أعلنت الجفون حالة الاستسلام، رفعت رايتها البيضاء، وداعب النوم عيونى..

الأرق يؤرجحنى بين كفتيه يميناً ويساراً، فلا أستطيع النوم أو حتى الاستيقاظ، صورتها لا ترحمنى.. أدور فى دوامة تجمعنى أتأملها كشمعة مشتعلة تدفئ أحشائى.

يا لها من ليلة باردة.. صورتها تفجر براكينى وتخرج حممه الملتهبة لأول مرة منذ فراقنا، رغباتى الدفينة تتسارع تحت أنقاض الوداع لرؤيتها أو سماع صوتها إن أمكن..
مرت ساعات وأنا أمتطى سريرى لا أستطيع التفرقة بين النوم والأرق والذكريات..
صوتها ينادينى: أنتظرك عند الشاطئ
بالرغم من برودة الجو وتساقط الأمطار وبعدها عنى وعدم تمكنى من رؤيتها ذهبت طوعاً منكسراً إرضاء لذكرياتها معى حتى وإن كان صوتها خيالا خال لى..

الشاطئ يخلو من البشر.. ظلام دامس لا أرى سوى أمواج البحر حاملة الملح تصطدم بقلبى وإن كادت تكسره إلى فتات

صدى الصوت يتخلل المكان: اليوم عيد ميلادى... اليوم عيد ميلادى سأنتظرك عند الصخرة..
سألتنى هل تزوجت
أجبتها بعد فراقنا لم ينبض فلبى لأنثى غيرك فليس كلهن أنت.. لم أتزوج من باب الوفاء لك، وخوفاً من أن تنتهى علاقتى بأخرى كما انتهينا إليه..

قطرات المطر تتطاير..
تذكرين وقت تساقط الأمطار عندما كانت تمحو آثار خطواتنا على ذلك الشاطئ الحزين..
وجهها زهرة فقدت نضارتها، ولكنها مشرقة أمامى شفتاها لا تتحركان لا أسمع إلا صدى صوتها، عيونها تمتلئ بدموع الحزن.. لا تقول إلا: اليوم عيد ميلادى وسأنتظرك عند الصخرة..
اليوم سأعيش سجينك بين قضبانك التى صنعتها أنت بعيدا عن الدنيا

سألتها: هل تزوجتى
أجابت بصمت خلف عيون تهمس: لم أتزوج خوفاً من أن أقابل أنانيتك فى رجل آخر مرة أخرى
عيونها الحزينة تحدثنى
صدى الصوت يحيى بداخلى لحظات لقائنا
عند الصخرة فى حضن البحر الشقى تداعبها الأمواج نجلس على الشاطئ نتسابق حتى نصل إليها ونجلس فوقها
:تذكرين وقت أن كتبنا أسماءنا عليها..
:تذكر أنت وقت خروجنا من البحر والشمس تقترب من رؤوسنا نجرى على الشاطئ تغوص أقدامنا بالرمال كالسمك الطازج وقت شوائه على صفيح ساخن

عيونها تفيض دمعًا تحمل أحزان ما تحمله العواصف..

تتساءل: من كتب السطور الأولى فى سجل فراقنا؟
يصعب لسانى عن نطق الكلمات أصبت بالصمت مثلها تماما
يكفينى أن أتحدث لعيونها الحزينة بصمت يكسرنى لأشلاء متعددة

تحملنى الرياح تدفعنى نحو البحر ترمينى بين أحضان الصخرة.. عيونها تنظر لي
ظللت أتحدث لها بالصمت القاتل تحت ضياء القمر

الشمس تتردد فى نسج خيوطها الذهبية على الشاطئ
غلقت عينى ثم فتحتهما لم أجدها

الشمس تبعث ضوءا خافتا يوقظنى من حالة إغفاء كنت فيها بين النوم واليقظة
أصبحت لا أعى شيئا... سوى صدى صوتها ينادينى: اليوم عيد ميلادى
أصوات النورس تتعالى.. حرارة الشمس توقظنى لتقضى على كل هذه التخيلات.

رحل الليل بحلوه لأنها كانت رفيقتى بالمساء..
مره... كيف أقابلها واحتفل معها بعيد ميلادها رغم تأكدى من تاريخ ميلادها الصحيح الذى يبعد شهورا عن هذا اليوم المشهود
ظل صوتها عالق بأذنى دون تركيز سوى كيف أحتفل معها، واليوم ليس عيد ميلادها، راودتنى أفكار عديدة حتى أقابلها أو مجرد سماع صوتها، أخرجت كل دفاترى أبحث عن طريق للوصول بها لم أجد ما يرشدنى إليها سوى رقم تليفون منزلها أتذكره جيداً لم أعاود الاتصال به منذ سنوات.

حاولت الاتصال مترددا.. أصابعى ترتجف وهى تداعب الهاتف إلى أن ردت أمها سألتنى عن اسمى أجبت بكل حذر سألتها عن "ليلى" قالت ومن ذكرك بها أجبتها شهور عديدة وأنا أبحث عنها ولا أجرؤ عن السؤال أو البوح باسمها
قائلة: ليلى.. ماتت غرقاً عند الصخرة واليوم ذكرى وفاتها.