حتى لا تكون أعمى

قديمًا قالوا : حبك الشيء يعمى ويصم، وحديثًا يقولون : مرآة الحب عمياء ، وصدقوا فالحب يعمي القلب عن رؤية مساوئ المحبوب وعيوبه ، ويصم أذنه عن الإصغاء إلى أي رأي آخر فيه، فلا تسمع الأذن غير ما تحب أو تريد سماعه عن من تحب، وكم من رجل أحب امرأة على ما فيها من عيوب، وامرأة أحبت رجلًا على دمامته أو سوء خلقه .

والرغبات تستر السوءات، فالرغبة في الشيء تجعل المرء أعمى عن عيوبه، حتى إذا حازه وملكه زهد فيه بعد أن أبصره على حقيقته ودخل فيه ثم خرج منه فرآه على حقيقته

وليته كان العمى وحده بل رؤية عكس الصورة وخلاف الحقيقة، فالأبيض أسود حالك، والأسود أبيض ناصع البياض وهو قول الله تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ} [النمل: 24] .

فيزين الشيطان قبل الزواج العلاقة بين الشاب والفتاة، ويظل يحليها لهما ليشعرهم أن الفردوس المفقود في الانتظار، ويعمي كل منهما عن عيوب الآخر، وكل هذا ليعطيهم طرف الخيط في أيديهم ثم يكبهم به على وجوههم في شباك العشق وفخ الحرام.

وعلى النقيض يكون أول مهمة لإبليس بعد الزواج: التفريق بين المرء وزوجه حتى يسهل عليهما الوقوع في الحرام ويصعب الحلال وبهاتين الطريقتين تشيع الفحشاء في المؤمنين: تزيين الحرام قبل الزواج مع تحطيم العلاقة بعده .

إذا تأملنا وتأمل الشباب فإنهم سيجدون أن الأفلام الغربية وعلى إثرها الأفلام العربية، تصور حب الرجل للمرأة على أنه سقوط حتى انتشر تعبير السقوط في الحب Fall In Love ولاشك أن هذا التعبير يحمل من الإيحاءات الخبيثة الشيء الكثير، ولكن كثير من الناس لا يعلمون ومن هذه الإيحاءات :

1.إن الحب يتم دون إرادة منك تمامًا، وذلك كمن يسقط في حفرة أو فخ دون أن يقصد .

2.الحب لا يخضع للمنطق أو التعقل والسلوك الإرادي بل هو سلوك لا إرادي بحت .

3. لا يمكن صرف الحب أو طرده عن القلب، فلا تتعب نفسك في محاولات التغلب عليه أو تفاديه والهروب منه، كل ما عليك أن تفعله هو أن تتبع قلبك .

ولاشك أن كل ما سبق يدفع الراغب في الزواج إلى الاختيار المضلل، ولا يمنحه فرصة الاختيار الصحيح؛ لأنك في الحقيقة عشقت الصورة فحسب دون نظرك إلى جوانب الشخصية الأخرى، وهي غالبًا ما تكون نظرة منقوصة وصورة غير كاملة .

أما إذا أردنا أن نتحدث عن الحب الحقيقي : فالحب الحقيقي هو اختيار يخصع للعقل والمنطق, وأما غير ذلك فليس حبًا بل شهوة يستوي فيها الإنسان والحيوان سواء، فالحيوان يميل إلى الأنثى كما يميل الإنسان، لكن الإنسان كائن عاقل يقدر على ضبط نفسه ويتسامى على غرائزه ويتعلم أن يحب بمعزل عن الغرائز ويزن بذلك الأمور بصورة شاملة متكاملة، فالمفترض أنه لا يقع في فخ "الجمال" الخلْقي على حساب "القبح" الخُلُقي والطبعي .

طريقك إلى الحل

أمامك حلان لا ثالث لهما أمام أي عاشق

الزواج

(لم يطارد الإسلام المحبين ولا حارب بواعث العشق في النفس، وما جنح إلى تجفيف منابع العاطفة القلبية، بل على العكس من ذلك، فرسولك صلى الله عليه وسلم كان أعظم مثال للحب والعاطفية دون منازع، في حدود ما شرع ربه له) [شباب جنان، خالد أبو شادي، (142)].

فينما كانت تتخافت الأصوات عند ذكر الصحابة لأسماء نسائهم، نجد رسولنا الكريم يجاهر بحبه لزوجاته أمام الجميع، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، فقلت من الرجال؟ قال: أبوها.
وفوق ذلك جعل معيار الخير في الرجل وقربه من الله بمقدار حبه ورفقه بأهليه فقال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) [صححه الألباني في مشكاة المصابيح، (3252)].

فأي إعلاء لقيمة الحب أعلى من ذلك، فعاشق زوجته المحب لها المطيع لربه سبحانه وتعالى في بحار الحب يسبح، يتنافس مع من يتقربون إلى ربهم سبحانه وتعالى بأنواع الطاعات والقربات.

