يرتحل معنا أينما يممنا شطرنا ، و لا يفارقنا في أي مشوار نذهب إليه ، و


يكاد يكون جليسنا في أغلب الأوقات و أكثرها أهمية بالنسبة إلينا ، لولاه لما اكتمل حسن هندام المرء ، إن صنته صانك ، و إن تزينته زانك ، و من المهم أن نعلم أنه يحظر عليه ارتياد بعض الأماكن كدور العبادة و ما شاكلها من الأمكنة ، كما أن له إيقاع صوتي ذو رتابة معينة ينبئنا بقدوم أحدهم ، لا نستطيع العيش بدونه ، و من غيره تصبح الحياة شبه مستحيلة ، و من شأنه أن ظاهره يرفع أقواما و يضع آخرين ، و ما ذلك إلا لهيئته الخارجية العاكسة ، قد يضطر البعض الى تأبطه احترازا ، و في بعض النواحي الفقيرة المعدمة في بلاد الله سنجد حتما من يفترشه كوسادة ، و هو من أشهر الأدوات التي تتعرض الى عمليات تجميل و ترقيع تعيد له نظارته ، و تمسح عنه علامات البؤس ، و تأتي من جديد ببهاءه ، كما أنه من اللافت أنه يعد من وسائل تحقيق الأمن الذاتي حال التعرض لخطر شخصي داهم ، و من أنواعه ما ننحني له لا خضوعا و خنوعا بل لأجل ارتداءه ، عدوه اللدود العلكة و كل لاصق و دبق يعترض طريقه و يقف له بالمرصاد ، وهو الغرض الذي يوفر مجالا واسعا في التأديب و المعاقبة بحيث لا ينسينا خطيئتنا أبد الدهر ! يشترك في استعماله جميع بني آدم بلا استثناء ، و يعد مصدرا للحماية ضد بعض ما على سطح لأرض من مخلفات غير مسؤولة و مهملة ، و عندما نجده بقوائم مدببة فليكن في معلومنا أنه يقتصر على جنس دون جنس ، و في عالم اليوم أصبح يحمل أسماء لامعة لها وزنها ، بل و يحمل تواقيع شخصيات لها تأثيرها الذي غطى الأفاق ، و نستطيع أن نعتبره أنه أجل مقاما


و أرفع مرتبة من كل ناقص تلسعنا أذيته و مذمته ، لا يستطيع رد اعتباره ، لأنه ببساطة شديدة ليس له اعتبار أصلا ، فعلة النقص التي هي منه و فيه ، ملازمة له ، و مصاحبة لأوجه استخداماته الوضيعة و التي من أجلها وجد ،يحمل كل سمات المهانة ، و لا تكاد تتخلف عنه صفة من صفات الذل ، و تلحقه كل شائنة تطبيقية و لغوية و معنوية ...


له قسط وافر في ذكر الأولين و أساطيرهم الجانحة ، و أقرب ما في


المتناول لقتل و سحق بعض ما يزعجنا من المخلوقات التي تدب و تطير في نفس الوقت ، و بخاصة ذوات الحجم المرعب ! ، لا يعلوه الصدأ ، و لكن قد يعلق به ما هو أسوأ من الصدأ بكثير ، نستطيع أن نقول أنه لا يفارقنا إلا عند النوم أو الموت ، بلا روح أو إحساس ، ولكن يكفي أنه يتحسس عنا كل أذى نقصده أو لا نقصده ، و يفتدينا بنفسه ليدرأ عنا كل أذى يعترض سبيلنا ، و إن حدث و طرأ عليه ثقب أو أكثر أصبح بلا فائدة تذكر ، و بعد انتهاء عمره الافتراضي يمكننا ان شئنا أن ننتفع بأحد أجزاءه بحسب حاجتنا إليه و لا عزاء لما قد تخلف منه ! ، و عندما تنعدم منفضة الدخان يلجأ أكثرهم إلى سحق ما تبقى من السيجارة بواسطته ، لا يملك من الأمر شيئا ، ولا يعرف غير السمع و الطاعة ،و إذا كنا في عجلة من أمرنا فيجب علينا أن نحاذر من أن نتسبب من غير أن ندري في ايذائه ، و عند أي محفل أو جمع يتكاثر أمثاله في مكان محدد يلتزمونه و ما إن ينفض هذا الجمع حتى يتسابق الجميع في تحصيله ، و قد لا يجدونه أبدا ، فغالبا ما يستلب عن غير عمد لتشابه في الظاهر يلبس على آخذه ! ، و ثمة من يبصق عليه ليس من باب التحقير أو النكير ، حاشا ..... إنما لأجل إبداء الاهتمام بلمعته ، و الحفاظ على رونقه.


البعض منها تزينها الدبابيس و تعلوها القطع المعدنية من كل لون و شكل ، و البعض منها غارق في ألوان صارخة مجنونة لا تمت إلى ذوق سليم بصلة ، كما أن منها ما يثير الشفقة لحرمانها من حرية التعبير عبر تكميم أفواهها بأربطة و خيوط تنتمي لكل ما هو ديكتاتوري لا يرحم ، و منها ما يبعث على الغثيان و يثير الإشمئزاز بنفس الوقت لبشاعة هيئتها ، و يدل على غباوة فائقة النظير لدى صاحبها ، و هنالك من الأصناف ما لا نشتهي أن نتصدق عليها و لو بنظرة خاطفة سريعة ، لأنها من ذوات ما لون لها ولا طعم و لا رائحة ، فهي سيئة بدرجة امتياز ، بخلاف ما يأتينا منها و قد حط البهاء عندها رحاله ، و علق ببابها لجامه ،و ألبسها من حلل الفخامة ما شاء ، ،فكساها ما كساها سواء بسواء ، و له من حظ الاعجاب و الافتتان عيونا تتلألأ و تلمع ، من شدة بريقها تكاد تدمع ، و قسم منها يشتكي لكثرة ما يتعرض له من الضرب و الخبط ، و صنوف التعذيب و فنون الاهانات ، ولا حول ولا قوة له ، و ينبغي أن يعلم أنه مسير لا مخير ، فلا عجب إذن أنه يطأ ما يطأ مرغما ، من أول يوم نصطحبه معنا تبدأ أعداد أيامه في الحياة بالتنازل لا محالة ، لا يعرف الملل حتى نعرفه نحن ، كثير الحركة و يختزل في معانيه النشاط و الحيوية ، و يحال على التقاعد مبكرا متى أهملناه و لم نحافظ عليه فيشيخ عندها من غير أن تسقط أسنانه ، و طبيعي جدا أن تبدو عليه آثار الزمن وعوامل التعرية من تجاعيد بشعة و نتوءات مشوهة تقبض الصدر قبضا ، يئن ولا صوت لأنينه أو بكائه ، و يتحمل عنا ما لا سبيل لنا على احتماله بغيره ، و هو أحد انتاجات الحضارة البشرية الخالدة التي لا غني عنها بأي حال من الأحوال .


.................................................. .................................................. ..................................................


.................................................. ......



كل ذلك و هو لا يزيد على كونه من قطعتين أسفلهما يخوض كل آسن و مستنقع ، و باطنهما أشد ما يجد من أنتن الروائح !ّ!!



........................ ولا أظنه قد خفي عليكم !!!