بسم الله الرحمن الرحيم


المراجع : الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة

الحمد لله الذي أوضح لنا سبيل الهداية، وأزاح عن بصائرنا ظلمة الغواية،
والصلاة والسلام على النبي المصطفى والرسول المجتبى، المبعوث رحمة للعالمين، وقدوة للمؤمنين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد:
قال "بازماك" المؤرخ الإغريقي :
لقد وُجِدَت في التاريخ مُدُن بِلا حُصون ولا قُصور وبِلا سُدود ولا قناطر، ولكن لم تُوجَد مُدُن بلا معابد.
وهذا ما جاءت به الآية الكريمة في سورة فاطر حيث قال تعالى:
(وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِير) سورة فاطر – الآية 24
ومِن هُنا تتجلى ضرورة الدين للإنسان، لأنه مُنذ وُجِد على هذه الأرض وهو في حاجة ماسَّة ومُلِحَّة أيضاً إلى قوانين ضابطة تُعَدِّل مِن غرائزه وتُنَظم سُلوكه وتُحدد اتجاهاته وتُهيئه للكمال الذي خُلِقَ مُستعداً له في كِلتا حياتيه، الأولى هذه يقضيها قصيرة على هذه الأرض، والثانية التي تتم له في عالمَ غير هذا العالَم الأرضي الهابط، وإنما في عالمَ الطُهر والصفاء في الملكوت الأعلى، كما أخبر بذلك ربه بواسطة كُتبه التي أنزلها، وأنبيائه الذين أرسلهم.


ولا يستطيع أحد أن يضع له هذه القوانين غير الله الذي خلقه وعَلَّمَه وكَمَّلَه. والإنسان بفطرته يشعر بضعفه وحاجته إلى ربه في إعانته وتوفيقه ورعايته وحفظه، ولذا فهو يطلب التَعَرُّف إليه بما يجب من أنواع القرب وضروب الطاعات والعبادات، والإنسان بمواهبه وأفكاره ومشاعره وأحاسيسه يطلب دائماً المزيد من السُمُّو والرِفعة في ذلك حتى لا يريد أن يقف عند حد أبداً.
فهو إذاً في أحواله هذه التي ذكرها مُفتقر إلى تشريع ديني إلهي يلائم فطرته ويُنَظِّم له علاقته فيما بينه وبين أفراده الذين لا يستغني عن التعاون معهم لتوفير أسباب حياته وبقائها صالحة في هذا الوجود من مطعم ومشرب وملبس ومسكن ومركَب، ويمده بعلوم ومعارف عن ربه ولقائه وعن كيفية عبادته ودعائه وذكره والتقرب إليه بفعل طاعته وإتيان محابه، وترك مكارهه واجتناب مساخطه، كما يمده بفيض علمي عن الحياة والكون يعرف به حقيقة الوجود وعِلة الكون والحياة، وأسباب السُّمُو والكمال والهبوط والنُقصان، والتي تطرأ عليه في حياته الأولى والآخرة.
وبناءً على ما تقدم فحاجة الإنسان إلى دين إلهي صحيح أشد من حاجته إلى العناصر الأولية لحفظ حياته من ماء وغذاء وهواء، ولا يُنكر هذا أو يُجادل فيه إلا مُعاند مُكابِر لا يؤبه لعناده ولا يُلتفت إلى جِداله.


و بمحاولة منا أن نسلط الضوء على أبرز تلك العقائد والأديان والمذاهب أنشأنا هذه الموسوعة لتكون مرجعاً بإذن الله في هذا المجال ..

(الإسلام)
التعريف:
لغةً : هو الاستسلام والانقياد والخضوع .
أما في الاصطلاح : فهو الدين السماوي الخاتم الذي ارتضاه الله تعالى للبشرية جمعاء ، وبعث به خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم لهداية الثقلين الإنس والجن ، وتوحيده سبحانه وتعالى توحيدًا خالصاً في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ، والإذعان لمشيئته عن رضاً واختيار ، وتنفيذ أوامره ، واجتناب نواهيه، وإقامة حدوده من خلال إخلاص العقيدة والتمسك بمكارم الأخلاق ، ومراقبة الله في العبادات ،وذلك إقامة لأركان الإسلام وإعمالاً لأركان الإيمان الستة وتمسكًا بجوهر الإحسان .

والإسلام بمعناه العام : هو دين أنبياء الله تعالى ورسله كافة ، فقد دعوا الخلق إلى عبادة الله ، وبلغوا رسالات الله ، وكان هدفهم هداية الناس إلى الصرط المستقيم .

أساسيات :
الإسلام هو الدين السماوي الذي أوحاه الله سبحانه وتعالى إلى رسله ، ومن أجل عبادته سبحانه خلق الله الثقلين : الجن و الإنس ، قال تعالى : (وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) سورة الذاريات .
ولبيان ذلك أرسل الرسل عليهم السلام ولما ضلّ الناس وانحرفوا بعث محمد صلى الله عليه وسلم بهذا الدين المتين الذي ارتضاه الله للبشرية إلى يوم الدين وجعله الدين الحق وهو ناسخ لما سواه ، قال تعالى : (ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) آل عمران .
المبلغ : محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ، بلّغ بأمانة رسالة الإسلام في صورتها الخالدة ونشر عقيدة التوحيد وطبّق شريعة الإسلام . :


نبذة عن بعض جوانب العظمة في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم

- حفظه الله تعالى له منذ طفولته وعصمته له ، إذ كان أفضل قومه ،فلم يكن يُتْمُه مدعاة لخروجه عن سواء السبيل ، ولا شبابه دون أب يرعاه سبباً في انقياده لرغبة أو هوى أو شهوة .
- محافظته بعد بعثته وهو في الأربعين من عمره على كل ما يلزم الاقتداء به فيه من حيث اعتقاده وأفعاله وأقواله.
- إجراء الله على يديه معجزات ذكرها القرآن وكتب الحديث والسير منها :معجزة الإسراء والمعراج ، انشقاق القمر حديث الشاة المسمومة ، حنين الجذع ، تكثير الطعام ، وأما معجزته الخالدة فهي القرآن الكريم الذي لا يتنتهي عجائبه . وقد ضمن الله حفظه من كل تغيير أو تحريف حين قال : (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر .
- تربيته أتباعه من المهاجرين والأنصار على الإخلاص لدين الله والتفاني في نصرته والجهاد في سبيله .


توفي الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم الاثنين 12 ربيع الأول عام 11ه وله من العمر 63 سنة .
وقد اعترف بفضله كثير من الباحثين من غير المسليمين والمستشرقين المنصفين وأدلوا بشهادات لا تعد ولا تحصى سجلها التاريخ وكلها تؤكد أن الإنسانية لم ترى له مثيل .
ولعل أحدث ما كتب في هذا المضمار ما سجله عالم الذرة الأمريكي مايكل هارث في كتابه "الخالدون المائة "إذ وضع محمداً صلى الله عليه وسلم كأعظم رجل عرفته البشرية في تاريخها ،قائداً دينياً ودنيوياً إذ يقول: ‘‘فلا عيسى ولا ماركس وإنما هو محمد الذي تبوأ سيرة أعظم رجل في التاريخ الإنساني‘‘.



الخلفاء الراشدون :
أبوبكر الصديق رضي الله عنه :
أهم أعماله : محاربة المرتدين ، جمع القرآن الكريم ، إنفاذ حملة أسامة بن زيد ،توجيه جيوش لفتح بلاد العراق والشام .

عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
أهم أعماله : الانتصار على الفرس بقيادة سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية ، فتح فلسطين ، ومصر على يد عمرو بن العاص ،وقد انشأ عمر رضي الله عنه نظام الخراج ورتب الدواوين ، ووضع التاريخ الهجري وأنشأ المدن ونظم الولايات ، وعين القضاة وأنشأ نظام الحسبة والبريد.
عثمان بن عفان رضي الله عنه :
أهم أعماله : القضاء على الثورات المعادية للإسلام ، واستمر التوسع في الفتوحات الإسلامية ، إذ غزا عبدالله بن أبي السرح شمال إفريقيا وتخطت جيوش المسلمين نهر جيحون ، ودخلت بلاد ما وراء النهر .
وفي عهده تأسس أول إسطول إسلامي فتح به المسلمون قبرص ورودس وهزموا البيزنطيين في معركة ذات الصوراي .
عهد إلى زيد بن ثابت بكتابة المصحف على وجه واحد في قراءة القرآن الكريم .
علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
أهم أعماله : بدأ بعزل الولاة الذين أثاروا الفتنة ، كما رد القطائع والهبات إلى بيت المسلمين .


بعض قادة الفتح الإسلامي :
من أشهر قادة الفتح الإسلامي :
خالد بن الوليد : لقبه الرسول صلى الله عليه وسلم بسيف الله لعبقريته في غزوة مؤتة ، كما حارب المرتدين ، ثم توجه إلى العراق بأمر من أبي بكر ، وسار إلى الشام وانتصر على البيزنطيين .
سعد بن أبي الوقاص : فتح فارس واختط مدينة الكوفة .
موسى بن نصير : أتم فتح الشمال الإفريقي وأرسل طارق ين زياد لفتح الأندلس وقد بلغ جبال البرينيه .
قتيبة بن مسلم : وصل في فتوحاته إلى حدود الصين شرقًا .
صلاح الدين الأيوبي : هزم الصلبيين في معركة حطين ، وحرر بيت المقدس .
الظاهر بيبرس البندقداري : قاد حملة ضد التتار وانتصر عليهم في معركة عين جالوت .
محمد الفاتح : فتح القسطنطينية .


من أهم الشخصيات الإسلامية :
الإسلام دين العلم والحضارة ، ومن أهم الشخصيات ذات الدور البارز :
في الفقه: الإمام أبي حنيفة ، والإمام مالك ، والإمام الشافعي ، والإمام أحمد بن حنبل ، والإمام ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم .
في التفسير :علي بن أبي طالب ، عبدالله بن عباس ، وعبدالله بن عمر ، سعيد بن جبير ، طاووس بن كيسان ، سفيان بن عيينه ، بن جرير الطبري ، النيسابوري .
في الحديث والسنن: كان أكثر من روى الأحاديث : أبوهريرة وعائشة وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم ، وأشهر الكتب الجامع الصحيح للبخاري ، وصحيح مسلم ، وسنن الترمذي وابن ماجه وداود .
في اللغة : أبرز واضعي علم النحو أبو الأسود الدؤلي والخليل بن أحمد وسيبويه .
في الأدب : يعد حسان بن ثابت أشهر شعراء الإسلام في عهد الرسول صلى الله وعليه وسلم ، وفي العهد الموي نبغ الفرزدق وجرير والأخطل ، وفي العصر العباسي نبغ أبو تمام والبحتري والمتنبي ، وفي النثر نبغ كثير منهم عبدالله بن المقفع ، والجاحظ .
في العلوم الاجتماعية : ظهر فيها محمد بن إسحاق ، البلاذري ، والطبري في تاريخ الملوك والأمم .
وفي علم الجغرافيا نجد ياقوت الحموي والإدريسي والخوارزمي . والمسلمون أول من وضع فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع.
في الرياضيات :نبغ الخوارزمي والحسن بن هيثم والطوسي .
في علم الفلك: الفرازي والبيروني وعمر الخيام .
في علم الطب والصيدلة : اشتهر مجموعة منهم وعلى رأسهم : ابن سينا والرازي .
كما برز علماء في فن العمارة والزخرفة وصناعة الخزف والقيشاني والزجاج وغيرها من العلوم ، وهكذا نرى أن الحضارة أينعت وازدهرت وآتت أكلها على مر التاريخ ، وكان للمسلمين إسهامهم البارز في تقدم الحضارة البشرية ، وكانت الجامعات الأوربية تعتمد على ما يترجم من كتب المسلمين .


أهم الأفكار والمعتقدات :
الدين الإسلامي دين التوحيد الخالص وحول العقيدة تدور الأفكار والمعتقدات كافة ، وتتجلى أهمها فيما يلي :
أركان الإسلام والإيمان والإحسان .
الإسلام وبني على خمس : الشهادتان وهم المفتاح للدخول في الإسلام ، والصلاة وهي عبادة دينية وهي الصلة بين العبد وربه ، ومن تركها فهو كافر .وهي لتهذيب النفس ووقايتها من الفواحش ، والزكاة عبادة مالية تجب على الأغنياء بشروط وهي تقيهم شر الطغيان المالي المفسد ، وصوم رمضان له مظهر مادي معروف ، ومظهر معنوي وهو غرس خلق المراقبة في الذات وتثبيت الصبر ، والحج لبيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً ، في زمن معلوم لأماكن معلومة ، وهو مؤتمر إسلامي كريم فيه يتشاور المسلمون ويتعارفون ويتعاونون.
الإيمان : وهو درجة أعلى في سلم الدين المتين يرقاها المسلم كلما تعمق الإسلام في دينه ، وأعلاه الشهادتان وأدناه إماطة الأذى ، وله أصول ستة : الإيمان بالله ، وكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر والقدر خيره وشره .
الإحسان : وهو أعلى المراتب إذ يراقب الإنسان تصرفاته وعبادته بنفسه كما لو كان يرى الله سبحانه وتعالى ، فإذا لم يستطع فلا أقل من أن يستشعر أن الله تعالى مطلع على كل أعماله واعتقاداته .
القرآن والسنة : هما المصدران الرئيسيان للتشريع ولا يجوز الحيدة عنهما إلى ما سواهما ، كما أنه لا يجوز مخالفة إجماع علماء الأمة ، وأن الاجتهاد في ظل الكتاب والسنة والاجماع من أصول الحكم في الاسلام .


من سمات الإسلام وأسسه :
من سمات الإسلام أنه دين إلهي سماوي يتسم بالشمولية والواقعية والإيجابية وتأكيد الأخوة الإنسانية ،وهو دين احترام كرامة الإنسان والنهوض بآدمية المرأة ، والدعوة إلى مكارم الأخلاق ، ودين العلم ونبذ الجهل .

ومن أسس التصور الإسلامي للإنسان والكون والحياة :

1- أن كُنه الذات الإلهية في الإسلام يحددها قوله تعالى : (ليس كمثله شيء)الشورى .
2- الإنسان عبد مخلوق في هذا الوجود ، مسير في بعض شؤونه ، ومخير في بعضها .
3- المنهج الإسلامي منهج شامل متكامل ، فهو ليس تصوراً عقديًا فحسب ولا دينيًا روحيًا وكفى ، ولانظاماً اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسيًا فقط ، وإنما هو منهج حياة يشمل الاعتقاد في الضمير والتنظيم في الحياة ويمتد إلى كل جانب من جوانبها .
4- الحاكمية في المنهج الإسلامي لله ، وليست لحزب ولا لشعب .
5- جعل الإسلام للوجود الإنساني في الكون لهدف سامٍ ولغاية كريمة هي العبادة .
6- الناس جميعًا من أصل واحد ، فهم متساوون ، والقيمة الوحيدة التي بها يتفاضلون هي التقوى.
7- الإسلام يكرس الثوابت ، ويعترف بالمتغيرات في حياة الإنسان ، فالعقيدة والأخلاق المنبثقة منها هي الثوابت التي لا يعتريها التغيير ، والمعاملات المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية فقد تتغير لتغير الزمان والمكان .

8- تتمثل واقعية الإسلام في تقديرها لظروف الإنسان وعدم تحديد شكل لنظام الحكم والاكتفاء بالإلزام بالشورى وفتح باب الاجتهاد في غير الأحكام القطعية .
9- كل من تعبد بشيء لم يشرعه الله ولم يسنه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون فهو مبتدع .
10- الدنيا دار ابتلاء وعمل ، والآخرة دار جزاء ، وأن مرد الأمور كلها لله .
11- طريق المسلم واضح محدد ومستقيم وهو ان ينهض بالتكاليف الواضحة ما استطاع وان يجتنب النواهي المحددة .
12- الإنسان له تركيبه خاصة من لحم ودم وأعصاب وعقل ونفس وروح ، ولديه نوازع ورغبات وضرورات ، وهو عرضة للوقوع في المعاصي والآثام ، لكن باب التوبة مفتوح أمامه إلى أن يغرغر .


الانتشار ومواقع النفوذ:
شع نور الإسلام من غار حراء في قلب الجزيرة العربية في ليلة من ليالي رمضان ، ولم يمض سوى ربع قرن على بدء الرسالة العظيمة حتى تكونت الدولة الإسلامية الأولى على أيدي الصحابة رضي الله عنهم الذين لم يشهد التاريخ لهم مثيلاً .
بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يفكر في فتح آفاق جديدة لنشر الدعوة فأرسل إلى هرقل إمبراطور الروم ، وكسرى الثاني ملك الفرس ، والنجاشي ملك الحبشة والحارث الغساني ملك الغساسنة ، وشرحبيل الغساني حاكم البلقاء . ودعاهم جميعًا إلى الإسلام .
في عهد الخلفاء الراشدين اتسعت رقعة الدولة الإسلامية بفتح العراق وبلاد فارس وخرسان وسجستان شرقاً ، وبلاد الشام شمالاً ، ومصر وليبيا وتونس ومراكش غرباً ، وبلاد النوبة والسودان جنوباً.
في عهد الدولة الأموية : تم فتح الأندلس وجنوب فرنسا غرباً، وبلاد السند وماوراء النهر وأطراف من الصين شرقًا .
وفي عهد الدولة العباسية : تم اختراق آسيا الصغرى والتوغل فيها واقتطاع أجزاء كبيرة من الدولة البيزنطية ، وفتحت قبرص وواصل المسلمون الزحف حتى وصلوا البر الإيطالي والتقوا بالروم وانتصروا عليهم .
في عهد الدولة العثمانية : تم فتح القسطنطينية وأجزاء من بلاد البلقان وألبانيا وجزيرتي رودس وكريت وبلاد المجر .
وعن طريق الدعاة والتجار انتشر الإسلام في كثير من أصقاع الأرض .
وهكذا شق الإسلام طريقه إلى معظم الأقطار ، حتى أنه أصبح الدين الثاني بعد النصرانية من حيث عدد معتنقيه .



عقيدة أهل السنة والجماعة

التعريف:
تمثل عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدة أهل الإيمان الجازم بالله تعالى وما يجب له من التوحيد والطاعة ، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر وسائر ماتثبت من أمور الغيب والأخبار والقطعيات عملية كانت أم علمية .

التأسيس:
الرسول صلى الله عليه وسلم هو المؤسس ، وقد سُمُّوا " أهل السنة " لاستمساكهم واتباعهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم . وسُمُّوا بالجماعة لأنهم جماعة الإسلام الذي اجتمعوا على الحق ولم يتفرقوا في الدين، وتابعوا منهج أئمة الحق ولم يخرجوا عليه في أي أمر من أمور العقيدة . وهم أهل الأثر أو أهل الحديث أو الطائفة المنصورة أو الفرقة الناجية.

أصول عقيدة أهل السنة والجماعة:
- هي أصول الإسلام الذي هو عقيدة بلا فِرَق ولا طرق ولذلك فإن قواعد وأصول أهل السنة الجماعة في مجال التلقي والاستدلال تتمثل في الآتي:
- مصدر العقيدة هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف الصالح.
- كل ما ورد في القرآن الكريم هو شرع للمسلمين وكل ما صَحَّ من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب قبوله وإن كان آحادًا.
- المرجع في فهم الكتاب والسنة هو النصوص التي تُبيّنها، وفهم السلف الصالح ومن سار على منهجهم.
- أصول الدين كلها قد بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد تحت أي ستار، أن يحدث شيئًا في الدين زاعمًا أنه منه.
- التسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا فلا يعارض شيء من الكتاب أو السنة الصحيحة بقياس ولا ذوق ولا كشفٍ مزعوم ولا قول شيخ موهوم ولا إمام ولا غير ذلك.
- العقل الصريح موافق للنقل الصحيح ولا تعارض قطعيًّا بينهما وعند توهم التعارض يقدم النقل على العقل.
- يجب الالتزام بالألفاظ الشرعية في العقيدة وتجنب الألفاظ البدعية.
- العصمة ثابتة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأمة في مجموعها معصومة من الاجتماع على ضلالة، أما آحادها فلا عصمة لأحد منهم، والمرجع عند الخلاف يكون للكتاب والسنة مع الاعتذار للمخطئ من مجتهدي الأمة.
- الرؤيا الصالحة حق وهي جزء من النبوة والفراسة الصادقة حق وهي كرامات ومُبَشّرات ـ بشرط موافقتها للشرع ـ غير أنها ليست مصدرًا للعقيدة ولا للتشريع.
- المِرَاء في الدين مذموم والمجادلة بالحسنى مشروعة، ولا يجوز الخوض فيما صح النهي عن الخوض فيه.
- يجب الالتزام بمنهج الوحي في الرد، ولا ترد البدعة ببدعة ولا يقابل الغلو بالتفريط ولا العكس.
- كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار.



التوحيد العلمي الاعتقادي:
الأصل في أسماء الله وصفاته: إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه أو أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تمثيل ، ولا تكييف ، ونفي ما نفاه الله تعالى عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ، كما قال تعالى: (ليس كمِثْلِه شيءٌ وهو السميع البصير) مع الإيمان بمعاني ألفاظ النصوص، وما دلّت عليه.
. الإيمان بالملائكة الكرام إجمالاً، وأما تفصيلاً، فبما صحّ به الدّليل ..
. الإيمان بالكتب المنزلة جميعها، وأن القرآن الكريم أفضلها، وناسخها، وأن ما قبله طرأ عليه التحريف، وأنه لذلك يجب إتباعه دون ما سبقه.
. الإيمان بأنبياء الله، ورسله ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وأنهم أفضل ممن سواهم من البشر.
. الإيمان بانقطاع الوحي بعد محمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، ومن اعتقد خلاف ذلك كَفَر.
. الإيمان باليوم الآخر، وكل ما صح فيه من الأخبار، وبما يتقدمه من العلامات والأشراط.
. الإيمان بالقدر، خيره وشره من الله تعالى، وذلك: بالإيمان بأن الله تعالى عِلِمَ ما يكون قبل أن يكون وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، وأن ما شاء الله كان وما لم يَشَأْ لم يكن، فلا يكون إلا ما يشاء، والله تعالى على كل شيء قدير وهو خالق كل شيء، فعَّال لما يريد.
. الإيمان بما صحّ الدليل عليه من الغيبيات، كالعرش والكرسي، والجنة والنار، ونعيم القبر وعذابه، والصراط والميزان، وغيرها دون تأويل شيء من ذلك.
. الإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة الأنبياء والملائكة، والصالحين، وغيرهم يوم القيامة.
. رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة في الجنة وفي المحشر حقّ، ومن أنكرها أو أوَّلها فهو زائغ ضال، وهي لن تقع لأحد في الدنيا.
. كرامات الأولياء والصالحين حقّ، وليس كلّ أمر خارق للعادة كرامة، بل قد يكون استدراجًا. وقد يكون من تأثير الشياطين والمبطلين، والمعيار في ذلك موافقة الكتاب والسنة، أو عدمها.
. المؤمنون كلّهم أولياء الرحمن، وكل مؤمن فيه من الولاية بقدر إيمانه.



التوحيد الإرادي الطلبي ( توحيد الألوهية ):ـ
اللهُ تعالى واحِدٌ أَحَد، لا شريك له في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه، وصفاته وهو رب العالمين، المستحق وحده لجميع أنواع العبادة.
. صَرْفُ شيء من أنواع العبادة كالدعاء، والاستغاثة، والاستعانة، والنذر، والحبّ، ونحوها لغير الله تعالى شرك أكبر، أيًّا كان المقصود بذلك، ملكًا مُقرباً، أو نبيًا مرسلاً، أو عبدًا صالحًا، أو غيرهم.
. من أصول العبادة أن الله تعالى يُعبد بالحب والخوف والرجاء جميعًا.
. التسليم والرضا والطاعة المطلقة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم والإيمان بالله تعالى حَكَمًا من الإيمان به ربًّا وإلهًا، فلا شريك له في حكمه وأمره .
وتشريع ما لم يأذن به الله، والتحاكم إلى الطاغوت، واتباع غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وتبديل شيء منها كفر، و من زعم أن أحدًا يسعه الخروج عنها فقد كفر.
. الحكم بغير ما أنزل الله كُفرٌ أكبر.
. تقسيم الدين إلى حقيقة يتميز بها الخاصة وشريعة تلزم العامة دون الخاصة، وفصل السياسة أو غيرها عن الدين .
. لا يعلم الغيب إلا الله وحده، واعتقاد أنّ أحدًا غير الله يعلم الغيب كُفر.
. اعتقاد صدق المنجمين والكهان كُفر، وإتيانهم والذهاب إليهم كبيرة.
. الوسيلة المأمور بها في القرآن هي ما يُقرّب إلى الله تعالى من الطاعات المشروعة.
. والتوسل ثلاثة أنواع:

1/ مشروع: وهو التوسل إلى الله تعالى، بأسمائه وصفاته، أو بعمل صالح من المتوسل، أو بدعاء الحي الصالح.
2 / بدعي: وهو التوسل إلى الله تعالى بما لم يرد في الشرع، كالتوسل بذوات الأنبياء، والصالحين ونحو ذلك.
3 / شركي: وهو اتخاذ الأموات وسائط في العبادة، ودعاؤهم وطلب الحوائج منهم والاستعانة بهم ونحو ذلك.

. البركة من الله تعالى، يَخْتَصُّ بعض خلقه بما يشاء منها، فلا تثبت في شيء إلا بدليل. فلا يجوز التبرك إلا بما ورد به الدليل.

. أفعال الناس عند القبور وزيارتها ثلاثة أنواع:
* مشروع: وهو زيارة القبور؛ لتذكّر الآخرة، وللسلام على أهلها، والدعاء لهم.
* بدعي يُنافي كمال التوحيد، وهو وسيلة من وسائل الشرك، وهو قصد عبادة الله تعالى والتقرب إليه عند القبور.
* شركيّ ينافي التوحيد، وهو صرف شيء من أنواع العبادة لصاحب القبر، كدعائه من دون الله، والاستعانة والاستغاثة به، والطواف، والذبح، والنذر له، ونحو ذلك.

. الوسائل لها حكم المقاصد، وكل ذريعة إلى الشرك في عبادة الله أو الابتداع في الدين يجب سدّها، فإن كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة.

