النتائج 1 إلى 1 من 1
  1. #1
    الصورة الرمزية lord186
    lord186 غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    المشاركات
    69

    افتراضي عظماء الاسلام - السلطان ألب أرسلان.. القائد الساجد

    السلطان ألب أرسلان.. القائد الساجد


    كان لظهور السلاجقة على مسرح الأحداث في المشرق العربي الإسلامي أثر كبير في تغيير الأوضاع السياسية في تلك المنطقة التي كانت تتنازعها الخلافة العباسية السنيَّة من جهة، والخلافة الفاطمية الشيعية من جهة ثانية.

    وقد أسس السلاجقة دولة إسلامية كبرى ظهرت في القرن 5 هـ/ 11م شملت مناطق خراسان، وما وراء النهر، وإيران، والعراق، وبلاد الشام وآسيا الصغرى، وكانت الري في إيران ثم بغداد في العراق مقرَّ السلطنة السلجوقية، بينما قامت دويلات سلجوقية في خراسان وما رواء النهر (كرمان) وبلاد الشام (سلاجقة الشام)، وآسيا الصغرى (سلاجقة الروم)، وكانت تتبع السلطان السلجوقي في إيران والعراق.

    وقد ساند السلاجقة الخلافة العباسية في بغداد، ونصروا المذهب السنِّي بعد أن أوشكت دولة الخلافة على الانهيار بين النفوذ البويهي الشيعي في إيران والعراق، والنفوذ العبيدي (الفاطمي) في مصر والشام. فقضى السلاجقة على النفوذ البويهي تمامًا وتصدوا للخلافة العبيدية (الفاطمية)، فقد كان النفوذ البويهي الشيعي مسيطرًا على بغداد والخليفة العباسي.

    السلطان ألب أرسلان: هو السلطان الكبير الملك العادل عضد الدولة أبو شجاع ألب أرسلان من عظماء ملوك الإسلام وأبطالهم، تولى زمام السلطة في الدولة السلجوقية بعد وفاة عمه طغرل بك، وكان ألب أرسلان قائدًا ماهرًا مقدامًا، وقد اتخذ سياسة خاصة تعتمد على تثبيت أركان حكمه في البلاد الخاضعة لنفوذ السلاجقة، قبل التطلع إلى إخضاع أقاليم جديدة، وضمها إلى دولته. كما كان متلهفًا للجهاد في سبيل الله، ونشر دعوة الإسلام في داخل الدولة المسيحية المجاورة له، كبلاد الأرمن وبلاد الروم، وكانت روح الجهاد الإسلامي هي المحركة لحركات الفتوحات التي قام بها السلطان ألب أرسلان فأصبح زعيمًا للجهاد، وحريصًا على نصرة الإسلام ونشره في تلك الديار، ورفع راية الإسلام خفاقةً على مناطق كثيرة من أراضي الدولة البيزنطية.

    وكانت مملكة بيزنطة تتكون بشكل رئيسي من مدينة القسطنطينية، ومن إقليم أرمينيا، ومن مناطق وحصون أخرى داخل أوروبا، وقد صمدت زمنًا طويلاً في وجه الفتح الإسلامي، وخاضت حروبًا صليبيةً ضد المسلمين، كانت في معظمها سجالاً. لكنَّ الله هيأ للمسلمين قائدًا صادق الإيمان، تمكن من توحيد الإمارات الإسلامية الموجودة حول دولة بيزنطة، واحتل معظم أرمينيا، وأصبح كالشوكة في حلق الدولة البيزنطية، فأخذ ينتقص دولة بيزنطة من أطرافها.

    وعندما اطمئن على استتباب الأمن، وتمكن حكم السلاجقة في جميع الأقاليم والبلدان الخاضعة له، أخذ يخطط لتحقيق أهدافه البعيدة، وهي إسقاط الخلافة الفاطمية (العبيدية في مصر، وتوحيد العالم الإسلامي تحت راية الخلافة العباسية السنيّة، فأعد جيشًا كبيرًا اتجه به نحو بلاد الأرمن وجورجيا فافتتحها وضمها إلى مملكته، كما عمل على نشر الإسلام في تلك المناطق.

    السلطان ألب أرسلان.. القائد الساجد:

    لقد أغضبت فتوحات ألب أرسلان أرمانوس ديوجينس إمبراطور الروم، فصمم على القيام بحركة مضادة للدفاع عن إمبراطوريته. ودخلت قواته في مناوشات ومعارك عديدة مع قوات السلاجقة، وكان أهمها معركة (ملاذكرد) في عام 463هـ، الموافق أغسطس عام 1070م.

