شهدت أولى الجلسات الحوارية المفتوحة لمؤتمر أبو ظبى الدولى الثانى للترجمة طرح مجموعة كبيرة من القضايا الهامة المتعلقة بالترجمة وواقعها وآفاقها، وناقش عدد كبير من المختصين والخبراء والمترجمين من المخضرمين ومن جيل الشباب شجون وشؤون هذه المهنة الإبداعية، وحاولوا وضع تصورات ورؤى واقتراحات لسبل تجاوز مشاكلها والتغلب عليها.

وعشيّة بدء ورش العمل، وبعد حفل افتتاح المؤتمر الذى ينظمه مشروع "كلمة" التابع لهيئة أبو ظبى للسياحة والثقافة تحت شعار (تمكين المترجمين)، أوضح الميسرون مديرو ورش العمل طريقتهم فى إدارة الورش التى بدأت بعد ظهر يوم الجمعة، وتستمر حتى يوم الأحد القادم فى مركز أبو ظبى الوطنى للمعارض، وشرحوا الأساليب التى سيعتمدونها خلال ورشاتهم هذه.

وشهدت الجلسة المفتوحة الأولى للمؤتمر التى أدارها باقتدار الدكتور سعد البازعى، حضور أربعة ميسرين من أبرز المترجمين العرب المختصين باللغة الإنكليزية والفرنسية والألمانية، وهم مصطفى سليمان مدير الورشة الألمانية، والدكتور كاظم جهاد مدير الورشة الفرنسية، والدكتور محمد عصفور مدير الورشة الإنجليزية، ثم فخرى صالح مدير الورشة العربية، فيما شهدت قاعة الاجتماعات حضوراً لافتاً فى حجمه ونوعيته، من بينهم خبراء فى الترجمة وأصحاب دور نشر ومترجمون محترفون ومبتدئون وطلبة من كليات محلية.

قدّم الميسرون خلال جلسة الحوار الأولى خلاصة الأفكار التى ستُناقش فى ورش العمل والوسائل التى سيتبعونها، ونوّهوا بأهمية انتقال المؤتمر فى دورته الثانية من النظرية إلى التطبيق بناء على توصيات المؤتمر الأول، وتلبية لتطلعات القائمين على المؤتمر فى مشروع (كلمة)، وأشار إلى ضرورة تطوير الجانب التطبيقى ومهارات الترجمة بحيث تصبح رافداً مهماً للأطروحات النظرية التى تتناول الترجمة بوصفها عملية معرفية وثقافية متعددة الجوانب.

من جهته أشاد فخرى صالح بمشاركة مترجمين من أعمار وخبرات وجنسيات مختلفة فى ورشات العمل، ونوّه بالخصوص لمشاركة طلبة من الجامعات الإماراتية، مشيراً إلى أن هذا الأمر سيفسح المجال واسعاً أمام المشاركين لاختبار كافة أنواع التجارب، وسيكون فرصة هامة لتبادل الأفكار ومعرفة الخصائص الجمالية للغات المستهدفة فى الورشات.

وأشار مصطفى سليمان إلى مشاركة مدققين لغويين فى ورشات العمل جنباً إلى جنب مع المترجمين، نظراً لما لهذه العملية من أهمية بالغة فى سياق فعل الترجمة.

بدوره نوّه كاظم جواد بمشاركة دارسى قانون واقتصاد فى ورشات عمل مؤتمر الترجمة، ورأى أنها فكرة إيجابية وهامة على الرغم من أنهم سيتصدون عملياً لمهمة ترجمة نصوص أدبية.

أما محمد عصفور فقد قال إن ورشته ستتناول عملياً فكرة أن الترجمة هى مشروع قابل للاستكمال دائماً، عبر نفس المترجم أو غيره، وستشهد مقاربات بين أفكار عملية وأخرى نظرية، كمشكلة لفظ الأسماء وكتابتها، وستناقش ضرورة عدم تشويه الترجمة من خلال تقليد بنية الجملة فى اللغة الأخرى، ومشكلة المصطلحات الفنية والعلمية، ومشكلة القواميس والعبارات الدارجة فضلاً عن مشكلة التغريب مقابل التوطين للتعبيرات الأدبية المترجمة.

ودار حوار أوسع بين رؤساء ورش العمل وخبراء ومختصين من ضيوف المؤتمر والحضور، تناول الدور الذى تلعبه الترجمة فى بناء الجسور بين الحضارات والشعوب، وبناء قدرات المترجمين الشباب ورفد الجيل الصاعد لاستكمال مسيرة نقل الثقافات والعلوم والآداب من وإلى العربية، والارتقاء بجودة الترجمة فى العالم العربى وعلى وجه الخصوص فى مجال الترجمة الأدبية، وكذلك إلقاء الضوء على إشكاليات الترجمة الأدبية من وإلى العربية.

