صدر حديثا ديوان "غرام افتراضى"، ضمن سلسلة "ديوان الشعر العربي" التى تصدرها الهيئة العامة للكتاب فى مصر، ويرأس تحريرها الشاعر السماح عبد الله، وهو الديوان العاشر لـ"سمير درويش" فى تجربته التى بدأها عام 1991 بديوان "قطوفها وسيوفى"، غير روايتين صدرتا متتاليتين عامى 2004، و2006.

فى ديوانه العاشر "غرام افتراضى" لا يصغى الشاعر "سمير درويش" إلى الأصوات التى تحيطه فقط، بل إلى الإيماءات المصاحبة والحركات الدالة، وينقل هذه كلها من فضاءاتها إلى الشعر لتكون شريط الصوت المصاحب لشريط الصورة الشعرية، تلك التى تتشكل لوحاتٍ مصبوغةً برؤى وأحلام وخيالات، تتعامل مع الافتراضي- المأخوذ من الإنترنت- كأنه واقعى ملموس. هى إذًا لوحات شعرية تلغى المسافة بين المرئى بما يملكه من ضغط وقوة ويقين، إلى الافتراضى الذى تتدخل الحواس فى تشكيله، كما تحب وتتمنى.

"غرام افتراضى" ينساب بين الغلافين دون عوائق، بلا عناوين ولا أرقام، كأنه قصيدة واحدة طويلة، أو جدارية عريضة تضم ألوانًا ممزوجة بعناية فائقة، وخطوطًا، ودوائرَ، وأصواتٍ، تتجادل مع كل ما يحيطها من ثقافات وموروثات، وجدالها مع القرآن هو الأوضح، حيث يعيد النص الشعرى قراءة النص الدينى من منظوره، كلغة ومضمون وقصص وأصوات، مما يزيده عمقًا ناتجًا عن اشتباك الحديث مع القديم، وجزالة ناتجة عن استعارة اللغة والتأثير القرآنيين. كما يمزج- فى سياق واحد وبكلمات مختزلة- السياسى بالعاطفى بالإنسانى.. إلخ.

فى بداية كل صفحة، تقريبًا، يضع "سمير درويش" جملة: "قالت لى" التى تصلح بداية جديدة، أو محطة للقراءة، يميزها عن بقية المدون بالصفحة باللون الأسود الثقيل، وفى نهاية الصفحة يثبت التاريخ الذى كُتب النص فيه، وهكذا يمكن تقطيع "القصيدة- اللوحة الكبيرة" إلى مجموعة من "النصوص- اللوحات الصغيرة"، التى يمكن تلقيها منفصلة بالفعل، لكن جمالها الكلى لا يكون إلا بوضعها فى سياقها الأوسع الذى يشكل تجربة كلية، يحرص الشاعر على وحدتها وتماسكها، فنيًّا ومضمونيًّا، منذ ديوانه الأول.