دراسة
خصائص المعاقين عقليا وأساليب تربيتهم



الخصائص المميزة للمعاقين عقليا :
يتميز المعاقين عقليا ببعض الخصائص في مظاهر النمو المختلفة والتى تميز بينهم وبين العاديين، ومن هذه الخصائص:
اولا : الخصائص الجسمية :
كلما قلت درجة الذكاء واقتربت من 50 كلما بدأت الفروق في مستوى النمو الجسمي والحركي تظهر فهم اقل وزنا وطولا , وأقل قدرة على المشي بطريقة صحيحة (نصر , 1999 ) .
وتشير الدراسات إلى أن حالات الإعاقة العقلية الخفيفة تنمو جسميا مثل العاديين تقريبا في الطفولة , وتظهر علامات البلوغ الجسمي والجنسي في مرحلة البلوغ والمراهقة , ويكتمل عندها نمو العضلات والعظام والطول والوزن والجنس في حوالي سن الثامنة عشر مثل أقرانهم العاديين . أما حالات التخلف العقلي المتوسط فيختلف النمو الجسمي عند بعضها عن النمو الجسمي عند العاديين بسبب بعض الأمراض والمعطيات الوراثية التي تسبب الإعاقة العقلية, خاصة حالات عرض داون والقماءة والقصاع والجلاكتوسيميا فهذه الحالات لها خصائص جسمية تميزها عن العاديين ويمكن لطبيب الأطفال التعرف عليها في سن مبكر . فمن المعروف أن هذه الحالات تتأخر في الجلوس والحبو والوقوف والمشي والتسنين والنطق والكلام والنمو الحركي والتآزر العضلي ويكثر بينها العيوب الخلقية وقصور السمع والبصر , وعدم الاتزان الحركي .
ومن أهم المعوقات الجسمية التي تنتشر بين المعاقين عقليا: الصرع وصعوبات البصر والسمع والحركة والشلل الدماغي ( مرسي , 1999 ) .

