صدر حديثا كتاب "المغرب والولايات المتحدة الأمريكية: تأمل فى أصالة العلاقات واستشراف لحداثة التعاون" لمؤلفه السيد رضوان حيميدى، سرد فيه على امتداد صفحاته أطوار رحلته القصيرة فى الولايات المتحدة الأمريكية والأماكن التى زارها والشخصيات التى التقاها، حيث سمحت له هذه الزيارة بالتعرف على ذلك الإنسان الذى اجتهد فى شتى المجالات، ووضْع مقارنات وطرح تساؤلات، كما عبر عن إيمانه بمقدرة بلده المغرب على السير فى ركب العالم الحديث رغم الظروف الصعبة المحيطة به.

فى الوقت الذى بدأ فيه المسلمون بالتخلى عن الكثير من الأخلاق والقيم الإسلامية، يرى الكاتب أن المواطنين فى أمريكا يقومون بتطبيق هذه القيم الإسلامية لتربية إنسان له مواهب ورؤى، وبالتالى له إنجازات تبهر العالم. كما أن إخلاص الإنسان الأمريكى فى عمله وإتقانه له ودقته فيه وتواضعه وكرم ضيافته، كلها خصائل لفتت نظر الكاتب فى هذه الزيارة. فبحكم عمل الكاتب الذى يحتم عليه التعرف على أفراد من ثقافات وخلفيات متباينة، كان حسن استقباله لأحد الوفود الأمريكية سببا لدعوته لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، وهى الزيارة التى دفعت الكاتب إلى تدوين تجربته التى قرر فيما بعد أن يشاطرها مع القراء من خلال هذا الإصدار.

من خلال هذا الكتاب، يصطحبنا الكاتب معه فى رحلته منذ أن حط الرحال بمطار أمستردام وما تعرض له من استنطاق ومواقف إلى حين استقباله بنيويورك. ما فتأت قدمه تطأ الأرض الأمريكية حتى بدأ يُكون انطباعا عن أهلها ويستشعر الحب الكبير الذى يكنه المواطن الأمريكى لبلده واحترامه لقانونه ومؤسساته، وشيم التواضع والترحاب فى بلد ارتبط فى مخيلتنا بإفراطه فى الماديات.

عندما شرع الكاتب فى عقد لقاءاته فإن أول ما لاحظه هو احترام الوقت والمواعيد، حيث إن التخلف عن الموعد هو نوع من أنواع "التخلف" فى نظرهم. كما أن لقاءه مع عدة أشخاص فى رحلته هذه جعله يرى الأمريكيين يطبقون مبادئ الإسلام الذى لا يعلمون عنه شىء، وذلك فى ما يخدم مصالح البلد. كما حدثنا فى كتابه عن المؤسسات المختلفة والمهمة التى زارها مثل جامعة جورج تاون، حيث التقى بأستاذ فى العلوم السياسية ناقش معه مجموعة من المواضيع، ومدير إحدى المؤسسات غير الحكومية، ومسؤولين أمريكيين أبانوا عن ضرورة تكثيف حضور المغرب بقطاعاته الاقتصادية المهمة فى أمريكا على غرار البلدان الآسيوية، فى الوقت الذى استفادت فيه أمريكا كثيرا من علاقاتها بالمغرب أكثر من استفادة هذا الأخير من هذه العلاقات، ولم يفُتهم التنويه بنعمة الاستقرار السياسى التى يعرفها المغرب والتى تعود عليه بالنفع الكثير. وفى هذا السياق، استحضر الكاتب مجموعة من المحطات التى مر بها المغرب وجعلته فى وضع متميز ومحط اهتمام المستثمرين الدوليين. كما سلط الكاتب الضوء على مسألة دعم اللجان فى أمريكا بخبراء فى شتى الميادين، فلجان الميزانية مثلا تشتمل على تسعة خبراء فى التحليل الاقتصادى وخبير فى الإحصاء يستطيع معرفة مستقبل المنطقة، أما رئيس المصلحة فهو مهندس وعالم اقتصاد، حاصل على دكتوراه فى التجارة الدولية.

