أصدر مشروع "كلمة" للترجمة التابع لهيئة أبو ظبى للسياحة والثقافة الترجمة العربية لكتاب بعنوان "المرأة فى حياة نابليون" للكاتب كريستوفر هيبرت، ونقله إلى العربية المترجم عمر الأيوبى.

ثمة كتب كثيرة، تعدّ بالآلاف، تتناول مختلف جوانب حياة نابليون وإنجازاته السياسية والعسكرية، والتقدّم الذى شهدته فرنسا فى عصره على مختلف الأصعدة العلمية والفلسفية والقانونية والعمرانية. غير أن الكتاب الذى بين أيدينا يقدّم صورة مغايرة عن هذا الرجل من خلال علاقاته بالشخصيات النسائية الرئيسية اللواتى أحطن به وأثّرن فى حياته، ويربط بأسلوب شيّق بين حياة نابليون الشخصية والأحداث الكبرى التى شهدتها مسيرته المهنية من ارتقائه سلّم السلطة بسرعة، إلى تتويجه إمبراطوراً، وتغيّر تحالفاته، وغزو روسيا وانسحابه منها، ومعركة واترلو، ومنفييه. لكن تجدر الإشارة إلى أنه يورد هذه الأحداث فى إطار الحياة الشخصية لنابليون لا التاريخ العسكرى أو السياسي.

وهكذا فإن الصورة التى تبرز له لا تظهره بمظهر القائد المظفّر، أو الإمبراطور، أو حتى البطل المهزوم، وإنما تكشف عن الرجل فى علاقاته بالعديد من النساء: زوجتاه، وعشيقاته وأمه وشقيقاته. نتعرّف فى هذه الرواية إلى شخصيته المزاجية، واهتماماته وأذواقه، والانطباعات التى تركها لدى معاصريه بعيداً عن ميدان القتال. وتتداخل فى هذه السيرة العداوات والعلاقات الغرامية، وعلاقاته مع أفراد عائلته. كما يُسلّط الضوء على حياته الخاصة فى أثناء المعارك، وفى زمن السلم، وفى المنفى، ويُبحث الغموض الذى يكتنف وفاته مسموماً، على الأرجح، فى جزيرة القدّيسة هيلانة.

غير أن هذه الصورة غير جذّابة على العموم. فهو لم يكن عاشقاً عظيماً، ولديه الكثير من الأعذار لذلك. فهناك فى النهاية قارّة يريد فتحها، ولشؤون الدولة الأولوية على شؤون القلب. فى بداية حياته العملية كان يرغب فى الزواج من امرأة ثرية تسهّل عليه الارتقاء فى مهنته، وحاول التودّد لأكثر من امرأة ثرية تكبره سناً إلا أنه لم ينجح، وخاب ظنّه كثيراً عندما اكتشف أن جوزفين ليست ثرية كما اعتقد. لكن كان لديها أكثر من الثروة، وقد عبّر عن ذلك لاحقاً بقوله "أنا أكسب المعارك وجوزفين تكسب القلوب". ولأنه يقدّم مسيرته المهنية على كل ما عداها، فقد طلّقها وتزوّج من النمساوية مارى لويز، لكى ينجب وريثاً من صلبه لعرش فرنسا. ومن المفارقات أن نجم نابليون سطع واتخذ منحنى تصاعدياً بعد زواجه من جوزفين، وأفل واتخذ منحنى تنازلياً بعد تطليقها وزواجه من مارى لويز.

غالباً ما كان نابليون يظهر فظّاً ومتغطرساً تجاه النساء، ويعتبرهن جزءا من أهوائه خادمات لأهوائه ورغباته. ومع أنه لم يكن يشعر بالأمان فى علاقاته النسائية، فإنه تمكّن من اجتذاب العديد منهن من خلال مزيج من الإصرار (مارى والوفسكا). ولعله فى تبرير تصرّفاته يقدّم وصفاً معبّراً عن نفسه بقوله، "لست كالرجال الآخرين، القواعد الشائعة عن الأخلاق واللياقة لا تسرى علي". بيد أننا نراه أحياناً مرحاً وعاطفياً مع زوجتيه، ويظهر إخلاصه لزوجته جوزفين بالإصرار على تتويجها إمبراطورة رغم معارضة أسرته، ويشعر بالذنب الشديد حيال تطليقها، وهو القرار الذى اتخذه لأنها لم تنجب له وريثاً. ويبدى ألماً شديداً عندما لم تلحق به مارى لويز، زوجته الثانية، إلى المنفى. وهكذا بصرف النظر عن قسوته وفظاظته وعنفه فى بعض الأحيان، فإنه يفاجئنا أحياناً بتعاطفه مع من عرفهم وأحبّهم وإخلاصه لهم.

يتكوّن الكتاب من 50 فصلاً بالإضافة إلى خاتمة عن إعادة جثمان نابليون إلى فرنسا فى سنة 1830 وملحق عن أسباب وفاة نابليون. كما يفرد قسماً خاصاً يورد فيه مصير الشخصيات التى لم ترد نهايتها فى متن الكتاب، ويليه سلسلة من التواريخ والأحداث بدءاً من مولد جوزفين فى سنة 1763 وانتهاء بوفاة ابن نابليون غير الشرعي، شارل ليون دينويل، فى سنة 1881. ويضمّ أيضاً مجموعتين من الصور لنابليون والشخصيات الرئيسية، وقائمة ببليوغرافية طويلة.
المؤلف كرستوفر هيبرت (1924 – 2008) مؤرّخ وكاتب سير بريطاني، درس فى كلية رادلى وجامعة أكسفورد. خدم فى إيطاليا فى الحرب العالمية الثانية، ونال وسام الصليب العسكرى فى سنة 1945. ألف ما يزيد على 40 كتاباً، منها : (صعود آل ميدتشى وسقوطهم)، و(استيقاظ التنين: الصين والغرب)، و(التمرّد العظيم: الهند، 1857)، و(الفرسان وحليقو الرؤوس: الحرب الأهلية الإنجليزية، 1642-1649). كما كتب سيراً عن لندن وروما والبندقية وفلورنسا، فضلاً عن صموئيل جونسون، وإليزابيث الأولى، ونلسون، وولِنغتون، والملكة فيكتوريا.

المترجم عمر الأيوبى يعمل فى الترجمة والتحرير منذ أكثر من خمس وعشرين سنة. ترجم عدداً من الكتب، منها من منشورات مشروع "كلمة": "الاستراتيجية التنافسية: أساليب تحليل الصناعات والمنافسين" لمايكل بورتر، و(خرافة التنمية: الاقتصادات غير القابلة للحياة فى القرن الحادى والعشرين) لأزوالدو دى ريفيرو، و(ملفات المستقبل: موجز فى تاريخ السنوات الخمسين المقبلة) لرتشارد واطسون، و(فن الحدائق الإسلامية) لإيما كلارك.