الإيمان:
. الإيمان قول، وعمل، يزيد، وينقص، فهو: قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح. فقول القلب: اعتقاده وتصديقه، وقول اللسان: إقراره. وعمل القلب: تسليمه وإخلاصه، وإذعانه، وحبه وإرادته للأعمال الصالحة.
وعمل الجوارح: فعل المأمورات، وترك المنهيات.
. مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان، فهو في الدنيا مؤمن ناقص الإيمان، وفي الآخرة تحت مشيئة الله.
. لا يجوز القطع لمُعيّن من أهل القبلة بالجنة أو النار إلا من ثبت النص في حقه.
. الكُفْرُ من الألفاظ الشرعية وهو قسمان: أكبر مُخْرِج من الملة، وأصغر غير مُخْرِج من الملة ويُسمّى أحيانًا بالكُفر العملي.
. التكفير من الأحكام الشرعية التي مَردُّها إلى الكتاب والسنة، فلا يجوز تكفير مسلم بقول أو فعل ما لم يدل دليل شرعي على ذلك، والتكفير من أخطر الأحكام فيجب التثبت والحذر من تكفير المسلم ، ومراجعة العلماء الثقات في ذلك .


. القرآن والكلام:
القرآن كلام الله (حروفه ومعانيه) مُنزل غير مخلوق؛ منه بدأ؛ وإليه يعود، وهو معجز دال على صدق من جاء به صلى الله عليه وسلم. ومحفوظ إلى يوم القيامة.

القدر:
من أركان الإيمان، الإيمان بالقدرخيره وشره، من الله تعالى، ويشمل:
. الإيمان بكل نصوص القدر ومراتبه؛ (العلم، الكتابة، المشيئة، الخلق)، وأنه تعالى لا رادّ لقضائه، ولا مُعقّب لحكمه.
. هداية العباد وإضلالهم بيد الله، فمنهم من هداه الله فضلاً. ومنهم من حقت عليه الضلالة عدلاً.
. العباد وأفعالهم من مخلوقات الله تعالى، الذي لا خالق سواه، فالله خالقٌ لأفعال العباد، وهم فاعلون لها على الحقيقة.
. إثبات الحكمة في أفعال الله تعالى، وإثبات الأسباب بمشيئة الله تعالى.



الجماعة والإمامة:
. الجماعة هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعون لهم بإحسان، المتمسكون بآثارهم إلى يوم القيامة، وهم الفرقة الناجية.
. وكل من اِلتَزم بمنهجهم فهو من الجماعة، وإن أخطأ في بعض الجزئيات.
. لا يجوز التفرّق في الدين ، ولا الفتنة بين المسلمين، ويجب ردّ ما اختلف فيه المسلمون إلى الكتاب الله والسنة وما كان عليه سلف الأمة .
. من خرج عن الجماعة وَجَبَ نصحه، ودعوته فإن تاب وإلا عُوقِب بما يستحق .
. إنما يجب حمل الناس على الجمل الثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع .
. الأصل في جميع المسلمين سلامة القصد -المعتقد-، حتى يظهر خلاف ذلك.
. الإمامة الكبرى تثبت بإجماع الأمة، أو بيعة ذوي الحل والعقد منهم ويحرم الخروج عليه إلا إذا ظهر منه كُفراً بواحاً وكانت عند الخارجين القدرة على ذلك .
. الصلاة والحج والجهاد واجبة مع أئمة المسلمين وإن جاروا.
. يَحْرُم القتال بين المسلمين على الدنيا، أو الحمية الجاهلية وإنما يجوز قتال أهل البدعة وأشباههم، إذا لم يمكن دفعهم بأقل من ذلك، وقد يجب بحسب المصلحة والحال.
. الصحابة الكرام كلهم عدول، وهم أفضل هذه الأمة، وأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وهم الخلفاء الراشدون. وتثبت خلافة كل منهم حسب ترتبيهم.
. من الدين محبة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتولّيهم، وتعظيم قدر أزواجه ـ أمهات المؤمنين، ومعرفة فضلهن، ومحبة أئمة السلف، وعلماء السنة والتابعين لهم بإحسان ومجانبة أهل البدع والأهواء.
. الجهاد في سبيل الله ذروة سنامِ الإسلام، وهو ماضٍ إلى قيام الساعة.
. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم شعائر الإسلام.



أهم خصائص وسمات منهج أهل السنة والجماعة:
أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة وكما أن لهم منهجًا اعتقاديًّا فإن لهم أيضًا منهجهم وطريقهم الشامل الذي ينتظم فيه كل أمر يحتاجه كل مسلم لأن منهجهم هو الإسلام الشامل الذي شرعه النبي صلى الله عليه وسلم. وهم على تفاوت فيما بينهم، لهم خصائص وسمات تميزهم عن غيرهم منها:
. الاهتمام بكتاب الله: حفظًا وتلاوة، وتفسيرًا، والاهتمام بالحديث: معرفة وفهمًا وتمييزًا لصحيحه من سقيمه، (لأنهما مصدرا التلقي)، مع إتباع العلم بالعمل.
. الدخول في الدين كله، والإيمان بالكتاب كله.
. الإتباع، وترك الابتداع، والاجتماع ونبذ الفرقة والاختلاف في الدين.
. الإقتداء والاهتداء بأئمة الهدى العدول، المقتدى بهم في العلم والعمل والدعوة .
. التوسّط: فَهم في الاعتقاد وسط بين فِرَق الغُلو وفِرَق التفريط، وهم في الأعمال والسلوك وسط بين أصحاب الغلو والمُفرِّطين.
. الحرص على جمع كلمة المسلمين على الحقّ وتوحيد صفوفهم على التوحيد والإتباع، وإبعاد كل أسباب النِزاع والخلاف بينهم.
. ومن هنا لا يتميّزون عن الأمة في أصول الدين باسم سوى السنة والجماعة، ولا يوالون ولا يعادون، على رابطة سوى الإسلام .
. يقومون بالدعوة إلى الله الشاملة لكل شيء في العقائد والعبادات وفي السلوك والأخلاق وفي كل أمور الحياة .
. الإنصاف والعدل: فهم يراعون حق الله تعالى لا حق النفس أو الطائفة.
. يقبلون فيما بينهم تعدد الاجتهادات في بعض المسائل التي نقل عن السلف الصالح النزاع فيها .
. يعتنون بالمصالح والمفاسد ويراعونها، ويعلمون أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتعطيل المفاسد وتقليلها.
. أن لهم موقفًا من الفتن عامة، ففي الابتلاء يقومون بما أوجب الله تعالى تجاه هذا الابتلاء.
. وفي فتنة الكُفر يحاربون الكُفر ووسائله المُوصلة إليه.
. وفي الفتنة يرون أن السلامة لا يعدلها شيء والقعود أسلم إلا إذا تبين لهم الحق وظهر بالأدلة الشرعية.
. يرون أن أصحاب البدع متفاوتون قربًا وبعدًا عن السنة .
. يفرقون بين الحكم المطلق على أصحاب البدع عامة بالمعصية أو الفسق أو الكفر وبين الحكم على المعين حتى يبين له مجانبة قوله للسنة وذلك بإقامة الحجة وإزالة الشبهة.
. ولا يُجَوِّزون تكفير أو تفسيق أو حتى تأثيم علماء المسلمين لاجتهاد خاطئ أو تأويل بعيد خاصة في المسائل المختلف فيها.
. يُفرّقون في المعاملة بين المُستتر ببدعته والمُظْهِر لها والداعي إليها.
. يُفرّقون بين المبتدعة من أهل القبلة مهما كان حجم بدعتهم وبين من عُلِم كُفره بالاضطرار من دين الإسلام
. يقومون بالواجب تجاه أهل البدع ببيان حالهم، والتحذير منهم وإظهار السنة وتعريف المسلمين بها .
. يُصلّون الجُمُع والجماعات والأعياد خلف الإمام مستور الحال ما لم يظهر منه بدعة أو فجور فلا يردون بدعة ببدعة.
. لا يُجَوِّزون الصلاة خلف من يُظْهِر البدعة أو الفجور مع إمكانها خلف غيره، وإن وقعت صحت.
. فِرَقُ أهل القبلة الخارجة عن السنة متوعدون بالهلاك والنار.
. والفِرق الخارجة عن الإسلام كُفّار في الجملة، وحكمهم حكم المرتدين.
* ولايمنعهم ذلك من الدعاء لهم بالهداية وطلب الرحمة والاستغفار لهم مالم يُعلم نفاقهم وكفرهم باطنًا.
ولأهل السنة والجماعة أيضًا منهج شامل في تزكية النفوس وتهذيبها، وإصلاح القلوب وتطهيرها، لأن القلب عليه مدار إصلاح الجسد كله وذلك بأمور منها:
. إخلاص التوحيد لله تعالى والبعد عن الشرك والبدعة مما ينقص الإيمان أو ينقصه من أصله.
. التعرّف على الله جلَّ وعلا بفهم أسمائه الحسنى وصفاته العُلا ومدارستها وتَفَهُّم معانيها والعمل بمقتضياتها؛ لأنها تُوْرِث النفس الحب والخضوع والتعظيم والخشية والإنابة والإجلال لله تعالى .
. طاعة الله ورسوله بأداء الفرائض والنوافل كاملة مع العناية بالذكر وتلاوة القرآن الكريم والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والصيام وإيتاء الزكاة وأداء الحج والعمرة وغير ذلك مما شرع الله تعالى.
. اجتناب المحرمات والشبهات مع البعد عن المكروهات.
. البعد عن رهبانية النصرانية والبعد عن تحريم الطيبات والبعد عن سماع المعازف والغناء وغير ذلك.
. السير إلى الله تعالى بين الخوف والرجاء ويعبدونه تعالى بالحب والخوف والرجاء.
. ومن أهم سماتهم: التوافق في الأفهام، والتشابه في المواقف، رغم تباعد الأقطار والأعصار، وهذا من ثمرات وحدة المصدر والتلقي.
. الإحسان والرّحمة وحسن الخُلق مع الناس كافةً فهم يَأْتمّون بالكتاب والسنة بفهم السلف الصالح في علاقاتهم مع بعضهم أو مع غيرهم.
. النصيحة لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
. الاهتمام بأمور المسلمين ونصرتهم، وأداء حقوقهم، وكفّ الأذى عنهم.
. موالاة المؤمن لإيمانه بقدر ما عنده من إيمان ومعاداة الكافر لكفره ولو كان أقرب قريب.
. لا يعد من اجتهد في بيان نوع من أصول أهل السنة مبتدعًا ولا مُفَرّطاً ما دام لا يخالف شيئًا من أصول أهل السنة والجماعة.
. كل من يعتقد بأصول أهل السنة والجماعة ويعمل على هديها فهو من أهل السنة ولو وقع في بعض الأخطاء التي يُبدّع من خالف فيها.



مقدمة عامة :
لقد كان لظهور الفرق العقدية والفكرية في الأمة الإسلامية خاضعًا لأسباب داخلية عاشها المسلمون في مراحل نشأة هذه الفرق .
ولعل أول سبب هو ما عاشه المسلمون من انحراف عن المنهج الإسلامي الصحيح والمحجة البيضاء ،وكذلك إتاحة الفرصة للتأثير الأجنبي فيهم من خلال الثقافات الوافدة والتي ساعدت على دخول بعض الحاقدين ساحة التأثير في المنهج فكان ذلك أثر هام في تكون هذه الفرق .
وساعدت على التفرق وركون بعض المسلمين إلى السلبية وعدم قيامهم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد نشأت الفرق الإسلامية في أواخر عصر الخلفاء الراشدين وتبلورت أفكاره في العصور التالية ، ثم تتعمق أسباب وجود هذه الفوارق لأسباب لاحقة.



الشيعة الإمامية الاثنا عشرية
التعريف:
الشيعة الإمامية الاثنا عشرية هي تلك الفرقة التي زعم المنتسبون إليها أن عليًا هو الأحق في وراثة الخلافة دون الشيخين (أبوبكر وعمر رضي الله عنهم ) وعثمان رضي الله عنهم أجمعين وقد أطلق عليهم الإمامية لأنهم جعلوا من الإمامة القضية الأساسية التي تشغلهم وسُمُّوا بالاثنى عشرية لأنهم قالوا باثني عشر إمامًا دخل آخرهم السرداب بسامراء على حد زعمهم. كما أنهم القسم المقابل لأهل السنة والجماعة في فكرهم وآرائهم المتميزة، وهم يعملون لنشر مذهبهم ليعمّ العالم الإسلامي.

التأسيس وأبرز الشخصيات:
• الاثنا عشر إمامًا الذين يتخذهم الإمامية أئمة لهم يتسلسلون على النحو التالي:
ـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي يلقبونه بالمرتضى ـ رابع الخلفاء الراشدين، وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مات غيلةً حينما أقدم الخارجي عبد الرحمن بن ملجم على قتله في مسجد الكوفة في 17 رمضان سنة 40 هـ.
ـ الحسن بن علي رضي الله عنهما، ويلقبونه بالمجبتى (3 ـ 50هـ).
ـ الحسين بن علي رضي الله عنهما ويلقبونه بالشهيد (4 ـ 61هـ).
ـ علي زين العابدين بن الحسين (38 ـ 95 هـ) ويلقبونه بالسَّجَّاد.
ـ محمد الباقر بن علي زين العابدين (57 ـ 114هـ) ويلقبونه بالباقر.
ـ جعفر الصادق بن محمد الباقر (83 ـ 148هـ) ويلقبونه بالصادق.
ـ موسى الكاظم بن جعفر الصادق (128 ـ 183هـ) ويلقبونه بالكاظم.
ـ علي الرضا بن موسى الكاظم (148 ـ 203هـ) ويلقبونه بالرضى.
ـ محمد الجواد بن علي الرضا (195 ـ 220هـ) ويلقبونه بالتقي.
ـ علي الهادي بن محمد الجواد (212 ـ 254هـ) ويلقبونه بالنقي.
ـ الحسن العسكري بن علي عبد الهادي (232 ـ 260هـ) ويلقبونه بالزكي.
ـ محمد المهدي بن الحسن العسكري (256هـ ـ ...) ويلقبونه بالحجة القائم المنتظر.

يزعمون بأن الإمام الثاني عشر قد دخل سردابًا في دار أبيه بِسُرَّ مَنْ رأى ولم يعد، وقد اختلفوا في سِنّه وقت اختفائه فقيل أربع سنوات وقيل ثماني سنوات، غير أن معظم الباحثين يذهبون إلى أنه غير موجود أصلاً وأنه من اختراعات الشيعة ويطلقون عليه لقب (المعدوم أو الموهوم).

• من شخصياتهم البارزة تاريخيًّا عبد الله بن سبأ، وهو يهودي من اليمن. أظهر الإسلام ونقل ما وجده في الفكر اليهودي إلى التشيع كالقول بالرجعة ، وعدم الموت، وملك الأرض، والقدرة على أشياء لا يقدر عليها أحد من الخلق، والعلم بما لا يعلمه أحد، وإثبات البداء والنسيان على الله عزّ وجلّ ـ تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا. وقد كان يقول في يهوديته بأن يوشع بن نون وصي موسى عليه السلام، فقال في الإسلام بأن عليًّا وصي محمد صلى الله عليه وسلم، تنقل من المدينة إلى مصر والكوفة والفسطاط والبصرة، وقال لعلي: "أنت أنت" أي أنت الله مما دفع عليًّا إلى أن يهم بقتله لكن عبد الله بن عباس نصحه بأن لا يفعل، فنفاه إلى المدائن.

• منصور أحمد بن أبي طالب الطبرسي المتوفى سنة 588هـ صاحب كتاب الاحتجاج طبع في إيران سنة 1302هـ.

• الكُلَيني صاحب كتاب الكافي المطبوع في إيران سنة 1278هـ وهو عندهم بمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة و يزعمون بأن فيه 16199 حديثًا.

• الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي المتوفى سنة 1320هـ والمدفون في المشهد المرتضوي بالنجف، وهو صاحب كتاب فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رَبِّ الأرباب ؛ يزعم فيه بأن القرآن قد زيد فيه ونقص منه. ومن ذلك ادعاؤهم في سورة الشرح نقص عبارة (وجعلنا عليًّا صهرك)، معاذ الله أن يكون ادعاؤهم هذا صحيحًا. وقد طبع هذا الكتاب في إيران سنة 1289هـ.

• آية الله المامقاني صاحب كتاب تنقيح المقال في أحوال الرجال وهو لديهم إمام الجرح والتعديل، وفيه يطلق على أبي بكر وعمر لقب الجبت والطاغوت، انظر 1/207 ـ طبع 1352 بالمطبعة المرتضوية بالنجف.

• أبو جعفر الطوسي صاحب كتاب تهذيب الأحكام، ومحمد بن مرتضى المدعو ملا محسن الكاشي صاحب كتاب الوافي ومحمد بن الحسن الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة إلى أحاديث الشريعة ومحمد باقر بن الشيخ محمد تقي المعروف بالمجلسي صاحب كتاب بحار الأنوار في أحاديث النبي والأئمة الأطهار وفتح الله الكاشاني صاحب كتاب منهج الصادقين وابن أبي الحديد صاحب شرح نهج البلاغة.

• آية الله الخميني: من رجالات الشيعة المعاصرين، قاد ثورة شيعية في إيران تسلمت زمام الحكم، وله كتاب كشف الأسرار وكتاب الحكومة الإسلامية. وقد قال بفكرة ولاية الفقيه. وبالرغم من أنه رفع شعارات إسلامية عامة في بداية الثورة ، إلا أنه ما لبث أن كشف عن نزعة شيعية متعصبة ضيقة ورغبة في تصدير ثورته إلى بقية العالم الإسلامي فقد اتخذ إجراءات أدى بعضها مع أسباب أخرى إلى قيام حرب استمرت ثماني سنوات مع العراق.



الأفكار والمعتقدات:
• الإمامة: وتكون بالنص، إذ يجب أن ينص الإمام السابق على الإمام اللاحق بالعين لا بالوصف، وأن الإمامة من الأمور الهامة التي لا يجوز أن يفارق النبي صلى الله عليه وسلم الأمة ويتركها هملاً يرى كل واحد منهم رأيًّا. بل يجب أن يعين شخصًا هو المرجوع إليه والمعوَّل عليه.

ـ يستدلون على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نص على إمامة علي من بعده نصًًّا ظاهرًا يوم غدير خم، وهي حادثة لا يثبتها محدثو أهل السنة ولا مؤرخوهم.

ـ ويزعمون أن عليًّا قد نصّ على ولديه الحسن والحسين.. وهكذا.. فكل إمام يعين الإمام الذي يليه بوصية منه. ويسمونهم الأوصياء.

• العصمة: كل الأئمة معصومون عن الخطأ والنسيان، وعن اقتراف الكبائر والصغائر.

• العلم اللدني: كل إمام من الأئمة أُودع العلم من لدن الرسول صلى الله عليه وسلم، بما يكمل الشريعة، وهو يملك علمًا لدنيًّا ولا يوجد بينه وبين النبي من فرق سوى أنه لا يوحى إليه، وقد استودعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرار الشريعة ليبينوا للناس ما يقتضيه زمانهم.

• خوارق العادات: يجوز أن تجري هذه الخوارق على يد الإمام، ويسمون ذلك معجزة ، وإذا لم يكن هناك نص على إمام من الإمام السابق عليه وجب أن يكون إثبات الإمامة في هذه الحالة بالخارقة.

• الغيبة: يرون أن الزمان لا يخلو من حجة لله عقلاً وشرعًا، ويترتب على ذلك أن الإمام الثاني عشر قد غاب في سردابه، كما زعموا، وأن له غيبة صغرى وغيبة كبرى، وهذا من أساطيرهم.

• الرجعة : يعتقدون أن الحسن العسكري سيعود في آخر الزمان عندما يأذن الله له بالخروج، وكان بعضهم يقف بعد صلاة المغرب بباب السرداب وقد قدموا مركبًا، فيهتفون باسمه، ويدعونه للخروج، حتى تشتبك النجوم، ثم ينصرفون ويرجئون الأمر إلى الليلة التالية. ويقولون بأنه حين عودته سيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورًا وظلمًا، وسيقتص من خصوم الشيعة على مدار التاريخ، ولقد قالت الإمامية قاطبة بالرجعة، وقالت بعض فرقهم الأخرى برجعة بعض الأموات.

• التقية : وهم يعدونها أصلاً من أصول الدين، ومن تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة، وهي واجبة لا يجوز رفعها حتى يخرج القائم، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى وعن دين الإمامية، كما يستدلون على ذلك بقوله تعالى: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) وينسبون إلى أبي جعفر الإمام الخامس قوله: "التقية ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له" وهم يتوسعون في مفهوم التقية إلى حد كبير.

• المتعة: يرون بأن متعة النساء خير العادات وأفضل القربات مستدلين على ذلك بقوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) وقد حرم الإسلام هذا الزواج الذي تشترط فيه مدة محدودة ، فيما يشترط معظم أهل السنة وجوب استحضار نية التأبيد، ولزواج المتعة آثار سلبية كثيرة على المجتمع تبرر تحريمه.

• يعتقدون بوجود مصحف لديهم اسمه مصحف فاطمة[1]: ويروي الكُليني في كتابه الكافي في صفحة 57 طبعة 1278هـ عن أبي بصير أي "جعفر الصادق": "وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه حرف واحد من قرآنكم".

• البراءة: يتبرؤون من الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان وينعتونهم بأقبح الصفات لأنهم ـ كما يزعمون ـ اغتصبوا الخلافة دون علي الذي هو أحق منهم بها، كما يبدؤون بلعن أبي بكر وعمر بدل التسمية في كل أمر ذي بال، وهم ينالون كذلك من كثير من الصحابة باللعن، ولا يتورعون عن النيل من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

• المغالاة: بعضهم غالا في شخصية علي رضي الله عنه والمغالون من الشيعة رفعوه إلى مرتبة الألوهية كالسبئية ، وبعضهم قالوا بأن جبريل قد أخطأ في الرسالة فنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، بدلاً من أن ينزل على علي لأن عليًّا يشبه النبي صلى الله عليه وسلم كما يشبه الغرابُ الغرابَ ولذلك سموا بالغرابية.

• عيد غدير خم: وهو عيد لهم يصادف اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة ويفضلونه على عيدي الأضحى والفطر ويسمونه بالعيد الأكبر، وصيام هذا اليوم عندهم سنة مؤكدة، وهو اليوم الذي يدَّعون فيه بأن النبي قد أوصى فيه بالخلافة لعلي من بعده.

• يعظمون عيد النيروز وهو من أعياد الفرس، وبعضهم يقول: غسل يوم النيروز سُنة.

• لهم عيد يقيمونه في اليوم التاسع من ربيع الأول، وهو عيد أبيهم (بابا شجاع الدين) وهو لقب لَقَّبوا به (أبا لؤلؤة المجوسي) الذي أقدم على قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

• يقيمون حفلات العزاء والنياحة والجزع وتصوير الصور وضرب الصدور وكثير من الأفعال المحرمة التي تصدر عنهم في العشر الأول من شهر محرم معتقدين بأن ذلك قربة إلى الله تعالى وأن ذلك يكفر سيئاتهم وذنوبهم، ومن يزورهم في المشاهد المقدسة في كربلاء والنجف وقم.. فسيرَى من ذلك العجب العجاب.


الجذور الفكرية والعقائدية:
• انعكست في التشيع معتقدات الفرس الذين يدينون لهم بالملك والوراثة وقد ساهم الفرس فيه لينتقموا من الإسلام ـ الذي كسر شوكتهم ـ باسم الإسلام ذاته.

• اختلط الفكر الشيعي بالفكر الوافد من العقائد الآسيوية كالبوذية والمانوية والبرهمية ، وقالوا بالتناسخ وبالحلول.

• استمد التشيع أفكاره من اليهودية التي تحمل بصمات وثنية آشورية وبابلية.

• أقوالهم في علي بن أبي طالب وفي الأئمة من آل البيت تلتقي مع أقوال النصارى في عيسى عليه السلام ولقد شابهوهم في كثرة الأعياد وكثرة الصور واختلاق خوارق العادات وإسنادها إلى الأئمة.




الانتشار ومواقع النفوذ:
تنتشر فرقة الاثنا عشرية من الإمامية الشيعية الآن في إيران وتتركز فيها، ومنهم عدد كبير في العراق، ويمتد وجودهم إلى الباكستان كما أن لهم طائفة في لبنان. أما في سوريا فهناك طائفة قليلة منهم لكنهم على صلة وثيقة بالنُّصيْرية الذين هم من غلاة الشيعة.


ويتضح مما سبق:
أن التشيع الأول بدأ كحزب يرى أحقية علي بن أبي طالب في الخلافة، ثم تطوَّر حتى أصبح فرقة عقائدية وسياسية انضوى تحت لوائها كل من أراد الكيد للإسلام والدولة المسلمة، حتى أن المتتبع للتاريخ الإسلامي لا يكاد يرى ثورة أو انفصالاً عن الدولة الأم أو مشكلة عقائدية إلا وكان الشيعة بفرقها المتعددة وراءها أو لهم ضلعٌ فيها. ولهذا اصطبغ التاريخ الإسلامي بكثير من الثورات والتمزق ، ونظرًا لوجود عناصر مندسَّةً بين المسلمين يهمّها استمرار هذا الخلاف فإن المشكلة لم تنته، بل استمر الخلاف وكاد التشيع أن يكون دينًا مختلفًا عن الإسلام تمامًا، وقد استغلت الدوائر الغربية والمستشرقون هذا الخلاف لتصوير المسلمين شيعًا وأحزابًا متناحرة. بل يقارنونه بالمسيحية التي بلغت فرقها المئات.

الإباضية

التعريف:
الإباضية إحدى فرق الخوارج، وتنسب إلى مؤسسها عبد الله بن إباض التميمي، ويدّعي أصحابها أنهم ليسوا خوارج وينفون عن أنفسهم هذه النسبة، والحقيقة أنهم ليسوا من غلاة الخوارج كالأزارقة مثلاً، لكنهم يتفقون مع الخوارج في مسائل عديدة منها: أن عبد الله بن إباض يعتبر نفسه امتداداً للمحكمة الأولى من الخوارج، كما يتفقون مع الخوارج في تعطيل الصفات والقول بخلق القرآن وتجويز الخروج على أئمة الجور.


التأسيس وأبرز الشخصيات:
• مؤسسها الأول عبد الله بن إباض من بني مرة بن عبيد بن تميم، ويرجع نسبه إلى إباض وهي قرية العارض باليمامة، وعبد الله عاصر معاوية وتوفي في أواخر أيام عبد الملك بن مروان.