وأشار صالح إلى أن المشاكل التى يواجهها المترجمون متشابهة بغض النظر عن اللغة الأم التى يتم النقل عنها، وهى نفسها التى يواجهها المترجم بالاتجاهين رغم اختلاف البنية النحوية للغتى موضوع الترجمة، وشدد على ضرورة أن يقوم بتحرير النص بعد انتهاء الترجمة واحد من أبناء اللغة، مؤكداً على أن اللغات تتطور بالترجمة وتأخذ بعداً أرحب، مؤكداً على ضرورة أن يحمل النص المترجم روح اللغة المنقول لها ولا يُغرق فى تغريبه.

بينما رأى سليمان أن الترجمة ليست مشكلة بقدر ما هى مجموعة من الحلول التى يقع على عاتق المخرج الماهر اختيار أنسبها، ورأى أنه دون الترجمة لما كانت هناك آداب عالمية. وهو من واقع خبرته يرى أن المترجم يفكر بالقارئ على عكس المؤلف، ونبّه إلى ضرورة أن لا يدّعى المترجم أنه يملك الحقيقة فيما هو فى الحقيقة يقدّم إمكانياته وقدراته.

من جانبه أشاد جواد بشجاعة العرب القدامى فى التصدى للترجمة وعدم خوفهم من الغريب، وميّز لغوياً فى مفهوم البلاغة الأسلوبية عند العرب والبلاغة بما تحمله من منطق وحجج عند اليونان، وأشار إلى أن الترجمة حاضرة دائماً كبعد تأسيسي، وكبعد جماعى مخطط له، ومن خلالها دخل الفكر العقلانى إلى المجتمعات الناشطة فى الترجمة تاريخياً.

ودافع محمد عصفور عن دخول الكلمات الأجنبية إلى اللغة ودور هذه الظاهرة فى الهام تطوير اللغات، كما شدد على ضرورة تدريس العلوم البحتة باللغة العربية قبل خوض غمار ترجمتها، وقال إنه دون ذلك تصبح عملية الترجمة غير مجدية ومضيعة للوقت.

ودار نقاش بين المترجمين والمختصين حول الحواشى والهوامش وانقسمت آراؤهم بين أنصار ومناوئين لوجود الحواشى، ورأى البعض أنه طلبٌ يتعذر تحقيقه خاصة عند ترجمة الأعمال الفلسفية والعلمية، فيما وُجد فريق رأى أن العملية نسبية وأن الحل العملى يكمن فى الوسط بين الرأيين.

كما ناقشوا بإسهاب عملية اختراق اللغة العربية بكلمات أجنبية واستيطانها فى اللغة بعد استعمالها المتكرر، ورأى الغالبية أن هذه الظاهرة عالمية ولا تقتصر على اللغة العربية وحدها.

وتطرّقت المداخلات والحوارات أيضاً إلى علاقة المترجم بالناشر التى توصف عادة بأنها "إشكالية" مشيدين بمشروع (كلمة) والمؤسسات الدولية المشابهة التى تعمل بشكل مؤسساتى يحاول أن يرسم حدوداً جديدة لهذه العلاقة مبنية على التفاهم والانسجام والعمل الجماعى.

كما أجمع الباحثون على عدم جدوى ترجمة العلوم البحتة إلى العربية ما لم يتم تدريس العلوم بالعربية أيضاً، وشددوا على ضرورة أن يتعاون المترجم مع الاختصاصى فى العلوم للتصدى لترجمة النصوص العلمية التطبيقية، وكيف ينطبق هذا الأمر على المصطلحات العلمية وتعريبها.

وتوالت الأفكار التى تم تداولها فى النقاشات، مثل أهمية معرفة المترجم واندماجه ببيئة بلد اللغة التى يُترجم عنها، وكذلك ضرورة تفادى تجميل النص الأصلى أو أن يتفوق جمالياً على النص المصدر، وطرق ترجمة الشعر والنثر والفرق بينها.

ويواصل أكثر من 60 خبيراً وأكاديمياً من 20 دولة عربية وأجنبية الورش التى يقيمها المؤتمر والتى تستمر بجلسات محصورة بالمترجمين حتى يوم غدٍ الأحد، حيث من المقرر أن تُعقد جلسة حوارية مفتوحة تستهدف حضور مختلف فئات المترجمين والأكاديميين وضيوف المعرض والإعلاميين وممثلى المؤسسات العاملة فى مجال الترجمة والنشر، لمناقشة واقع وإشكاليات الترجمة وتحديات نقل المنتج الثقافى العربى إلى الآخر، والخروج بتوصيات نهائية ترتقى بمهنة وفن الترجمة وتساهم فى تطوير حركة الترجمة فى العالم.