كما حرص السيد حيمدى أيضا على عقد لقاء مع الكاتب العام لمجلس النواب الأمريكى ليتعرف على عمله وظروف اشتغاله وكيفية تعيينه لذلك المنصب. ثم زار قسم إفريقيا والشرق الأوسط بمكتبة الكونغرس الأمريكى وتعرف على الأعمال التى يضُمها، من بينها مقالات وكتب عن المغرب. وفى ضوء هذه الزيارة، رأى الكاتب أن "حملة جمع كتب ووثائق عن حضارة العرب والمسلمين من شأنها تحسين صورتنا، وأن الضرورة ملحة لترجمة هذه الكتب إلى اللغة الإنجليزية، ومراعاة أن صفحة عقل الأمريكى المستقبِل لهذه المكتبة بيضاء ويجب تنويرها بالوثائق التى تحسن صورتنا"، وتمنى أن يكون ذلك بمبادرة مغربية.

ولم يفت الكاتب فى هذه الرحلة أن يلتقى بإمام أحد المراكز الإسلامية الذى علم منه بأن خطبة الجمعة تنبنى على أهم الاستفسارات عن الإسلام التى يتلقاها عبر الهاتف خلال الأسبوع من جميع أنحاء واشنطن، وهو ما يعتبره منهجا علميا فى التعامل مع قضايا المؤمنين، واستطلاعا للرأى يسمح له بالإتيان بالأدلة والبراهين قبل الإجابة على أسئلة الناس. كما شملت زياراته الأخرى التى تخللها نقاش مستفيض عن مجال وظروف العمل سردها فى كتابه، صحافيا بإذاعة أمريكا، وخبيرا فى ميدان الفضاء تحدث بإسهاب عن عمله وكيفية الانتقاء لولوج هذا الميدان، ومؤسسة تعليمية وأحد المنتديات التى تجمع كُتابا وشعراء أيضا، دون أن تفوته زيارة فلاحين فى البوادى اكتشف خلالها شغفهم بهذا العمل. وقد قام الكاتب بإرفاق الكتاب بصور تذكارية توثق لكل تلك الزيارات.

وللمرأة المطلقة الأمريكية نصيب من الاهتمام، حيث إن أحد المواقف التى واجهها الكاتب عرَضا سمحت له بأن يحيط علما بتكفل البلدية بهذه المرأة ومثيلاتها وبرضيعها من أكل وشرب وملبس وسكن، ما عدا المحرمات مثل السجائر والكحول، إلى أن يبلغ الرضيع سنا معينة، وأن تجد المعنية بعدها شغلا.

ويخلص الكاتب فى الختام إلى أن أمريكا قامت بإنصاف إنسانها حقوقيا وماديا وتربويا وتعليميا، فلقنته حسن تدبير الوقت واحترام الرأى والرأى الآخر، واحترام تطبيق القانون، والصراحة والتعبير السليم، وحسن المعاملة، وكرم الضيافة والعمل الجماعى، والاندماج السليم فى المجتمع المدنى. كما أنه من أهم السمات الواضحة فى ثقافة هذا الشعب حب الوطن والافتخار به، ومعرفة الفرد لحقوقه وواجباته منذ التكوين الأساسى فى الأسرة، وتوجيهه كطفل مبدع ليبرع فى تخصصه. فالثقافة الأمريكية فى نظره مبنية على دور المجتمع المدنى من جهة، وعلى تقديس العمل كأساس للتطور، تتوارثها الأجيال عن طريق الأسر أيضا. ويرى أن تطلع الإنسان العربى المسلم بتفاؤل وحزم لبلده لا يجعله يلتفت للظروف الصعبة كيف ما كانت، وخير قدوة فى ذلك هو النبى محمد صلى الله عليه وسلم الذى لم يستسلم للصعوبات والمعوقات التى واجهته ولم تمنعه من بناء قاعد أمة هى خير أمة أخرجت للناس فى وقت وجيز.