• يذكر الإباضية أن أبرز شخصياتهم جابر بن زيد (22ـ93ه‍ ) الذي يُعَدّ من أوائل المشتغلين بتدوين الحديث آخذاً العلم عن عبد الله بن عباس وعائشة و أنس بن مالك وعبد الله بن عمر وغيرهم من كبار الصحابة. مع أن جابراً قد تبرأ منهم. (انظر تهذيب التهذيب 2/38).

• أبو عبيدة مسلمة بن أبي كريمة: من أشهر تلاميذ جابر بن زيد، وقد أصبح مرجع الإباضية بعده مشتهراً بلقب القفاف توفي في ولاية أبي جعفر المنصور 158هـ‍.

• الربيع بن حبيب الفراهيدي الذي عاش في منتصف القرن الثاني للهجرة وينسبون له مسنداً خاصاً به مسند الربيع بن حبيب وهو مطبوع ومتداول.

• من أئمتهم في الشمال الإفريقي أيام الدولة العباسية: الإمام الحارث بن تليد، ثم أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري، ثم أبو حاتم يعقوب بن حبيب ثم حاتم الملزوزي.

• ومنهم الأئمة الذين تعاقبوا على الدولة الرستمية في تاهرت بالمغرب: عبد الرحمن، عبد الوهاب، أفلح، أبو بكر، أبو اليقظان، أبو حاتم.



من علمائهم:
ـ سلمة بن سعد: قام بنشر مذهبهم في أفريقيا في أوائل القرن الثاني.

ـ ابن مقطير الجناوني: تلقى علومه في البصرة وعاد إلى موطنه في جبل نفوسه بليبيا ليسهم في نشر المذهب الإباضي.

ـ عبد الجبار بن قيس المرادي: كان قاضياً أيام إمامهم الحارث بن تليد.

ـ السمح أبو طالب: من علمائهم في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة، كان وزيراً للإمام عبد الوهاب بن رستم ثم عاملاً له على جبل نفوسه ونواحيه بليبيا.

ـ أبو ذر أبان بن وسيم: من علمائهم في النصف الأول من القرن الثالث للهجرة، وكان عاملاً للإمام أفلح بن عبد الوهاب على حيز طرابلس.



الأفكار والمعتقدات:
• يظهر من خلال كتبهم تعطيل الصفات الإلهية، وهم يلتقون إلى حد بعيد مع المعتزلة في تأويل الصفات، ولكنهم يدعون أنهم ينطلقون في ذلك من منطلق عقدي، حيث يذهبون إلى تأويل الصفة تأويلاً مجازياً بما يفيد المعنى دون أن يؤدي ذلك إلى التشبيه، ولكن كلمة الحق في هذا الصدد تبقى دائماً مع أهل السنة والجماعة المتبعين للدليل، من حيث إثبات الأسماء والصفات العليا لله تعالى كما أثبتها لنفسه، بلا تعطيل ولا تكييف ولا تحريف ولا تمثيل.

• ينكرون رؤية المؤمنين لله تعالى في الآخرة ؛ رغم ثبوتها في القرآن : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) .

• يؤوِّلون بعض مسائل الآخرة تأويلاً مجازياً كالميزان والصراط.

• أفعال الإنسان خلق من الله واكتساب من الإنسان، وهم بذلك يقفون موقفاً وسطاً بين القدريَّة والجبرية
• صفات الله ليست زائدة على ذات الله ولكنها هي عين ذاته.

• القرآن لديهم مخلوق، وقد وافقوا الخوارج في ذلك، يقول الأشعري "والخوارج جميعاً يقولون بخلق القرآن"، مقالات الإسلاميين 1/203 طـ 2 ـ 1389هـ/1969م.

• مرتكب الكبيرة ـ عندهم ـ كافر كفر نعمة أو كفر نفاق.

• الناس في نظرهم ثلاثة أصناف:

ـ مؤمنون أوفياء بإيمانهم.

ـ مشركون واضحون في شركهم.

ـ قوم أعلنوا كلمة التوحيد وأقروا بالإسلام لكنهم لم يلتزموا به سلوكاً وعبادة، فهم ليسوا مشركين لأنهم يقرون بالتوحيد، وهم كذلك ليسوا بمؤمنين؛ لأنهم لا يلتزمون بما يقتضيه الإيمان، فهم إذاً مع المسلمين في أحكام الدنيا لإقرارهم بالتوحيد وهم مع المشركين في أحكام الآخرة لعدم وفائهم بإيمانهم ولمخالفتهم ما يستلزمه التوحيد من عمل أو ترك.


• للدار وحكمها عند محدثي الإباضية صور متعددة، ولكن محدثيهم يتفقون مع القدامى في أن دار مخالفيهم من أهل الإسلام هي دار توحيد إلا معسكر السلطان فإنه دار بغي.

• يعتقدون بأن مخالفيهم من أهل القبلة كفار غير مشركين، ومناكحتهم جائزة وموارثتهم حلال، وغنيمة أموالهم من السلاح والخيل وكل ما فيه من قوة الحرب حلال وما سواه حرام.

• مرتكب الكبيرة كافر ولا يمكن في حال معصيته وإصراره عليها أن يدخل الجنة إذا لم يتب منها، فإن الله لا يغفر الكبائر لمرتكبيها إلا إذا تابوا منها قبل الموت.

ـ الذي يرتكب كبيرة من الكبائر يطلقون عليه لفظة (كافر) زاعمين بأن هذا كفر نعمة أو كفر نفاق لا كفر ملة، بينما يطلق عليه أهل السنة والجماعة كلمة العصيان أو الفسوق، ومن مات على ذلك ـ في نظر أهل السنة ـ فهو في مشيئة الله، إن شاء غفر له بكرمه وإن شاء عذبه بعدله حتى يطهر من عصيانه ثم ينتقل إلى الجنة، أما الإباضية فيقولون بأن العاصي مخلد في النار. وهي بذلك تتفق مع بقية الخوارج والمعتزلة في تخليد العصاة في جهنم.

• ينكرون الشفاعة لعصاة الموحدين؛ لأن العصاة ـ عندهم ـ مخلدون في النار فلا شفاعة لهم حتى يخرجوا من النار.

• ينفون شرط القرشية في الإمام إذ أن كل مسلم صالح لها، إذا ما توفرت فيه الشروط، والإمام الذي ينحرف ينبغي خلعه وتولية غيره.

• يتهجم بعضهم على أمير المؤمنين عثمان بن عفان وعلى معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص رضي الله عنهم.

ـ الإمامة بالوصية باطلة في مذهبهم، ولا يكون اختيار الإمام إلا عن طريق البيعة، كما يجوز تعدد الأئمة في أكثر من مكان.

ـ لا يوجبون الخروج على الإمام الجائر ولا يمنعونه، وإنما يجيزونه، فإذا كانت الظروف مواتية والمضار فيه قليلة فإن هذا الجواز يميل إلى الوجوب، وإذا كانت الظروف غير مواتية والمضار المتوقعة كثيرة والنتائج غير مؤكدة فإن هذا الجواز يميل إلى المنع. ومع كل هذا فإن الخروج لا يمنع في أي حال، والشراء (أي الكتمان) مرغوب فيه على جميع الأحوال ما دام الحاكم ظالما.

- لا يجوز لديهم أن يدعو شخص لآخر بخير الجنة وما يتعلق بها إلا إذا كان مسلماً موفياً بدينه مستحقاً الولاية بسبب طاعته، أما الدعاء بخير الدنيا وبما يحول الإنسان من أهل الدنيا إلى أهل الآخرة فهو جائز لكل أحد من المسلمين تقاة وعصاة.

• لديهم نظام اسمه (حلقة العزابة) وهي هيئة محدودة العدد تمثل خيرة أهل البلد علماً وصلاحاً وتقوم بالإشراف الكامل على شؤون المجتمع الإباضي الدينية والتعليمية والإجتماعية والسياسية، كما تمثل مجلس الشورى في زمن الظهور الدفاع، أما في زمن الشراء والكتمان فإنها تقوم بعمل الإمام وتمثله في مهامه.

ـ لديهم منظمة اسمها (ايروان) تمثل المجلس الاستشاري المساعد للعزابة وهي القوة الثانية في البلد بعدها.

ـ يشكلون من بينهم لجاناً تقوم على جمع الزكاة وتوزيعها على الفقراء، كما تمنع منعاً باتاً طلب الزكاة أو الاستجداء وما إلى ذلك من صور انتظار العطاء.



انشق عن الإباضية عدد من الفرق التي اندثرت وهي:
ـ الحفصية: أصحاب حفص بن أبي المقدام.


ـ الحارثية: أصحاب الحارث الإباضي.

ـ اليزيدية: أصحاب يزيد بن أنيسة. الذي زعم أن الله سيبعث رسولاً من العجم، وينـزل عليه كتاباً من السماء، ومن ثم ترك شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.


وقد تبرأ سائر الإباضية من أفكارهم وكفّروهم لشططهم وابتعادهم عن الخط الإباضي الأصلي، الذي ما يزال إلى يومنا هذا.


الجذور الفكرية والعقائدية:
• الإباضيون يعتمدون في السنة على ما يسمونه ( مسند الربيع بن حبيب ) - وهو مسند غير ثابت كما بين ذلك العلماء المحققون - .

• ولقد تأثروا بمذهب أهل الظاهر، إذا أنهم يقفون عند بعض النصوص الدينية موقفاً حرفيًّا ويفسرونها تفسيراً ظاهرياً.

• وتأثروا كذلك بالمعتزلة في قولهم بخلق القرآن.

• يعتبر كتاب النيل وشفاء العليل ـ الذي شرحه محمد بن يوسف إطْفَيِّش المتوفى سنة 1332ه‍ ـ من أشهر مراجعهم. جمع فيه فقه المذهب الإباضي وعقائده.



الانتشار ومواقع النفوذ:
• كانت لهم صولة وجولة في جنوبي الجزيرة العربية حتى وصلوا إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، أما في الشمال الإفريقي فقد انتشر مذهبهم بين البربر وكانت لهم دولة عُرفت باسم الدولة الرستمية وعاصمتها تاهرت.

• حكموا الشمال الإفريقي حكماً متصلاً مستقلاً زهاء مائة وثلاثين سنة حتى أزالهم الرافضة (العبيديون).

• قامت للإباضية دولة مستقلة في عُمان وتعاقب على الحكم فيها إلى العصر الحديث أئمة إباضيون.

• من حواضرهم التاريخية جبل نفوسة بليبيا، إذ كان معقلاً لهم ينشرون منه المذهب الإباضي، ومنه يديرون شؤون الفرقة الإباضية.

• ما يزال لهم وجود إلى وقتنا الحاضر في كل من عُمان بنسبة مرتفعة وليبيا وتونس والجزائر وفي واحات الصحراء الغربية وفي زنجبار التي ضُمت إلى تانجانيقا تحت اسم تنـزانيا.



المعتزلة

التعريف:
المعتزلة فرقة إسلامية نشأت في أواخر العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي، وقد اعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرها ببعض الفلسفات المستوردة مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة أهل السنة والجماعة. وقد أطلق عليها أسماء مختلفة منها: المعتزلة والقدرية والعدلية وأهل العدل والتوحيد والمقتصدة والوعيدية.

التأسيس وأبرز الشخصيات:
• اختلفت رؤية العلماء في ظهور الاعتزال، واتجهت هذه الرؤية إلى وجهتين:

ـ الوجهة الأولى: أن الاعتزال حصل نتيجة النقاش في مسائل عقدية دينية كالحكم على مرتكب الكبيرة ، والحديث في القدر، بمعنى هل يقدر العبد على فعله أو لا يقدر، ومن رأي أصحاب هذا الاتجاه أن اسم المعتزلة أطلق عليهم لعدة أسباب:

1 ـ أنهم اعتزلوا المسلمين بقولهم بالمنزلة بين المنزلتين

2 ـ أنهم عرفوا بالمعتزلة بعد أن اعتزل واصل بن عطاء حلقة الحسن البصري وشكل حقلة خاصة به لقوله بالمنزلة بين المنزلتين فقال الحسن: "اعتزلنا واصل".

3 ـ أو أنهم قالوا بوجوب اعتزال مرتكب الكبيرة ومقاطعته .


ـ والوجهة الثانية: أن الاعتزال نشأ بسبب سياسي حيث أن المعتزلة من شيعة علي رضي الله عنه اعتزلوا الحسن عندما تنازل لمعاوية، أو أنهم وقفوا موقف الحياد بين شيعة علي ومعاوية فاعتزلوا الفريقين.

• أما القاضي عبد الجبار الهمذاني ـ مؤرخ المعتزلة ـ فيزعم أن الاعتزال ليس مذهباً جديداً أو فرقة طارئة أو طائفة أو أمراً مستحدثاً، وإنما هو استمرار لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، وقد لحقهم هذا الاسم بسبب اعتزالهم الشر لقوله تعالى: (وأعتزلكم وما تدعون) ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (من اعتزل الشر سقط في الخير).

• والواقع أن نشأة الاعتزال كان ثمرة تطور تاريخي لمبادئ فكرية وعقدية وليدة النظر العقلي المجرد في النصوص الدينية وقد نتج ذلك عن التأثر بالفلسفة اليونانية والهندية والعقائد اليهودية والنصرانية لما سنرى في فقرة (الجذور الفكرية والعقائدية) .

• قبل بروز المعتزلة كفرقة فكرية على يد واصل بن عطاء، كان هناك جدل ديني فكري بدأ بمقولات جدلية كانت هي الأسس الأولى للفكر المعتزلي وهذه المقولات نوجزها مع أصحابها بما يلي:


ـ مقولة أن الإنسان حر مختار بشكل مطلق، وهو الذي يخلق أفعاله بنفسه قالها: معبد الجهني، الذي خرج على عبد الملك بن مروان مع عبد الرحمن بن الأشعث .. وقد قتله الحجاج عام 80هـ بعد فشل الحركة .

ـ وكذلك قالها غيلان الدمشقي في عهد عمر بن عبد العزيز وقتله هشام بن عبد الملك .

ـ ومقولة خلق القرآن ونفي الصفات، قالها الجهم بن صفوان، وقد قتله سلم بن أحوز في مرو عام 128هـ .

ـ وممن قال بنفي الصفات أيضاً: الجعد بن درهم الذي قتله خالد بن عبد الله القسري والي الكوفة .

• ثم برزت المعتزلة كفرقة فكرية على يد واصل بن عطاء الغزال (80هـ ـ 131هـ) الذي كان تلميذاً للحسن البصري، ثم اعتزل حلقة الحسن بعد قوله بأن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين (أي ليس مؤمناً ولا كافراً) وأنه مخلد في النار إذا لم يتب قبل الموت، وقد عاش في أيام عبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك، والفرقة المعتزلية التي تنسب إليه تسمى: الواصيلة.

• ولاعتماد المعتزلة على العقل في فهم العقائد وتقصيهم لمسائل جزئية فقد انقسموا إلى طوائف مع اتفاقهم على المبادئ الرئيسة الخمسة ـ التي سنذكرها لاحقاً ـ وكل طائفة من هذه الطوائف جاءت ببدع جديدة تميزها عن الطائفة الأخرى .. وسمت نفسها باسم صاحبها الذي أخذت عنه .

• وفي العهد العباسي برز المعتزلة في عهد المأمون حيث اعتنق الاعتزال عن طريق بشر المريسي وثمامة بن أشرس وأحمد بن أبي دؤاد وهو أحد رؤوس بدعة الاعتزال في عصره ورأس فتنة خلق القرآن، وكان قاضياً للقضاة في عهد المعتصم.


ـ في فتنة خلق القرآن امتحن الإمام أحمد بن حنبل الذي رفض الرضوخ لأوامر المأمون والإقرار بهذه البدعة، فسجن وعذب وضرب بالسياط في عهد المعتصم بعد وفاة المأمون وبقي في السجن لمدة عامين ونصف ثم أعيد إلى منزله وبقي فيه طيلة خلافة المعتصم ثم ابنه الواثق .

ـ لما تولى المتوكل الخلافة عام 232هـ انتصر لأهل السنة وأكرم الإمام أحمد وأنهى عهد سيطرة المعتزلة على الحكم ومحاولة فرض عقائدهم بالقوة خلال أربعة عشر عاماً .

• في عهد دولة بني بويه عام 334 هـ في بلاد فارس ـ وكانت دولة شيعية ـ توطدت العلاقة بين الشيعة والمعتزلة وارتفع شأن الاعتزال أكثر في ظل هذه الدولة فعين القاضي عبد الجبار رأس المعتزلة في عصره قاضياً لقضاء الري عام 360هـ بأمر من الصاحب بن عباد وزير مؤيد الدولة البويهي ، وهو من الروافض المعتزلة، يقول فيه الذهبي: " وكان شيعيًّا معتزليًّا مبتدعاً " ويقول المقريزي: " إن مذهب الاعتزال فشا تحت ظل الدولة البويهية في العراق وخراسان وما وراء النهر "

• وممن برز في هذا العهد: الشريف المرتضى الذي قال عنه الذهبي: " وكان من الأذكياء والأولياء المتبحرين في الكلام والاعتزال والأدب والشعر لكنه إمامي جلد ".

• بعد ذلك كاد أن ينتهي الاعتزال كفكر مستقل إلا ما تبنته منه بعض الفرق كالشيعة وغيرهم .

• عاد فكر الاعتزال من جديد في الوقت الحاضر، على يد بعض الكتاب والمفكرين، الذين يمثلون المدرسة العقلانية الجديدة وهذا ما سنبسطه عند الحديث عن فكر الاعتزال الحديث .

• ومن أبرز مفكري المعتزلة منذ تأسيسها على يد واصل بن عطاء وحتى اندثارها وتحللها في المذاهب الأخرى كالشيعة والأشعرية والماتريدية ما يلي:

ـ أبو الهذيل حمدان بن الهذيل العلاف (135 ـ226 هـ) مولى عبد القيس وشيخ المعتزلة والمناظر عنها. أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل بن عطاء، طالع كثيراً من كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة، فقد تأثر بأرسطو وأنبادقليس من فلاسفة اليونان، وقال بأن " الله عالم بعلم وعلمه ذاته، وقادر بقدرة وقدرته ذاته … " انظر الفرق بين الفرق للبغدادي ص 76 . وتسمى طائفة الهذيلية .

ـ إبراهيم بن يسار بن هانئ النظام (توفي سنة 231هـ) وكان في الأصل على دين البراهمة وقد تأثر أيضاً بالفلسفة اليونانية مثل بقية المعتزلة .. وقال:بأن المتولدات من أفعال الله تعالى، وتسمى طائفته النظامية .

ـ بشر بن المعتمر (توفي سنة 226 هـ) وهو من علماء المعتزلة، وهو الذي أحدث القول بالتولد وأفرط فيه فقال: إن كل المتولدات من فعل الإنسان فهو يصح أن يفعل الألوان والطعوم والرؤية والروائح وتسمى طائفته البشرية.

ـ معمر بن عباد السلمي (توفي سنة 220 هـ) وهو من أعظم القدرية فرية في تدقيق القول بنفي الصفات ونفي القدر خيره وشره من الله وتسمى طائفته: المعمرية .


ـ عيسى بن صبيح المكنى بأبي موسى الملقب بالمردار (توفي سنة 226هـ) وكان يقال له: راهب المعتزلة، وقد عرف عنه التوسع في التكفير حتى كفر الأمة بأسرها بما فيها المعتزلة، وتسمى طائفته المردارية .

ـ ثمامة بن أشرس النميري (توفي سنة 213هـ)، كان جامعاً بين قلة الدين وخلاعة النفس، مع اعتقاده بأن الفاسق يخلد في النار إذا مات على فسقه من غير توبة . وهو في حال حياته في منزلة بين المنزلتين . وكان زعيم القدرية في زمان المأمون والمعتصم والواثق وقيل إنه الذي أغرى المأمون ودعاه إلى الاعتزال، وتسمى طائفته الثمامية .

ـ عمرو بن بحر: أبو عثمان الجاحظ (توفي سنة 256هـ) وهو من كبار كتاب المعتزلة، ومن المطلعين على كتب الفلاسفة، ونظراً لبلاغته في الكتابة الأدبية استطاع أن يدس أفكاره المعتزلية في كتاباته كما يدس السم في الدسم مثل، البيان والتبيين، وتسمى فرقته الجاحظية .

ـ أبو الحسين بن أبي عمر الخياط (توفي سنة 300هـ) من معتزلة بغداد و بدعته التي تفرد بها قوله بأن المعدوم جسم، والشيء المعدوم قبل وجوده جسم، وهو تصريح بقدم العالم، وهو بهذا يخالف جميع المعتزلة وتسمى فرقته الخياطية .

ـ القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني (توفي سنة 414هـ) فهو من متأخري المعتزلة، قاضي قضاة الري وأعمالها، وأعظم شيوخ المعتزلة في عصره، وقد أرخ للمعتزلة وقنن مبادئهم وأصولهم الفكرية والعقدية.


المبادئ والأفكار:
• جاءت المعتزلة في بدايتها بفكرتين مبتدعتين:

ـ الأولى: القول بأن الإنسان مختار بشكل مطلق في كل ما يفعل، فهو يخلق أفعاله بنفسه، ولذلك كان التكليف، ومن أبرز من قال ذلك غيلان الدمشقي، الذي أخذ يدعو إلى مقولته هذه في عهد عمر بن عبد العزيز . حتى عهد هشام بن عبد الملك، فكانت نهايته أن قتله هشام بسبب ذلك .

ـ الثانية: القول بأن مرتكب الكبيرة ليس مؤمناً ولا كافراً ولكنه فاسق فهو بمنزلة بين المنزلتين، هذه حاله في الدنيا أما في الآخرة فهو لا يدخل الجنة لأنه لم يعمل بعمل أهل الجنة بل هو خالد مخلد في النار، ولا مانع عندهم من تسميته مسلماً باعتباره يظهر الإسلام وينطق بالشهادتين ولكنه لا يسمى مؤمناً.

• ثم حرر المعتزلة مذهبهم في خمسة أصول:
1 ـ التوحيد .
2 ـ العدل .
3 ـ الوعد والوعيد .
4 ـ المنزلة بين المنزلتين .
5 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .


1 ـ التوحيد: وخلاصته برأيهم، هو أن الله تعالى منزه عن الشبيه والمماثل (ليس كمثله شيء) ولا ينازعه أحد في سلطانه ولا يجري عليه شيء مما يجري على الناس. وهذا حق ولكنهم بنوا عليه نتائج باطلة منها: استحالة رؤية الله تعالى لاقتضاء ذلك نفي الصفات، وأن الصفات ليست شيئاً غير الذات، وإلا تعدد القدماء في نظرهم، لذلك يعدون من نفاة الصفات وبنوا على ذلك أيضاَ أن القرآن مخلوق لله سبحانه وتعالى لنفيهم عنه سبحانه صفة الكلام.

2 ـ العدل: ومعناه برأيهم أن الله لا يخلق أفعال العباد، ولا يحب الفساد، بل إن العباد يفعلون ما أمروا به وينتهون عما نهوا عنه بالقدرة التي جعلها الله لهم وركبها فيهم وأنه لم يأمر إلا بما أراد ولم ينه إلا عما كره، وأنه ولي كل حسنة أمر بها، بريء من كل سيئة نهى عنها، لم يكلفهم ما لا يطيقون ولا أراد منهم ما لا يقدرون عليه . وذلك لخلطهم بين إرادة الله تعالى الكونية وإرادته الشرعية .

3 ـ الوعد والوعيد: ويعني أن يجازي الله المحسن إحساناً ويجازي المسيء سوءاً، ولا يغفر لمرتكب الكبيرة إلا أن يتوب .

4 ـ المنزلة بين المنزلتين: وتعني أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين الإيمان والكفر فليس بمؤمن ولا كافر . وقد قرر هذا واصل بن عطاء شيخ المعتزلة .

5 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فقد قرروا وجوب ذلك على المؤمنين نشراً لدعوة الإسلام وهداية للضالين وإرشاداً للغاوين كل بما يستطيع: فذو البيان ببيانه، والعالم بعلمه، وذو السيف بسيفه وهكذا . ومن حقيقة هذا الأصل أنهم يقولون بوجوب الخروج على الحاكم إذا خالف وانحرف عن الحق .


• ومن مبادئ المعتزلة الاعتماد على العقل كليًّا في الاستدلال لعقائدهم وكان من آثار اعتمادهم على العقل في معرفة حقائق الأشياء وإدراك العقائد، أنهم كانوا يحكمون بحسن الأشياء وقبحها عقلاً فقالوا كما جاء في الملل والنحل للشهرستاني: " المعارف كلها معقولة بالفعل، واجبة بنظر العقل، وشكر المنعم واجب قبل ورود السمع أي قبل إرسال الرسل، والحسن والقبيح صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح " .

ـ ولاعتمادهم على العقل أيضاً أوَّلوا الصفات بما يلائم عقولهم الكلية، كصفات الاستواء واليد والعين وكذلك صفات المحبة والرضى والغضب والسخط ومن المعلوم أن المعتزلة تنفي كل الصفات لا أكثرها .

ـ ولاعتمادهم على العقل أيضاً، طعن كبراؤهم في أكابر الصحابة وشنعوا عليهم ورموهم بالكذب، فقد زعم واصل بن عطاء: أن إحدى الطائفتين يوم الجمل فاسقة، إما طائفة علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر والحسن والحسين وأبي أيوب الأنصاري أو طائفة عائشة والزبير، وردوا شهادة هؤلاء الصحابة فقالوا: لا تقبل شهادتهم .

ـ وسبب اختلاف المعتزلة فيما بينهم وتعدد طوائفهم هو اعتمادهم على العقل فقط ـ كما نوهنا ـ وإعراضهم عن النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة، ورفضهم الإتباع بدون بحث واستقصاء وقاعدتهم التي يستندون إليها في ذلك:

" كل مكلف مطالب بما يؤديه إليه اجتهاده في أصول الدين "، فيكفي وفق مذهبهم أن يختلف التلميذ مع شيخه في مسألة ليكون هذا التلميذ صاحب فرقة قائمة، وما هذه الفرق التي عددناها آنفاً إلا نتيجة اختلاف تلاميذ مع شيوخهم، فأبو الهذيل العلاف له فرقة، خالفه تلميذه النظام فكانت له فرقة، فخالفه تلميذه الجاحظ فكانت له فرقة، والجبائي له فرقة، فخالفه ابنه أبو هاشم عبد السلام فكانت له فرقة أيضاَ وهكذا .

ـ وهكذا نجد أن المعتزلة قد حولوا الدين إلى مجموعة من القضايا العقلية والبراهين المنطقية، وذلك لتأثرهم بالفلسفة اليونانية عامة وبالمنطق الصوري الأوسطي خاصة .

