خلص جراح مصرى إلى أن الحضارة الفرعونية تعرضت لظلم لم تتعرض له حضارة أخرى بسبب الجهل بها، "وخصوصا من أبنائها الذين لا يعرف كثير منهم أن أقدم جراحات المخ فى التاريخ تمت فى بلادهم قبل أكثر من أربعة آلاف عام".

فى هذا السياق، يقول الجراح وسيم السيسى فى كتاب يحمل عنوان "مصر علّمت العالم" إنه شاهد فى قسم المصريات بالمتحف البريطانى جمجمة فى صندوق زجاجى مكتوب عليه "عملية تربنة جراحة من جراحات المخ مصر القديمة 2000 سنة قبل الميلاد"، وكان أمامه امرأتان فقالت إحداهما للأخرى "انظرى جراحة مخ قبل الميلاد.. أين كانت إنجلترا فى هذا الزمن السحيق؟".

ويروى فى كتابه تجربة مشاركته فى مؤتمر بالقاهرة نظمه المركز القومى للبحوث فى مصر بالاشتراك مع جامعة مانشستر البريطانية تحت عنوان "الصيدلة فى مصر القديمة"، وأنه طالب فى بحثه حول العقاقير التى استخدمها المصرى القديم فى علاج أمراض المسالك البولية والذكورة، بتغيير اسم مرض البلهارسيا إلى اسم مرض مصرى، لأن مصر اكتشفت هذا المرض قبل الطبيب الألمانى تيودور بلهارس بآلاف السنين.

ويسجل الكتاب أن المصرى القديم أعطى مرض البلهارسيا اسم "عاع"، كما عرف الدودة الماصة التى توجد فى الكبد والدم وأطلق عليها اسم "حررت". كما توصل إلى الدواء وهو الأنتومين وجعله لبوسات شرجية بدلا من الحقن، لأن مصر لم تعرف الحقن فى تلك الفترة.

ويذهب السيسى إلى أن التاريخ الوحيد الذى أصبح علما يدرسه العالم كله هو علم المصريات وكتب منها "الطب فى مصر القديمة" و"نظرة طبية فاحصة فى الحب والجنس" و"مصر التى لا تعرفونها".

ويستعرض المؤلف ما يصفه مؤرخون بالروح المصرية التى تتوخى الوسطية وتنأى عن التشدد، فيقول أن "مصر علّمت العالم الوسطية فى كل شيء، فالكرم وسط ما بين الإسراف والبخل، والشجاعة وسط بين الجبن والتهور، لذا كان إسلام مصر مختلفا عن إسلام الدول الأخرى، وكذلك مسيحية مصر أيضا".

كما يقول إن مصر قاومت كل تطرف وإن فرض عليها مسجلا تهكم المصريين فى القرن العاشر الميلادى على العزيز بالله الشيعى -وهو حاكم ادعى علم الغيب- فتركوا له فى المسجد بطاقة تقول "بالظلم والجور قد رضينا وليس بالكفر والحماقة.. أن كنت أعطيت علم غيب فقل لنا من كاتب البطاقة؟".

ويعزو ميل المصريين إلى الوسطية ونفورهم من التطرف إلى حبهم للحياة، مستشهدا بقول مؤلف الكتاب الشهير عن مصر القديمة "فجر الضمير" المؤرخ والأثرى الأمريكى جيمس هنرى برستد بأنه لم ير شعبا أحب الحياة كالشعب المصرى القديم، "لقد أنكروا الموت ورفضوا فكرة الفناء بالموت، فكان الإيمان بالبعث حياة بعد هذه الحياة".

ويسجل السيسى أيضا إعجاب العالم الفرنسى الذى تمكن من فك رموز اللغة المصرية القديمة جان فرانسوا شامبليون، حيث قال "يتداعى الخيال ويسقط بلا حراك تحت أقدام الحضارة المصرية القديمة".