المغارة العجيبة


تلمسان
مغارة ''بني عاد''··· اتخذ منها الأمازيغ قصورا وتجاهلها وزراء السياحة

عاينت هذا التراث الطبيعي العجيب والساحر 57 مترا تحت سطح الأرض لتكشف أنه تحفة عالمية وكنز سياحي غير مستغل·
استقبلنا بمدخل المغارة الدليل عبد الحق إبراهيم الذي وجدناه يودع فوجا من الزوار الذين جاءوا لاكتشاف المكان، وبينما كانت حرارة الشمس تنذر بحلول موسم الصيف شعرنا ببرودة منعشة مع الخطوات الأولى نحو أسفل مغارة بني عاد العجيبة، حيث يبدأ إبراهيم بلهفة عاشق يصف المكان الذي يعمل به منذ عشرين سنة كدليل سياحي ويعرفه حجرا بحجر ''أنظروا إنه مركز طبيعي للحراسة'' قال إبراهيم مشيرا إلى كهف صخري صغير بمدخل المغارة وكأنه يحرس القاعة الكبرى لهذه التحفة الطبيعية الفريدة من نوعها في الجزائر وربما في العالم أجمع، والتي اكتشفها الأمازيغ في القرن الأول أو الثاني قبل الميلاد حسب اختلاف الروايات، ليتخذوا منها مسكنا آمنا لهم وقصورا لملوكهم وزعمائهم· وتنقسم القاعدة الكبرى إلى قسمين حسب عدد الصواعد التي يبلغ طول بعضها إلى 18 مترا·
القسم الأول للمغارة الكبرى حسب بعض الروايات طوله 150كلم ويمتد حتى تراب المملكة المغربية مرورا جنب غار بومعزة بسبدو جنوب تلمسان إلى مغارة الحوريات بسيدي يحي قرب وجدة المغربية، وقد ردم الاستعمار الهوة المؤدية إلى هذا المسلك بستين متر مكعب من الإسمنت المسلح لمنع تنقّل المقاومين ثم ثوار جيش التحرير الوطني بين الجزائر والمغرب·
وحين تستمر في النزول عبر مسلك ضيق تم تهيئته للراجلين، يستقبلك هديل الحمام الذي يتخذ من المغارة مسكنا آمنا· ولا شك أن الذي يعرف الصحراء وواحاتها يخيّل له أنه مقبل على الاستظلال بواحة للنخيل، حين يرى تلك الصواعد الصخرية الكلسية العجيبة في شكل شجر النخيل، يعانق بعضها بعضا وقد ارتسمت فوقها أشكال غريبة وعجيبة يفسرها كل حسب مخيلته وإدراكه·
تمثال الحرية وقصر الملك
الطبيعة خلدت الحرية وسبقت تمثال نيويورك بأمريكا بمئات القرون قال دليلنا إبراهيم، مشيرا بيده إلى تمثال صخري طبيعي يضاهي تمثال الحرية بمدينة نيويورك الأمريكية، والذي أدهش سفير الولايات المتحدة الذي زار المكان سنة 2006، حين رآها ويقابل هذا التمثال قاعتان صخريتان انتصب في مدخلهما تمثال صخري طبيعي يجسد صورة الصقر طائر الملوك المفضل· ويرجح أن الغرفتين العجيبتين كانتا مخصصتان لزعماء وملوك الأمازيغ، وعند مغادرتك لقاعة الملك يسارا يوجد جدار صخري أبيض يميل إلى لون الرخام عند النقر عليه بعمود خشبي ينبعث منه صوت موسيقى إفريقية عريقة كأن أصلها يعود إلى مغارة بني عاد·
ثالث قاعة في أسفل مغارة بني عاد هي قاعة السيوف، وسميت كذلك للعدد الكبير من الصخور النوازل التي تشبه السيوف العربية البيضاء والمقدر عددها بعشرات الآلاف من مختلف الأحجام وتسمى هذه القاعة الفسيحة بقاعة المجاهدين، حيث كان يتخذ منها الثوار الجزائريون ملجأ يلجون إليه من ثقب صغير كان يؤدي إلى سفح الجبل، و بعد اكتشاف الأمر من طرف الاستعمار الفرنسي سنة 1957 تم تدمير ذلك الثقب بواسطة الديناميت، مما أدى إلى ردمه وبقيت آثار الجريمة بادية إلى يوم الناس هذا·
وتتسرب مياه الأمطار المتساقطة إلى جوف الأرض وإلى أسفل مغارة بني عاد·
وحسب علماء الجيولوجيا، فإن تلك القطرات المحملة بالكلس وبثاني أكسيد الكاربون وبعد تساقطها إلى أسفل المغارة، تخلّف ترسبات كلسية تتحول إلى نوازل صخرية ساحرة· وبعد تساقط تلك القطرات إلى أسفل المغارة تبدأ الصواعد في التشكّل وقدّر الجيولوجيون كل سنتمتر واحد بمئة سنة·
كنز سياحي غير مستغل
ورغم روعة مغارة بني عاد العجيبة التي أبدعها الخالق تحت الأرض والممتدة على طول 700 متر بعمق 57 مترا وبدرجة حرارة ثابتة طول العام عند 13 درجة، ورغم ما تتركه في نفوس زوارها الأجانب الذين يدخلون بعقولهم ويخرجون بدونها، مثلها قال دليلنا، إلا أنها تبقى غير مستغلة سياحيا باستثناء ما تبدله مصالح بلدية عين فزة من مجهودات متواضعة تواضع إمكانياتها لتهيئة المكان لاستقبال الزوار والدين قدّر عددهم سنة 2006 بـ 13 ألف زائر بين وطني وأجنبي· وقد اندهشنا فعلا أن المغارة لم يزرها أي وزير سياحة من الحكومة الجزائرية منذ عشرين سنة، في حين أصبحت قبلة للوفود الدبلوماسية والسياحية الأجنبية·