• وقد فند علماء الإسلام آراء المعتزلة في عصرهم، فمنهم أبو الحسن الأشعري الذي كان منهم، ثم خرج من فرقتهم ورد عليهم متبعاً أسلوبهم في الجدال والحوار .. ثم جاء الإمام أحمد بن حنبل الذي اكتوى بنار فتنتهم المتعلقة بخلق القرآن ووقف في وجه هذه الفتنة بحزم وشجاعة نادرتين .

ـ ومن الردود قوية الحجة، بارعة الأسلوب، رد شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عليهم في كتابه القيم: درء تعارض العقل والنقل فقد تتبع آراءهم وأفكارهم واحدة واحدة ورد عليها ردًّا مفحماً .. وبين أن صريح العقل لا يمكن أن يكون مخالفاً لصحيح النقل .

• وقد ذُكر في هذا الحديث أكثر من مرة أن المعتزلة اعتمدوا على العقل في تعاملهم مع نصوص الموحي ، وقد يتوهم أحد أن الإسلام ضد العقل ويسعى للحجر عليه . ولكن هذا يرده دعوة الإسلام إلى التفكر في خلق السموات والأرض والتركيز على استعمال العقل في اكتشاف الخير والشر وغير ذلك مما هو معروف ومشهور مما دعا العقاد إلى أن يؤلف كتاباً بعنوان: التفكر فريضة إسلامية، ولهذا فإن من انحرافات المعتزلة هو استعمالهم العقل في غير مجاله: في أمور غيبية مما تقع خارج الحس ولا يمكن محاكمتها محاكمة عقلية صحيحة، كما أنهم بنوا عدداً من القضايا على مقدمات معينة فكانت النتائج ليست صحيحة على إطلاقها وهو أمر لا يسلّم به دائماً حتى لو اتبعت نفس الأساليب التي استعملوها في الاستنباط والنظر العقلي: مثل نفيهم الصفات عن الله اعتماداً على قوله تعالى: (ليس كمثله شيء). وكان الصحيح أن لا تنفى عنه الصفات التي أثبتها لنفسه سبحانه وتعالى ولكن تفهم الآية على أن صفاته سبحانه وتعالى لا تماثل صفات المخلوقين.


وقد حدد العلماء مجال استعمال العقل بعدد من الضوابط منها:
ـ أن لا يتعارض مع النصوص الصحيحة .

ـ أن لا يكون استعمال العقل في القضايا الغيبية التي يعتبر الوحي هو المصدر الصحيح والوحيد لمعرفتها.

ـ أن يقدم النقل على العقل في الأمور التي لم تتضح حكمتها " وهو ما يعرف بالأمور التوقيفية".


ولا شك أن احترام الإسلام للعقل وتشجيعه للنظر والفكر لا يقدمه على النصوص الشرعية الصحيحة . خاصة أن العقول متغيرة وتختلف وتتأثر بمؤثرات كثيرة تجعلها لا تصلح لأن تكون الحكم المطلق في كل الأمور . ومن المعروف أن مصدر المعرفة في الفكر الإسلامي يتكون من:

1 ـ الحواس وما يقع في مجالها من الأمور الملموسة من الموجودات .

2 ـ العقل وما يستطيع أن يصل إليه من خلال ما تسعفه به الحواس والمعلومات التي يمكن مشاهدتها واختبارها وما يلحق ذلك من عمليات عقلية تعتمد في جملتها على ثقافة الفرد ومجتمعه وغير ذلك من المؤثرات .

3 ـ الوحي من كتاب وسنة حيث هو المصدر الوحيد والصحيح للأمور الغيبية، وما لا تستطيع أن تدركه الحواس، وما أعده الله في الدار الآخرة، وما أرسل من الرسل إلخ …


وهكذا يظهر أنه لا بد من تكامل العقل والنقل في التعامل مع النصوص الشرعية كل فيما يخصه وبالشروط التي حددها العلماء.



الجذور الفكرية والعقائدية:
• هناك رواية ترجع الفكر المعتزلي في نفي الصفات إلى أصول يهودية فلسفية فالجعد بن درهم أخذ فكره عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت وأخذها طالوت عن خاله لبيد بن الأعصم اليهودي.

وقيل: إن مناقشات الجهم بن صفوان مع فرقة السمنية ـ وهي فرقة هندية تؤمن بالتناسخ ـ قد أدت إلى تشكيكه في دينه وابتداعه لنفي الصفات .

• إن فكر يوحنا الدمشقي وأقواله تعد مورداً من موارد الفكر الاعتزالي، إذ أنه كان يقول بالأصلح ونفي الصفات الأزلية حرية الإرادة الإنسانية .

ـ ونفي القدر عند المعتزلة الذي ظهر على يد الجهني وغيلان الدمشقي، قيل إنهما أخذاه عن نصراني يدعى أبو يونس سنسويه وقد أخذ عمرو بن عبيد صاحب واصل بن عطاء فكرة نفي القدر عن معبد الجهني .

ـ تأثر المعتزلة بفلاسفة اليونان في موضوع الذات والصفات، فمن ذلك قول أنبادقليس الفيلسوف اليوناني: "إن الباري تعالى لم يزل هويته فقط وهو العلم المحض وهو الإرادة المحضة وهو الجود والعزة، والقدرة والعدل والخير والحق، لا أن هناك قوى مسماة بهذه الأسماء بل هي هو، وهو هذه كلها" انظر الملل والنحل ج 2/ ص58.

وكذلك قول أرسطوطاليس في بعض كتبه "إن الباري علم كله، قدره كله، حياة كله، بصر كله".

فأخذ العلاف وهو من شيوخ المعتزله هذه الأفكار وقال: إن الله عالم بعلم وعلمه ذاته، قادر بقدرة وقدرته ذاته، حي بحياة وحياته ذاته.

ـ وأخذ النظام من ملاحدة الفلاسفة قوله بإبطال الجزء الذي لا يتجرأ، ثم بنى عليه قوله بالطفرة، أي أن الجسم يمكن أن يكون في مكان (أ) ثم يصبح في مكان (ج) دون أن يمر في (ب) .

وهذا من عجائبه حتى قيل: إن من عجائب الدنيا: " طفرة النظام وكسب الأشعري " .

ـ وإن أحمد بن خابط والفضل الحدثي وهما من أصحاب النظام قد طالعا كتب الفلاسفة ومزجا الفكر الفلسفي مع الفكر النصراني مع الفكر الهندي وقالا بما يلي:

1 ـ إن المسيح هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة.

2 ـ إن المسيح تدرع بالجسد الجسماني وهو الكلمة القديمة المتجسدة.

3 ـ القول بالتناسخ.

4 ـ حملا كل ما ورد في الخبر عن رؤية الله تعالى على رؤية العقل الأول هو أول مبتدع وهو العقل الفعال الذي منه تفيض الصور على الموجودات .


• يؤكد العلماء تأثير الفلسفة اليونانية على فكر المعتزلة بما قام به الجاحظ وهو من مصنفي المعتزلة ومفكريهم فقد طالع كثيراً من كتب الفلاسفة وتمذهب بمذهبهم ـ حتى إنه خلط وروج كثيراً من مقالاتهم بعبارته البليغة .

ـ ومنهم من يرجع فكر المعتزلة إلى الجذور الفكرية والعقدية في العراق ـ حيث نشأ المعتزلة ـ الذي يسكنه عدة فرق تنتهي إلى طوائف مختلفة، فبعضهم ينتهي إلى الكلدان وبعضهم إلى الفرس وبعضهم نصارى وبعضهم يهود وبعضهم مجوس. وقد دخل هؤلاء في الإسلام وبعضهم قد فهمه على ضوء معلوماته القديمة وخلفيته الثقافية والدينية.



الفكر الاعتزالي الحديث:
• يحاول بعض الكتاب والمفكرين في الوقت الحاضر إحياء فكر المعتزلة من جديد بعد أن عفى عليه الزمن أو كاد .. فألبسوه ثوباً جديداً، وأطلقوا عليه أسماء جديدة مثل … العقلانية أو التنوير أو التجديد أو التحرر الفكري أو التطور أو المعاصرة أو التيار الديني المستنير أو اليسار الإسلامي ..

ـ وقد قوّى هذه النزعة التأثر بالفكر الغربي العقلاني المادي، وحاولوا تفسير النصوص الشرعية وفق العقل الإنساني .. فلجأوا إلى التأويل كما لجأت المعتزلة من قبل ثم أخذوا يتلمسون في مصادر الفكر الإسلامي ما يدعم تصورهم، فوجدوا في المعتزلة بغيتهم فأنكروا المعجزات المادية .. وما تفسير الشيخ محمد عبده لإهلاك أصحاب الفيل بوباء الحصبة أو الجدري الذي حملته الطير الأبابيل .. إلا من هذا القبيل .

• وأهم مبدأ معتزلي سار عليه المتأثرون بالفكر المعتزلي الجدد هو ذاك الذي يزعم أن العقل هو الطريق الوحيد للوصول إلى الحقيقة، حتى لو كانت هذه الحقيقة غيبية شرعية، أي أنهم أخضعوا كل عقيدة وكل فكر للعقل البشري القاصر .

• وأخطر ما في هذا الفكر الاعتزالي .. محاولة تغيير الأحكام الشرعية التي ورد فيها النص اليقيني من الكتاب والسنة .. مثل عقوبة المرتد، وفرضية الجهاد ، والحدود، وغير ذلك .. فضلاً عن موضوع الحجاب وتعدد الزوجات، والطلاق والإرث .. إلخ .. وطلب أصحاب هذا الفكر إعادة النظر في ذلك كله .. وتحكيم العقل في هذه المواضيع . ومن الواضح أن هذا العقل الذي يريدون تحكيمه هو عقل متأثر بما يقوله الفكر الغربي حول هذه القضايا في الوقت الحاضر .

• ومن دعاة الفكر الاعتزالي الحديث سعد زغلول الذي نادى بنزع الحجاب عن المرأة المصرية وقاسم أمين مؤلف كتاب تحرير المرأة و المرأة الجديدة، ولطفي السيد الذي أطلقوا عليه: " أستاذ الجيل " وطه حسين الذي أسموه "عميد الأدب العربي " وهؤلاء كلهم أفضوا إلى ما قدموا . هذا في البلاد العربية .

أما في القارة الهندية فظهر السير أحمد خان، الذي منح لقب سير من قبل الاستعمار البريطاني . وهو يرى أن القرآن الكريم لا السنة النبوية هو أساس التشريع وأحلّ الربا البسيط في المعاملات التجارية . ورفض عقوبة الرجم والحرابة، ونفى شرعية الجهاد لنشر الدين ، وهذا الأخير قال به لإرضاء الإنجليز لأنهم عانوا كثيراً من جهاد المسلمين الهنود لهم .

ـ وجاء تلميذه سيد أمير علي الذي أحلّ زواج المسلمة بالكتابي وأحل الاختلاط بين الرجل والمرأة .

ـ ومن هؤلاء أيضاً مفكرون علمانيون، لم يعرف عنهم الالتزام بالإسلام .. مثل زكي نجيب محمود صاحب (الوضعية المنطقية) وهي من الفلسفة الوضعية الحديثة التي تنكر كل أمر غيبي .. فهو يزعم أن الاعتزال جزء من التراث ويجب أن نحييه، وعلى أبناء العصر أن يقفوا موقف المعتزلة من المشكلات القائمة (انظر كتاب تجديد الفكر العربي ص 123) .

ـ ومن هؤلاء أحمد أمين صاحب المؤلفات التاريخية والأدبية مثل فجر الإسلام وضحى الإسلام وظهر الإسلام، فهو يتباكى على موت المعتزلة في التاريخ القديم وكأن من مصلحة الإسلام بقاؤهم، ويقول في كتابه: ضحى الإسلام: " في رأيي أن من أكبر مصائب المسلمين موت المعتزلة " (ج3 ص207).

ـ ومن المعاصرين الأحياء الذين يسيرون في ركب الدعوة الإسلامية من ينادي بالمنهج العقلي الاعتزالي في تطوير العقيدة والشريعة مثل الدكتور محمد فتحي عثمان في كتابه الفكر الإسلامي والتطور .. والدكتور حسن الترابي في دعوته إلى تجديد أصول الفقه حيث يقول: " إن إقامة أحكام الإسلام في عصرنا تحتاج إلى اجتهاد عقلي كبير، وللعقل سبيل إلى ذلك لا يسع عاقل إنكاره، والاجتهاد الذي نحتاج إليه ليس اجتهاداً في الفروع وحدها وإنما هو اجتهاد في الأصول أيضاً " (انظر كتاب المعتزلة بين القديم والحديث ص 138) .

ـ وهناك كتاب كثيرون معاصرون، ومفكرون إسلاميون يسيرون على المنهج نفسه ويدعون إلى أن يكون للعقل دور كبير في الاجتهاد وتطويره، وتقييم الأحكام الشرعية، وحتى الحوادث التاريخية .. ومن هؤلاء فهمي هويدي ومحمد عمارة ـ صاحب النصيب الأكبر في إحياء تراث المعتزلة والدفاع عنه ـ وخالد محمد خالد و محمد سليم العوا، وغيرهم . ولا شك بأهمية الاجتهاد وتحكيم العقل في التعامل مع الشريعة الإسلامية ولكن ينبغي أن يكون ذلك في إطار نصوصها الثابتة وبدوافع ذاتية وليس نتيجة ضغوط أجنبية وتأثيرات خارجية لا تقف عند حد، وإذا انجرف المسلمون في هذا الاتجاه ـ اتجاه ترويض الإسلام بمستجدات الحياة والتأثير الأجنبي بدلاً من ترويض كل ذلك لمنهج الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ فستصبح النتيجة أن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من الشريعة إلا رسمها ويحصل للإسلام ما حصل للرسالات السابقة التي حرفت بسبب إتباع الأهواء والآراء حتى أصبحت لا تمت إلى أصولها بأي صلة .



ويتضح مما سبق:
أن حركة المعتزلة كانت نتيجة لتفاعل بعض المفكرين المسلمين في العصور الإسلامية مع الفلسفات السائدة في المجتمعات التي اتصل بها المسلمون . وكانت هذه الحركة نوع من ردة الفعل التي حاولت أن تعرض الإسلام وتصوغ مقولاته العقائدية والفكرية بنفس الأفكار والمناهج الوافدة وذلك دفاعاً ع الإسلام ضد ملاحدة تلك الحضارات بالأسلوب الذي يفهمونه . ولكن هذا التوجه قاد إلى مخالفات كثيرة وتجاوزات مرفوضة كما فعل المعتزلة في إنكار الصفات الإلهية تنزيهاً لله سبحانه عن مشابهة المخلوقين .

ومن الواضح أيضاً أن أتباع المعتزلة الجدد وقعوا فيما وقع فيه أسلافهم، وذلك أن ما يعرضون الآن من اجتهادات إنما الهدف منها أن يظهر الإسلام بالمظهر المقبول عند أتباع الحضارة الغربية والدفاع عن نظامه العام قولاً بأنه إنْ لم يكن أحسن من معطيات الحضارة الغربية فهو ليس بأقل منها .

ولذا فلا بد أن يتعلم الخلف من أخطاء سلفهم ويعلموا أن عزة الإسلام وظهوره على الدين كله هي في تميز منهجه وتفرد شريعته واعتباره المرجع الذي تقاس عليه الفلسفات والحضارات في الإطار الذي يمثله الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح في شمولهما وكمالهما ..

الزيدية
التعريف :
الزيدية إحدى فرق الشيعة ، نسبتها ترجع إلى مؤسسها زيد بن علي زين العابدين الذي صاغ نظرية شيعية في السياسة والحكم ، وقد جاهد من أجلها ، وقُتِل في سبيلها ، وكان يرى صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعاً ، ولم يقل أحد منهم بتكفير أحد من الصحابة ومن مذهبهم جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل .


التأسيس وأبرز الشخصيات:
ترجع الزيدية إلى زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله عنهما (80ـ122هـ/698ـ740م) ، قاد ثورة شيعية في العراق ضد الأمويين أيام هشام بن عبد الملك، فقد دفعه أهل الكوفة لهذا الخروج ثم ما لبثوا أن تخلوا عنه وخذلوه عندما علموا بأنه لا يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ولا يلعنهما ، بل يترضى عنهما ، فاضطر لمقابلة جيش الأمويين وما معه سوى 500 فارس حيث أصيب بسهم في جبهته أدى إلى وفاته عام 122هـ.


تنقل إمامهم في البلاد الشامية والعراقية باحثاً عن العلم أولاً وعن حق أهل البيت في الإمامة ثانياً ، فقد كان تقيًّا ورعاً عالماً فاضلاً مخلصاً شجاعاً وسيماً مهيباً مُلمًّا بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
تلقى العلم والرواية عن أخيه الأكبر محمد الباقر الذي يعد أحد الأئمة الاثني عشر عند الشيعة الإمامية .
اتصل بواصل بن عطاء رأس المعتزلة و منشأها وتدارس معه العلوم، فتأثر به وبأفكاره التي نقل بعضها إلى الفكر الزيدي ، وإن كان هناك من ينكر وقوع هذا التتلمذ ، وهناك من يؤكد وقوع الاتصال دون التأثر.
يُنسب إليه كتاب المجموع في الحديث ، وكتاب المجموع في الفقه ، وهما كتاب واحد اسمه المجموع الكبير ، رواهما عنه تلميذه أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي الهاشمي الذي مات في الربع الثالث من القرن الثاني للهجرة .


أما ابنه يحيى بن زيد فقد خاض المعارك مع والده ، لكنه تمكن من الفرار إلى خراسان حيث لاحقته سيوف الأمويين ، فقُتِل هناك سنة 125هـ .
فُوِّض الأمر بعد يحيى إلى محمد وإبراهيم ( أبناء عبدالله المحض : محمد النفس الزكية ، و أخوه إبراهيم )
خرج محمد بن عبد الله الحسن بن علي (المعروف بالنفس الزكية) بالمدينة فقتله عاملها عيسى بن ماهان .
وخرج من بعده أخوه إبراهيم بالبصرة فكان مقتله فيها بأمر من المنصور ( أبو جعفر ) .

أحمد بن عيسى بن زيد ـ حفيد مؤسس الزيدية ـ أقام بالعراق، وأخذ عن تلاميذ أبي حنيفة فكان ممن أثرى هذا المذهب وعمل على تطويره .

من علماء الزيدية القاسم بن إبراهيم الرسي بن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما (170ـ242هـ) تشكلت له طائفة زيدية عرفت باسم القاسمية .
جاء من بعده حفيده الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم (245ـ298هـ) الذي عقدت له الإمامة باليمن فكان ممن حارب القرامطة فيها ، كما تشكلت له فرقة زيدية عرفت باسم الهادوية منتشرة في اليمن والحجاز وما والاها .

ظهر للزيدية في بلاد الديلم وجيلان إمام حسيني هو أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن بن زيد بن عمر بن الحسين بن علي رضي الله عنهما والملقب بالناصر الكبير (230 ـ 304هـ) وعرف باسم الأطروش ، فقد هاجر هذا الإمام إلى هناك داعياً إلى الإسلام على مقتضى المذهب الزيدي ، فدخل فيه خلق كثير صاروا زيديين ابتداء .

ومنهم الداعي الآخر صاحب طبرستان الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن زيد بن الحسن بن علي رضي الله عنهما ، الذي تكونت له دولة زيدية جنوب بحر الخزر سنة 250هـ .

وقد عرف من أئمتهم محمد بن إبراهيم بن طباطبا ، الذي بعث بِدُعاتِه إلى الحجاز ومصر واليمن والبصرة . ومن شخصياتهم البارزة كذلك مقاتل بن سليمان ، ومحمد بن نصر . ومنهم أبو الفضل بن العميد والصاحب بن عباد وبعض أمراء بني بويه .

استطاع الزيدية في اليمن استرداد السلطة من الأتراك إذ قاد الإمام يحيى بن منصور بن حميد الدين ثورة ضد الأتراك عام 1322هـ وأسس دولة زيدية استمرت حتى سبتمبر عام 1962م حيث قامت الثورة اليمنية وانتهى بذلك حكم الزيود ، ولكن لا زال اليمن معقل الزيود ومركز ثقلهم .



خرجت عن الزيدية ثلاث فرق طعن بعضها في الشيخين، كما مالَ بعضها عن القول بإمامة المفضول ، وهذه الفرق هي :
ـ الجارودية: أصحاب أبي الجارود زياد بن أبي زياد .
ـ الصالحية: أصحاب الحسن بن صالح بن حي .
ـ البترية: أصحاب كثير النوى الأبتر .

الفرقتان الصالحية والبترية متفقتان ومتماثلتان في الآراء .


الأفكار والمعتقدات :
- يُجيزون الإمامة في كل أولاد فاطمة ، سواء أكانوا من نسل الإمام الحسن أم من نسل الإمام الحسين ـ رضي الله عنهما .
- الإمامة لديهم ليست بالنص ، إذ لا يشترط فيها أن ينص الإمام السابق على الإمام اللاحق ، بمعنى أنها ليست وراثية بل تقوم على البيعة ، فمن كان من أولاد فاطمة وفيه شروط الإمامة كان أهلاً لها .

- يجوز لديهم وجود أكثر من إمام واحد في وقت واحد في قطرين مختلفين .

- تقول الزيدية بالإمام المفضول مع وجود الأفضل ، إذ لا يُشترط أن يكون الإمام أفضل الناس جميعاً ، بل من الممكن أن يكون هناك للمسلمين إمام على جانب من الفضل مع وجود من هو أفضل منه على أن يرجع إليه في الأحكام ويحكم بحكمه في القضايا التي يُدلي برأيه فيها .

- معظم الزيدية المعاصرين يُقرُّون خلافة أبي بكر وعمر، ولا يلعنونهما كما تفعل فرق الشيعة ، بل يترضَّون عنهما ، إلا أن الرفض بدأ يغزوهم - بواسطة الدعم الإيراني - ، ويحاول جعلهم غلاة مثله .

- يميلون إلى الاعتزال فيما يتعلق بذات الله ، والاختيار في الأعمال . ومرتكب الكبيرة يعتبرونه في منزلة بين المنزلتين ، كما تقول المعتزلة .

- يرفضون التصوف رفضاً قاطعاً .

- يخالفون الشيعة في زواج المتعة ويستنكرونه .

- يتفقون مع الشيعة في زكاة الخمس وفي جواز التقية إذا لزم الأمر .

- هم متفقون مع أهل السنة بشكل كامل في العبادات والفرائض سوى اختلافات قليلة في الفروع مثل:
ـ قولهم "حي على خير العمل" في الأذان على الطريقة الشيعية .
ـ صلاة الجنازة لديهم خمس تكبيرات .
ـ يرسلون أيديهم في الصلاة .
ـ صلاة العيد تصح فرادى وجماعة .
ـ يعدون صلاة التروايح جماعة بدعة .
ـ يرفضون الصلاة خلف الفاجر .
ـ فروض الوضوء عشرة بدلاً من أربعة عند أهل السنة .


- باب الاجتهاد مفتوح لكل من يريد الاجتهاد ، ومن عجز عن ذلك قلّد ، وتقليد أهل البيت أولى من تقليد غيرهم .

- يقولون بوجوب الخروج على الإمام الظالم الجائر ولا تجب طاعته .

- لا يقولون بعصمة الأئمة عن الخطأ . كما لا يُغالُون في رفع أئمتهم على غرار ما تفعله معظم فرق الشيعة الأخرى ، لكن بعض المنتسبين للزيدية قرروا العصمة لأربعة فقط من أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين ـ رضي الله عنهم جميعاً ـ .

- لا يوجد عندهم مهدي منتظر .

- يستنكرون نظرية البداء التي قال بها المختار الثقفي ( هلك سنة 67 هـ ) ، حيث إن الزيدية تقرر أن علم الله أزلي قديم غير متغير ، وكل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ .

- قالوا بوجوب الإيمان بالقضاء والقَدَر مع اعتبار الإنسان حُراً مختاراً في طاعة الله أو عصيانه، ففصلوا بذلك بين الإرادة وبين المحبة أو الرضا ، وهو رأي أهل البيت من الأئمة .

- مصادر الاستدلال عندهم كتاب الله، ثم سنة رسول الله، ثم القياس (*) ومنه الاستحسان (*) والمصالح المرسلة ، ثم يجيء بعد ذلك العقل ، فما يُقِرّ العقل صحته وحسنه يكون مطلوباً ، وما يُقِرّ قُبحه يكون منهياً عنه



الجذور الفكرية والعقائدية :
· يتمسكون بالعديد من القضايا التي يتمسك بها الشيعة كأحقية أهل البيت في الخلافة ، وتفضيل الأحاديث الواردة عنهم على غيرها ، وتقليدهم ، وزكاة الخمس ، فالملامح الشيعية واضحة في مذهبهم على الرغم من اعتدالهم عن بقية فرق الشيعة .

- تأثر الزيدية بالمعتزلة فانعكست اعتزالية واصل بن عطاء عليهم ، وظهر هذا جلياً في تقديرهم للعقل وإعطائه أهمية كبرى في الاستدلال ، إذ يجعلون له نصيباً وافراً في فهم العقائد ، وفي تطبيق أحكام الشريعة ، وفي الحكم بِحُسْنِ الأشياء وقُبحها ، فضلاً عن تحليلاتهم للجبر والاختيار ، ومرتكب الكبيرة ، والخلود في النار .


- أخذ أبو حنيفة عن زيد ، كما أن حفيداً لزيد وهو أحمد بن عيسى بن زيد قد أخذ عن تلاميذ أبي حنيفة في العراق ، وقد تلاقي المذهبان الحنفي السُّني والزيدي الشيعي في العراق أولاً ، وفي بلاد ما وراء النهر ثانياً ، مما جعل التأثر والتأثير متبادلاً بين الطرفين .



ويتضح مما سبق :
أن الزيدية إحدى فرق الشيعة ، ولصلاتهم القديمة بالمعتزلة تأثروا بكثير من أفكارهم ومعتقداتهم إلا أن المذهب الزيدي في الفروع لا يخرج عن إطار مدارس الفقه الإسلامي ومذاهبه، ومواطن الاختلاف بين الزيدية والسنة في مسائل الفروع لا تكاد تذكر .


يقول الشيخ عبدالرحمن السحيم - حفظه الله - :
وأما رأيي في هذا المذهب ، فهو مذهب مُبتَدع ، وإن كان أقرب إلى مذهب أهل السنة .
وإن كان هذا المذهب اطّرد مع نفسه فيما يتعلق بآل البيت بخلاف الرافضة ، فالرافضة حصروا الإمامة بأولاد الحسين ، ثم حصروها في الباقر وأولاده ، كما حصروا الإمامة على النصّ – بزعمهم - أما الزيدية فإنهم لم يَحصروها في ذلك ، لا في أولاد الحسين ولا على النصّ .
إلا أن هذا المذهب لا يُعتبر من مذاهب أهل السنة ، وهو من المذاهب المبتدعة كما أسلفت .


