الكيف إذا كان على حساب الكم المطلق … هو أصح معنى لما يشاع عنه بالتسمية ابتكارا أو ابداعا ، لأنه استهجان كل رتيب باعث على الملل ، فهو ذات الأدوات و الآلات و العدد الشائعة و غير الشائعة المستعملة و المهملة منها مع شيء من التصرف الحذق الذكي ، إنما انبثقت في نهاية الأمر من ائتلاف وحدات استبصرت رؤى لم تتوفر لغيرها ، كما أنها طفرة دون مجهرية تمس الأفكار الجامدة ، و القوالب المصمتة ، فتعمل فيها عمل الأسيد في الجلود ، وهو اخصاب ناجح التلاقح ، و عملية مزاوجة الخيال بالواقع ، على نحو يتأتى من ورائه تلمس الأبعاد الثلاثية للخيال ملامسة اليد ، كسهولة استخدام الأصابع للعد ، الابداع ... مؤهلات حصيفة بارعة ، و ملكات متمكنة كل التمكين ، و حلول اشكالات عاثت في الأذهان تلويثا ، و يحق لنا أن نستطرد فنقول : أن الابداع دمغة كياسة منتبهة ، و صك فراسة معتمد ، بل شهادة تهبها لطفرة غير تقليدية في مسار نظرتك للأمور و الأشياء ، و نزيد أيضا فنقول :
بنات أفكار ذكية ألمعية ، تفتح الشهية ، فتغذي العقلية ، فتستحق منها الهدية ، فالابداع ما هو إلا بدع محسنة ثورية ، حظ الكثرة الكاثرة منه حظهم من لبن العصفور ، يسمعوا به و لكنهم لم يستطعموه ، وهو في مجمله أفكار في مثل أنفاس البشر عددا أو يزيد ، و تنوعا لست تدري في أي جزء منه أفضل من أجزائه الأخر ، لكل منها وظيفتها التي وجدت من أجلها ، لكنه في النهاية جبل على مد يده للمساعدة ،
الابداع ... امتلاك ناصية الخيال ، و امتطاء صهوة المستحيلات ، و هو هوية منحوتة ، و بصمة مشهودة ، قلما تجد نفورا ، و من المعروف أن الحضارة و المدنية المعاصرة يدينا بالفضل له الشيء الكثير ، فهو الذي يسكن رياح المواهب و يجعلها تثير ، الفكرة عربونه، الابداع ... يجعلك تكتشف أن الحياة كل يوم يضاف إليها شيئا جديدا جدير بالنظر و التجربة الحية ، لأنه عبارة عن أعمال نخبوية لا يقوم بها إلا من جرت في عروقهم جسيمات التجليات ، فهو تتويج يستحقه ثلة أولي النهى الذي ما فتؤوا يبهروننا بكل أفضال نعمة العقل المستيقظ ، و هو امتلاك زمام المبادرة مع الأشهاد قرناء الألمعية النبيهة ، و نهاية معاناة عاثت في الناس انهاكا ، و منتوجات تمايز البشر تفاضلا مع بعضهم البعض ، و سلالم مرقاة للعلى في كافة مناحي الحياة ، كما أنه مغامرة شيقة جدا لأنه يميط اللثام عن عروق الفضول البشري الأزلي ، في حضرته فرص عظيمة الكمون تتهيأ لمن أشغل وقته و أعمل فكره و أحسن نظره ، بشغف ركوب أمواج العلم ، و ارتياد المجد من أوسع أبوابه ، ليأتي بمشغولات و مصنوعات لا بد و أن تحوز على الأهمية لكونها تسهم في وضع حد لمعوقات ان لم تكن مزعجة فعلى الأقل مشاكسة و مؤرقة ، و يهمنا أمر الابداع نظرا لكونه أحد جوانب العقل البشري الثوري النهم لكل جديد و مثير ، نقاطه المضيئة تسجل لصالح كوكبة العباقرة الملهمين ، ان جئت لأعمالهم وجدتها تتحدث عن نفسها بنفسها ، و تغني عن الشرح و الايضاح ، غاب ضياء الشمس أو لاح ، ولا بد أن نعرف أنه عملية تحول جذري لمسلمات نصبت خيامها عند بعض العقول بلا نية للمغادرة ، عند نبش خزائن المعرفة بما يؤدي بالضرورة الى الوقوع على نقاط التقاء جسور الأفكار مع ضفاف الصورة النهائية الاخراجية لهذه الأفكار ، فإذا أبصرت النور فنعم المولود و بورك ، الابداع ... ترجمة الاستجابة العملية لرغبات الحاجة الملحة لكل همة عالية كالجبال طولا ، تستنير بإرادة صلبة كالفولاذ قساوة ، و تسترشد بعزيمة صادقة كاللألماس نقاوة ، الابداع لطالما كان أحلام الأولين الذين داعب خيالهم و راودهم عن نفسه ، و هو في مجمله عدد و تجهيزات محلحلة الأكلاف ، إذا لم يبصر النور بظهوره ، فستبصر أنت العمى بغيابه ، بالنسبة للمستبصرين يندرج مفهومه عندهم تحت بند : إما أكون أو لا أكون ، و كل ما نضحي لأجله يهون ، كما يعني أن هنالك مصابرة مدفوعة بانتظار تحقيق ما في المخيلة الشغوفة الولعة بكل محدث ، وهو أيضا لوي عنق أصل المشكلة بجعلها مطواعة سهلة الانقياد ، الابداع ... النظر الى المشاكل المزمنة و المعوقات المتلازمة على أنها فرقعة أصبع لا أكثر ، و تقلد شرف التميز القاضي بانعدام المثلية و الند لذات الفكرة ، ان شئت سمه صعود همم ، و ارتقاء أفكار ، أو معارج نظرات مستقبلية ، أو درج رؤى مصيبة ، ومن ثم ... تحقيق المنجزات الموعودة .
