من صفات القائد الفعال القدرة على التحكم. أي القدرة على التحكم بالنفس وفي الأتباع. لكن لهذا التحكم قواعد وأصول، أما إذا أتى التحكم بصورة مفاجئة وعنيفة فإنه يفقد الكثير من فعاليته.
ويجب أن يكون القائد قوي الشخصية كي يحافظ على التفكير الواضح والمنطقي رغم المتاعب والضغوط، ويبحث عن الحقيقة ويتمسك بها بكل إصرار مهما كلفه الأمر، ويثبت في المآزق بكل صبر حتى لو تراجع الجميع من حوله وانسحبوا. وقد تظن عزيزي القارئ أن هذه الصفة سلبية وتميل إلى الديكتاتورية، وهذا ليس صحيحاً إذا التزم القائد بالقواعد الأربعة للتحكم. وهذه القواعد هي الحضور والمعرفة، الإدارة، التوجيه، النفوذ.


وسنبدأ اليوم بالقاعدة الأولى للتحكم، الحضور والمعرفة.

1. الحضور المستمر، ومتابعة التفاصيل، وشمولية المعلومات. تواجد القائد المستمر والمتابعة والتدقيق من قبله ومعرفته بالتفاصيل يشعر الآخرين بقدرة القائد على التحكم العادل. وكذلك القراءة السريعة للأحداث والتفاعل معها بشكل إيجابي. ولذلك كان عمر بن الخطاب يقول: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم، ثم أمرته بالعدل، أكنت قضيت ما علي؟ قالوا نعم. قال: لا، حتى أنظر في عمله أعمل بما أمرته أم لا. وفي هذا متابعة للتفاصيل وتدقيق في عمل القائد التابع. ومن مظاهر الحضور والمعرفة اختبار الأتباع. وهذا ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أرسل إلى أبي عبيدة أربعة آلاف وأربعمائة درهم وقال لرسوله: أنظر ما يصنع. فقسمها أبو عبيدة بين الناس. فلما أخبر عمر بما صنع قال: الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا.

2. المعرفة بالموضوع والفهم العميق. أوجز المفكران الغربيان بيكون وهوبز قبل أكثر من قرنين المقال في قدرة القائد على التحكم فقالا: إن المعرفة تعني القوة. وهذا أبو بكر الصديق يقول لعمر بن الخطاب عندما تضايق من تصرفات عمرو بن العاص في معركة ذات السلاسل: إنه لم يستعمله رسول الله عليه الصلاة والسلام عليك إلا لمعرفته بالحرب.

وحتى في الرسائل التي كان عمر بن الخطاب يبعثها إلى الجيوش أثبت رضي الله عنه معرفته وقوته وفهمه العميق لمجريات الأمور. فقبل معركة القادسية أوصى عتبة بن غزوان في سيره إلى العراق بقوله: يا عتبة، إن إخوانك من المسلمين قد غلبوا على الحيرة وما يليها. وعبرت خيولهم الفرات حتى وطئت بابل، مدينة هاروت وماروت ومنازل الجبارين. وإن خيلهم اليوم لتغير حتى تشارف المدائن، وقد بعثتك في هذا الجيش فاقصد أهل الأهواز فاشغل أهل تلك الناحية أن يمدوا أصحابهم بناحية السواد على إخوانكم الذين هناك، وقاتلهم مما يلي الأبلة. ولو لم يكن ابن الخطاب على معرفة ودراية وفهم عميق بتفاصيل الحرب والمنطقة لما استطاع أن يوجه قواته بالشكل الصحيح.