تبدأ غدا الاثنين الرئاسة الدورية الجديدة للاتحاد الأوروبى، والتى تتولاها ليتوانيا للمرة الأولى فى تاريخها وتستمر ستة أشهر.

وتعتبر ليتوانيا الدولة الأولى من دول البلطيق التى تتولى هذا المنصب، كما أنها أول دولة ترأس الاتحاد الأوروبى بعد أن أصبح عدد أعضائه 28 عضوا، وذلك بعد انضمام كرواتيا التى تبدأ عضويتها فى الاتحاد ابتداء من يوم غد الأول من يوليو.

وتأتى رئاسة ليتوانيا للاتحاد الأوروبى وسط تحديات كبيرة، وفى ظل فترة شديدة الأهمية على صعيد القارة الأوروبية، إذ إنها تتصادف مع آخر فترة للمفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبى قبل إجراء انتخابات جديدة العام القادم.

لذلك فإن برنامج الرئاسة الليتوانية ممتلئ بالمهام التى ينبغى الانتهاء منها قبل انقضاء فترة عمل كل من المفوضية والبرلمان.

وتتمحور أولويات الرئاسة الليتوانية حول ثلاث كلمات أوروبا "ذات مصداقية، متنامية، منفتحة"، وفى هذا الإطار تسعى ليتوانيا إلى ضبط أوضاع المالية العامة للاتحاد، وتطبيق "ميثاق النمو" الذى تبنته الدول الأوروبية العام الماضى لإنعاش الاقتصاد، فضلا عن دعم الاتحاد الأوروبى كنموذج عالمى للانفتاح والأمن. وتبلغ ميزانية الرئاسة الليتوانية للاتحاد الأوروبى حوالى 62 مليون يورو.

تحديات الرئاسة الليتوانية

وتعتبر موازنة الاتحاد الأوروبى على رأس التحديات التى تواجهها الرئاسة الليتوانية فبعد أن قام القادة الأوروبيون يوم الخميس الماضى بإقرار مشروع موزانة الاتحاد للأعوام 2014-2020، والبالغة 960 مليار يورو، تستلزم المصادقة النهائية على هذا المشروع موافقة أغلبية أعضاء البرلمان الأوروبى، أى حوالى 745 نائبا، وهو ما سيتم خلال رئاسة ليتوانيا للاتحاد الأوروبى.

كذلك يتعين على ليتوانيا خلال فترة رئاستها التفاوض حول تفاصيل تنفيذ تلك الموازنة، والتى ستعمل على تمويل إجراءات تعزز فرص العمل للشباب، وبالتالى سيقع على عاقتها تبنى حوالى 70 تشريعا لتنفيذ الموازنة وتوزيع التمويلات الخاصة بالاتحاد الأوروبى.

ومن بين أهم تحديات الرئاسة الليتوانية للاتحاد الأوروبى إقامة اتحاد مصرفى من شأنه إدارة أزمة الإفلاس المصرفى فى منطقه اليورو، وهو الأمر الذى تم التوصل إليه فى 30 مايو الماضى حيث اتفق القادة الأوروبيون على إنشاء آليه لحل الأزمات المصرفية على أساس "المعاهدات القائمه بالفعل"، إلا النص الذى تناول هذه النقطة افتقر إلى توصيف هذه الآلية مكتفيا بالإشارة إلى إنشاء مجلس مشترك يجمع سلطات اتخاذ القرار الوطنية ويسمح باتخاذ قرارات سريعة وفعالة ومتوافقة على المستوى المركزى، وهو ما أوجد اختلافا فى وجهات النظر بين كل من ألمانيا وفرنسا فى هذا الشأن.

ويقع أيضا ضمن أولويات الرئاسة الليتوانية للاتحاد الأوروبى إنشاء سوق مشتركة للطاقة الذى من شأنه أن يعزز القدرة التنافسية لأوروبا، إضافة إلى توفير 15 مليار يورو سنويا من نفقات الطاقة على المستهلكين. كما ينتظر أن تعمل ليتوانيا على إقامة سوق رقمى موحد والذى سيعود بالفائدة على المواطنين والأعمال والهيئات الأوروبية على حد سواء.