ثانيا : الخصائص العقلية :
يمكن التمييز بين الطفل المعاق عقليا إعاقة متوسطة والطفل العادي في النمو العقلي والقدرات العقلية في سن مبكرة , لان نموه العقلي بطئ جدا وقدراته العقلية ضعيفة , وحصيلته اللغوية بسيطة , ونستطيع تشخيص تخلفه في مرحلة الروضة ونحن مطمئنون إلى دقة التشخيص . أما الفروق بين حالات التخلف البسيط وأقرانهم العاديين في النواحي العقلية فبسيطة في مرحلة الطفولة المبكرة , وكبيرة في مرحلة الطفولة المتوسطة وما بعدها , ويتعذر تشخيص تخلفها في مرحلة الروضة , ويفضل تشخيصها بعد التحاقها في المدرسة الابتدائية وملاحظتها فترة كافية لان الخصائص العقلية لا تميز بين النتخلف وغير المتخلف في الأعمار الصغيرة وتميز بينها في الأعمار الكبيرة .
ومن أهم الخصائص العقلية التي تميز المعاقين عقليا عن أقرانهم العاديين :
البطء في النمو العقلي :
حيث نجد أن الطفل المعاق عقليا ينمو عقليا 8 شهور أو اقل كلما نما عمره الزمني سنة ميلادية كاملة , وأقصى عمر عقلي يصل إليه المتخلف عقليا عندما يبلغ سن الثامنة عشر هو مستوى النمو العقلي عند طفل عادي في سن العاشرة أو الحادية عشر أو اقل من ذلك , أي أن هضبة النمو العقلي عند العاديين تظهر في مستوى سن من 16-18 سنه , بينما تظهر عند حالات التخلف العقلي البسيط في مستوى سن 10 أو 11 سنه , وعند حالات التخلف المتوسط في مستوى سن 7 أو 8 سنوات تقريبا .
ضعف الانتباه :
الانتباه لدى الأفراد العاديين يزداد في المدة والمدى مع زيادة أعمارهم , فانتباه المراهق العادي أطول مدة وأوسع مدى من انتباه طفل العادي , مما يجعله قادرا على الانتباه لأكثر من موضوع وفي آن واحد ولمدة طويلة , أما الانتباه عند المراهق المعاق عقليا فمثل انتباه الطفل الصغير محدود في المدة والمدى , فلا ينتبه إلا لشيء واحد ولمدة قصيرة ويتشتت انتباهه بسرعة لان مثيرات الانتباه الداخلية عنده ضعيفة ويحتاج إلى ما يثير انتباهه من الخارج , والى من ينبه ما يدور حوله ويشده الى الموضوع الأساسي , فلا ينشغل بمثيرات اخرى ليس لها علاقة بهذا الموضوع , وهذه خاصية تجعل المتخلف لا يتعلم من الخبرات التي تمر به الا اذا وجد من ينبهه إليها وحتى يدرك ويتعلم منها .
القصور في الإدراك :
يمكن القول ان المعاق عقليا لديه قصور في عملية الإدراك وخاصة في التمييز والتعرف على المثيرات التي تقع على حواسه الخمس , بسبب صعوبات الانتباه والتذكر , فهو لاينتبه إلى خصائص الأشياء فلا يدركها , وينسى خبراته السابقة بها فلا يتعرف عليه بسهولة , مما يجعل إدراكه لها غير دقيق , او يجعله يدرك جوانب غير أساسية فيها .
قصور في الذاكرة :
المعاقون عقليا يتعلمون ببطء وينسون ما تعلموه بسرعة , لأنهم يحفظون المعلومات والخبرات في الذاكرة الحسية بعد جهد جهيد في تعلمها , وهذا المستوى من الذاكرة يحفظ المعلومات والخبرات الجديدة لمدة قصيرة ولا ينقلها إلى المستويات الأخرى كالذاكرة قصيرة المدى التي تحفظ المعلومات لمدة طويلة نسبيا او طويلة المدى , فإذا طلب المعلم منهم إعادة مجموعة من الكلمات أو الصور أو الخبرات التي تعلمها منذ قليل يجده نسي معظمها , ويبدو وكأنه لم يتعلمها , ويعاني جميع المعاقين عقليا من قصور في الذاكرة القصيرة والبعيدة لأنهم لا يتقنون ما تعلموه , ولا يحتفظون في ذاكرتهم لمدة طويلة إلا بمعلومات وخبرات قليلة بعد جهد كبير في تعلمها .
القصور في التفكير :
ينمو تفكير المعاقين عقليا بمعدلات بطيئة بسبب القصور في الذاكرة وضعف القدرات على اكتساب المفاهيم وتكوين الصور الذهنية وضالة الحصيلة اللغوية , ويظل تفكير المعاقين عقليا متوقفا عند مستوى المحسوسات , ولا يرتقي إلى مستوى المجردات وإدراك الغيبيات وفهم القوانين والنظريات والمبادئ , ويكون تفكيرهم في المراهقة والرشد مثل تفكير الأطفال عيانيا بسيطا يستخدم الصور الذهنية الحسية والمفاهيم الحسية وحل المشكلات البسيطة , ويظل تفكيرهم مدى الحياة تفكير سطحي ساذج في مواقف كثيرة ( مرسي , 1999 ) .

ثالثا : الخصائص اللغوية :
القدرة على التحدث واستخدام اللغة ترتبط بالنمو العقلي , فالذين يعانون من الإعاقة العقلية يواجهون صعوبة في التحدث واستخدام اللغة , كذلك يوجد لديهم صعوبة في النطق , ويمكن أن تكون المهارات اللغوية أكثر المشاكل التي تواجههم في محاولاتهم أن يكونوا جزءا متكاملا في المجتمع .
وتبين الدراسات أن المشكلات الكلامية أكثر شيوعا لدى الأشخاص المتخلفين عقليا منها لدى غير المتخلفين وبخاصة مشكلات التهجئة ومشكلات لغوية مختلفة مثل تأخر النمو اللغوي التعبيري والذخيرة اللغوية المحدودة واستخدام القواعد اللغوية بطريقة خاطئة , وقد أشار هالمان وكوفمان (1982) الى الخصائص التالية :
- إن مدى انتشار المشكلات الكلامية واللغوية وشدة هذه المشكلات يرتبط بشدة الإعاقة العقلية التى يعاني منه الفرد , فكلما ازدادت شدة الإعاقة ازدادت المشكلات الكلامية واللغوية وأصبحت أكثر انتشارا .
- إن المشكلات الكلامية واللغوية لاتختلف باختلاف الفئات التصنيفية للإعاقة العقلية.
- إن البنية اللغوية لدى المعاقين عقليا تشبه البناء اللغوي لدى غير المعاقين عقليا فهي ليست شاذة , انها لغة سوية ولكن بدائية .
اما كريمر فقد أشار عام (1974) من خلال الإطلاع على الدراسات التي أجريت على تطور اللغة عند الأطفال المعاقين عقليا وقد كانت على الشكل التالي :
- الأطفال المعوقين عقليا يتطورون ببطء في النمو اللغوي .
- يتأخرون في اللغة مقارنة مع العمر بالنسبة للعاديين .
- لديهم ضعف في القدرات المعرفية وذلك مثل ضعف في فترة الذاكرة .