الأشاعرة
التعريف:
الأشاعرة: فرقة كلامية إسلامية، تنسب لأبي الحسن الأشعري الذي خرج على المعتزلة. وقد اتخذت الأشاعرة البراهين والدلائل العقلية والكلامية وسيلة في محاججة خصومها من المعتزلة والفلاسفة وغيرهم، لإثبات حقائق الدين (*) والعقيدة الإسلامية على طريقة ابن كلاب.


التأسيس وأبرز الشخصيات:
• أبو الحسن الأشعري: هو أبو الحسن علي بن إسماعيل، من ذرية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، ولد بالبصرة سنة 270هـ ومرت حياته الفكرية بثلاث مراحل:

ـ المرحلة الأولى: عاش فيها في كنف أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة في عصره وتلقى علومه حتى صار نائبه وموضع ثقته . ولم يزل أبو الحسن يتزعم المعتزلة أربعين سنة .

ـ المرحلة الثانية: ثار فيه على مذهب الاعتزال الذي كان ينافح عنه، بعد أن اعتكف في بيته خمسة عشر يوماً، يفكر ويدرس ويستخير الله تعالى حتى اطمأنت نفسه، وأعلن البراءة من الاعتزال وخط لنفسه منهجاً جديداً يلجأ فيه إلى تأويل النصوص بما ظن أنه يتفق مع أحكام العقل (*) وفيها اتبع طريقة عبد الله بن سعيد بن كلاب في إثبات الصفات السبع عن طريق العقل: الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام، أما الصفات الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق فتأولها على ما ظن أنها تتفق مع أحكام العقل وهذه هي المرحلة التي ما زال الأشاعرة عليها .

ـ المرحلة الثالثة: إثبات الصفات جميعها لله تعالى من غير تكييف(*) ولا تشبيه(*) ولا تعطيل(*) ولا تحريف(*) ولا تبديل ولا تمثيل، وفي هذه المرحلة كتب كتاب الإبانة عن أصول الديانة الذي عبّر فيه عن تفضيله لعقيدة السلف ومنهجهم ، الذي كان حامل لوائه الإمام أحمد بن حنبل. ولم يقتصر على ذلك بل خلّف مكتبة كبيرة في الدفاع عن السنة وشرح العقيدة تقدّر بثمانية وستين مؤلفاً، توفي سنة 324هـ ودفن ببغداد ونودي على جنازته: "اليوم مات ناصر السنة".

• بعد وفاة أبو الحسن الأشعري، وعلى يد أئمة المذهب(*) وواضعي أصوله وأركانه، أخذ المذهب الأشعري أكثر من طور، تعددت فيها اجتهاداتهم ومناهجهم في أصول المذهب وعقائده، و ما ذلك إلا لأن المذهب لم يبن في البداية على منهج مؤصل، واضحة أصوله الاعتقادية، ولا كيفية التعامل مع النصوص الشرعية، بل تذبذبت مواقفهم واجتهاداتهم بين موافقة مذهب السلف واستخدام علم الكلام لتأييد العقيدة والرد على المعتزلة . من أبرز مظاهر ذلك التطور:


ـ القرب من أهل الكلام والاعتزال .

ـ الدخول في التصوف، والتصاق المذهب الأشعري به .

ـ الدخول في الفلسفة (*) وجعلها جزء من المذهب .



• من أبرز أئمة المذهب:
ـ القاضي أبو بكر الباقلاني: (328ـ402هـ) (950ـ1013م) هو محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، من كبار علماء الكلام، هذَّب بحوث الأشعري، وتكلَّم في مقدمات البراهين العقلية للتوحيد وغالى فيها كثيراً إذ لم ترد هذه المقدمات في كتاب ولا سنة، ثم انتهى إلى مذهب السلف وأثبت جميع الصفات كالوجه واليدين على الحقيقة وأبطل أصناف التأويلات التي يستعملها المؤولة وذلك في كتابه: تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل . ولد في البصرة وسكن بغداد وتوفي فيها . وجهه عضد الدولة سفيراً عنه إلى ملك الروم، فجرت له في القسطنطينية مناظرات مع علماء النصرانية بين يدي ملكها . من كتبه: إعجاز القرآن، الإنصاف، مناقب الأئمة، دقائق الكلام، الملل والنحل، الاستبصار، تمهيد الأوائل ، كشف أسرار الباطنية .

ـ أبو إسحاق الشيرازي: (293ـ476هـ) (1003ـ1083م) . وهو إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز أبادي الشيرازي، العلامة المناظر، ولد في فيروز أباد بفارس وانتقل إلى شيراز، ثم البصرة ومنها إلى بغداد سنة (415هـ) . وظهر نبوغه في الفقه الشافعي وعلم الكلام(*)، فكان مرجعاً للطلاب ومفتياً للأمة في عصره، وقد اشتهر بقوة الحجة في الجدل(*) والمناظرة . بنى له الوزير نظام الملك: المدرسة النظامية على شاطئ دجلة، فكان يدرس فيها ويديرها .

من مصنفاته: التنبيه والمهذَّب في الفقه، والتبصرة في أصول الشافعية، وطبقات الفقهاء، واللمع في أصول الفقه وشرحه، والملخص، والمعونة في الجدل .

• أبو حامد الغزالي: (450ـ505هـ) (1058ـ1111م) وهو محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي، ولد في الطابران، قصبة طوس خراسان وتُوفِّي بها . رحل إلى نيسابور ثم إلى بغداد، فالحجاز، فبلاد الشام، فمصر ثم عاد إلى بلدته .

لم يسلك الغزالي مسلك الباقلاني، بل خالف الأشعري في بعض الآراء وخاصة فيما يتعلق بالمقدمات العقلية في الاستدلال، وذم علم الكلام وبيَّن أن أدلته لا تفيد اليقين كما في كتبه المنقذ من الضلال، وكتاب التفرقة بين الإيمان والزندقة (*)، وحرم الخوض فيه فقال: " لو تركنا المداهنة لصرحنا بأن الخوض في هذا العلم حرام " . اتجه نحو التصوف، واعتقد أنه الطريق الوحيد للمعرفة .. وعاد في آخر حياته إلى السنة من خلال دراسة صحيح البخاري .

• أبو إسحاق الإسفراييني: (ت418هـ) (1027م) وهو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، أبو إسحاق عالم بالفقه والأصول وكان يلقب بركن الدين وهو أول من لقب به من الفقهاء . نشأ في إسفرايين (بين نيسابور وجرجان) ثم خرج إلى نيسابور وبنيت له مدرسة عظيمة فدرس فيها، ورحل إلى خراسان وبعض أنحاء العراق، فاشتهر في العالم الإسلامي . ألَّف في علم الكلام (*) كتابه الكبير، الذي سماه الجامع في أصول الدين والرد على الملحدين . قال ابن خلكان: رأيته في خمسة مجلدات . توفي أبو إسحاق الإسفراييني في يوم عاشوراء سنة عشرة وأربعمائة بنيسابور ثم نقل إلى إسفرايين ودفن بها وكان قد نيف على الثمانين .

• إمام الحرمين أبو المعالي الجويني: (419ـ478هـ) (1028ـ1085م) . وهو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، الفقيه الشافعي ولد في بلد جوين (من نواحي نيسابور) ثم رحل إلى بغداد، فمكة حيث جاور فيها أربع سنين، وذهب إلى المدينة المنورة فأفتى ودرّس . ثم عاد إلى نيسابور فبنى له فيها الوزير نظام الملك المدرسة النظامية، وكان يحضر دروسه أكابر العلماء . وبقي على ذلك قريباً من ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مدافع، ودافع فيها عن الأشعرية فشاع ذكره في الآفاق، إلا أنه في نهاية حياته رجع إلى مذهب السلف . وقد قال في رسالته: النظامية والذي نرتضيه رأياً وندين الله به عقيدة إتباع سلف الأمة للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة … ويعضد ذلك ما ذهب إليه في كتابه غياث الأمم في التياث الظلم، فبالرغم من أن الكتاب مخصص لعرض الفقه السياسي الإسلامي فقد قال فيه:" والذي أذكره الآن لائقاً بمقصود هذا الكتاب، أن الذي يحرص الإمام عليه جمع عامة الخلق على مذاهب السلف السابقين، قبل أن نبغت الأهواء وزاغت الآراء وكانوا رضي الله عنهم ينهون عن التعرض للغوامض والتعمق في المشكلات … " .

ـ نقل القرطبي في شرح مسلم أن الجويني كان يقول لأصحابه: "يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما تشاغلت به" . توفي رحمه الله بنيسابور وكان تلامذته يومئذ أربعمائة . ومن مصنفاته : العقيدة النظامية في الأركان الإسلامية، البرهان في أصول الفقه، ونهاية المطلب في دراية المذهب في فقه الشافعية، والشامل في أصول الدين .

• الفخر الرازي (544هـ ـ 1150م) (606هـ ـ 1210م): هو أبو عبد الله محمد بن عمر الحسن بن الحسين التيمي الطبرستاني الرازي المولد، الملقب فخر الدين المعروف بابن الخطيب الفقيه الشافعي قال عنه صاحب وفيات الأعيان " إنه فريد عصره ونسيج وحده، فاق أهل زمانه في علم الكلام (*)، والمعقولات " أهـ، وهو المعبر عن المذهب (*) الأشعري في مرحلته الأخيرة حيث خلط الكلام بالفلسفة (*)، بالإضافة إلى أنه صاحب القاعدة الكلية التي انتصر فيها للعقل وقدمه على الأدلة الشرعية . قال فيه الحافظ ابن حجر في لسان الميزان: (4/426 ـ 429): " كان له تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تورث الحيرة، وكان يورد شبه الخصوم بدقة ثم يورد مذهب أهل السنة على غاية من الوهن " إلا أنه أدرك عجز العقل (*) فأوصى وصية تدل على حسن اعتقاده . فقد نبه في أواخر عمره إلى ضرورة إتباع منهج (*) السلف، وأعلن أنه أسلم المناهج بعد أن دار دورته في طريق علم الكلام (*) فقال: " لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية رأيتها لا تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق، طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات (الرحمن على العرش استوى) و (إليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه)، و أقرأ في النفي (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) و (ولا يحيطون به علماً)، ثم قال في حسرة وندامة: "ومن جرب تجربتي عرف معرفتي " أهـ . (الحموية الكبرى لابن تيمية) .

من أشهر كتبه في علم الكلام: أساس التقديس في علم الكلام، شرح قسم الإلهيات من إشارات ابن سينا، واللوامع البينات في شرح أسماء الله تعالى والصفات، البيان والبرهان في الرد على أهل الزيغ والضلال، كافية العقول.



الأفكار والمعتقدات:
• مصدر التلقي عند الأشاعرة: الكتاب والسنة على مقتضى قواعد علم الكلام ؛ ولذلك فإنهم يقدمون العقل على النقل عند التعارض، صرح بذلك الرازي في القانون الكلي للمذهب في أساس التقديس والآمدي وابن فورك وغيرهم .

ـ عدم الأخذ بأحاديث الآحاد(*) في العقيدة لأنها لا تفيد العلم اليقيني ولا مانع من الاحتجاج بها في مسائل السمعيات أو فيما لا يعارض القانون العقلي. والمتواتر(*) منها يجب تأويله، ولا يخفى مخالفة هذا لما كان عليه السلف الصالح من أصحاب القرون المفضلة ومن سار على نهجهم حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل الرسل فرادى لتبليغ الإسلام كما أرسل معاذاً إلى أهل اليمن، ولقوله صلى الله عليه وسلم : "نضر الله امرءاً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها كما سمعها … " الحديث، وحديث تحويل القبلة وغير ذلك من الأدلة .

ـ مذهب طائفة منهم وهم: صوفيتهم كالغزالي والجامي في مصدر التلقي، تقديم الكشف(*) والذوق على النص، وتأويل النص ليوافقه . ويسمون هذا "العلم اللدني" جرياً على قاعدة الصوفية "حدثني قلبي عن ربي" . وكما وضح ذلك في الرسالة اللدنية 1/114ـ118 من مجموعة القصور العوالي، وكبرى اليقينيات لمحمد سعيد رمضان البوطي، الإهداء ـ 32ـ35 . ولا يخفى ما في هذا من البطلان والمخالفة لمنهج (*) أهل السنة والجماعة (*) وإلا فما الفائدة من إرسال الرسل وإنزال الكتب .

• يقسم الأشاعرة أصول العقيدة بحسب مصدر التلقي إلى ثلاثة أقسام:

ـ قسم مصدره العقل(*) وحده وهو معظم الأبواب ومنه باب الصفات ولهذا يسمون الصفات التي تثبت بالعقل " عقلية " وهذا القسم يحكم العقل بوجوبه دون توقف على الوحي (*) عندهم . أما ما عدا ذلك من صفات خبرية دل الكتاب والسنة عليها فإنهم يؤولونها .

ـ قسم مصدره العقل والنقل معاً كالرؤية ـ على خلاف بينهم فيها .

ـ قسم مصدره النقل وحده وهو السمعيات ذات المغيبات من أمور الآخرة كعذاب القبر والصراط والميزان وهو مما لا يحكم العقل باستحالته، فالحاصل أنهم في صفات الله جعلوا العقل حاكماً، وفي إثبات الآخرة جعلوا العقل عاطلاً، وفي الرؤية جعلوه مساوياً. أما في مذهب أهل السنة والجماعة فلا منافاة بين العقل والنقل أصلاً ولا تقديم للعقل في جانب وإهماله في جانب آخر وإنما يُبدأ بتقديم النقل على العقل .


• خالف الأشاعرة مذهب السلف في إثبات وجود الله تعالى، ووافقوا الفلاسفة والمتكلمين في الاستدلال على وجود الله تعالى بقولهم: إن الكون حادث ولا بد له من محدث قديم وأخص صفات القديم مخالفته للحوادث وعدم حلوله فيها . ومن مخالفته للحوادث إثبات أنه ليس بجوهر ولا جسمٍ ولا في جهة ولا في مكان . وقد رتبوا على ذلك من الأصول الفاسدة ما لا يدخل تحت حصر مثل: إنكارهم صفات الرضا والغضب والاستواء بشبهة نفي حلول الحوادث في القديم من أجل الرد على القائلين بقدم العالم، بينما طريقة السلف هي طريقة القرآن الكريم في الاستدلال على وجود الخالق سبحانه وتعالى .

• التوحيد عند الأشاعرة هو نفي التثنية والتعدد بالذات ونفي التبعيض والتركيب والتجزئة أي نفي الكمية المتصلة والمنفصلة . وفي ذلك يقولون: إن الله واحد في ذاته لا قسيم له، واحد في صفاته لا شبيه له، واحد في أفعاله لا شريك له . ولذلك فسروا الإله (*) بأنه الخالق أو القادر على الاختراع، و أنكروا صفات الوجه واليدين والعين لأنها تدل على التركيب والأجزاء عندهم. وفي هذا مخالفة كبيرة لمفهوم التوحيد عند أهل السنة والجماعة (*) من سلف الأمة ومن تبعهم ـ، وبذلك جعل الأشاعرة التوحيد هو إثبات ربوبية الله عز وجل دون ألوهيته .

وهكذا خالف الأشاعرة أهل السنة والجماعة في معنى التوحيد حيث يعتقد أهل السنة والجماعة أن التوحيد هو أول واجب على العبيد إفراد الله بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته على نحو ما أثبته تعالى لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف (*) أو تعطيل (*) أو تكييف أو تمثيل .

ـ إن أول واجب عند الأشاعرة إذا بلغ الإنسان سن التكليف هو النظر أو القصد إلى النظر ثم الإيمان، ولا تكفي المعرفة الفطرية ثم اختلفوا فيمن آمن بغير ذلك بين تعصيته و تكفيره ..

بينما يعتقد أهل السنة والجماعة أن أول واجب على المكلفين هو عبادة الله عز وجل وحده لا شريك له، توحيد الألوهية بدليل الكتاب والسنة والإجماع (*)، وأن معرفة الله تعالى أمر فطري مركوز في النفوس .

ـ يعتقد الأشاعرة تأويل الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعين واليمين والقدم والأصابع وكذلك صفتي العلو والاستواء . وقد ذهب المتأخرون منهم إلى تفويض معانيها إلى الله تعالى على أن ذلك واجب يقتضيه التنزيه، ولم يقتصروا على تأويل آيات الصفات بل توسعوا في باب التأويل (*) حيث شمل أكثر نصوص الإيمان، خاصة فيما يتعلق بإثبات الزيادة والنقصان، وكذلك موضوع عصمة الأنبياء . أما مذهب السلف فإنهم يثبتون النصوص الشرعية دون تأويل معنى النص ـ بمعنى تحريفه ـ أو تفويضه (*)، سواءً كان في نصوص الصفات أو غيرها .

• الأشاعرة في الإيمان بين: المرجئة (*) التي تقول يكفي النطق بالشهادتين دون العمل لصحة الإيمان، وبين الجهمية (*) التي تقول يكفي التصديق القلبي . ورجح الشيخ حسن أيوب من المعاصرين أن المصدق بقلبه ناجٍ عند الله وإن لم ينطق بالشهادتين، (تبسيط العقائد الإسلامية 29ـ32) . و مال إليه البوطي و (كبرى اليقينيات 196) . وفي هذا مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة الذين يقولون إن الإيمان قول وعمل واعتقاد، ومخالفة لنصوص القرآن الكريم الكثيرة منها: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم و مماتهم ساء ما يحكمون) [الجاثية:21]. عليه يكون إبليس من الناجين من النار لأنه من المصدقين بقلوبهم، وكذلك أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن هناك داع لحرص النبي صلى الله عليه وسلم على قوله لا إله إلا الله محمد رسول الله وغير ذلك كثير .

• الأشاعرة مضطربون في قضية التكفير (*) فتارة يقولون لا نكفر أحداً، وتارة يقولون لا نكفر إلا من كفرنا، وتارة يقولون بأمور توجب التفسيق و التبديع أو بأمور لا توجب التفسيق والتبديع، فمثلاً يكفرون من يثبت علو الله الذاتي أو من يأخذ بظواهر النصوص حيث يقولون: إن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر .

أما أهل السنة والجماعة (*) فيرون أن التكفير حق لله تعالى لا يطلق إلا على من يستحقه شرعاً،ولا تردد في إطلاقه على من ثبت كفره بإثبات شروط وانتفاء موانع 0

• قولهم بأن القرآن ليس كلام الله على الحقيقة ولكنه كلام الله النفسي وأن الكتب بما فيها القرآن مخلوقة . يقول صاحب الجوهرة: " يمتنع أن يقال إن القرآن مخلوق إلا في مقام التعليم " وذلك في محاولة لم يحالفها النجاح للتوفيق بين أهل السنة والجماعة (*) والمعتزلة .أما مذهب أهل السنة والجماعة فهو: أن القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه تعالى يتكلم بكلام مسموع تسمعه الملائكة وسمعه جبريل و سمعه موسى ـ عليه السلام ـ ويسمعه الخلائق يوم القيامة . يقول تعالى: (وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله).

• والإيمان والطاعة بتوفيق الله، والكفر (*) والمعصية بخذلانه ، والتوفيق عند الأشعري، خلق القدرة على الطاعة، والخذلان عنده: خلق القدرة على المعصية، وعند بعض أصحاب الأشعري، تيسير أسباب الخير هو التوفيق وضده الخذلان .

• كل موجود يصح أن يرى، والله موجود يصح أن يُرى، وقد ورد في القرآن أن المؤمنين يرونه في الآخرة، قال تعالى: (وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة) [القيامة:22]. ولكن يرى الأشاعرة أنه لا يجوز أن تتعلق به الرؤية على جهة ومكان وصورة ومقابلة واتصال شعاع فإن كل ذلك مستحيل ! وفي ذلك نفي لعلو الله تعالى والجهة بل ونفي للرؤية نفسها . ويقترب الرازي كثيراً من قول المعتزلة في تفسيره للرؤية بأنها مزيد من الانكشاف العلمي .

• حصر الأشاعرة دلائل النبوة (*) بالمعجزات (*) التي هي الخوارق، موافقة للمعتزلة وإن اختلفوا معهم في كيفية دلالتها على صدق النبي صلى الله عليه وسلم بينما يرى جمهور أهل السنة أن دلائل ثبوت النبوة (*) للأنبياء كثيرة ومنها المعجزات .

• صاحب الكبيرة (*) إذا خرج من الدنيا بغير توبة حكمه إلى الله تعالى، إما أن يغفر له برحمته، وإما أن يشفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم، موافقة لمذهب (*) أهل السنة والجماعة (*) .

• يعتقد الأشاعرة أن قدرة العبد لا تأثير لها في حدوث مقدورها ولا في صفة من صفاته، وأن الله تعالى أجرى العادة بخلق مقدورها مقارناً لها، فيكون الفعل خلقاً من الله وكسباً من العبد لوقوعه مقارناً لقدرته . ولقد عدَّ المحققون " الكسب " هذا من محالات الكلام وضربوا له المثل في الخفاء والغموض، فقالوا: " أخفى من كسب الأشعري "، وقد خرج إمام الحرمين وهو من تلاميذ الأشعري عن هذا الرأي، وقال بقول أهل السنة والجماعة بل والأشعري نفسه في كتاب الإبانة رجع عن هذا الرأي .

• قالوا بنفي الحكمة والتعليل في أفعال الله مطلقاً، ولكنهم قالوا إن الله يجعل لكل نبي معجزة لأجل إثبات صدق النبي صلى الله عليه وسلم فتناقضوا في ذلك بين ما يسمونه نفي الحكمة والغرض وبين إثبات الله للرسول(*) المعجزة تفريقاً بينه وبين المتنبئ .

• وافق الأشاعرة أهل السنة والجماعة في الإيمان بأحوال البرزخ، وأمور الآخرة من: الحشر والنشر، والميزان، والصراط، والشفاعة والجنة والنار، لأنها من الأمور الممكنة التي أقر بها الصادق صلى الله عليه وسلم، وأيدتها نصوص الكتاب والسنة، وبذلك جعلوها من النصوص السمعية .

• كما وافقوهم في القول في الصحابة على ترتيب خلافتهم، وأن ما وقع بينهم كان خطأ وعن اجتهاد منهم، ولذا يجب الكف عن الطعن فيهم، لأن الطعن فيهم إما كفر، أو بدعة، أو فسق، كما يرون الخلافة في قريش، وتجوز الصلاة خلف كل برٍ وفاجر، ولا يجوز الخروج على أئمة الجور . بالإضافة إلى موافقة أهل السنة في أمور العبادات والمعاملات .

• فضلاً عن تصدي الأشعري للمعتزلة ومحاجتهم بنفس أسلوبهم الكلامي ليقطع شبهاتهم ويرد حجتهم عليهم، تصدى أيضاً للرد على الفلاسفة والقرامطة والباطنية (*)، والروافض (*) وغيرهم من أهل الأهواء الفاسدة والنحل الباطلة .

• والأشعري في كتاب الإبانة عن أصول الديانة الذي هو آخر ما ألَّف من الكتب على أصح الأقوال (1)، رجع عن كثير من آرائه الكلامية إلى طريق السلف في الإثبات وعدم التأويل .. يقول رحمه الله:" وقولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا عز وجل وبسنة نبينا عليه السلام، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ـ نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته ـ قائلون، ولما خالف قوله مخالفون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق، ورفع به ضلال الشاكِّين، فرحمة الله عليه من إمام مقدَّم وجليل معظَّم وكبير مفخَّم ".

• إن مدرسة الأشعرية الفكرية لا تزال مهيمنة على الحياة الدينية في العالم الإسلامي، ولكنها كما يقول الشيخ أبو الحسن الندوي: " فقدت حيويتها ونشاطها الفكري، وضعف إنتاجها في الزمن الأخير ضعفاً شديداً وبدت فيها آثار الهرم والإعياء ". لماذا ؟

ـ لأن التقليد طغى على تلاميذ هذه المدرسة وأصبح علم الكلام (*) لديهم علماً متناقلاً بدون تجديد في الأسلوب .

ـ لإدخال مصطلحات الفلسفة (*) وأسلوبها في الاستدلال في علم الكلام .. فكان لهذا أثر سيئ في الفكر الإسلامي، لأن هذا الأسلوب لا يفيد العلم القطعي .. ولهذا لم يتمثل الأشاعرة بعد ذلك مذهب أهل السنة والجماعة (*) ومسلك السلف، تمثُّلاً صحيحاً، لتأثرهم بالفلاسفة وإن هم أنكروا ذلك .. حتى الغزالي نفسه الذي حارب الفلاسفة في كتابه تهافت الفلاسفة يقول عنه تلميذه القاضي ابن العربي: " شيخنا أبو حامد دخل في بطون الفلاسفة، ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر".

ـ تصدي شيخ الإسلام ابن تيمية لجميع المذاهب الإسلامية التي انحرفت عن الكتاب والسنة ـ ومنهم الأشاعرة وبخاصة المتأخرة منهم ـ في كتابه القيم: درء تعارض العقل والنقل وفنَّد آراءهم الكلامية، وبيَّن أخطاءهم وأكَّد أن أسلوب القرآن والسنة هو الأسلوب اليقيني للوصول إلى حقيقة التوحيد والصفات وغير ذلك من أمور العقيدة .



الجذور الفكرية والعقائدية:
• كما رأينا في آراء أبي الحسن الأشعري في مرحلته الثانية أن العقيدة الإسلامية، كما هي في الكتاب والسنة وعلى منهج(*) ابن كلاب هي الأساس في آرائه الكلامية وفي ما يتفق مع أحكام العقل(*) .

• تأثر أئمة المذهب بعد أبي الحسن الأشعري ببعض أفكار ومعتقدات: الجهمية(*) من الإرجاء(*) والتعطيل(*)، وكذلك بالمعتزلة والفلاسفة في نفي بعض الصفات وتحريف(*) نصوصها، ونفي العلو والصفات الخبرية كما تأثرو بالجبرية في مسألة القدر(*).

• لا ينفي ذلك تأثرهم بعقيدة أهل السنة والجماعة (*) فيما وافقوهم فيها .