    قال ابن كثير: وفيها أقبل ملك الروم أرمانوس في جحافل أمثال الجبال من الروم والرخ والفرنج، وعدد عظيم وعُدد ليبيد الإسلام وأهله، فالتقاه السلطان ألب أرسلان في جيشه، وهم قريب من عشرين ألفًا، بمكان يقال له الزهوة، في يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة، وخاف السلطان من كثرة جند الروم، فأشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن يختار السلطان ألب أرسلان يوم الجمعة بعد الزوال للمعركة، وذلك حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين.

    وأورد لنا ابن كثير في "البداية والنهاية" أنه عندما تواجه الجيشان في (ملاذكرد)، نزل السلطان ألب أرسلان عن فرسه وسجد لله عز وجل، ومرغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره، كان ألب أرسلان عظيم الأمل في الله، فجمع فرسانه وخطبهم خطبة قال فيها: "سأقاتل صابرًا محتسبًا، فإن انتصرنا فتلك نعمة من الله، وإن كتبت لي الشهادة فهذا كفني وحنوطي جاهزيْن، وأكملوا معركتكم تحت قيادة ابني ملكشاه".

    فأنزل الله نصره على المسلمين فقتل المسلمون من الروم خلقًا كثيرًا، وأسر ملكهم أرمانوس، فلما أُوقف بين يدي الملك ألب أرسلان ضربه بيده ثلاثة مقارع وقال: لو كُنت أنا الأسير بين يديك ما كنت تفعل؟ قال: كل قبيح، قال: فما ظنك بي؟ فقال: إما أن تقتل وتشهرني في بلادك، وإما أن تعفو وتأخذ الفداء وتعيدني.

    قال: ما عزمت على غير العفو والفداء، فافتدى منه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، وأن يطلق أسرى المسلمين، فقام بين يدي الملك وسقاه شربة من ماء وقبَّل الأرض بين يديه، وقبل الأرض إلى جهة الخليفة إجلالاً وإكرامًا، وأطلق له الملك عشرة آلاف دينار ليتجهز بها، وأطلق معه جماعة من البطارقة وشيَّعه فرسخًا، وأرسل معه جيشًا يحفظونه إلى بلاده، ومعهم راية مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله.

    يقول الدكتور محمد علي الصلابي: "إن انتصار ألب أرسلان بجيشه الذي لم يتجاوز خمسة عشر ألف محارب على جيش الإمبراطور أرمانوس الذي بلغ مائتي ألف في معركة (ملاذكرد)، كان حدثًا كبيرًا، ونقطة تحول في التاريخ الإسلامي؛ لأنها سهلت إضعاف نفوذ الروم في معظم أقاليم آسيا الصغرى، وهي المناطق المهمة التي كانت من ركائز الإمبراطورية البيزنطية وأعمدتها، وهذا ساعد تدريجيًّا على القضاء على الدولة البيزنطية على يد العثمانيين، كما أن انتصار المسلمين في هذه المعركة لم يكن انتصارًا عسكريًّا فقط بل كان انتصارًا دعويًّا؛ إذ انتشر الإسلام في آسيا الصغرى، وضمت مساحة تزيد على 400 ألف كم إلى ديار المسلمين.

    حبه للعلم واحترامه للعلماء وتواضعه:

    يذكر الذهبي في كتابه "تاريخ الإسلام" أن السلطان ألب أرسلان كان رجلاً صالحًا يأخذ بأسباب النصر المعنوية والمادية، فكان يقرب العلماء ويأخذ بنصحهم، وما أروع نصيحة العالم الرباني أبي نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي، في معركة ملاذكرد عندما قال للسلطان ألب أرسلان: إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح، فالقهم يوم الجمعة بعد الزوال في الساعة التي يكون الخطباء على منابرهم يدعون لجيشك بالنصر، والله غالب على أمره.