وتحتل مشكلة البطالة أهمية كبيرة فى أجندة الرئاسة الليتوانية حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل فى الاتحاد الأوروبى حوالى 26.5 مليون عاطل معظمهم من فئة الشباب. فى هذا السياق قرر القادة الأوروبيون فى قمتهم الأخيرة فى بروكسل يوم الخميس الماضى تخصيص الأموال غير المستخدمة من موازنة الاتحاد الأوروبى للأعوام 2014 - 2016، والتى قد تبلغ مليونى يورو، لمكافحة أزمة البطالة ليبلغ المجموع الكلى المخصص لتوظيف الشباب فى الاتحاد ثمانية مليارات يورو.


تعزيز "الشراكة الشرقية"

وتسعى ليتوانيا من خلال رئاستها للاتحاد الأوروبى أن تعمل على تحقيق تقارب مع الجمهوريات السوفيتية السابقة. وفى هذا السياق من المقرر أن تستضيف العاصمة الليتوانية فيلينوس يومى 28 و29 من نوفمبر القادم قمة حول "الشراكة الشرقية" تجمع بين الاتحاد الأوروبى وستة دول من أوروبا الشرقية هم أوكرانيا، مولدوفا، روسيا البيضاء، أرمينيا، أذربيجان وجورجيا.

وتحظى هذه القمة باهتمام واسع النطاق من قبل ليتوانيا والدول الأعضاء بالاتحاد حيث أنه فى حالة نجاح تلك القمة يمكن أن يتم توقيع اتفاق شراكة مع أوكرانيا إضافة إلى إمكانية توقيع بالأحرف الأولى على اتفاقات شراكة مع كل من أرمينيا وجورجيا ومولدوفا.

كما ينتظر أن تولى ليتوانيا أهمية كبيرة لإطلاق مفاوضات التبادل الحر بين الاتحاد الأوروبى وكل من الولايات المتحدة واليابان.

وتعتبر ليتوانيا أولى الجمهوريات السوفيتية التى انفصلت عن الاتحاد السوفييتى فى مارس 1990، وانضمت إلى الأمم المتحدة عام 1991 ثم إلى الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو عام 2004 غير أنها لم تنضم حتى الآن إلى منطقة اليورو.

وتبحث المفوضية الأوروبية حاليا الطلب المقدم إليها من ليتوانيا بشأن انضمامها إلى منطقة اليورو بحلول عام 2015 ومدى استيفائها لقواعد الانضمام. وفى حالة مصادقة المجلس والبرلمان الأوروبيين على انضمام ليتوانيا فسوف تكون ثانى دولة من دول البلطيق بعد استونيا تنضم إلى الاتحاد النقدى.

ومن المعروف أنه لكى تنضم أى دولة إلى منطقة اليورو فإنه يتعين عليها تحقيق مستويات مستهدفة للدين وعجز الميزانية والتضخم وأسعار الفائدة الطويلة الأجل.

وقدمت ليتوانيا نموذجا جيدا فى كيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية من خلال نجاحها فى السيطرة على التضخم وتطبيقها أسعار فائدة منخفضة على المدى الطويل واستقرار سعر الصرف وإحكامها السيطرة على العجز وعلى المديونية العامة.

صلاحيات الرئاسة الدورية للاتحاد

ومن المعروف أن الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبى قد فقدت الكثير من صلاحياتها بعد سلسلة من التعديلات التى أدخلت على معاهدة الاتحاد الأوروبى خلال السنوات الأخيرة إذ فى الوقت الذى كانت فيه رئاسة الاتحاد تقود السياسة الاقتصادية للدول الأعضاء فى الاتحاد وتعقد سلسلة من المؤتمرات والقمم بهذا الشأن، فإن الأمر انتقل إلى المسؤولين الدائمين، رئيس الاتحاد هيرمان فان رومبوى ومسئولة السياسة الأمنية والشئون الخارجية كاثرين أشتون، فى بروكسل.

ومع ذلك ما زالت الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبى تتمتع باختصاصات مهمة تتعلق بعقد الصفقات التشريعية التى تدفع عجلة الاتحاد، وترؤس الاجتماعات الوزارية، ولعب دور الوساطة فى الاتفاقات بين الدول الأعضاء هذا بالإضافة إلى الدور الذى ما زال يضطلع به قادة الدول الأعضاء فى صياغة السياسات العامة للاتحاد