رابعا : الخصائص الشخصية :
إن لدى المعوقين عقليا بعض المشاكل الانفعالية والاجتماعية وذلك لسبب يعود للمعاملة والطريقة التي يتعامل بها هؤلاء في المواقف الاجتماعية حيث قد يوصف بانه متخلف او غبي او مجنون .
وقد أشار زغلر من خلا الفرضيات التي وضعها في بحثه الى ان السبب الحقيقي وراء تسمية الأطفال المعاقين عقليا بانهم غير اجتماعيين يعود الى الخبرات السابقة لديهم وما أصيبوا من احباطات نتيجة هذا التفاعل مع الآخرين , وأكد زغلر ان السبب يعود الى ضعف الدافعية لديهم للتعامل مع الآخرين , وأشارت كثير من الدراسات الى ان لدى المعوقين عقليا إحساس سلبي نحو أنفسهم بسبب ضعف القدرات لديهم التي قد تساعدهم في عملية النجاح وكذلك لديهم ضعف في مفهوم الذات .

خامسا : الخصائص الانفعالية والاجتماعية :
ان العجز في السلوك التكيفي يعتبر من احد الخصائص المهمة للمعاق عقليا, ولا يعود ذلك للضعف العقلي فحسب بل ايضا الى اتجاهات الآخرين نحو المعاقين عقليا وطرق معاملتهم وهذا يؤدي الى تدني مفهوم الذات لديهم , كما ان المتخلفين عقليا يظهرون انماط سلوكية اجتماعية غير مناسبة ويواجهون صعوبات بالغة في بناء العلاقات الاجتماعية مع الآخرين .
كما أن المعاقين عقليا لا يتطور لديهم شعور الثقة بالذات , فهم يعتمدون على الآخرين في حل مشكلاتهم , وأنهم يعزون سلوكهم لعوامل خارج نطاق سيطرتهم , وأنهم بسبب الإخفاق يتطور لديهم الخوف من الفشل وتوقع الفشل الامر الذي يدفع بهم غالبا الى تجنب تأدية المهمات المختلفة , وهذه المظاهر الانفعالية والاجتماعية غير التكيفية اكثر انتشارا لدى الأشخاص المعاقين عقليا الملتحقين بمؤسسات التربية الخاصة بسبب عزلهم وعدم توفير فرص الدمج لهم
كذلك لوحظ ان المعاق عقليا يميل الى الانسحاب والتردد في السلوك التكراري وكذلك في الحركة الزائدة , وفي عدم قدرته على ضبط الانفعالات , وعدم القدرة علىانشاء علاقات اجتماعية فعالة مع الغير وغالبا ما يميل الى المشاركة مع الصغر سنا في نشاطاته وقد يميل الى العدوان وعدم تقدير الذات , والعزلة والانطواء .
ان الطفل المعاق عقليا قد يكون هادئا لايتاثر بسرعة , حسن التصرف والسلوك راضيا بحياته كما هي , قانعا بامكاناته المحدودة , ويستجيب اذا عاملناه كالطفل الصغير ويغضب اذا اهمل ولكن لا يستمر في الغضب فتية طويلة , فسرعان ما يضحك ويمرح ومن السهل التاثير عليه لانه سريع الاستهواء (عبيد , 2007) .

تشخيص الاعاقة العقلية :
ان تعدد الإعاقة العقلية , وتعدد الأسباب والعوامل المؤدية اليها وتعدد مظاهرها واختلافها من حالة لأخرى يجعل من مشكلة الإعاقة العقلية مشكلة صعبة معقدة , فلا يمكن اعتبارها مجرد مقياس لمستوى ذكاء الفرد , فهناك أبعاد أخرى يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تشخيص هذه الإعاقة , لان تشخيص إعاقة عقلية تعني وضعها ضمن فئة معينة من الأطفال يحتاجون إلى تربية ورعاية خاصة وبرامج علاجية وتاهيلية مناسبة لهم , لذا يجب أن يكون التشخيص دقيقا .

