ماهو الكذب الأبيض وهل يجوز ؟


وعدت صديقي أن أزوره في يوم معين ، فلما جاء ذلك اليوم شغلتني بعض الشواغل العائلية ، فلم أقم بزيارته الموعودة ، فلما قابلته استحييت منه ، فاعتذرت بأن ضيوفًا قدموا علي فجأة ، فلم أتمكن من مغادرة المنزل . فهل هذا اللون من الكذب حرام ؟ مع أنه لا يضر صاحبي ولا يضرني

بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد

إن انتظار المستفتي رخصة يستريح إليها من عالم ديني يثق به أمر لا حرج فيه شرعًا ، وبحث العالم المفتي عن رخصة لسائله تريحه من الحيرة والقلق والشعور بالإثم ، أمر لا بأس به أيضًا ، وقد قال إمام الفقه والحديث والورع ، سفيان الثوري رحمه الله :
إنما العلم الرخصة من ثقة ، أما التشديد فيحسنه كل أحد . ولكن ليس كل ما تطلب الرخصة فيه يكون في الاستطاعة الحصول عليها. ومن ثم لا أجد هنا متسعًا للرخصة في الكذب وإن سماه الناس أبيض ، إلا في حدود ضيقة سأبينها بعد .

فالإسلام يحذر من الكذب بوجه عام ، ويعده من خصال الكفر أو النفاق.. ففي القرآن نقرأ :
"إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون" النحل:105.

وفي السنة :
آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر رواه الشيخان

وفي رواية لمسلم :
وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم .

وفي حديث آخر للشيخين :
أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا أؤتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر . ولهذا جاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه مرفوعًا وموقوفًا : الكذب مجانب الإيمان رواه البيهقي وصحح الموقوف .

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:
يطبع المؤمن على كل خلة غير الخيانة والكذب رواه البزار وأبو يعلى ورواته رواة الصحيح والدارقطني مرفوعًا وموقوفًا ، وقال : الموقوف أشبه بالصواب.

وفي حديث مرسل رواه مالك : قيل يا رسول الله ، أيكون المؤمن جبانًا ؟ قال : نعم. قيل له : أيكون المؤمن بخيلا ؟ قال : نعم . قيل له : أيكون المؤمن كذابًا ؟ قال : لا
رواه مالك مرسلا عن صفوان بن سليم.

ولهذا قالت عائشة :
ما كان من خُلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب رواه أحمد والبزار وابن حبان والحاكم وصححاه

وهذا كله يدلنا على مدى نفور الإسلام من الكذب .

وتربية أبنائه على التطهر منه ، سواء ظهر من ورائه ضرر مباشر أم لا