حُبٌّ منزوعُ الدَّسم ...


لمْ يكُن اللِّقاءُ الأوَّلُ تحتَ شجرةِ لوزٍ أو خلفَ رُمّانةِ الحيّ ، و لا بمقهىً مُدلّلْ ، لمْ يقضِم قُبلةً من تُفّاحةِ الحُبِّ الشَّهيّة ، بل اختارهُ خفيفاً لطيفاً من وراءِ شاشةٍ باهتةٍ لا تفقهُ عن الحُبِّ شيئاً ، سِوى أنَّهُ غدا توأماً للماءِ بلا طعمٍ أو لونٍ أو رائحة ، منزوعَ الدَّسمِ بلا كوارثَ تهزُّ كينونةَ الذّاكرة .

المنشورُ الأوّل ، لحظةُ الانبهارِ الأولى ، الإعجابُ الوهميّ ، يلمسُ فيهِ تعليقَ امرأةٍ جليديّةٍ مُغرية ، يعبثُ الفضولُ برأسهِ الأربعينيّ الخَرِف ، و يَشنُّ غارةً هادئةً ، يُشعلُ مجازفةً عاطفيّةً مثيرةً للشَّفقة . هيَ تُؤخدُ بوميضِ جيبِهِ الفارِه ، و تبدؤُ عمليّاتِ الرَّقصِ على المَطرْ لتبتزَّ عقلهُ و تسرقَ قلبه .
...

المنشورُ الثّاني ، تتفتَّحُ الأزهارُ على جانبي الشّاشةِ الصَّغيرة ، يُغنِّجُها فيهِ على عجلْ ، يُغنِّجُ الصورةَ الكاذبةَ التّي بعثتها لهُ في أوّلِ حديثٍ دارَ بينهُما ، يؤخذُ بعينينِ تقدحانِ كذباً و يذوبُ في نتوءاتِ جسدِ امرأةً لا تُشبهُ المرأةِ ( منفوشةَ الشَّعرِ ) التّي قابلَها عندَ أوّلِ غُرفةِ دردشة .

المنشورُ الثالث ، لحظةُ الوسطيّةِ في الحُبّ ، حيثُ تقفُ على حِبالِ الحُبِّ بأطرافِ مشاعرِك دون اكتراثٍ للزلازل ، ينصهرانِ في حالةٍ تُشبهُ تلكَ التّي يجدها عاشقينِ طازجينِ يشتعلانِ في " شهرِ عسلِهما " ، على كُلِّ حالٍ هي أقلٌ اللحظاتِ طولاً و أكثرها وشايةً بالغباءِ العاطفيّ .

المنشورُ الرّابع ، تشتعلُ الغيرةُ المُتنكّرةُ بقناعِ حُبٍّ مشقوقْ ، تتساقطُ أوراقُ العشقِ الخريفيّةِ عن ظهرِ شجرةِ الحُبِّ الجدباء ، يترُكها عندَ أوّلِ منعطفٍ لأشقّائهِ من أشباهِ الرّجال ، و تُبقيهِ عندَ آخرِ مقهى لصديقاِتِها إناثُ الوهمِ و الفرضيّاتِ السّاذجة . يتطلقانِ طلاقاً تكنولوجيَاً بكبسةِ زرّ، ( بلوكٌ ) أخرقْ ، و تنتهي روايةِ العشقِ المُستعجلة .

بعدَ تلكَ الرّوايةِ الحمقاءِ المُختزلة ، يتوبُ الحُبُّ عن تقبيلِ ( الحواسيبِ ) المريضة ، يتوبُ عن حَملِ فيروساتِ البرودِ العاطفيّ ، يتجرَّدُ من آخرِ صيحاتِ الموضة ، ينأى بنفسهِ و ينامُ ، و ينامُ ، و يبقى نائماً يحلُمُ بخيمةٍ جمعتْ عبلاءَ بعنترة .