مفهوم عملية التشخيص للأطفال المعاقين عقليا :
يقترب هذا المفهوم من مفهوم التقييم الكامل للحالة , لان مشكلة الإعاقة العقلية مشكلة متعددة الأبعاد فهي مشكلة طبية , نفسية , اجتماعية , تربوية , ويتضح مفهوم عملية التشخيص من خلال معرفة الأركان الأساسية آلاتية لعملية التشخيص .

1- تحديد الهدف من التشخيص :
فالهدف من تشخيص الإعاقة العقلية هو التعرف على قدرات الطفل وتحديد نواحي القوة والضعف به ووضعه في المكان المناسب له حتى تقدم له الخدمات التربوية والنفسية الملائمة .
2- التبكير بعملية التشخيص :
يجب أن يبدأ التشخيص مبكرا لان هذا يساعد في تقديم العلاج اللازم في الوقت المناسب حتى تقدم له الخدمات التربوية والنفسية الملائمة , فالتبكير في التشخيص يساهم في تحسين حالات عديدة من التدهور مثل عامل(RH) المعروف طبيا , وفي حالات استقصاء الدماغ .
3- تكامل عملية التشخيص وشمولها :
ينبغي أن تتم ضمن برنامج متكامل يعد من قبل فريق من المتخصصين في النواحي الجسمية والحركية والعقلية والانفعالية والاجتماعية (الهجرسي , 2002 ) .

السلوك التكيفي وتشخيص الإعاقة العقلية :
يعتبر مفهوم السلوك التكيفي Adaptive Behavior من المصطلحات الحديثة نسبيا التي دخلت في ميدان التربية الخاصة في أواسط الخمسينات من القرن الماضي , علما أن هذا المفهوم قد ظهر في العلوم الاجتماعية للدلالة على مدى قدرة الفرد على التكيف مع العوامل والمتغيرات الاجتماعية .
كما ظهر هذا المفهوم في العلوم النفسية للدلالة على مدى قدرة الفرد على التكيف بالمعنى النفسي والصحة النفسية .
أما في ميدان التربية الخاصة فقد اعتبر السلوك التكيفي متغيرا أساسيا في تعريف الإعاقة العقلية حيث اعتبر فشل الفرد في التكيف الاجتماعي والاستجابة للمتطلبات الاجتماعية مظهرا من مظاهر الإعاقة العقلية والتي قد ترجع إلى قصور في القدرة العقلية للفرد .
وقد أدى ظهور هذا المفهم إلى تغير جوهري في التعريف الحديث للإعاقة العقلية الذي أصبح لا ينظر إلى القدرات العقلية التي يتمتع بها الفرد كمعيار وحيد , وإنما إلى قدرة الفرد أيضا على الاستجابة للمتطلبات الاجتماعية المتوقعة منه مقارنة مع نظرائه من نفس الفئة العمرية .
ويتضمن مفهوم السلوك التكيفي عدد من المظاهر أهمها النضج الاجتماعي والتآزر البصري الحركي , القدرة على التعلم المتمثلة في تعلم المهارات الأكاديمية اللازمة حسب المرحلة العمرية والنمائية , المهارات الاجتماعية المتمثلة في تعلم مهارات الحياة اليومية , والمهارات اللغوية ومهارات معرفة الأرقام والوقت والتعامل بالنقود وتحمل المسؤلية والتنشئة الاجتماعية .
وتعتبر الجمعية الأمريكية للتخلف العقلي AAMR من الجهات العلمية التي أدخلت هذا المفهوم في مجال الإعاقة العقلية .
واعتبر العلماء مفهوم السلوك التكيفي متغيرا أساسيا في اعتبار الفرد معاقا عقليا ام لا , وذلك من خلال قدرته على الاعتماد على ذاته وخاصة في مهارات الحياة اليومية وقدرته في الاستجابة للمتطلبات الاجتماعية , وتم تاكيد ذللك المفهوم مع تنامي الانتقادات التي وجهت الى مقاييس الذكاء التقليدية التي لا تفسر كيف يتصرف الفرد في المجتمع او كيف يستجيب للمتطلبات الاجتماعية , فالقدرة العقلية العالية لا تعني قدرة عالية على التكيف الاجتماعي والعكس صحيح
وجاء في تعريف لهيبر على ان التخلف العقلي هو حالة تتميز بمستوى وظيفي دون المتوسط يبدأ أثناء فترة النمو ويصاحب هذه الحالة قصور في السلوك التكيفي للفرد .
ويوضح الصطلحات المستخدمة في هذا التعريف على النحو التالي :
مستوى وظيفي عقلي عام : ويقاس هذا المستوى بواسطة اختبارات القدرة العقلية ( اختبارات الذكاء المقننة ) دون المتوسط , يعبر عن مستوى أداء يقل عن مستوى اداء العاديين بمقدار انحرافين معياريين اذا قيس الاداء على اختبار من اختبارات القدرة العامة اثناء فترة النمو , وقد اقترح هايبر ان تكون سن (16-18) سنة كمرحلة لنهايات فترة النمو العقلي مما يساعد على تمييز حالات التخلف العقلي عن الحالات الأخرى مثل الجنون .

