صدر عن الدار المصرية اللبنانية فى القاهرة كتاب "فقه العمران" العمارة والمجتمع والدولة فى الحضارة الإسلامية من تأليف الدكتور خالد عزب، الكتاب يعد دراسة شاملة للعلاقة بين العمارة الإسلامية والمجتمع الذى صاغ البيئة العمرانية والأنماط المعمارية والدولة التى يحدد المؤلف حدود سلطتها فى المجال العمرانى.

الكتاب يتكون من ثمانية فصول وملحق لمصطلحات فقه العمران، الفصل الأول خصصه المؤلف لفقه العمران، حيث يرى فيه أن فقه العمران ارتبط بإطارين حاكمين له من الناحية الفكرية، الإطار الأول، هو السياسة الشرعية، وهى السياسة التى يتبعها الحاكم فى المجال العمرانى، سواء كانت تتعلق بالأمور السياسية العامة أو بالعمران مباشرة وكلاهما يترك أثره على العمارة، والإطار الثانى، هو فقه العمارة، والمقصود بفقه العمارة مجموعة القواعد التى ترتبت على حركية العمران نتيجة للاحتكاك بين الأفراد ورغبتهم فى العمارة وما ينتج عن ذلك من تساؤلات، يجيب عنها فقهاء المسلمين، مستنبطين أحكام فقهية من خلال علم أصول الفقه.

و الفصل الثانى من الكتاب يتناول دور الفقه فى التنظيم والتخطيط العمرانى للمدن، حيث قسم عزب الشوارع وأحكامها إلى ثلاث مستويات هى:-

المستوى الأول: الطرق العامة وهذا الطريق مباح لجميع الناس استخدامه، بشرط عدم الإضرار بالمادة عند ارتفاق الطريق، لذا يسمح فيه الجلوس للبيع والشراء والسلطة على هذا الطريق مناصفة بين الدولة التى تتدخل للحفاظ عليه بوصفه طريق يستخدم كل المسلمين والساكنين فى الطريق لهم سلطة متساوية مع الدولة فيه بحكم أن الطريق يمر أمام مساكنهم التى لها حقوق على الطريق.

المستوى الثانى: هو الطريق العام الخاص، وهو أقل درجة من الطريق العام، إذ الارتفاق به من قبل جماعة المسلمين، يقل عن سابقه، وبالتالى تزداد سيطرة الساكن فيه عليه، فكان السكان هم المعنيين بصيانته ونظافته وتشاركهم فيه الدولة بنسبة أقل.
المستوى الثالث: الطريق الخاص، وأفضل أمثلة هذا الطريق هو الطريق غير النافذ، وهذا الطريق ملك لساكنيه فقط، ولذا سمى خاصا، ولا يجوز لأحد من الساكنين إحداث أى شيء فيه دون استئذان الساكنين جميعا من هنا نستطيع أن نفسر مصطلح "زقاق مشترك الانتفاع " الذى يرد كثيرا فى الوثائق.

أما الفصل الثالث فيتعرض إلى فقه عمارة المساجد، بدءًا من عمارة المسجد النبوى فى المدينة المنورة الذى يعد الأساس الذى صاغ هذا الفصل، ويفصل المؤلف عناصر المسجد المعمارية مثل حائط القبلة.

أما الفصل الرابع فيتعرض خالد عزب إلى فقه الأسواق والمنشآت التجارية فى الحضارة الإسلامية، فى حين خصص المؤلف الفصل الخامس من الكتاب لفقه عمارة المساكن، فبدأها بتفصيل رؤية الإسلام لعمارة المساكن فيما ذكره ابن القيم الجوزية عن هدى الرسول فى عمارة مسكنه ويكثف خالد عزب فى نص كتابة عبر الفصل السادس بحثه فى فقه المياه والمنشآت المائية فى الحضارة الإسلامية، حيث تعتمد الرؤية الإسلامية للماء على كونه أصل الحياة وهبة من الله وشراب المعرفة، ويتعرض المؤلف للمنشآت المائية وأحكامها وعمارتها كالسدود، كما يتعرض لعمارة السقايات والأسبلة وهى صهاريج عامة يعلوها منشأه لتسبيل المياه للعامة وتوفر أحياناً المياه للمنشآت العامة ولمنازل الفقراء وانتشرت فى مدن مثل حلب والقاهرة وبغداد واستانبول وفاس.

كما تعرض فى هذا الفصل أيضا لعمارة الحمامات فى الحضارة الإسلامية، فدخول الحمام عند معظم الفقهاء مستحب للطهارة بشرط التستر عند الاستحمام، أما الفصل السابع فيخصصه المؤلف للربط بين المجتمع والأوقاف والعمارة، حيث إن العديد من الوظائف ومنها الرعاية الاجتماعية والصحية كانت تقوم بها المجتمعات الإسلامية كما عرج المؤلف لدور رعاية المطلقات والأرمل التى كانت توفر لهن حياة كريمة بعيداً عن تعقيدات الحياة الاجتماعية ويعد الفصل الثامن هو محصلة الإبداع المعمارى فى الحضارة الإسلامية، حيث تعرض فيه المؤلف إلى الهندسة المعمارية ويعرفنا المؤلف على طائفة المعماريين ودورها الحضارى، ويكشف لنا عن أصول الرسم المعمارى ونماذجه لدى المسلمين، واستعانة القضاة بالمهندسين كخبراء فى مجال قضايا العمارة، ويقدم لنا سيرة أشهر المعماريين فى حضارة المسلمين.