ومن عرف الإسلام حق المعرفة علم أن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، وهو يحب زوجاته ويشيع رسالة الحب والسلام كان يحارب كل أعراف الجاهلية وعادات المجتمع العربي التي كانت تنص على عدم تزويج المحبين خوفًا على سمعة الفتاة، واسمع: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن عندنا يتيمة وقد خطبها رجل معدم ورجل موسر، وهي تهوى المعدم ونحن نهوى الموسر، فقال صلى الله عليه وسلم: (لم ير للمتحابين مثل النكاح) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (624)].

وهذا اعتراف منه صلى الله عليه وسلم بالحب العفيف الجميل الذي يقع في القلب، فيسلك به صاحب القلب مسلكه الصحيح المؤدي إلى الزواج، وفي كلام النبي صلى الله عليه وسلم توصية غير مباشرة بعدم الوقوف في وجه المتحابين أو عرقلة اجتماعهما على الحلال، فالزواج في الإسلام هو الحل الوحيد والمأوى الطبيعي الذي يطفئ حرارة الظمأ العاطفي.

هذا وقد أضاف الإسلام للحب بعدًا راقيًا رقراقًا لا يتوقف فقط عند معايير الشكل الخارجي ولا يجعل الشكل هو الشيء الوحيد الذي يضعه الشاب في الحسبان، فكان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) [متفق عليه].

ومن ثم فيا كل شاب وفتاة : إن كان باب الزواج مفتوحًا أمامكما فهيا تقدما وادخلا ولا تتأخرا واغرفا من بحار الحب الحلال وسلسبيل العشق العذب المستحب، وإلا فكن مؤمنًا وكوني تقية وصونا عيناكما ولسانكما وقلبكما، وتصبرا حتى تتيسر لكما سبل الزواج وإماكاناته، والله عز وجل يجازيكم بصبركم خيرًا ويفتح لكم أبوابًا من الخير ما كنتم من داخليها إلا بصبركم وحفاظكم على طاعة ربكم، وإحكام إغلاقكم لأبواب الشيطان اللعين.

الفراق

فإذا لم يتيسر الزواج، فها هو الحل الثاني الذي يجب على شاب أن يلجه، ألا وهو باب الفراق، فإذا لم ييسر الله تبارك وتعالى الزواج لك أيها الشاب، وإذا ما كنت غير قادر على تبعات الزواج، كأن تكون طالبًا لازال أمامك سنين طويلة قبل التخرج والتفكير الجدي في الارتباط، أو فقيرًا لا تملك نفقات الزواج، فها أنا أنصحك نصيحة الأخ المحب والصديق الصدوق أن تهجر الأمر برمته بدلًا من تعليق قلب فتاة معك، والارتباط بها دهرًا ثم التقلب أنت وهي على جمرات الشوك ونيران الحب وخيالات الشهوة، وأنت مع ذلك تغضب ربك.

كان ذلك هو الدواء الفعال الذي وصفه الطبيب البارع ابن القيم طيب الله ثراه لكل عاشق فقال: (والعشق مركب من أمرين: استحسان للمعشوق وطمع في الوصول إليه، فمتى انتفى أحدهما انتفى العشق) [زاد المعاد، ابن القيم، (4/246)].

أكمل جرعة الدواء

أظن أنه تبين لك الآن أن الحل الأسلم لدينك الذي هو أغلى ما تحوز في صدرك، ودنياك أن تفارق تلك الفتاه التي تقول إنك تحبها، لكن ربما تقول الآن لكن الفراق عذاب بالنسبة لي ولوعة شديدة لا أستطيعها، أقول لك نعم ربما يكون الأمر كذلك ولذلك عليك أن تكمل جرعة الدواء حتى لا تعاني من هذه اللوعة، ويكون ذلك بملئ وقت الفراغ، فلا تدع لنفسك وقت فراغ يكون جالبًا لذكريات قديمة ومقلبًا لمواقف مع فتاة، فاهجر الفراغ بكل أنواعه: الفراغ الوقتي والجسدي بالرياضة والهوايات، فابحث عن نادي أو مركز للشباب تمارس فيه رياضة مفضلة أو هواية تحبها وتهواها.

وكذلك عليك أن تملئ الفراغ الإيماني، لأن كل شاب خاصة في مرحلة المراهقة في حاجة شديدة للعبادة والقرب من الله تبارك وتعالى، فاملأ هذا الفراغ إذًا بالعبادة والإقبال على الله، ويا حبذا لو تبحث عن رفقة صالحة في بيت من بيوت الله تبارك وتعالى تحفظ معها كتاب الله تبارك وتعالى ويعينوك على طاعة الله، ويتفقدوك إذا ما غبت عنهم، وكذلك عليك أن تملأ الفراغ الذهني بالدراسة والعمل، وأكرر؛ عليك أن تهجر الفراغ بكل أنواعه.

فإنك إذا فعلت هذا فإنك ستسلم بإذن الله وستشفى وستغادرك آفات المرحلة السابقة، وستغلق بذلك الأبواب أمام الشيطان، فهيا انطلق ولا تتأخر، واهنأ بحياتك في طاعة الله ورضاه، واعلم أن أول خطوة في طريق الحب الحقيقي الحلال ، أن تهجر الحب الحرام.