السلوك التكيفي :
يعرف هيبر السلوك التكيفي على انه كفاءة الفرد للاحتياجات المادية والاجتماعية لبيئته .
اما معايير السلوك التكيفي فهي :
1- النضج : ويعني معدل نمو المهارات في سن الطفولة المبكرة مثل الجلوس والحبو والمشي والكلام والقدرة على التحكم في التحكم بالإخراج ....الخ , ويمكن قياس ذلك وغيره من مظاهر النمو الحركي خلال السنتين الأوليتين من حياة الطفل وعليه فان التأخر في اكتساب مثل هذه المهارات يعتبر مؤشر على وجود حالة تخلف عقلي في سنوات ما قبل المدرسة .
2- القدرة على التعلم : وهي قدرة الطفل على اكتساب المعلومات كوظيفة من وظائف الخبرة التي يتعرض لها الطفل في حياته والصعوبات في التعلم تظهر بوضوح ف المواقف الأكاديمية في المدرسة , يعتبر القصور في القدرة على التعلم مؤشرا للاستدلال على حالات تخلف خلال سنوات المدرسة .
3- التكيف الاجتماعي : ويعني قدرة الطفل على تكوين علاقات شخصية او اجتماعية مع غيره في حدود المعايير الاجتماعية المرعية معتمدا بذلك على نفسه وبدون مساعدة احد , وبناء على هذه القدرة الاستدلالية على وجود حالات التخلف العقلي في مرحلة الرشد , بالإضافة الى ذلك يمكن الاستدلال على وجود حالات التخلف العقلي من خلال وجود المظاهر التالية :
أ‌- بالنسبة للأطفال في سنوات الطفولة المبكرة :
1- ظهور عادات وتصورات لا تتناسب مع عمر الطفل الزمني .
2- تخلف في الانتباه وعدم وجود ميل للاستطلاع مع ميل للتبلد .
3- تأخر في المشي والكلام .
ب- مرحلة الطفولة المتأخرة :
1- عدم المقدرة على التجاوب مع التوجيهات التي تقدم للطفل .
وضوح اتجاه الطفل لممارسة عادات وطباع من هم اصغر منه سنا ومصاحبتهم .
ج- بالنسبة للبالغين :
1- تخلف مستوى التحصيل العملي لما دون المتوسط .
2- عدم الشعور بالمسؤلية .
3- عدم القدرة على التمييز بين المواقف .
لقد تبين لنا من خلال محاولة تحديد وتعريف حالة التخلف العقلي بان هناك تعاريف تركز على عنصر الذكاء وبعضها يركز على عوامل البيئة والتكيف معها , ومنها من ركز على النوحي الجسمية , لذا فان السؤال الذي يطرح نفسه , من الذي يقوم بعملية التشخيص ؟ ان تشخيص حالة التخلف العقلي يترتب عليها مستقبل الطفل وعلاقته مع أسرته , لذا ان عملية التشخيص لا يقوم بها شخص واحد بل ان هناك فريق من الأخصائيين بحيث يتم جمع المعلومات من النواحي الجسمية والنفسية والثقافية والاجتماعية وغالبا ما يكون الفريق مكونا من :