الانتشار ومواقع النفوذ:
انتشر المذهب (*) الأشعري في عهد وزارة نظام الملك الذي كان أشعريِّ العقيدة، وصاحب الكلمة النافذة في الإمبراطورية السلجوقية، ولذلك أصبحت العقيدة الأشعرية عقيدة شبه رسمية تتمتع بحماية الدولة .

وزاد في انتشارها وقوتها مدرسة بغداد النظامية، ومدرسة نيسابور النظامية، وكان يقوم عليهما رواد المذهب الأشعري، وكانت المدرسة النظامية في بغداد أكبر جامعة إسلامية في العالم الإسلامي وقتها، كما تبنى المذهب وعمل على نشره المهدي بن تومرت مهدي الموحدين، ونور الدين محمود زنكي، والسلطان صلاح الدين الأيوبي، بالإضافة إلى اعتماد جمهرة من العلماء عليه، وبخاصة فقهاء الشافعية والمالكية المتأخرين . ولذلك انتشر المذهب في العالم الإسلامي كله، لا زال المذهب الأشعري سائداً في أكثر البلاد الإسلامية وله جامعاته ومعاهده المتعددة .



يتضح مما سبق:
أن الأشاعرة فرقة كلامية إسلامية تنسب إلى أبي الحسن الأشعري في مرحلته الثانية التي خرج فيها على المعتزلة ودعا فيها إلى التمسك بالكتاب والسنة، على طريقة ابن كلاب، وهي تثبت بالعقل (*) الصفات العقلية السبع فقط لله تعالى، (الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام) واختلفوا في صفة البقاء، أما الصفات الاختيارية والمتعلقة بالمشيئة من الرضا والغضب والفرح والمجيء والنزول فقد نفوها، بينما يؤلون الصفات الخبرية لله تعالى أو يفوضون معناها . ويؤمن متأخرو الأشاعرة ببعض الأفكار المنحرفة عن عقيدة أهل السنة والجماعة (*) التي تصدى لها ولغيرها شيخ الإسلام ابن تيمية، لا سيما في مجال العقيدة، حيث أكد أن أسلوب القرآن والسنة بفهم السلف الصالح هو الأسلوب اليقيني للوصول إلى حقيقة التوحيد والصفات وغير ذلك من أمور العقيدة والدين . وعموماً فإن عقيدة الأشاعرة تنسب إلى عقيدة أهل السنة والجماعة بالمعنى العام في مقابل الشيعة (*) ، وأن الأشاعرة وبخاصة أشاعرة العراق الأوائل أمثال أبو الحسن الأشعري، والباهلي، وابن مجاهد، والباقلاني وغيرهم، أقرب إلى السنة والحق من الفلاسفة والمعتزلة بل ومن أشاعرة خراسان كأبي بكر بن فورك وغيره، وإنهم ليحمدوا على مواقفهم في الدفاع عن السنة والحق في وجه الباطنية (*) والرافضة (*) والفلاسفة، فكان لهم جهدهم المحمود في هتك أستار الباطنية وكشف أسرارهم، بل وكان لهم جهادهم المشكور في كسر سورة المعتزلة والجهمية (*).

إلا أنه ينبغي عليهم وقد تبينت الأمور في هذا الزمان أن يتخلصوا من مخالفاتهم ، ويلحقوا بأهل السنة ، وما ذلك على الله بعزيز .


أبرز الحركات والأحزاب الإسلامية التي ظهرت في العالم

جماعة أهل الحديث
التعريف:
جماعة أهل الحديث أقدم الحركات (*) الإسلامية في شبه القارة الهندية، قامت على الدعوة لإتباع الكتاب والسنة وفهمهما على ضوء فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وتقديمهما على كل قول وهدي سواء كان في العقائد أو العبادات أو المعاملات أو الأخلاق (*) أو السياسة والاجتماع على طريقة الفقهاء المحدثين، ومحاربة الشركيات والبدع (*) والخرافات بأنواعها.


التأسيس وأبرز الشخصيات:
• تاريخ أهل الحديث في شبه القارة الهندية:

ـ يرجع تاريخ أهل الحديث في شبه القارة الهندية إلى العهد الإسلامي الأول حيث استضاءت بعض مناطق الهند بنور الإسلام بجهود التجار والمجاهدين العرب الذين وصلوا إلى مقاطعات السند ومالابار وكجرات على سواحل البحر الهندي، فكانت هناك مراكز للحديث في بلاد السند وملتان وفد إليها المحدثون من العرب والعجم، وقد زارها الرحالة المعروف أبو القاسم المقدسي عام 375هـ ووصف الحالة الدينية في بلاد السند في كتابه أحسن التقاسيم قائلاً: "إن مذاهب أكثرهم أصحاب الحديث، ولا تخلو القصبات من فقهاء على مذهب أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ وأنهم على طريقة مستقيمة، ومذاهب محمودة، وصلاح وعفة، وقد أراحهم الله من الغلو والعصبية والفتنة".

ـ وفي أواخر القرن الرابع بدأ الضعف يدب في نشاط أهل الحديث وقد بلغ منتهاه في القرن التاسع الهجري، نظراً لانتشار الخلافات السياسية والعصبيات، وظهور فتنة الباطنية الإسماعيلية التي جرت على أهل السنة (*) الفتن والمشاكل، فقل الاهتمام بالسنة، وفشا التقليد (*) والتعصب للمذاهب (*)، والجمود عليها، وسادت علوم اليونان. ومع هذا كله وجد في شبه القارة الهندية عدد من علماء أهل الحديث من تلاميذ الحافظ بن حجر العسقلاني والإمام السخاوي وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري وغيرهم، حيث ظلوا محافظين على منهج أهل الحديث.


• حركة أهل الحديث في شبه القارة الهندية في العصر الحديث:
ـ مع بداية القرن الحادي عشر الهجري بدأ دور جديد لأهل الحديث حيث ظهرت في عصر الشيخ أحمد السرهندي (ت 1034هـ)، وقويت في عهد أنجال الإمام شاه ولي الله المحدث الدهلوي (ت 1175هـ) وبخاصة ابنه الكبير شاه عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي (1159 ـ 1239هـ) حيث استفادوا من منهج (*) أبيهم في الدعوة والإرشاد والتدريس والإفادة والتأليف، ونبذ الجمود والتعصب المذهبي، وزادت قوتها وانتشارها في عهد حفيده الإمام إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي (ت 1243هـ) قائد الدعوة والجهاد وصاحب كتاب تقوية الإيمان.

ـ بعد استشهاد الإمام شاه إسماعيل الدهلوي المعروف باسم إسماعيل الشهيد في معركة بالاكوت (1243هـ) تحمل أهل الحديث مسؤولية الدعوة والجهاد (*) بكل أمانة وإخلاص، وكانت جهودهم في هذه الفترة مرتكزة على ثلاثة ميادين رئيسية:


1 ـ ميدان الجهاد (*): لم تقتصر حركة شاه إسماعيل الدهلوي على إحياء العمل بالكتاب والسنة وإقامة الخلافة (*) على منهاج النبوة والقضاء على التعصب المذهبي والجمود والبدع والعقائد الباطلة فقط، بل قادت حركة الجهاد ضد السيخ والاستعمار (*) الإنجليزي وبخاصة في الحدود الشمالية للهند إلى أن رحل الاستعمار الإنجليزي من الهند عام 1947م. وبعد تقسيم القارة إلى الهند وباكستان، واصل المجاهدون جهادهم وفتحت أحد كتائبهم مدينة مظفرآباد، وتحت قيادة الشيخ فضل إلهي الوزير آبادي فتحت باقي الرقعة التي تشكل كشمير الحرة الآن. ومن أبرز الشخصيات في هذا الميدان الشيخ ولايت علي الصادقفوي (ت 1269هـ) وشقيقه الشيخ عنايت علي الصادقفوري (ت 1274هـ) وأسرة (صادقفور) الذين تحملوا مسؤولية الجهاد ورفعوا رايته، وأبلوا فيه بلاءً حسناً.

2 ـ ميدان التأليف: لأهل الحديث دور بارز في إحياء ونشر الثقافة الإسلامية من خلال الاهتمام بمجال التأليف والتصنيف في القرآن وعلومه، وعلوم الحديث، وبيان السنة وشروحها، مع الدفاع عن العقيدة، والرد على المبتدعة وأهل الاعتقادات الباطلة فكان منهم العلماء والمحدثون. ومن أبرز الشخصيات في هذا المجال العلامة النواب صديق حسن خان البهوبالي (ت 1307هـ) حاكم بوبهبال حيث اشتغل بالتصنيف والتأليف ونشر كتب الحديث ودواوين السنة فألف ما يبلغ قريباً من ثلاثمائة كتاب، مع اشتغاله بمهمات الدولة، كما شكل مجلساً علمياً مكوناً من العلماء السلفيين ليقوم بمهمات التأليف والترجمة وإفادة المسلمين بالتدريس، وأنشأ لذلك عدة مطابع على حسابه الخاص لطبع ونشر وتوزيع كتب السلف الصالح، وخاصة ما يتعلق منها بأصول الاعتقاد والتفسير والحديث.

3 ـ في ميدان التدريس: برز اهتمام أهل الحديث بالدعوة والتدريس وإنشاء المدارس والجامعات ومن أبرز الشخصيات في هذا الجانب العلامة الشيخ نذير حسين المحدث الدهلوي (ت 1320هـ) والذي انتهت إليه رئاسة الحديث في بلاد الهند واستمر في تدريس العلوم الشرعية والحديث في دهلي قرابة ستين عاماً بالإضافة إلى الدعوة إلى الإسلام الصحيح، حتى قيل إنه اعتنق في عصره نحو مليونين من المسلمين العقيدة الصحيحة تائبين عن العقائد الشركية والبدعية، وتخرج على يده عدد من أعلام السنة والدعوة في العصر الحديث أمثال: الإمام المحدث عبد الله الغزنوي (ت 1298هـ) وشمس الحق العظيم آبادي (ت 1329هـ) مؤلف عون المعبود شرح سنن أبي داود والعلامة عبد الرحمن المباركفوري (ت1353هـ) صاحب تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي والعلامة محمد بشير السهسواني (ت1326هـ) صاحب صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان والشيخ عبد الله بن إدريس السنوسي المغربي والشيخ محمد بن ناصر المبارك النجدي والشيخ سعد بن حمد بن عتيق النجدي والذي نشر سند شيخه في بلاد الحجاز ونجد، وغيرهم، ولا زالت مدرسته إلى اليوم بدهلي والمعروفة بجامعة السيد نذير حسين الدهلوي تخرج العلماء والدعاة.


• تشكيل (جمعية أهل الحديث) :
ـ في عام 1324هـ الموافق 1906م قرر علماء أهل الحديث برئاسة شيخ الإسلام أبي الوفا ثناء الله الأمرتسري (ت 1367هـ) تشكيل جمعية لهم تقوم على نشر الدعوة على منهج الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، ومقاومة الحركات الهدامة ومواجهة تحديات العصر تحت اسم (مؤتمر أهل الحديث لعموم الهند)، وعين شيخ الإسلام أبي الوفا ثناء الله الأمرتسري قامع الفتنة القاديانية وصاحب التصانيف الكثيرة في الدفاع عن الإسلام ومقاومة الهندوسية، والنصرانية، ومنكري السنة وغيرها من فرق وملل الضلال. بالإضافة إلى ما له من مساهمات فعالة في الحركة السياسية والوطنية والمؤتمر الوطني العام، أميناً للجمعية بالإضافة إلى عضويته في ندوة العلماء وجمعية علماء الهند. وانتخب المحدث العلامة عبد الله الغاز يفوري (ت 1337هـ) رئيساً للجمعية، فغطت جهودهما الهند وقراها.

ـ في عام 1947م انقسمت شبه القارة الهندية إلى الهند وباكستان، فضعفت حركتهم لفترة ما وفقدوا بسبب ذلك أكبر مؤسسة تعليمية لهم (دار الحديث الرحمانية) بدهلي، فسارعوا إلى تشكيل الجمعية من جديد في كلتا الدولتين فاستعادتا قوتهما، وأسسوا الجامعات والمعاهد والمدارس الجديدة لتلبية حاجات العصر وتدريس علوم الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح.


ـ ومن أبرز هذه الجامعات:
1 ـ في الهند: الجامعة السلفية (*) ببنارس كأكبر جامعة عربية إسلامية في الهند. تأسست عام 1383هـ ـ 1963م بالإضافة إلى الجامعة الرحمانية، والجامعة الأحمدية السلفية، وجامعة دار السلام بعمر آباد، والجامعة السلفية بالقرية السلفية في كيرلا، والجامعة الإسلامية في بومباي، وجامعة ابن تيمية وجامعة الإمام البخاري في بيهاور.

2 ـ أما في باكستان فإن الجامعة السلفية بفيصل آباد تعد أول وأكبر جامعة إسلامية تأسست في باكستان بعد الانفصال في 7 شعبان 1374هـ ـ أبريل 1951م بالإضافة إلى الجامعات الأخرى مثل جامعة العلوم الأثرية بجلهم، وجامعة أبو بكر الصديق بكراتشي والجامعة المحمدية بكجرانوالة. هذا بالإضافة إلى المكتبات التي تحوي آلاف المخطوطات ونوادر الكتب. في المجال الإعلامي أصدرت الجمعية بفروعها المتعددة العديد من الصحف والمجلات باللغتين العربية والأردية على سبيل المثال: مجلة أهل الحديث الأمر تسرية ومجلة أهل الحديث، الصادرة من لاهور ترجمان الحديث، الحدث، الاعتصام، الرباط، صوت الأمة ومسلم وتوحيد وصوت الحق وصراط مستقيم.

ـ في عام 1985م اتخذ قرار بإنشاء جمعية شبان أهل الحديث في باكستان بالإضافة إلى جمعية طلبة أهل الحديث ومن ثم تم تعميم الفكرة على باقي الجمعيات في شبه القارة الهندية.

ـ في أكتوبر عام 1993م شاركت الجمعية في باكستان في الانتخابات النيابية وفاز عدد من مرشحيها بمقاعد في البرلمان الباكستاني وانتخب أمير الجماعة البروفيسور ساجد مير عضواً بمجلس الشيوخ الباكستاني.



ـ شخصيات بارزة:
• في باكستان:

1 ـ الشيخ محمد داود الغزنوي (1895 ـ 1963م) من المؤسسين لجمعية أهل الحديث بباكستان وأول رئيس لها، وشارك العلامة محمد إسماعيل في تأسيس الجامعة السلفية بمدينة فيصل آباد، كما تحمد له مواقفه من إقامة النظام الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية (*) في باكستان، وله جهود علمية في الرد على منكري السنة والقاديانية. وعند تأسيس الجامعة الإسلامية بالمدينة اختير عضواً في المجلس الاستشاري الأول لها، كما شارك في وضع مناهجها الدراسية.

ـ العلامة محمد إسماعيل السلفي المولود عام (1314هـ) في قرية دهونكي ونشأ في ظل أسرة متدينة، وطلب العلم في مراحل مبكرة على يد أبيه، ورحل في طلبه على يد أفاضل علماء عصره.وكان ـ رحمه الله ـ من الرواد الأوائل الذين ساهموا في تأسيس جمعية أهل الحديث بباكستان، وكانت لجهوده الدعوية والسياسية أثرها البالغ على البلاد، فتولى الخطابة في جامع أهل الحديث بكجرانوالة، وترأس هيئة التدريس في الجامعة المحمدية التي أنشأها، كما عين مشرفاً على مقر جمعية تنظيم أهل الحديث بالبنجاب ثم انتخب أميناً عاماً للجنة العلم لجمعية أهل الحديث في مؤتمر دهلي 1946م، وبعد انفصال باكستان عن الهند عام 1947م انتخب أميناً عامًّا لجمعية أهل الحديث بباكستان حتى وفاته 1968م، وكان الشيخ محمد إسماعيل السلفي أحد أعضاء المجلس التنفيذي لحركة (*) ختم النبوة التي أنشئت لمقاومة الفتنة القاديانية، وعضواً بارزاً في الوفد التبليغي الذي قاوم حركة شدهي الهندوسية التي بدأت تهنّد المسلمين سنة 1924م في منطقة مل كانون بالإضافة إلى دوره الدعوي في التدريس والإفتاء وأمور الدعوة والإرشاد. وللشيخ مساهمات جيدة في إقامة المستوطنات ومساعدة الأسر المهجرة من الهند إلى باكستان سنة 1947م، بالإضافة إلى بناء المساجد والمدارس الدينية، مع هذا كله فقد كان للشيخ محمد إسماعيل نشاط سياسي بارز متأثراً في ذلك بالشيخ أبو الكلام آزاد، ومن ذلك تمثيله والشيخ محمد داود الغزنوي لجمعية أهل الحديث لدى الحكومة الباكستانية للمطالبة بإقامة الحكم الإسلامي في باكستان.وفي سنة 1952م اختير عضواً في اللجنة التي شكلت لتدوين الدستور الإسلامي بباكستان. توفي ـ رحمه الله ـ يوم الثلاثاء العشرين من شهر ذي القعدة 1387هـ الموافق العشرين من فبراير 1968هـ تاركاً العديد من المؤلفات أبرزها: شرح وترجمة مشكاة المصابيح باللغة الأردية.


2 ـ العلامة المحدث الأصولي أبو عبد الله محمد بن فضل الدين الغوندلوي (ت 1985م) الذي خلف الشيخ محمد إسماعيل السلفي في رئاسة الجمعية.

3 ـ العلامة الشيخ إحسان إلهي ظهير خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (ت 1987م) وصاحب المؤلفات القيمة في الرد على أهل البدع والأهواء.

4 ـ الرئيس الحالي للجمعية هو البروفيسور ساجد مير اختير عضواً في مجلس الشيوخ الباكستاني بتاريخ أكتوبر 1993م، وأمينها العام الشيخ ميان محمد جميل.

5 ـ ومن أبرز الشخصيات الأخرى العلامة المحدث أبو محمد بديع الدين شاه الراشدي السندي أحد كبار علماء السنة في العصر الحاضر، وصاحب الأسانيد المتصلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وله مشاركات جيدة في علوم الكتاب والسنة تأليفاً وتصنيفاً. وقد درس في الحرمين الشريفين، وله تلاميذ كثيرون من الهند وباكستان وغيرهما.


• في الهند:

ـ الشيخ عبد الوهاب الأروي أول رئيس لجمعية الحديث بالهند بعد التشكيل الجديد.

ـ الشيخ عبد الجليل الرحماني (ت 1986م) أمين عام وصاحب تفسير القرآن بالاردو بالإضافة إلى إصداره مجلة مصباح الأردية.

ـ الشيخ عبد الحفيظ السلفي، خلف الشيخ الأروي في رئاسة الجمعية، ويتولى حالياً إدارة الجامعة الأحمدية السلفية في ولاية بيهار.

ـ الشيخ عبد الوحيد بن عبد الحق السلفي (ت 1989م) خلف الشيخ عبد الحفيظ السلفي في رئاسة الجمعية، بالإضافة إلى توليه الأمانة العامة للجامعة السلفية ببنارس منذ إنشائها حتى وفاته.

ـ الشيخ عبد الحميد بن عبد الجبار الرحماني، خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تولى منصب الأمين العام للجمعية في فترة سابقة، ويرأس حالياً مركز أبي الكلام ازاد للتوعية الإسلامية بدلهي.

ـ الشيخ مختار أحمد الندوي، مدير الدار السلفية في بومباي ـ الرئيس الحالي للجمعية وأمينها العام الشيخ عبد الوهاب بن عبد الواحد الخلجي خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.


ـ تعتبر جمعية ندوة المجاهدين بولاية كيرالا، والممثلة في الجمعية المركزية لأهل الحديث بأربعة أعضاء من أنشط الجمعيات السلفية في شبه القارة الهندية، فهي تمتلك 280 مسجداً،و 3 جامعات،و 400 مدرسة إسلامية وعامة، وعدد من الكليات ودور الأيتام والمستشفيات ومراكز التدريب المهني، كما تمتلك 4 جرائد ومجلات محلية منها ما يختص بالشباب أو النساء أو الأطفال، وللجمعية تنظيم نقابي تحت مسمى جمعية الأطباء المسلمين في ولاية كيرالا.

ـ وأبرز شخصية لدى جماعة أهل الحديث بالهند حالياً هو رئيس الجامعة السلفية ببنارس ومحدث الديار الهندية الشيخ عبيد الله الرحماني المباركفوري مؤلف مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، والعلامة الشيخ عبد الصمد شرف الدين، بالإضافة إلى الدكتور الأديب مقتدى حسين الأزهري وكيل الجامعة السلفية ببنارس ورئيس تحرير مجلة صوت الأمة ورئيس إدارة البحوث العلمية بالجامعة. بالإضافة إلى عدد كبير من العلماء وطلبة العلم البارزين في خدمة السنة والدعوة.



• في كشمير:
ـ كان لجهود الشيخ مولانا محمد حسين شاه تلميذ العلامة نذير حسين المحدث الدهلوي، ورفيق دربه الشيخ مولانا أنور شاه شوبياني ـ العالم الفرضي ـ أكبر الأثر في نشر دعوة أهل الحديث في كشمير.

ـ في عام 1923م أرسل مؤتمر عموم الهند لأهل الحديث والذي عرف فيما بعد باسم الجمعية المركزية لأهل الحديث مولانا عبد الكبير وسيد شمس الدين إلى كشمير كمبلغ جوال، وبمساعيهما أمكن تنظيم حركة أهل الحديث تحت اسم مؤتمر أهل كشمير لأهل الحديث والذي عرف في عام 1945م، عرفت باسم بزم التوحيد أي دعوة التوحيد. وفي عام 1946م تم تغيير اسم الجمعية إلى الاسم الحالي الجمعية المركزية لأهل الحديث جامو وكشمير كما تم وضع دستور للجمعية ويوضح أهدافها وينظم وسائل عملها من خلال وحدات إدارية تزيد على 500 وحدة إدارية على مستوى الولاية ويقدر عدد المنتسبين إليها بما يزيد على النصف مليون نسمة، واشتملت هذه الوحدات على عدد من الشعب والأقسام الرئيسية للتعليم والتربية والإفتاء والأوقاف والمساجد والبحوث العلمية والدعوة والإعلام. فأنشأت الكلية السلفية (*) كأول كلية عربية إسلامية في سرينجار العاصمة بالإضافة إلى العديد من المدارس والمعاهد الإسلامية، بالإضافة إلى بناء ما يزيد على 500 مسجد. كما اهتمت الجمعية بعقد الدورات المتعدة لإعداد الدعاة والمربين، وكذلك تسيير القوافل الدعوية في جميع أنحاء كشمير. وفي الفترة من عام 1957م حتى عام 1994م أقامت 28 مؤتمراً، وفي وسط العاصمة أنشأت مكتبة المسلم العامة التي تم تعميم فكرتها على جميع الوحدات الإدارية التابعة لها. وفي المجال الإعلامي أصدرت مجلة المسلم كل هذا في محاولة للوقوف في وجه أعداء الإسلام، وترسيخاً لاعتقاد منهج السلف الصالح في العلم والعمل لتخريج العلماء الراسخين في العلم الشرعي العارفين بالثقافة العصرية لتحقيق متطلبات المجتمع.

ـ وامتداداً لحركة (*) تحريك المجاهدين التي قادها شاه إسماعيل الشهيد الدهلوي ومروراً بكتيبة الشيخ فضل إلهي الوزير آبادي محرر كشمير الحرة تأسست حركة تحريك المجاهدين جامو وكشمير تحت إشراف الشيخ عبد الغني دار الذي اعتقل في سجون كشمير المحتلة ما يزيد على السنتين، وقيادة الشيخ تنوير الإسلام الذي تولى رئاسة مجلس الجهاد (*) الموحد المشتمل على ثلاثة عشر منظمة جهادية كشميرية لثلاث دورات متتالية حتى عام 1993م، وتولى قيادة تحريك المجاهدين الشيخ محمد إلهي، وللحركة مجلة شهرية الشهادة تصدر بالعربية والأردية كلسان حال الجهاد الكشميري بصفة عامة، ولحركة تحريك المجاهدين بصفة خاصة، كما لها العديد من المشروعات الخيرية والتعليمية والدعوية لخدمة أسر المجاهدين والمهاجرين على حد سواء.

ـ ومن أبرز شخصيات الجمعية في كشمير المحتلة: الحاج محمد شهداد أول رئيس للجمعية، بالإضافة إلى العلامة مولانا غلام نبي مبارك والذي تولى بعده رئاسة الجمعية مولانا محمد عبد الغني شوبياني والشيخ عبد الله طاري رئيس الجمعية ورئيس حركة تحرير كشمير فيما بعد مما سبب له الاعتقال من الحكومة الهندوسية لمدة تزيد على السنتين. ويتولى حالياً رئاسة الجمعية الشيخ سيد محمد مقبول كيلاني خلفاً للشيخ محمد رمضان صوفي.



• في بنجلاديش:
ـ الشيخ نعمة الله البردواني مؤسس ورئيس جمعية أهل الحديث في منطقة آسام عام 1914م. تولى الشيخ عباس علي صاحب ترجمة معاني القرآن بالبنغالية الأمانة العامة، وفي عهدهما نشطت الجمعية في الدعوة للكتاب والسنة ومحاربة الشرك والبدع وأصدرت العديد من المجلات والرسائل الأسبوعية والشهرية.

ـ العلامة محمد عبد الله كافي القريشي تولى رئاسة الجمعية بعد مؤتمر 1946م، وفيه اختير اسم جديد بنجيل بنغو آسام جمعية أهل الحديث، وتولى الأمانة العامة مولى بخش الندوي وعقد أكثر من مؤتمر أقر فيها الدستور، والمناهج والبرامج، وإتخذ قرار تأسيس الجمعية على مستوى المناطق والمحافظات. وتحت إشرافه أيضاً تم إصدار مجلة ترجمان الحديث، كما كانت للشيخ محمد عبد الله كافي مشاركات متعددة في الجلسات والندوات السياسية الاحتجاجية التي تدعو إلى إقامة حكومة إسلامية بباكستان وكتب في ذلك أصول دستور الحكومة الإسلامية، الدستور الإسلامي لحكومة باكستان، وعقد لذلك مؤتمرًا عامًّا للأحزاب الإسلامية تحت رئاسته.

ـ الدكتور محمد عبد الباري تم انتخابه رئيساً للجمعية بعد وفاة العلامة محمد عبد الله كافي عام 1960م، وتولى الشيخ محمد عبد الرحمن الأمانة العامة، ورئاسة تحرير مجلة عرفات الأسبوعية، وفي عهده واجهت الجمعية صعوبات عديدة بعد انفصال باكستان الشرقية عن الغربية عام 1972م وفيه تم تعديل اسم الجمعية إلى جمعية أهل الحديث ببنجلاديش وتم تشكيل 369 فرعاً على مستوى المناطق و 5100 فرع تابع بالإضافة إلى خمس مؤتمرات مركزية.