    فلما كانت تلك الساعة صلى بالجند، وابتهل وتضرع إلى الله وبكى، فبكى الناس لبكائه، ودعا فأمَّنوا، فقال لهم: من أراد الانصراف فلينصرف، فما ههُنا سلطان يأمر وينهى. وألقى القوس والنشاب، وأخذ السيف، وعقد ذنب فرسه بيده، وقال: إما أن أبلغ الغرض وإما أن أمضي شهيدًا إلى الجنة، فمن أحب أن يتبعني منكم فليتبعني، فما أنا اليوم إلا واحد منكم وغازٍ معكم فمن تبعني ووهب نفسه لله تعالى فله الجنة، ومن مضى حقت عليه النار والفضيحة، فقالوا: مهما فعلت تبعناك فيه وأعناك عليه، فبادر ولبس البياض وتحنط استعدادًا للموت، وقال: إن قتلت فهذا كفني.

    الله أكبر، على مثل هؤلاء ينزل نصر الله.

    شيء من أخلاق السلطان ألب أرسلان:

    يُذكر لنا ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ" شيئًا من أخلاق السلطان ألب أرسلان، فيذكر أنه كان عادلاً يسير في الناس سيرة حسنة، كريمًا، رحيم القلب، شفوقًا على الرعية رفيقًا بالفقراء، بارًّا بأهله وأصحابه ومماليكه، كثير الدعاء بدوام ما أنعم الله عليه، اجتاز يومًا بمرو على فقراء، فبكى، وسأل الله تعالى أن يغنيه من فضله، وكان يكثر الصدقة، فيتصدق في كل رمضان بخمسة عشر ألف دينار، كان حريصًا على إقامة العدل في رعاياه وحفظ أموالهم وأعراضهم.

    وكان كثيرًا ما تُقرأ عليه تواريخ الملوك وآدابهم، وأحكام الشريعة الإسلامية، ولمَّا اشتهر بين الملوك حُسن سيرته، ومحافظته على عهوده، أذعنوا له بالطاعة والموافقة بعد الامتناع، وحضروا عنده من أقاصي ما وراء النهر إلى أقاصي الشام.

    رسالة من ألب أرسلان لقادة الأمة:

    يقول ألب أرسلان: ما كنت قط في وجه قصدته، ولا عدوًّا أردته إلا توكلت على الله في أمري، وطلبت منه نصري، وجاء في رواية قوله: أنا ملك الدنيا، وما يقدر أحد عليَّ فعجزني الله تعالى بأضعف خلقه، وأنا أستغفر الله وأستقيله من ذلك الخاطر، وعلى القادة والحكام أن يستشعروا نعائم الله عليهم، ويتذكروا فضله وإحسانه وينسبوا الفضل لله تعالى صاحب المن والعطاء والإحسان والإكرام.

    وفاته:

    الأبطال لا يقتلون إلا بالغدر والخيانة، وتلك هي المأساة الكبيرة التي عانت منها أمة الإسلام على مر عصورها، فكلما ظهر فيها بطل أو قائد أو داعية أو عالم في الشرع أو في فرع من فروع العلوم أو نبغ أحد في أي مجال من المجالات التي ستحقق خيرًا ونفعًا للمسلمين فإن أعداء الأمة والدين يعملون على إزاحة هذا النابغة بشتى الوسائل إما بالإغراء والاستقطاب أو بالسجن والنفي أو بالقتل والغدر، وسجل الأبطال والأفذاذ الذين قُتلوا غدرًا طويل وممتد منذ عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، حتى وقتنا الحاضر.

    فقد قُتل هذا السلطان العظيم على يد أحد الخونة واسمه يوسف الخوارزمي، وذلك يوم العاشر من ربيع الأول عام 465هـ، الموافق 1072م، ودفن في مدينة مرو بجوار قبر أبيه فخلفه ابنه ملكشاه.

    خاتمة المطاف:

    المتصفح تاريخ المسلمين وخاصة للمعارك التي خاضوها يرى أن الكثرة والقلة لم تكن في حسبان المسلمين، إنما كانت القلة دومًا منتصرة على الكثرة الكافرة؛ لكن المسلمين كانوا يُهزمون بتفرقهم وتشتت أمرهم وأهواء زعمائهم، فإذا سخَّر الله لهم من يلمُّ شعثهم ويجمع شملهم، عاد النصر وتحقق فيهم قول الله جل جلاله: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم: من الآية 47).

    وديار المسلمين في أيامنا هذه تتقاسمها فتن؛ تترك الحليم حيران، أدعو الله تعالى أن يقيض للأمة أمر رشد يوحدها تحت راية التوحيد وكلمته، رحم الله السلطان المسلم ألب أرسلان، وجزاه عن جهاده خير الجزاء.
    آخر تعديل بواسطة lord186 ، 07-04-2013 الساعة 05:12 PM


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17