1- الطبيب : ويقوم بفحص حالة الطفل النفسية وما يتصل بالجهاز العصبي والحواس , وكذلك في ما يتعلق بجوانب الصحة العامة وذلك بتقديم ما يلزم من علاج , وتحديد الأمراض التي يعنيها وأسبابها وتطورها , والعلاجات التي يحتاج اليها .
2- الأخصائي الاجتماعي : ويقوم بتقديم تقرير عن البيئة التي يعيش فيها الطفل والخبرات الثقافية التي يمر بها وتاريخ الحالة والأمراض التي أصيب بها او أصيبت الأم بها أثناء الحمل , مدى التكيف الشخصي مع الأسرة والجيران والمدرسة .
3- الأخصائي النفسي : يقدم تقريرا عن مستوى قدراته ومهاراته وحالته الانفعالية , وذلك بإجراء الاختبارات النفسية والمقابلات الإكلينيكية وجمع المعلومات عن التاريخ التطوري . وجمع الملاحظات التي تفيد في تشخيص مستوى النمو الذهني وسمات الشخصية , والمهارات الحركية والخبرات التفصيلية .
4- الأخصائي في التربية الخاصة : ويكون عمله في محاولة وضع مخطط لنوع الخدمات التربوية التي يحتاجها الطفل وذلك في حدود ما حصل عليه من معلومات من الطبيب والأخصائي الاجتماعي والأخصائي النفسي .
5- الأخصائي في التاهيل المهني : ويكون عمله في مراحل متقدمة وخاصة بعد ان يصبح الطفل في الرابعة عشر من عمره وهي السن التي يتسنى فيه عملية التاهيل وعلى أخصائي التشخيص ان يقوم بتجميع المعلومات عن السلوك التكيفي للطالب عن طريق الاجتماع مع العديد من الأشخاص والتباحث معهم حيث انه من غير المحتمل ان يعرف شخص واحد كيف يتصرف الطالب في جميع الحالات والمواقف

التشخيص التكاملي للإعاقة العقلية :
ان موضوع قياس وتشخيص الإعاقة العقلية من الموضوعات التي تنطوي على عدة جوانب منها ( طبية , سيكومترية , اجتماعية , تربوية ) ففي بداية القرن التاسع عشر كانت تشخص من وجهة النظر الطبية وذلك بالتركيز على أسباب الإعاقة المؤدية الى تلف خلايا الدماغ , ولكن بعد ظهور مقاييس الذكاء اصبح التركيز على قياس القدرات العقلية واستخدم مصطلح نسبة الذكاء دلالة على استخدام مقاييس السيكومترية , وفي أواسط الخمسينات ظهر اتجاه جديد في قياس وتشخيص الإعاقة العقلية تمثل في الاتجاه الاجتماعي , وظهر هذا الاتجاه نتيجة للانتقادات التي وجهت الى المقاييس السيكومترية , والتي خلاصتها ان مقاييس الذكاء وحدها غير كافية في تشخيص حالات الإعاقة العقلية اذ ان حصول الفرد على درجة منخفضة على مقياس الذكاء لايعني بالضرورة ان الفرد معاق عقليا وخاصة اذا اظر الفرد القدرة على التكيف الاجتماعي والاستجابة بنجاح للمتطلبات الاجتماعية , ولذا ظهر هذا البعد الجديد في تشخيص حالات الاعاقة العقلية ألا وهو البعد الاجتماعي والذي يعبر عنه عادة ببعد السلوك التكيفي وظهرت مقاييس تقيس هذا البعد ومن اشهرها مقياس الجمعية الامريكية للتخلف العقلي للسلوك التكيفي ومقياس كيين وليفين للكفاية الاجتماعية .
كما ظهر في السبعينيات وفي هذا القرن الاتجاه التربوي التحصيلي في قياس وتشخيص حالات الإعاقة العقلية , والذي يعتبر اتجاها مكملا لعملية قياس وتشخيص حالات الإعاقة العقلية , ويهدف هذا الاتجاه الى قياس وتشخيص الجوانب التحصيلية للمعاقين عقليا , ومن المقاييس التحصيلية مقاييس المهارات اللغوية , ومقاييس القراءة والكتابة , والمقياس التحصيلي العام والذي اعده جاستاك , والمقياس التحصيلي الفردي الذي اعده دن وزملائه ويعبر عن الاتجاه الجديد في قياس وتشخيص حالات الإعاقة العقلية بالاتجاه التكاملي حيث يجمع هذا الاتجاه بين الاتجاه الطبي و والاتجاه السيكومتري , و الاتجاه الاجتماعي , والاتجاه التربوي حيث تتطلب عملية قياس وتشخيص حالات الإعاقة العقلية وفق الاتجاه التكاملي تكوين فريق مشترك من كل من طبيب الأطفال والأخصائي في علم النفس , والأخصائي في التربية الخاصة , وتكون مهمته إعداد تقرير مشترك عن حالة الطفل المحول لأغراض التشخيص , ومن ثم لأغراض الإحالة الى المكان المناسب فيما بعد ( الروسان , 2003 ) .
ويتفق الباحثون على ضرورة التقييم الشامل والتشخيص التكاملي أو متعدد الابعاد في تحديد الإعاقة العقلية , وعلى عدم الاعتماد على اختبارات الذكاء وحدها في هذا الصدد , بحيث يغطي التشخيص التكاملي النواحي والجوانب التكوينية والحية , والنفسية , والأسرية , والاجتماعية , والتربوية والتعليمية وبذلك يكون التشخيص شاملا لكل مظاهر الإعاقة .