• في نيبال:
ـ الشيخ عبد الرؤوف الرحماني، رئيس جمعية أهل الحديث في نيبال، وأمين عام جامعة سراج العلوم السلفية بنيبال، وعضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وله مؤلفات قيمة يبلغ عددها قريباً من (45) مؤلفاً في الحديث وعلومه، والدفاع عن الحديث والمحدثين. ومن ذلك: أدلة توحيد الله تعالى، الخلافة الراشدة، حرمة الربا والميسر.

ـ الشيخ عبد الله عبد التواب المدني، مؤسس مدرسة خديجة الكبرى، بنيبال ومنشئ ورئيس تحرير مجلة نور التوحيد الشهرية. تخرج في الجامعة السلفية ببنارس ثم في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. ويعمل الآن مشرفاً عاماً على الدعاة المبعوثين في نيبال من قبل المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى توليه مسؤولية جمعية شبان أهل الحديث بنيبال.

ـ ولأهل الحديث في شبه القارة الهندية دور كبير في كل ناحية من نواحي الحياة: دعوة وتدريساً وتصنيفاً. كما أن لهم شخصيات بارزة في مختلف المجالات العلمية سواء في العقيدة أو العبادات أو الأحوال الشخصية أو الأمور المدنية من الاقتصاد الإسلامي والسياسة الشرعية. وأبرزهم على سبيل المثال لا الحصر: الشيخ محمد حسين البتالوي والشيخ محمد إبراهيم السالكوتي والشيخ عبد الله الروري وأخوه الشيخ الحافظ محمد حسين والشيخ عطاء الله حنيف والشيخ محمد صديق السرجودي والشيخ عبد الستار الدهلوي والشيخ جميل الرحمن الأفغاني والشيخ عبد الجبار الكندبلوي والشيخ محمد علي اللكوي ثم المدني والشيخ عبد الحلق ملتاني والشيخ محمد الجوناكري والشيخ الحافظ عبد الحي الكيلاني والأستاذ عبد العزيز الميمني والشيخ عبد السلام البسنوي والشيخ أبو القاسم البنارسي والشيخ محمد السورتي والشيخ عبد الجليل السامرودي، والشيخ محمد أشرف سندهو والشيخ عبد القادر القصوري والشيخ محمد عبده الفلاح ومولانا معين الدين اللكنوي والحافظ عبد الرحمن المدني والحافظ محمد سعيد.



الأفكار والمعتقدات:
عقيدة أهل الحديث هي عقيدة السلف الصالح نفسها، المبنية على الكتاب والسنة، وتقوم الأصول العلمية والقواعد المنهجية لجماعة أهل الحديث على:

1 ـ التوحيد: فأهل الحديث، إيماناًً منهم بأن التوحيد هو أصل الدين، يبدأون عملهم بنشر التوحيد الخالص، وغرسه في قلوب الناس، مع تفصيل أنواع التوحيد الثلاثة وخاصة توحيد الألوهية، الذي يخطئ فيه كثير من الناس مع إيمانهم بتوحيد الربوبية وما يقتضيه من الحاكمية لله تعالى ولا يكتفون بإقرار وتطبيق النظام السياسي الإسلامي فقط وإنما أن يكون الله جل وعلا هو الحاكم للفرد في تصوره وسلوكه وسائر أموره الحياتية بما فيها من تشريع ووضع القوانين.

2ـ الإتباع: أهل الحديث يركزون على إتباع ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم على ضوء فهم السلف الصالح، ولذلك لا يرون التقليد(*) الجامد الذي يدعو إلى الالتزام بمذهب فقهي معين بدون سؤال عن الدليل، بل ينادون بفتح باب الاجتهاد(*) لكل من تحققت لديه شروطه، وأن العامي مذهبه مذهب (*) مفتيه ويدعون إلى احترام العلماء المجتهدين والأئمة المتبعين بشكل خاص.

3ـ تقديم النقل على العقل(*): يقدمون الرواية على الرأي، حيث يبدأون بالشرع ثم يخضعون له العقل، لأنهم يرون أن العقل السليم يتفق مع نصوص الشرع الصحيحة ولذلك لا تصح معارضة الشرع بالعقل ولا تقديمه عليه.

4ـ التزكية الشرعية: أي تزكية النفس تزكية شرعية، بحيث يتخذ لها الوسائل المشروعة التي جاء بها الكتاب والسنة، وينكرون على إتباع التزكية البدعية سواء كانت صوفية أو غيرها.

5 ـ التحذير من البدع: لأنهم يرون أن أمر الابتداع في الحقيقة استدراك على الله وتشريع بالرأي والعقل، ومن ثم يدعون إلى الالتزام بالسنة وتجنب أنواع البدع(*) كلها.

6 ـ التحذير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة: فإن خطورة هذا النوع من الحديث كبيرة على الأمة، فلابد من التحري في الحديث المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وخاصة فيما يتعلق بالعقائد والأحكام.

7ـ الجهاد(*) في سبيل الله: يرى أهل الحديث أن الجهاد من أفضل الأعمال وأنه ماض إلى يوم القيامة لإعلاء كلمة الله تعالى ودفع الفساد من الأرض، (حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله).

8ـ تطبيق النظام الشرعي: بالسعي لتأصيله وإقراره في جميع مجالات الحياة الشخصية أو الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية وما إلى ذلك بالطرق الشرعية.

9ـ يعتقد أهل الحديث أنه بتحقيق التوحيد الخالص لله رب العالمين وبالعمل الموافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه يتحقق النصر والتمكين فهما شرطا قبول الأعمال. وهما أيضاً شرطا النصر والتمكين وعودة الخلافة(*) الإسلامية حسب الوعد الإلهي (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) الآية. ولذلك فهم يسعون بالدعوة بالوسائل الشرعية على أساس تصفية التوحيد من البدع(*) والانحرافات العقدية والسلوكية وتصفية الأحاديث من الموضوعات وتربية الأمة على ذلك.

10ـ محاربة الفرق الضالة المنحرفة مثل الشيعة والقاديانية والبريلوية والبابية والبهائية وغيرها، والتصدي لحملات الأفكار الهدامة المعاصرة المعادية للإسلام، مثل العلمانية والرأسمالية والشيوعية والاشتراكية وغيرها باتخاذ كل الوسائل المشروعة.



الجذور الفكرية والعقائدية:
1 ـ جماعة أهل الحديث تستمد الأحكام من الكتاب والسنة، على طريقة الفقهاء المحدثين من السلف الصالح أهل السنة والجماعة.

2 ـ كما أن أهل الحديث مولعون بكتب السلف الصالح عامة وبكتب ومؤلفات إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن قيم الجوزية والإمام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمهم الله تعالى ـ كما ينشرون كتب أعلام الدعوة السلفية (*) المعاصرين كالشيخ العلامة عبد العزيز بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية الحالي والمحدث العلامة محمد ناصر الدين الألباني - رحمهما الله - .



الانتشار ومواقع النفوذ:
تتركز جماعة أهل الحديث في كل من بلاد الهند وباكستان وبنغلاديش ونيبال وكشمير وسيرلانكا وجزر فيجي ولهم مركز في بريطانية وجمعياتهم في هذه الدول كلها معروفة باسم جمعية أهل الحديث.

ـ في كل دولة من هذه الدول المذكورة يوجد مركزاً للجمعية تتبعه فروع موزعة حسب الولايات والمديريات.

إلا أن للجمعية قيادة مستقلة في كل دولة، وذلك أمر إداري بحت، لكنه يجمعهم جميعاً المنهج السلفي الموحد الذي تتبناه الجمعية في الأصل.

تعمل الجمعية في ولاية كيرالا بالهند من خلال خمس جمعيات إصلاحية سلفية:

1 ـ ندوة المجاهدين: ويتركز جل عملها في الدعوة بين عامة الناس وخاصتهم وهي الجمعية الأم للأجنحة الأخرى، وعدد الفروع: 475 فرعاً.

2 ـ جمعية العلماء بكيرالا وتعمل في الإفتاء والبحوث العلمية والدعوة والإرشاد.

3 ـ اتحاد الشبان المجاهدين: مجال عمله قطاع الشباب (دعوة، تربية...) عدد الفروع: 471 فرعاً.

4 ـ حركة (*) الطلبة المجاهدين: تعمل بين الطلاب في مختلف المراحل الدراسية ويبلغ عدد فروعها: 277.

5 ـ جمعية (*) البنات والسيدات المسلمات: ويبلغ عدد فروعها 127.

ـ لجمعية أهل الحديث علاقة مع بعض الجمعيات الأخرى خارج شبه القارة الهندية، التي تتفق معها في الأصول والمنهج (*) مثل جماعة الدعوة إلى القرآن والسنة بأفغانستان، والجمعية المحمدية باندونيسيا وسنغافورة وماليزيا، وجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر والسودان واريتريا وجمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت وجمعية دار البر بدبي وغيرها من الدعوات السلفية (*) المنتشرة في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى عضوية جمعيات أهل الحديث في الندوة العالمية للشباب الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي والمجلس الإسلامي العالمي بلندن، والمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة بالقاهرة.


ويتضح مما تقدم:
أن جمعية أهل الحديث من أقدم الجمعيات والجماعات الإسلامية في شبه القارة الهندية، ومن مقاصدها الأولية تصفية الإسلام من البدع (*) والانحرافات ودعوة الناس إلى إتباع منهج السلف الصالح في مجال العلم والعمل واختيار طريقة الفقهاء المحدثين في المسائل الفقهية إتباع الدليل ونبذ التعصب المذهبي بكافة صورة وأشكاله. وكان لها على المسلمين أيادي بيضاء، فحفظ الله بهم السنة وعلوم الحديث في وقت ضعفت فيه الحركة العلمية في مصر والشام والعراق والحجاز منذ القرن العاشر الهجري حتى بلغت منتهى الضعف في أوائل القرن الرابع عشر. يقول الشيخ محمد رشيد رضا: "ولولا عناية إخواننا علماء الهند بعلوم الحديث في هذا العصر، لقضي عليها بالزوال من أمصار الشرق..." ويقول الشيخ مناظر أحسن الكيلاني من تلاميذ الشيخ أنور شاه الكشميري الديوبندي: "إن اعتناء أحناف شبه القارة الهندية بالنبعين الأساسيين للدين: الكتاب والسنة، فيه دخل كبير لحركة أهل الحديث ورفض التقليد، وإن لم يترك عامة الناس التقليد إلا أنه قد تحطم سحر التقليد الجامد والاعتماد الأعمى". وقد كان للجمعية في باكستان دور بارز في مساعدة حركة الجهاد الأفغاني.



جماعة أنصار السنة المحمدية
التعريف
جماعة أنصار السنة المحمدية: جماعة إسلامية سلفية (*) قامت في مصر أولاًًً ثم انتشرت في غيرها للدعوة إلى الإسلام على أساس من التوحيد الخالص والسنة الصحيحة لتطهير الاعتقاد ونبذ البدع والخرافات كشرط لعودة الخلافة (*) ونهضة الأمة الإسلامية.


التأسيس وأبرز الشخصيات:
مر تاريخ جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر بمرحلتين تاريخيتين هما:

• مرحلة التأسيس:
ـ تأسست جماعة أنصار السنة المحمدية عام (1345هـ ـ 1926م) بمدينة القاهرة، على يد الشيخ محمد حامد الفقي وبمشاركة مجموعة من أخوانه: الشيخ محمد عبد الوهاب البنا، محمد صالح الشريف، عثمان صباح الخير، حجازي فضل عبد الحميد في الوقت الذي كانت تعج فيه مصر ومعظم بلدان العالم الإسلامي بالشركيات والبدع(*) والخرافات بسبب تسلط التصوف والصوفية على المناحي الفكرية والمؤسسات الدينية، فكان تأسيس الجماعة للدعوة لتجديد الدين(*) على أساس من التوحيد الخالص والسنة الصحيحة ومحاربة الشرك والبدعة في كافة صورها.

ـ نشأ الشيخ محمد حامد الفقي 1310هـ 1378هـ (1892هـ ـ 1959م) في بيت علم ودين، فكان والده زميلاً في الدراسة للشيخ محمد عبده. وفي عام 1322هـ ـ 1904هـ بدأ الشيخ محمد حامد الفقي دراسته الأزهرية، وما بلغ سن الثامنة عشرة من عمره حتى نبغ والتف حوله أقرانه واتخذوه شيخًا لهم.

ـ في عام 1917م حصل الشيخ على شهادة العالمية من جامعة الأزهر، وانطلق بدعوته إلى التوحيد الخالص والدفاع عن السنة من خلال مسجد شركس بالقاهرة الذي تولى إمامته ثم من مسجد هدّارة الذي ظل إماماً له حتى وفاته. ومن خلال المقاهي والمنتديات في القاهرة زاد التفاف الناس حول دعوته مما عرضه وأتباعه إلى المزيد من المضايقات والاضطهاد من أصحاب الطرق الصوفية وأهل الضلال.

ـ بدأ التفكير بجدية في إنشاء جمعية أو دارًا تحمل فكرتهم وتنشر مبادئهم، وافتتحت في ديسمبر 1926م تحت اسم "دار جماعة أنصار السنة المحمدية" واختير الشيخ محمد حامد الفقي رئيسًا لها، فأخذت الدعوة بعدًا آخر وزاد عدد أتباعها، مما أثار حنق بعض كبار موظفي قصر الحكم بعابدين على الشيخ، فعملوا بكل السبل لصد الناس عنه وعن دعوته، لدرجة دفع بعض المأجورين لمحاولة قتله. وأثناء سفر المؤسس إلى الحجاز لمدة ثلاث سنوات اعترت الجماعة فترة ركود.

ـ وبعد عودة الشيخ من الحجاز دب النشاط في الجماعة مرة أخرى حيث وضع لها قانوناً وكون لها إدارات جديدة، فزاد عدد الفروع داخل القاهرة والجيزة وانتقلت إلى الإسكندرية وبعض المحافظات وبلغ أتباعها الآلاف.

ـ بعد أن استوى عود الجماعة وبلغ أشده، أسس الشيخ محمد حامد الفقي مجلة الهدي النبوي لتكون لسان حال الجماعة والمعبرة عن عقيدتها ودعوتها والناطقة بمبادئها. وتولى هو رئاسة تحريرها، وشارك في تحريرها مجموعة من العلماء المعروفين أمثال المحدث الشيخ أحمد شاكر، والأستاذ محب الدين الخطيب، والشيخ محي الدين عبد الحميد، والشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر وغيرهم.

ـ مع تطور أعمال الجماعة الدعوية أنشأ الشيخ الفقي مطبعة السنة المحمدية لنشر كتب السلف وبوجه خاص كتب ابن تيمية وابن القيم، فجمعت محبته لهما بينه وبين شيخي الأزهر الشيخ محمود شلتوت والشيخ عبد المجيد سليم، اللذين أيدا دعوة الشيخ الفقي.

ـ شارك الشيخ حامد الفقي المجاهدين جهادهم (*) ضد الاحتلال البريطاني لمصر أبان الحرب العالمية الثانية، كما ساهم في طباعة المنشورات ضد الاحتلال البريطاني لمصر.

ـ اشتد الصراع بين الجماعة وأصحاب الطرق الصوفية من ناحية وبين الجماعة وأصحاب دعوات التغريب والعلمنة من ناحية أخرى، فعلا صوت الشيخ في الإنكار عليهم وعلى واضعي القوانين الوضعية(*) حيث يقول: "من اتخذ من كلام الفرنجة قوانين يتحاكم إليها في الدماء، والفروج، والأموال، ويقدمها على ما علم وتبيَّن له من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو بلا شك كافر مرتد، إذا أصر عليها، ولم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله، ولا ينفعه أي اسم تسمى به، ولا أي عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام والحج ونحوها"، حيث كان من أهم صفاته تسمية الأشياء بأسمائها بدون مداهنة في القول أو مجاملة في الحق، إذ كان يسمى المجاملة في الحق نفاقاً ومداهنة، ويسمي السكوت عن قول الحق جبناً وذلاً، مما زاد في اضطهاده من أهل الباطل وتعرضه للنقل من وظيفته أكثر من مرة.

ـ توفي رحمه الله فجر الجمعة 7 رجب 1378هـ الموافق 16يناير 1959م في دار الجماعة حيث نقل إليها حسب رغبته لصلاة الفجر على أثر عملية جراحية أجريت له.

ـ وقد نعاه بعض رؤساء وعلماء الدول الإسلامية والعربية وشيعه جمع غفير من علماء ومشايخ الأزهر وعلى رأسهم الشيخ عبد الرحمن تاج وشيخ الأزهر للشيخ حسنين مخلوف.

• تواكب علي رئاسة الجماعة بعد وفاة مؤسسها مجموعة من العلماء البارزين أمثال:

• الشيخ عبد الرزاق عفيفي: 1323ـ 1351هـ (1904ـ 1932م) الذي حصل على شهادة التخصص في الفقه وأصوله (الماجستير) ثم العالمية (الدكتوراه) من جامعة الأزهر وعمل مدرساً في المعاهد العلمية الأزهرية. كما عاصر تأسيس الجماعة ويعد الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ من كتاب العدد الأول في مجلتها الهدي النبوي وأحد علماء أول هيئة لكبار العلماء بالجماعة، مع جمع من العلماء الكبار أمثال: الشيخ أحمد شاكر والشيخ عبد الحليم الرمالي، والشيخ حامد الفقي.

ـ اختير نائباً أولاً لرئيس الجماعة في صفر 1365هـ الموافق فبراير 1946م، في الوقت الذي كان فيه شغل رئيس الجماعة لفرع محرم بك بالإسكندرية.

ـ وبطلب خاص من مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم، سافر الشيخ ومعه الشيخ محمد خليل هراس إلى السعودية للتدريس بدار التوحيد بالطائف. وفي عام 1370هـ نقل للتدريس بالمعاهد العلمية وكلية الشريعة بالرياض.

ـ في 24 صفر 1379هـ 29 أغسطس 1959م اختير الشيخ عبد الرزاق عفيفي بالإجماع رئيساً عاماً للجماعة خلفاً للشيخ حامد الفقي ـ بعد وفاته، واختير الشيخ عبد الرحمن الوكيل رئيساً لتحرير مجلة الهدي النبوي.

ـ في عام 1380هـ انتدب مرة أخرى للتدريس في المملكة العربية السعودية، وتدرج في سلك التدريس إلى أن أصبح مديرًا للمعهد العالي للقضاء عام 1385هـ، كما شارك في اللجان المتخصصة لوضع مناهج (*) التعليم بالمملكة. وفي عام 1391هـ نقل إلى الإدارة العامة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد وعين نائبًا لرئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، مع جعله عضوًا في مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية والذي ظل يشغله حتى يوم وفاته (25 ربيع الأول 1415 الموافق 1 أغسطس 1994م) ـ رحمه الله تعالى. وقد تخرج علي يديه جيل من علماء المملكة والعالم الإسلامي المعروفين مثل: الشيخ عبد الله بن جبرين، الشيخ صالح اللحيدان، الشيخ عبد الله بن حسن بن قعود، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح السدلان، الدكتور صالح الفوزان، الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، والشيخ مناع القطان وغيرهم... وطيلة هذه الفترة لم تنقطع صلته بالجماعة.

• الشيخ عبد الرحمن الوكيل: (1332هـ ـ 1390هـ) (1913م ـ 1971م): تلقى تعليمه في الأزهر وحصل على الإجازة العالية من كلية أصول الدين ولم يكمل دراسته العليا لمرضٍ ألم به، رغم ما يتمتع به من سعة الإطلاع وقوة اللغة ووضوح المعنى وجمال البلاغة.

ـ في عام 1936م التحق بجماعة أنصار السنة المحمدية بتزكية خاصة من السيدة نعمة صدقي صاحبة كتاب التبرج، حيث شارك بعدها في أعمال الجماعة المختلفة إلى أن أصبح وكيلاً أولاً للجماعة وزادت مكانته الخاصة عند الشيخ محمد حامد الفقي. وقد عرفه قراء مجلة الهدي النبوي بقدرته الفائقة علي الإقناع، وإفحام خصومة من أصحاب الطرق وأهل الأهواء والفرق من قاديانية وبهائية وغيرهم من خلال سلسلة الأبحاث التي كان يحررها تحت عنوان "طواغيت" (*) ولذلك لقبه قراء المجلة "بهادم الطواغيت"، مما عرضه ذلك للتحقيق أمام النيابة العامة بسبب شكاوى مشايخ الطرق الصوفية ضده، التي رد عليها في كتابه رسالة إلى شيخ مشايخ الطرق الصوفية التي صدرت فيما بعد بعنوان هذه هي الصوفية وترجمت إلى اللغة الأندونسية. كما توالت الردود أيضاً من أنصار السنة في السودان وجماعة الدعوة المحمدية للصراط المستقيم في حلب بسوريا، برئاسة الشيخ محمد نسيب الرفاعي.

ـ انتدب للعمل بالمعهد العلمي بالرياض بصحبة الشيخ محمد عبد الوهاب البنا ـ أحد المؤسسين الأوائل للجماعة عام 1371هـ ـ 1952م.

ـ بعد انتخاب الشيخ عبد الرزاق عفيفي رئيساً عاماً للجماعة عين الشيخ الوكيل نائباً له في 22 صفر 1379هـ ـ 27 أغسطس 1959م، وبعد سفر الشيخ عبد الرزاق عفيفي إلى السعودية انتخب رئيساً عاماً للجماعة في 15 محرم 1380هـ ـ 9 يوليو 1960م وانتخب الدكتور محمد خليل هراس نائبًا له.

ـ في عام 1969م أدمجت الحكومة المصرية جماعة أنصار السنة المحمدية في الجمعية الشرعية لتجمد نشاطها، وبذلك توقفت مجلة الهدي النبوي التي كان يشغل الشيخ الوكيل رئاسة تحريرها. وفي تلك الأثناء انتدب الشيخ الوكيل للتدريس في كلية الشريعة بمكة المكرمة وظل يشغل وظيفة أستاذ للعقيدة بقسم الدراسات العليا إلى أن توفي رحمه الله في 22 جمادى الأول 1390هـ الموافق 1971م مخلفًا تراثاً علمياً ما بين التأليف والتحقيق يدل على مكانته العلمية العالية.


ـ وهكذا انتهت المرحلة الأولى من تاريخ الجماعة لتبدأ مرحلة جديدة:


• إعادة الإشهار:
• يعد الشيخ محمد عبد المجيد الشافعي المعروف بـ "رشاد الشافعي" (1338ـ 1411هـ) (1919م – 1990م) المؤسس الثاني للجماعة الذي كان يشغل منصب سكرتير عام للجماعة والمشرف على الفروع قبل تجميد نشاطها، بجانب عمله مديراً عاماً لمديرية التموين بمحافظة الجيزة، إذ بذل قصارى جهده في السعي لإعادة إشهار الجماعة مرة أخرى وقد تم له ذلك في عهد رئيس مصر السابق أنور السادات في عام 1390هـ ـ 1972م.

ـ وبعد ثلاث سنوات 1393هـ من إعادة الإشهار أصدر العدد الأول من مجلة التوحيد لتكون بديلاً عن مجلة الهدي النبوي، وتولى هو رئاسة تحريرها، ثم الشيخ عنتر حشاد، ومن بعده تولى الشيخ أحمد فهمي رئاسة تحريرها. ومن ثم عاد نشاط الجماعة إلى سابق عهده، وزاد عدد أتباعها وكثرت عدد الفروع المنتسبة إليها.

• في عام 1975م وفي حياة المؤسس الثاني للجماعة الأستاذ محمد رشاد الشافعي تم انتخاب الشيخ محمد علي عبد الرحيم رئيساً للجماعة خلفاً له، ومن ثم ترأس فرع الجماعة بمحافظة الجيزة حتى وفاته عام (1411هـ/ 1990م).

ـ ولد الشيخ محمد علي عبد الرحيم بمحافظة الإسكندرية، وحفظ القرآن الكريم في صغره ثم التحق بمدرسة المعلمين بالإسكندرية حيث تخرج منها عام 1923م، وظل يعمل في حقل التعليم، وقد رقي في الوظائف التعليمية المختلفة حتى صار موجهاً.

ـ في عام 1943م أسس جماعة إخوان الحج بالإسكندرية ومن خلالها تعرف على الشيخ محمد حامد الفقي عام 1948م أثناء أحد رحلات الحج.

ـ جمع حبه للسنة والتوحيد بينه وبين الشيخ محمد عبد السلام الشقيري صاحب كتاب السنن والمبتدعات والشيخ أبو الوفاء درويش علامة الصعيد، والشيخ عبد العزيز بن راشد النجدي وعلى أيديهم انتشرت دعوة التوحيد في الإسكندرية وما حولها.

ـ يعد الشيخ أحد العلماء المبرزين في الاهتمام بالسنة، مع براعته ونبوغه في علم الجغرافيا، ويذكر له دور بارز في تأسيس المعاهد العلمية ووضع مناهجها بالمملكة العربية السعودية، ويذكر أنه ظل لسنوات طويلة يدرس بالحرم المكي.

ـ تولى رئاسة الجماعة في حياة رئيسها السابق نتيجة لانتخابه من أعضاء الجمعية العمومية. وفي عهده توسعت الجماعة في بناء المراكز الإسلامية التي تقدم خدمات متكاملة لعموم المسلمين، وبناء المستشفيات والمستوصفات الإسلامية بالإضافة إلى تقديم المساعدات والكفالات للأيتام والمحتاجين، وتضاعفت أعداد مجلة التوحيد في عهده من 5 آلاف إلى 36ألف نسخة.

ـ كانت لدروس الشيخ وعلماء الجماعة أثرها البالغ على الشباب وبخاصة بجامعتي الإسكندرية والقاهرة حيث عمقت مفاهيم الدعوة والمنهج(*) السلفي(*) الذي قاد تيار الصحوة الإسلامية الذي يدعو إلى التوحيد ويبين السنة ويحارب الشرك ويدحض البدعة. وأصبح الكتاب الإسلامي السليم واسع الانتشار، بعد أن كان سوق الكتاب حكراً على كتب الصوفية وأهل الأهواء والتغريب، وعم الحجاب وانتشرت الفضيلة، وانحسر تيار التصوف في بيئات محدودة.