الابداع ... أن يكون لكل من العلم و المعرفة منظارا يستشرف به الآتي منهما ، فهو انكباب يستهدف المعالجة النهائية ، و انغماس يستوجب تفتق مذهلات تسحر العقول ، و مجموعات أفكار مستقاة من بيئات متداخلة كل التداخل ، و هو أيضا أن تجد شظايا الأفكار المتلاطمة طريقها الى المستخدمين الاعتياديين الذي يكنون لها كل اعتبار لروعتها الجمالية ، و في مجمله فان الابداع تطلعات تجعل من الحياة طعما غير الذي تعرفه عنها ، بتفجير ذرة المواهب باشعاعات حميدة محمودة التأثير ، و بكشف خبايا مستورة لا يطلع عليها إلا الخلاقين الأفذاذ ، فهو اذن شكل من أشكال التضامن الاجتماعي بأن تجعل من حياة الناس أكثر سهولة و يسرا بما تقدمه لهم من اسهامات يشار اليها بالبنان ، و تفاعل مفرط من قبلك بتأجيج العزم على بلوغ قمة التحدي الأغر ، و تسخير منحة العقل في إحداث نقلة معاشية يستنفع بها الآخرون ، و إذا بلغ الابداع مداه فهو انتفاضة عارمة على كل ما هو تقليدي في صورته الرتيبة السائدة لاخراجه من حالة الجمود القاتلة ، الى حالة الازدهار الحافلة ، و هو يتفاعل مع مخزون الألم و الارادة مجتمعين لا متفرقين ، و لمسات مضيئة يضيفها الواحد منا الى حياته ليكون رصيدها فيها بهيجا و مشرقا و براقا ، الابداع ... اقتناص طرائد الأفكار المهملة التي لا يرعوي لها النائمون ، و مبادرات طوعية خلاقة موسومة بالتفاني تعنى بتجديد هيكلة كل قوام قابل لللإستحداث و التطوير ، كما و كيفا سيما إذا تفوق كل منهما على الآخر ، بعيد اكتشاف العجلة ، دارت عجلته باضطراد ، و عند اكتشاف النار ، اضطرمت شرارة الابداع باطراد ، الابتكار من تلازم الابداع الذي لا يزال يسدي خدمات جليلة للإنسانية جمعاء ، عندما يقوم مخ الانسان بعملية هضم و امتصاص و أكسدة شتى الأفكار المعشعشة زمنا يتولد الابداع بتجلي باهر ، و تتوفر مهيئات التيسير التطبيقية اليومية المؤثرة في حياتنا ، عند التعريج العملي النظري الماس الى إيجاد الحاجة المفضية اليه يتنزل الابداع تنزيلا ، فمن وراء دواعي المحفزات ، و تحت دوافع الحاجات ، و من خلف محرضات الالتماسات ، و من أمام مثيرات الأضواء و الهالات ، تتشكل أطرافه ، و يصيح الواحد منا صياح أرخميدس ... لكن من غير تعري ، ما الأفكار إلا أجنة الابداع أو الاختراع في العموم ، و الشكل البدائي الأولي لهما ، فتسفر جهود مضنية حثيثة عن وجهات معالم الابهار بكل صورها ، يجود الابداع بأفكار محلقة ،و بعروق نابتة متسلقة ، ولا شيء غير أقصاء تكرار نواسخ الأفكار الهامدة مآلها ، و تحري سيناريوهات غير متممة آمالها ، فهو نكهة مستطعمة لم يسبق لها الدوران في الفكر و العقل مطلقا ، لترويضه تحتاج لتقليم أظافر كواسر اللامعقول ، و انتزاع أنياب ضواري الخيال ، لتعيد صياغة مفهوم : أنا أفكر .. اذن أنا حي !!! ، كيف لا و هو واحة ماء لعطشى من غير ماء يسومونه ؟ ، لفض غشاء بكارته عليك أن تعيش ألما و معاناة لا توصف ، و أن تنصب العداء لأفكار بالية في كهوف مناحي الفكر و العقل ، فتستشري فيك حمى البحث و التنقيب الدؤوبة ، فتتبدى لك كنوز مناجم المعرفة وتنزع عنك خمارها ، فتسلك الطريق الوحيد لبلوغ الانسانية تنزها عما سواها،و صدق من شبه العقل الخالي كالإزبئرار البالي ... وجوده كعدمه !