ويشمل التشخيص التكاملي الجوانب التالية :
1- التشخيص الطبي : ويتم بواسطة طبيب الاطفال والترف على الحالة الطبية والعضوية والفسيولوجية .
ومن الاختبارات الطبية التي يجريها الطبيب لاكتشاف حالات التمثيل الغذائي ما يلي :
- اختبار حامض الفريك وذلك بخلط بعض النقاط منه مع بول الطفل فاذا تغير لون البول الى اللون الأخضر فيعني ذلك وجود حالة ال pku لدى الطفل
- اختبار شريط حامض الفريك وذلك بوضع الشريط في بول الطفل ثم يقارن لونه مع الألوان التي تبين وجود الحالة من عدمها .
- اختبار غثري وذلك بأخذ عينة من الدم من كعب الطفل وتفحص فاذا ظهر مستوى الفنيلين في الدم هو 20 ملجرام لكل 100 ملم من الدم فان ذلك يعني وجود حالة pku .
ومن القياسات التي يجريها الطبيب قياس محيط الرأس ومقارنته بمحيط راس الطفل العادي المولود حديثا والذي يتراوح ما بين 32-36 سم خاصة في حالات صغر حجم الدماغ , كبر حجم الدماغ , واستقساء الدماغ وحالات المنغولية .
كما يقارن الطبيب أيضا بين مظاهر النمو الحركي للطفل العادي وبين مظاهر النمو للطفل المحول اليه خاصة في مظاهر حركة الراس والجذع والذراعين والساقين ومظاهر الاستلقاء على الظهر او البطن والحبو والزحف والوقوف والمشي والجري .
ومن المظاهر الأخرى التي يهتم بها الطبيب في تشخيصه مظاهر النمو الجسمي العام كالطول والوزن خاصة في حالات القماءة , وكذلك اضطرابات الغدد الدرقية والمظاهر الجسمية المصاحبة لها كجفاف الجلد والشعر واندلاع البطن .
2- التشخيص السيكومتري : ويتم بواسطة اخصائي القياس النفسي لقياس القدرة العقلية وذلك باستخدام المقاييس الخاصة مثل مقياس وكسلر او مقياس ستنفورد – بنيه او مقياس جودانف , وغيرها من المقاييس .
3- التشخيص الاجتماعي : وذلك للتعرف على المعوقات الاجتماعية والتكيفية لدى المعاق عقليا وذلك باستخدام مقاييس خاصة مثل مقياس السلوك التكيفي ومقياس النضج الاجتماعي , ومقياس كيين وليفين للكفاية الاجتماعية .
4- التشخيص التربوي : ويهدف الى تقييم اداء الاطفال المعوقين عقليا , تربويا , وتحصيليا حيث يستخدم مقياس المهارات اللغوية والتحصيلية : العددية , القراءة , الكتابة , للتعرف على القدرة على التعلم لدى المعاق عقليا (الروسان , 2003) .
5- التشخيص الفارقي : للتفرقة بين الإعاقة العقلية والإعاقات الأخرى مثل : التوحد , اضطرابات الكلام , الصرع , والفصام وغيرها (عبيد , 2007) .