ـ وفي فترة رئاسة الشيخ محمد علي عبد الرحيم عادت مؤتمرات الجماعة لسابق عهدها، فعقد المؤتمر الأول للدعاة، وتصدت مجلة التوحيد تحت رئاسة رئيس تحريرها الشيخ أحمد فهمي لتيار التغريب والعلمنة وكشفت رموز التيار الرافضي(*) والباطني(*) المتنامي في وقتها. بالإضافة إلى بيان الحكم الشرعي في كثير من الأحداث والمشكلات المستجدة على الساحة المصرية والإسلامية بوجه عام.

ـ نال رجال الجماعة والكثير من أعضائها ما نال غيرهم من التضييق والاضطهاد والاعتقال في أكثر من مناسبة.

• انتخب الشيخ صفوت نور الدين لمنصب الرئيس العام للجماعة، خلفاً للشيخ محمد على عبد الرحيم بعد وفاته 1991م. والشيخ صفوت أحد العلماء المهتمين بالسنة النبوية وعلومها، وقد تميزت فترة رئاسته بالاهتمام بإنشاء المعاهد العلمية لتخريج الدعاة، وتقديم الكفالات لطلاب العلم، كما توسعت الجماعة في إنشاء المساجد وتسيير القوافل الدعوية وإنشاء مراكز تحفيظ القرآن وإقامة الأسابيع الثقافية بشكل دوري في جميع فروع الجماعة على مستوى القطر المصري، في الوقت الذي لم تهمل الاهتمام بتقديم المساعدات الاجتماعية المختلفة للمحتاجين وكفالة اليتيم، بالإضافة إلى التصدي لمكافحة كافة أشكال التغريب والعلمنة للمجتمع المصري، مع الاهتمام بإبراز قضايا المسلمين والأقليات الإسلامية والتعريف بها من خلال مجلة التوحيد، الذي ترأس تحريرها الشيخ صفوت الشوادفي.

ـ كما شهدت فترة رئاسته تنسيقاً وتقارباً مع الهيئات الإسلامية الرسمية مثل الأزهر و وزارة الأوقاف. وقد شاركت الجماعة كعضو مراقب في اجتماعات المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة بالقاهرة.

• برز خلال مسيرة الجماعة عدد من العلماء المشهورين أمثال: الشيخ عبد الظاهر أبو السمح إمام الحرم المكي ومؤسس ومدير دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة، والشيخ عبد الرزاق حمزة عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية سابقاً، والشيخ أبو الوفا درويش رئيس فرع الجماعة بسوهاج، والدكتور محمد خليل هراس أستاذ العقيدة بجامعتي الأزهر وأم القرى، الشيخ محمد عبد الوهاب البنا المدرس بالحرم المكي والدكتور محمد جميل غازي الرئيس العام للجماعة سابقاً، وغيرهم.



• الهيكل الإداري للجماعة:
ـ الرئيس العام للجماعة: وهو الذي ينتخب من قبل الجمعية العمومية للجماعة.

ـ الجمعية العمومية للجماعة: ويمثل فيها عن كل فرع عضوان فقط، ما عدا القاهرة حيث يمثلها خمسة عشر عضوًا، والإسكندرية ويمثلها سبعة أعضاء وذلك لا تساعهما وكثرة عدد الفروع بهما.

ـ مجلس إدارة الجماعة: وهو الذي ينتخب من بين أعضاء الجمعية العمومية للجماعة ويتكون من الرئيس ونائبه، الوكيل، السكرتير العام، أمين الصندوق، عشرة من الأعضاء.

ـ الهيئة التنفيذية: وهي المعينة من قبل أعضاء مجلس الإدارة وتشمل إدارات: التخطيط والمتابعة، الدعوة والإعلام والبحث العلمي، المشروعات الدعوية والإغاثية، المالية، العلاقات العامة، الفروع، الشباب، الشئون القانونية.



في السودان وإريتريا:
• بدأت الجماعة كمجموعة صغيرة تدعو إلى التوحيد في سنة 1935م علي يد الشيخ أحمد حسون الذي تلقى الدعوة من الشيخ عبد الرحمن بن حجر المغربي الجنسية، حيث انتظم في حلقاته التعليمية 1917م بمدينة النهود بجنوب غرب السودان.

ـ التقى الشيخ أحمد حسون بالشيخ محمد الفاضل التقلاوي الذي تلقى الدعوة على يد الشيخ عوض الكريم الأزهري الحاصل على العالمية من الأزهر وتلميذ حلقات الشيخ محمد عبده والسيد محمد رشيد رضا. واتفقا على قيام جماعة تدعو إلى التوحيد والسنة تحت مسمى أنصار السنة المحمدية تأسياً بجماعة أنصار السنة في مصر التي كانت تصلهم مجلتها الهدي النبوي، وتولى رئاسة الجماعة الشيخ محمد الفاضل التقلاوي للفترة من (1919ـ 1948 م) ومن ثم توطدت علاقة الجماعة بالمركز العام في مصر، وأصبح لعلماء الجماعة في مصر زيارات ومحاضرات لفرع الجماعة بالخرطوم. في عام 1948 م انتدب الشيخ التقلاوي للعمل كمدرس في المدارس العربية في إريتريا، فانتخب الشيخ عبد الباقي يوسف نعمة، مدير جمعية المحافظة على القرآن الكريم في أم درمان والحاصل على الشهادة العالمية من الأزهر، رئيساً للجماعة خلفاً للشيخ التقلاوي.

• في عام 1956م تولى رئاسة الجماعة الشيخ محمد هاشم الهدية ـ الرئيس الحالي للجماعة ـ الذي بدأ حياته متصوفًا في الطريقة الختمية ثم العزائمية ومن خلال حضوره لدروس الشيخ عبد الباقي يوسف نعمة آمن بدعوة أنصار السنة وانخلع من التصوف وأصبح عضوًا فعالاً في الجماعة إلى أن تولى رئاستها فخطى بها خطوات واسعة نحو المشاركة في الحياة العامة، وتنامت في عهده علاقات الجماعة الداخلية والخارجية، فقد شارك ممثلاً لأنصار السنة في السودان في تكوين رابطة العالم الإسلامي 1962م كما شارك في مؤتمر كراتشي 1963م تحت رئاسة المفتي أمين الحسيني، وكان أحد المؤسسين للمركز الإسلامي الإفريقي "جامعة أفريقيا العالمية" بالخرطوم 1965م. وقد سافر آنذاك إلى بعض الدول الأفريقية (كينيا، تنزانيا) وأحضر عدداً من الطلاب لتعليمهم في المركز وتأهيلهم للدعوة في بلادهم.


ـ ومن أبرز جهود الجماعة في عهده:
1ـ قامت الجماعة بدور بارز في فضح أفكار وعقائد غلاة الصوفية التي مازالت صاحبة النفوذ القوي في المجتمع السوداني مما عرض الجماعة للعديد من المضايقات، والاضطهاد، وذلك بالإضافة إلى تحذير المسلمين من عقائد الرافضة(*) والمعتزلة والخوارج(*) والاتجاهات الباطنية(*) والعقلانية والعلمانية بصورها المختلفة.

2ـ كان للجماعة حضور وتفاعل في الحياة العامة السودانية: فقد شاركت في الجبهة الإسلامية للمطالبة بدستور إسلامي في السودان 1957م، وكذلك شاركت في جبهة الميثاق الإسلامي 1964م، وفي الانتخابات النيابية 1986م قامت بدعم المرشحين الإسلاميين وأقامت الندوات والمحاضرات لتبصير الناس بالإسلام عقيدةً وشريعةً ونظاماً للحكم، وللتحذير من أهل العلمنة والتغريب والفجور ومن مناهجهم الباطلة، كما عقدت مؤتمراً كبيراً 1989م حول عدد من القضايا من ضمنها: المفهوم السلفي للعمل السياسي.


3 ـ تعتبر الجماعة من أوائل من نادى بالجهاد (*) في الجنوب ضد جون قرنق وعصابته.

4ـ وفي مجال الدعوة إلى الله تعالى اشتهرت الجماعة بإقامة حلقات للدعوة في الأسواق والساحات العامة وأماكن التجمع في المدن والقرى على حد سواء، بجانب تسيير القوافل الدعوية والإغاثية للمناطق النائية، بالإضافة إلى إقامة الأسابيع الثقافية في مختلف فروع الجماعة التي تتضمن بالإضافة إلى المحاضرات، والندوات ملصقات توجيهية ومعارض وكتب، وتوزيع للحجاب الشرعي. وقامت بحفر الآبار وإقامة المشروعات الاجتماعية. كما قامت بنشر وتوزيع كميات كبيرة من الكتب والرسائل الإسلامية وبخاصة المتعلقة بتصحيح العقيدة والعبادات، والدعوة إلى السنة، والتحذير من البدعة(*). وفي الوقت ذاته لا تهمل الجماعة المرأة حيث خصصت لها برامج خاصة، إيماناً منها بأهمية دورها الاجتماعي والتربوي في المجتمع.

5 ـ وفي مجال مقاومة التنصير فإن للجماعة دور بارز في بث الدعوة في أوساط الجنوبيين من وثنيين(*) ونصارى مما أدى إلى إسلام الكثير منهم ـ بفضل الله تعالى ـ وقيامهم بنشر الإسلام وبناء المساجد في مناطقهم. هذا بالإضافة إلى المناظرات مع النصارى، ومن أشهرها المناظرة التي نظمتها الجماعة عام 1979 م مع ثمانية عشر قسيساً، لعدة أيام وانتهت بإعلان إسلامهم جميعاً على يد مجموعة من علماء المسلمين، وعلى رأسهم الدكتور محمد جميل غازي نائب الرئيس العام للجماعة في مصر واللواء أحمد عبد الوهاب.


• وللجماعة هيكل إداري مستقل يماثل الهيكل الإداري للمركز العام للجماعة في مصر مع الاختلاف في بعض المسميات.

• انتشرت دعوة أنصار السنة في العديد في البلدان الأفريقية مثل إريتريا وإثيوبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى بواسطة الطلاب الأفارقة الذين يدرسون في الجامعات السودانية أو أثناء الإقامة بالأراضي السودانية أو المرور بها إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، أو بسبب نزوح اللاجئين من تلك الدول أثناء الحروب والمجاعات حيث تعرفوا على الدعوة ونقلوها إلى بلادهم.

• في عام 1405هـ تم إصدار مجلة الاستجابة لتكون لسان حال الجماعة.


• ومن أبرز علماء الجماعة في السودان ودعاتها:
ـ الشيخ أبو زيد محمد حمزة الذي تلقى الدعوة على يد الشيخ حامد الفقي مؤسس الجماعة في مصر، وعلى أيدي علماء الجماعة. وقد ظل بمصر حتى وفاة الشيخ الفقي 1959م فعاد إلى السودان وأخذ ينشر الدعوة في مدينته "وادي حلفا" والمناطق المجاورة لها، وكان للمرأة من دروسه نصيباً حيث خصص لها أماكن خاصة في دروسه، فالتف الناس حوله وزاد أتباعه مما أثار أتباع الطريقة الختمية ضده. وفي سنة 1977م بث التلفزيون السوداني مناظرة بينه وبين الشيخ علي زين العابدين أحد أقطاب الطريقة الختمية التي بين فيها زيف مبادئهم وبطلان معتقداتهم مما كان لها أثر كبير في انتشار دعوة الجماعة أكثر في المجتمع السوداني.

ـ الشيخ محمد الحسن عبد القادر: خريج دار الحديث بمكة المكرمة وتلميذ الشيخ عبد الظاهر أبو السمح، تلقى الدعوة على يد الشيخ محمد الطيب عام 1946م وتأثر به حيث كان للشيخ الطيب نشاط ملموس في الدعوة في مدينة أغوردات بإريتريا ومن ثم نشط الشيخ محمد الحسن في الدعوة كذلك. مما عرضه للكثير من الصعوبات والمشاق من أصحاب الطرق الصوفية فانتقل بدعوته إلى مدينة كرن ثم أسمرا حيث عمل مدرساً بمدرسة الجالية العربية فيها، ومن خلال التدريس بها استطاع نشر دعوته في المنطقة. ومن أبرز جهوده في تلك الفترة توحيده لأنصار السنة في إريتريا، كما نظم جهودهم ومناشطهم فظهرت دعوتهم في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية بالمنطقة، بالإضافة إلى دورهم البارز في الجهاد(*) الإريتري ضد الاحتلال الإثيوبي وأعوانه.

وفي عام 1963م استقر الشيخ في منطقة كسلا بالسودان وفيها واصل دعوته فظهرت أثار الجماعة في كسلا وبورتسودان وشرق السودان. ومما يذكر للشيخ نشاطه الدعوي في عدد من الدول الأفريقية والآسيوية مثل: المغرب، وموريتانيا، وغانا، وإثيوبيا، وغينيا، ونيجيريا، وكينيا، وبعض الدول الآسيوية مثل: إندونيسيا وتايلاند وبنغلاديش وبعض الدول الأوروبية وبخاصة هولندا.

ـ الشيخ مصطفى ناجي: الذي انضم إلى جماعة أنصار السنة بعد أن تلقى العلم على الشيخ أبو طاهر محمود السواكني أحد علماء الأزهر. ومنذ تأسيس أول مسجد للجماعة في الخرطوم عام (1957م) بحي السجانه (المركز العام الحالي للجماعة) تولى الشيخ إمامته إلى اليوم بالإضافة إلى مسؤوليته عن إعداد الدعاة والخطباء في الجماعة.



• في ليبيريا:
ـ تأسست الجماعة في ليبيريا أولاً تحت مسمى جماعة أهل السنة برئاسة الشيخ حبيب الشريف، وبعد أن تعرف على دعوة جماعة أنصار السنة في مصر أثناء حضوره أحد الدورات التدريبية للأئمة والدعاة بالأزهر 1988م واطلع على نشاطها فآمن بصحة منهجها وصدق دعوتها. وبعد عودته إلى بلاده غير اسم جماعته من أهل السنة إلى أنصار السنة المحمدية تأسياً بمنهجها(*) وطريقة دعوتها.


الأفكار والمعتقدات:
• حددت اللائحة الداخلية للجماعة أهدافها ومجمل أفكارها وقد لخصها أحد قادة الجماعة ـ محمد حسين هاشم ـ في رسالة المؤتمر العام لجماعة أنصار السنة المحمدية قائلاً:

ـ فهذه عقيدة أنصار السنة المحمدية واضحة في مبادئها العشرة:

1ـ نعتقد أن الأصل في الدين (*) هو الكتاب والسنة (بفهم السلف الصالح) ـ أما الأئمة المجتهدون والعلماء والمحدثون فهم أئمة خدموا الإسلام أجل خدمة، وهم بمنزلة المعلمين والمبلغين، نحبهم ونجلهم ونعظمهم وندافع عنهم ونتبعهم إتباع المستنير المتأمل، لوجوه الاستدلال لمن يكون من أهل التأمل والاستدلال، ثم نتعاون فيما نتفق عليه، ونتسامح فيما نختلف فيه (ما دام الأمر اجتهادياً ولا مانع من المناقشة بقصد الوصول إلى الحق وفي جو الأخوة الإسلامية).

2ـ نعتقد أن صفات الله عز وجل هي كما وصف نفسه ووصفه بها رسول صلى الله عليه وسلم حقيقة من غير تشبيه (*) ـ تمثيل ـ ولا تأويل (*) ـ تحريف ـ ولا تعطيل (*)، ثم نكف عن الجدل (*) في ذلك، ونسكت عما سكت عنه الصحابة والسلف، ونتكلم فيما تكلموا، لنا فيهم أسوة حسنة، ونشتغل بالحكمة الإلهية في الخلق والتشريع لقوله صلى الله عليه وسلم: "تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في ذات الله فإنكم لا تقدرون قدره".

3ـ نعتقد إفراد الله وحده بجميع أنواع العبادة من نذر وحلف واستغاثة واستعانة، ثم مقاومة كل من يوجه شيئاً من ذلك صريحاً أو تأويلاً بتغيير اسمه إلى غير الله.

4ـ نعتقد أن الإيمان هو التصديق الإذعاني الذي ينتج العمل ويظهر على الجوارح، وكل نقص في العمل مع التمكن منه والقدرة عليه هو نقص في الإجابة بقدره، وليس الإيمان مجرد الحكم بثبوت الشيء أو ادعائه أو التلفظ به، وإنما هو قول واعتقاد وأخلاق (*) وآداب (وسلوك وعمل).

5ـ نعتقد أن البدعة (*) الشرعية هي كل جديد في العبادات على غير مثال سابق من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كان في أصله أو طريقة أدائه.

6ـ نتفانى في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نتمسك جهد المستطاع بكل ما أمر ونتجنب كل ما نهى والإكثار من الصلاة والسلام عليه وعلى آل بيته الأطهار.

7ـ نعتقد أنه إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ـ الحديث ـ وأن الله سبحانه وتعالى يشفع من يشاء في عباده لمن ارتضى وأنه صلى الله عليه وسلم صاحب الشفاعة الكبرى، وأنه صاحب المقام المحمود والجاه العظيم يوم القيامة.

8ـ نقرأ القرآن للذكر والتدبر لقوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر).

ونعترف أن استنباط الأحكام منه يكون من اختصاص أهل العلم.

9ـ نعتقد أن الدين (*) الإسلامي جماع الخير في الدين والدنيا يريد من أهله أن يكونوا أقوياء محسنين في أعمالهم حتى يكونوا ورثاء الأرض "المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف".

10ـ نعتقد أن الإسلام دين (*) ودولة، وعبادة وحكم وأنه صالح لكل زمان ومكان,


• وجاء في لائحة الجماعة فيما يتعلق بالأهداف العامة واستراتيجية العمل:

ـ توثيق روابط الإخاء والتضامن بين الجماعة والجمعيات الإسلامية الأخرى.

ـ التعاون مع مختلف الهيئات العلمية والثقافية على إحياء التراث الإسلامي.

ـ تنشئة الشباب تنشئة دينية وثقافية واجتماعية.

• وقد تضمن غلاف مجلة التوحيد عددًا من الأهداف الأخرى التي تسعى إليها الجماعة:

ـ الدعوة إلى التوحيد الخالص المطهر من جميع الشوائب، وإلى حب الله تعالى حبًا صحيحًا صادقاً يتمثل في طاعته وتقواه، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حبًا صحيحًا صادقاً يتمثل في الإقتداء به واتخاذه أسوة حسنة.

ـ الدعوة إلى أخذ الدين من نبعيه الصافيين ـ القرآن والسنة الصحيحة ـ ومجانبة البدع والانحرافات ومحدثات الأمور.

ـ الدعوة إلى ربط الدنيا بالدين بأوثق رباط، عقيدةً وعملاً وخلقاً.

ـ الدعوة إلى إقامة المجتمع المسلم، والحكم بما أنزل الله، فكل شرع غيره ـ في أي شأن من شئون الحياة ـ معتد عليه سبحانه منازع إياه في حقوقه.

• ويضاف إلى هذه الأهداف والأفكار ما يلي مما ورد مفرقاً في كتابات أفراد الجماعة:

ـ التحذير من خطر الفرق وأهل الأهواء على الفرد والمجتمع، والتصدي لغلاة المتصوفة ومنكري السنة والبهائية والرافضة (*) والباطنية، والتصدي لحملات التغريب والعلمنة، والإلحاد (*) والزندقة(*).

ـ العمل على توحيد المسلمين تحت عقيدة واحدة ومنهج تشريعي واحد على أساس من المنهج (*) السلفي (*) ـ لأنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

ـ الدعوة إلى تجديد الدين على هدي السلف وأئمة السنة، والاجتهاد (*) لمعرفة حكم الله في النوازل والمستجدات حسب الضوابط الشرعية. وإتباع السياسة الحكيمة دون استعجال أو صدام لإقامة شرع الله تعالى في الأرض.

• وفي مجال الفكر السياسي للجماعة رؤيتها التي يعبر عنها الدكتور جمال المراكبي في كتاب الخلافة الإسلامية بين نظم الحكم المعاصرة إصدار إدارة الدعوة والإعلام ـ لجنة البحث العلمي بالجماعة في مصر ـ فيقول: "فالنظام السياسي الإسلامي ليس نظاماً ديمقراطياً بحال، وهو يختلف مع الديمقراطية في الأسس والمبادئ خلافاً غير يسير.

ـ النظام السياسي: الإسلام ليس نظاماً شمولياً، وليس نظاماً اشتراكياً ولا يقترب من الأنظمة الديكتاتورية سواء منها الديكتاتوريات المذهبية أم الديكتاتوريات القيصرية.

ـ إن للنظام الإسلامي ذاتيته الخاصة، فلا يجوز أن ندرجه بحال تحت قسم من هذه الأقسام، ولا ندرجه داخل نظام من تلك النظم، إن النظام السياسي الإسلامي نظام إسلامي بحت لا علاقة له بالثيوقراطية ولا بالأتوقراطية، ولا بالديمقراطية ولا بالاشتراكية".


ـ وجاء في توصيات مؤتمر الخرطوم عام 1989م الذي عقدته الجماعة بالسودان ما يلي:

1ـ الديمقراطية نظام كافر لأنها تعطي الإنسان حق التشريع، وهو حق خالص لا يكون إلا الله تعالى، قال تعالى: (إن الحكم إلا لله).

2ـ الانتخابات بالترشيح وبالتصويت وسائل جائزة في حد ذاتها.

3ـ التنظيم (*) النقابي للعاملين وغيرهم وكذلك الاتحادات الطلابية: تنظيمات هيئية وطلابية لا شأن لها بالتشريع، والمشاركة فيها تتوقف على المصالح والمفاسد على ضوء الضوابط الشرعية لذلك.

4ـ مزاحمة أهل الديمقراطية لتقليل شرهم في الانتخابات العامة وغيرها أمر جائز مع مراعاة الضوابط الشرعية، إذا ترجحت المصالح على المفاسد.


• وفي مجال أصول الدعوة: ترى الجماعة شرعية العمل الجماعي ولا تقر التحزب لغير السنة والجماعة (*)، وتقر التنظيم بالضوابط الشرعية.

• وتعتمد التربية والتزكية المستمدة من منهج (*) السلف الصالح على أساس من تصفية الإسلام من البدع (*) والانحرافات العقدية والسلوكية، والتعبدية، وتصفية الأحاديث من الموضوعات وتربية الأمة على ذلك.

الجذور الفكرية والعقدية:

• عقيدة ومنهج (*) أهل السنة والجماعة سواء في النظر والاستدلال أو في العبادات والمعاملات والسلوك.

• مصنفات علماء السلف المتقدمين في الاعتقاد والأصول.

• مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة في الجزيرة العربية والشوكاني والصنعاني والألباني وغيرهم من علماء الدعوة السلفية (*).



الانتشار ومواقع النفوذ:
• تتركز جماعات أنصار السنة المحمدية في مصر حيث أصبح لها في مصر قرابة المائة من الفروع والألف من المساجد، كما تتركز في السودان وإريتريا وليبيريا وتشاد وإثيوبيا وجنوب أفريقيا وبعض الدول الأفريقية، وكذلك بعض الدول الآسيوية مثل: تايلاند وسيرلانكا، وفي كل دولة تقريباً يوجد للجماعة مركز تتبعه فروع موزعة على المناطق والأقاليم إلا أنه لكل جماعة قيادة مستقلة في كل دولة مع أنه يجمعهم جميعاً منهج (*) واحد.

• كما أن للجماعة علاقات وطيدة بجماعات الدعوة السلفية (*) في مصر وعلماء الدعوة بالسعودية وبجمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت ودار البر بالإمارات العربية، وجمعية التربية الإسلامية بالبحرين، وجمعية أهل الحديث في شبه القارة الهندية والجمعية المحمدية في جنوب شرق آسيا وبالعديد من الجمعيات والاتحادات السلفية في أوروبا وأمريكا والجمعيات السلفية في أفريقيا.




يتضح مما سبق:
• إن جماعة أنصار السنة المحمدية أحد الأعمال الجماعية المنظمة التي تقوم على العقيدة السلفية للتصدي لغلاة المتصوفة ومحاربة البدع (*) بكافة أشكالها، وبيان التوحيد والحض على إتباع السنة، مما كان لها الأثر الإيجابي في انحسار تيار التصوف في مصر في بيئات محدودة، وكذلك في السودان كان لها تأثير بالغ في قطاع واسع من الشباب رغم تجذر الطوائف والطرق الصوفية هناك.

• يحمد للجماعة السعي للتعاون مع الدعوات السلفية (*) والإصلاحية الأخرى في بعث كتب السلف ومناهجهم مما كان لذلك الأثر الإيجابي في تبني تيار الصحوة الإسلامية لمنهج (*) أهل السنة والجماعة (*) بشكل عام، وعودة الحجاب ومقاومة التغريب في المجتمعات الإسلامية بوجه خاص.

• يتصف علماء الجماعة بقلة التأليف والبعد عن الشهرة حيث تغلب الدعوة إلى المنهج عن الدعوة إلى الجماعة وهذا يفسر قلة كتاباتهم عن الجماعة وجهودها مما ممكن منافسيهم من التحقير من شأنهم.

• للجماعة الحظ الأوفر في وضع لبنات النهضة العلمية بالمملكة العربية السعودية من خلال تأسيس المعاهد والجامعات الشرعية ووضع المناهج لها مما أثار أعداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ضدهم وتسميتهم بالوهابية.

• وترى الجماعة أن تحقيق التوحيد الخالص والمتابعة الصادقة هما أساسا توحيد كلمة الأمة كما هما شرطا تحقيق وعد الله تعالى بالنصر والتمكين وعودة الخلافة (*). ويقول الدكتور المراكبي في كتابه الخلافة الإسلامية بين نظم الحكم المعاصرة: وباستعراض حالات الخروج التي شهدتها الساحة الإسلامية منذ نشأة الدولة الإسلامية وإلى يومنا هذا، لم نرَ حالة واحدة تبشر بالخير، بل إنها جميعاً لم تؤت ثمارها المرجوة، فهي غالباً ما تفشل ولا ينتج عنها إلا اتساع دائرة الفتن.. وعلى العكس من ذلك فإن كل حركات الإصلاح التي شهدتها الدولة الإسلامية لم تتخذ الخروج والقتال سبيلاً لها.." ثم يدلل على ذلك بما حققه عمر بن عبد العزيز من إصلاح، وكيف تصدى أحمد بن حنبل للفتنة بدون سيف ولا رجال مع قدرتهما على ذلك، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، ولكن إذا طرأ على الحاكم الكفر البواح الذي فيه من الله البرهان فيجب الخروج عليه مع مراعاة ترجيح المصالح على المفاسد بعد تحقق القدرة والاستطاعة.