب الذي هو سبب، فضمه عليه في الحول الذي هو شرط أولى، ولأن إفراد كل مال يستفاد بحول يفضي إلى تشقيص الواجب في السائمة، واختلاف أوقات الواجب، والحاجة إلى ضبط مواقيت التملك، ووجوب القدر اليسير الذي لا يتمكن من إخراجه، وفي ذلك حرج، وإنما شرع الحول للتيسير، وقد قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وقياساً على نتاج السائمة وربح التجارة.
وذهب المالكية إلى التفريق في ذلك بين السائمة وبين النقود، فقالوا في السائمة كقول أبي حنيفة.
قالوا: لأن زكاة السائمة موكولة إلى الساعي، فلو لم تضم لأدى ذلك إلى خروجه أكثر من مرة بخلاف الأثمان فلا تضم، فإنها موكولة إلى أربابها.
الشرط السادس: أن يبلغ المال نصاباً:
والنصاب مقدار المال الذي لا تجب الزكاة في أقل منه، وهو يختلف باختلاف أجناس الأموال الزكوية، فنصاب الإبل خمس منها، ونصاب البقر ثلاثون. ونصاب الغنم أربعون، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً، ونصاب الفضة مائتا درهم، ونصاب الزروع والثمار خمسة أوسق.
ونصاب عروض التجارة مقدر بنصاب الذهب أو الفضة.
والحكمة في اشتراط النصاب واضحة، وهي أن الزكاة وجبت مواساة، ومن كان فقيراً لا تجب عليه المواساة، بل تجب على الأغنياء إعانته، فإن الزكاة تؤخذ من الأغنياء لترد على الفقراء.وجعل الشرع النصاب أدنى حد الغنى، لأن الغالب في العادات أن من ملكه فهو غني إلى تمام سنته.
- الوقت الذي يعتبر وجود النصاب فيه:
ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن من شرط وجوب الزكاة وجود النصاب في جميع الحول من أوله إلى آخره، فلو نقص في بعضه ولو يسيراً انقطع الحول فلم تجب الزكاة في آخره.
قالوا: فلو كان له أربعون شاة فماتت في الحول واحدة ثم ولدت واحدة انقطع الحول. فإن كان الموت والنتاج في لحظة واحدة لم ينقطع، كما لو تقدم النتاج على الموت، واحتجوا بعموم حديث "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول".
وذهب الحنفية إلى أن المعتبر طرفا الحول، فإن تم النصاب في أوله وآخره وجبت الزكاة ولو نقص المال عن النصاب في أثنائه، ما لم ينعدم المال كلية، فإن انعدم لم ينعقد الحول إلا عند تمام النصاب، وسواء انعدم لتلفه، أو لخروجه عن أن يكون محلاً للزكاة، كما لو كان له نصاب سائمة فجعلها في الحول علوفة.
وفي قول عند الحنابلة: إذا وجد النصاب لحول كامل إلا أنه نقص نقصاً يسيراً كساعة أو ساعتين وجبت الزكاة.
ولو زال ملك المالك للنصاب في الحول بيع أو غيره ثم عاد بشراء أو غيره استأنف الحول لانقطاع الحول الأول بما فعله.
وذهب المالكية إلى أن الشرط أن يحول الحول على ملك النصاب أو ملك أصله، فالأول كما لو كان يملك أربعين شاة تمام الحول، والثاني كما لو ملك عشرين شاة من أول الحول فحملت وولدت فتمت بذلك أربعين قبل تمام الحول، فتجب الزكاة في النوعين عند حول الأصل.
ومثاله أيضاً، أن يكون عنده دينار ذهب فيشتري به سلعة للتجارة فيبيعها بعشرين ديناراً قبل تمام الحول، ففيها الزكاة عندما يحول الحول على ملكه للدينار، والذي يضم إلى أصله فيتم به النصاب هو نتاج السائمة وربح التجارة، بخلاف المال المستفاد بطريق آخر كالعطية والميراث فإنه يستقبل بها حولها.
- الشرط السابع: الفراغ من الدين:
وهذا الشرط معتبر من حيث الجملة عند جمهور الفقهاء.
وعبر بعضهم بأن الدين مانع من وجوب الزكاة.
فإن زاد الدين الذي على المالك عما بيده فلا زكاة عليه، وكذا إن لم يبق بيده بعدما يسد به ولا يعتبر الدين مانعاً إلا إن استقر في الذمة قبل وجوب الزكاة، فأما إن وجب بعد وجوب الزكاة لم تسقط، لأنها وجبت في ذمته، فلا يسقطها ما لحقه من الدين بعد ثبوتها.
وذهب الشافعي إلى أن الدين لا يمنع الزكاة أصلاً، لأن الحر المسلم إذا ملك نصاباً حولاً وجبت عليه الزكاة فيه لإطلاق الأدلة الموجبة للزكاة في المال المملوك.
- الأموال التي يمنع الدين زكاتها والتي لا يمنع:
أما الأموال الباطنة وهو النقود وعروض التجارة فإن الجمهور القائلين بأن الدين يمنع الزكاة ذهبوا إلى أن الدين يمنع الزكاة فيها. ولو كان من غير جنسها على ما صرح به المالكية.
وأما الأموال الظاهرة وهي السائمة والحبوب والثمار والمعادن فذهب الجمهور (المالكية والشافعية على قول والحنابلة إلى أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة فيها، روي عن أحمد أنه قال: لأن المصدق إذا جاء فوجد إبلاً أو بقراً أو غنماً لم يسأل: أي شيء على صاحبها من الدين، وليس المال - يعني الأثمان - هكذا.
والفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة أن تعلق الزكاة بالظاهرة آكد، لظهورها وتعلق قلوب الفقراء بها، ولأن الحاجة إلى حفظها أوفر، فتكون الزكاة فيها آكد.
واستثنى الحنابلة على الرواية المشهورة الدين الذي استدانه المزكي للإنفاق على الزرع والثمر، فإنه يسقطه لما روي عن ابن عمر: يخرج ما استدان أو أنفق على ثمرته وأهله ويزكي ما بقي.
وذهب الحنفية إلى أن الدين يمنع الزكاة في الأموال الباطنة وفي السوائم، أما ما وجب في الخارج من الأرض فلا يمنعه الدين، كما لا يمنع الخراج، وذلك لأن العشر والخراج مؤنة الأرض، ولذا يجبان في الأرض الموقوفة وأرض المكاتب وإن لم تجب فيهما الزكاة.
الديون التي تمنع وجوب الزكاة:
ذهب الحنفية إلى أن الدين الذي يمنع وجوب الزكاة هو ما كان له مطالب من جهة العباد سواء كان ديناً لله كزكاة وخراج، أو كان للعباد، وسواء كان حالاً أو مؤجلاً، ولو صداق زوجته المؤجل للفراق، أو نفقة لزوجته، أو لقريب لزمته بقضاء أو تراض، وكذا عندهم دين الكفالة، قالوا: لأن الكفيل محتاج إلى ما بيده ليقضي عنه دفعاً للملازمة أو الحبس.
أما ما لم يكن له مطالب من جهة العباد فلا يمنع وجوب الزكاة، قالوا: كدين النذر والكفارة والحج، ومثلها الأضحية، وهدي المتعة، ودين صدقة الفطر.
وذهب المالكية إلى أن زكاة المال الباطن يسقطها الدين ولو كان دين زكاة، أو زكاة فطر، أو كان للعباد حالاً كان أو مؤجلاً، أو كان مهر زوجة أو نفقة زوجة مطلقاً، أو نفقة ولد أو ولدان كان قد حكم بها القاضي.
واختلف قول المالكية في مثل دين الكفارة والهدي الواجب فقول لا يمنع وجوب الزكاة لعدم المطالب من العباد، وقول أنه يمنع لأن الإمام يطالب الممتنع بإخراج ما عليه من قول مثل هذه الديون.
وذهب الحنابلة إلى أن دين الآدمي مطلقاً يمنع وجوب الزكاة، أما دين الله ففي قول: يمنع وفي قول: لا يمنع.
شروط إسقاط الزكاة بالدين:
القائلون بأن الدين يسقط الزكاة في قدره من المال الزكوي، اشترط أكثرهم أن لا يجد المزكي مالاً يقضي منه الدين سوى ما وجبت فيه. فلو كان له مال آخر فائض عن حاجاته الأساسية، فإنه يجعله في مقابلة الدين، لكي يسلم المال الزكوي فيخرج زكاته.
مذهب المالكية والحنابلة: إنه يعمل بذلك سواء كان ما يقضي منه من جنس الدين أو غير جنسه. فلو كان عليه دين مائتا درهم وعنده عروض قنية تساوي مائتي درهم فأكثر وعنده مائتا درهم، جعل العروض في مقابلة الدين لأنه أحظ للفقراء.
وكذا إن كان عليه دين وله مالان زكويان، لو جعل أحدهما في مقابل الدين لم يكن عليه زكاة، ولو جعل الآخر في مقابلة الدين كان عليه زكاة، فإنه يجعل في مقابلة الدين ما هو أحظ للفقراء، كمن عليه دين مائة درهم وله مائتا درهم وتسع من الإبل، فإذا جعلنا في مقابلة الدين الأربعة من الإبل الزائدة عن النصاب لكون الأربعة تساوي المائة من الدراهم أو أكثر منها وجب ذلك رعاية لحظ الفقراء، لأننا لو جعلنا مما معه من الدراهم مائة في مقابلة الدين سقطت زكاة الدراهم.
وقال المالكية أيضاً مما يمكن أن يجعل في مقابلة الدين فيمنع سقوط الزكاة: الدين الحال المرجو، والأموال الزكوية الأخرى ولو جرت تزكيتها، وأن العرض يقوم وقت الوجوب، وأخرجوا من ذلك نحو البعير الشارد، والمال الضائع، والدين المؤجل أو غير المرجو لعدم صلاحية جعله في مقابلة الدين الذي عليه.
ومذهب الحنفية أن من كان عنده مال زكوي ومال غير زكوي فائض عن حاجته الأساسية وعليه دين فله أن يجعل في مقابلة الدين المال الزكوي، ولو من غير جنسه، فإن بقي منه نصاب فأكثر زكاه وإلا فلا زكاة عليه، قالوا: لأن غير مال الزكاة يستحق للحوائج، ومال الزكاة فاضل عنها، فكان الصرف إليه أيسر، وأنظر بأرباب الأموال.
قالوا: ولو كان له مالان زكويان من جنسين أو أكثر جاز له أن يجعل أياً منهما أو بعضه في مقابلة الدين والخيار له. فلو كان عنده دراهم ودنانير وعروض تجارة وسوائم يصرف الدين لأيسرها قضاء، ولو كان عنده نصاب بقر ونصاب إبل وعليه شاة ديناً، جاز جعلها في مقابلة شيء من البقر لئلا يجب عليه التبيع، لأن التبيع فوق الشاة.