إرشادات في عملية التشخيص :
1- أن يسبق التشخيص جمع معلومات كافية عن الطفل من مصادر مختلفة .
2- الاهتمام بتغطية جميع المجالات والجوانب المتعلقة بالطفل المعوق عقليا وتحديد نقاط الضعف والقوة .
3- اختبار المكان المناسب للتشخيص .
4- اختيار الوقت المناسب للتشخيص , ويفضل في ساعات الصباح بعد الفطور .
5- ان تكون الانشطة المتضمنة في الاختبارات والمقاييس المستخدمة في التشخيص مسلية وجذابة للطفل حتى يقبل على الاستجابة بقدراته الحقيقية , وحتى لا ينفر منها او يملها , وتحجب استجابته نتيجة لنفوره من النشاط أو ملله منه وليس لعدم القدرة على الاستجابة .
6- يراعى عند اختيار الأنشطة المستخدمة في عملية التشخيص ان تكون متنوعة ومتعددة مع الاهتمام بعنصر الصبر عند التنفيذ .
7- ينبغي ان تكن الاسئلة الموجهة للطفل واضحة ومباشرة , بحيث لا يتحمل السؤال اكثر من معنى واحد وتحتاج الإجابة عليه إصدار تعميمات أو وضع فرضيات .
8- يجب ان تكون الاسئلة في مستوى قدرات الطفل وامكانياته او ان تبدا بالاسئلة السهلة والبسيطة وثم تتدرج الى الأصعب وهكذا .
9- يجب ان تكون الابعاد المراد قياسها محددة بدقة .
10- يراعى عند رصد اجابات الطفل أن لا نلجا لتغيير معناها او الاشارة الى ما وراء هذه الاستجابات , بل نسجل كما هي دون تأويل .

الخطا في التشخيص :
تتبع دول ( Doll , 1941) مجموعة من الاطفال شخصهم ادمز متخلفين عقليا , فوجد ان اربعة منهم تحسنوا , وحصلوا على نسبة ذكاء اعلى من 90% , وتتبع سكيلز ودي طفلين متخلفين عقليا كانت نسبة ذكائهما في سنتين حوالي 46 و 35 وفي سن العاشرة 94 و 93 على التوالي , وهنا اثار علماء التخلف العقلي تساؤلات عن سبب هذه الحالات واجابوا عليها اجابات مختلفة , فسرت اسباب التحسن في تفسيرين رئيسيين كالتالي :
1- فسر دول تحسن ذكاء هؤلاء الأطفال سمي بخطأ التشخيص الاول : فالاطفال كانو من البداية متوسطي الذكاء واخطأ الباحثون في قياس ذكائهم في المرة الاولى , ونجحوا في قياسه المرة الثانية , لان التخلف العقلي الحقيقي من وجهة نظر دول غي قابل للشفاء , وقد تاثر دول في تفسيره هذا بمبدا كريبلين و المعروف بمبدا العلة والمعلول في الاضطرابات السلوكية , والذي جعل كريبلين و دول يقرران عدم قابلية التخلف العقلي للشفاء , لانه ناتج عن اضطراب عصبي فسيولوجي غير قابل للعلاج , وعلى هذا اذا شخصت حالة طفل متخلف عقليا , ثم تحسنت حالته بعد ذك واصبح غير متخلف عقليا , فهذا دليل واضح على خطأ التشخيص الأول العقلي , وقد اطلق دول على هذه الحالة "التخلف العقلي الكاذب" لتمييزها عن التخلف العقلي الحقيقي .
2- رفض فيتمر وكلارك تفسير دول السابق , فاشار فيتمر الى ان التخلف العقلي قابل للشفاء , لانه يرجع الى اسباب تشبه الذهان و قابل للعلاج . اما كلارك فقد اتفق مع دول حول مفهوم " التخلف العقلي الكاذب " ولكنه اعتبره نوعا من التخلف العقلي الحقيقي , يرجع الى عوامل بيئية قابلة للعلاج , وبالتالي فهو قابل للشفاء بتغير ظروفه البيئية السيئة , وقد لقي تفسير كلارك قبولا كبيرا عند العاملين في رعاية المتخلفين عقليا , فلم تعد القابلية للشفاء محكا للتخلف العقلي بعد التقدم الذي احرزه العلماء في تحديد كثير من العوامل التي تعوق النمو الذهني واكتشاف طرق علاجها والوقاية منها (عبيد , 2007 ) .