النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    الصورة الرمزية المجازف 2011
    المجازف 2011  غير متواجد حالياً عضو نشيط
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    المشاركات
    7,048

    افتراضي رساله الى المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين.


    أما بعد:


    فلقد قال نبي من أنبياء بني إسرائيل لما رأى ما يفعل بختنصر بقومه: (بما كسبت أيدينا سلّطتَ علينا من لا يعرفك ولا يرحمنا).


    وقد اخترت هذا الكلام للمناسبة المشابهة، ولأن مدار هذه الذكرى على هذا المعنى، قال الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنةٌ أو يصيبهم عذاب أليم}.


    ولمَّا ذكر سبحانه الأمم العاصية لرسله قال: {فكُلاً أخذنا بذنبهِ فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.


    فانظر قوله تعالى: {فكلاً أخذنا بذنبه} وهذا حصل في الدنيا فما الذي يؤمِّن من سلك طريق العصاة أن يأتيه ما أتاهم من عقاب الله ونقمته؟ (فنفْسَك لُمْ ولا تَلُمِ المطايا). ونعوذ بالله أن نشْمت، ولكن علينا أن نُبَيِّن ونُحذِّر.


    وتأمل قول الله تعالى: {ليُذيقهم بعض الذي عملوا} وهذا يكون في العقوبات الدنيوية.


    ثم يقول لنا الرب سبحانه بعدهم لنعتبر بهم ونخاف عادته التي جرت عليهم: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يُرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير}، ويقول سبحانه وتعالى: {أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون}. وإن تسليط اليهود على العرب إنما سببه الذنوب بلا شك ولا رَفْع لهذه العقوبة إلا بالتوبة.


    وإن التوبة ليست مجردُ قولٍ باللسان وإنما هي مع ندم القلب حركة تغيير وانتقال مما يسخط الرب سبحانه إلى ما يرضيه لينصلح حالهم وتنكشف كرباتهم بإذن ربهم.


    إنهم كثيرون في زماننا الذين يتكلمون في الدين في مهمات الأمة الكبرى وهم لا يحسنون إصلاح نفوسهم واستقامتها، ولذلك فإن مجالات لومهم وتعنيفهم لاتخرج عن محيط الحكام والدول وكأن الشعوب صُلحاء أتقياء!!


    إنها لو صلحت الرعية لصلحت الرعاة و "كما تكونوا يُولّى عليكم".
    الاشراف(ضعفه غير واحد من أهل العلم، منهم من المتقدمين الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله ومن المتأخرين الشيخ الألباني رحمه الله فقد جمع طرقه في سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/490)

    أفما آن الآوان بعد ذلك لأن يستيقظ النائم ويستفيق الحالم ويعلم من يدعي أنه يهتم بأمر المسلمين أن طرقهم مسدودة. وأبواب نصرهم مغلقة لبلاء فيهم وهو سبب مصائبهم ودواهيهم.


    وإنهم كثيرون أيضاً أصبحوا لا يستطيعون السمع إذا قيل لهم: إن سبب خذلان الشعوب المغلوبة إنما هو الذنوب.


    وما سِرُّ هذا الوقر في مسامعهم إلا أنهم مشاركون في الآثام والعيوب.


    وهل آن للشعوب المخذولة الآوان إلى أن تنظر بصدق إلى أسباب خذلانها لتتخلص منها! وذلك بأن تقلل من لوم الحكام والدول راجعة بالملامة على نفسها فتغير من حالها ليغير الله لها! ولقد تعلقت الشعوب اليوم بالحكام لأنها داخلة في ظلماتها حتى توكلت عليها لمشاركتها في تغييراتها وتبديلاتها، ومع هذا حمّلتها الملامة دونها! ولما وقعت في الشدائد إذا الطريق التي في سلوك نجاتها مسدودة، فوُكِلَت على من تعلقت به وتوكلت عليه، وهذا هو عين الخذلان بلا شك.


    ولقد أخرج أحمد وابن ماجة أثراً عن مالك بن دينار أنه قال: قرأت في الحكمة أن الله عز وجل يقول: (أنا الله مالك الملوك. قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جلعتهم عليه نقمة. فلا تشغلوا أنفسكم بسَبِّ الملوك. ولكن توبوا إليَّ أعطفهم عليكم).
    ( هذا الحديث ضعيف جدا. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": رواه الطبراني في الأوسط، وفيه وهب ابن راشد، وهو متروك.

    وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية": قال الدار قطني: وهب بن راشد ضعيف جدا متروك الحديث، ولا يصح هذا الحديث مرفوعا،)


    فتأمل قوله عز وجل: (توبوا إليَّ) لتعلم بأنه ليس لنا من طريق نجاة إلا بالرجوع إلى من بيده أزمّة الأمور، وإنما يكون ذلك بالتوبة الصادقة إذ أن للذنوب آثار سوء في الدنيا قبل عقاب الآخرة.


    ولقد قال بختنصر لدانيال: ما الذي سلّطني على قومك؟ قال: (عظم خطيئتك وظلم قومي أنفسهم).


    فتأمل هنا قوله: (وظلم قومي أنفسهم) لتعلم أن هذه الشعوب إما أن تقول: (لم نظلم أنفسنا) فينقطع معها الكلام حينئذٍ ولا يُتعب المرء نفسه مع من لا يعقل. وإما أن يقولوا: (ظلمنا أنفسنا) فيُقال لهم حينئذ: توبوا إلى ربكم وانزعوا عن موجبات سخطه يُغيّر لكم.


    ولقد كان الفُضيل بن عياض رحمه الله تعالى يقول للمجاهدين إذا أرادوا الخروج للجهاد: (عليكم بالتوبة فإنها ترد عنكم مالا تردّه السيوف).


    بل وأبلغ من هذا تذكّر ما جرى في غزوة أحد من مخالفة الرماة وكيف أُديل العدو وسُلّط بسبب ذلك حتى أنزل الله قرآناً يعاتب فيه سادات الأولياء ؛ هذا وهم قد خرجوا جهاداً في سبيله خالصاً لتكون كلمته هي العليا بلا شوائب، ومع ذلك ينزل سبحانه قوله: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم}. وبلا شك بأن رد بعض قول النبي صلى الله عليه وسلم مما يوجب الزيغ.


    بل وقبل ذلك في غزوة بدر ينزل الله في شأن الأسرى {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}، وفي غزوة حنين تحصل الهزيمة لكلمة قيلت (لن نُغلب اليوم من قلّة)، وينزل الله في ذلك قرآناً فيه العتاب حيث يقول سبحانه: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حُنين إذا أعجبتكم كثرتكم... الآية}.


    وأخرج أحمد أثر جبير بن نفير أنه قال: (لما فُتحت قُبرص فُرِّقَ بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويلك يا جبير ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره. بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى) انتهى.


    فانظر قوله (ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره) فالنجاة والنصر والعز إنما تكون في القيام بأمر الله و ضد ذلك إنما هو في تضييعه ولا طريق ثالث البتة.


    وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إِذا ظَهَرَتِ المَعاصي في أُمَّتي عَمَّهُم الله بعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ... الحديث))
    رواه أحمد، وصححه الألباني.)، وقد ظهرت المعاصي والكفريات في كل أرض ظهوراً لم يسبق له مثيل فكيف يُستنكر عذاب الحروب إذاً.

    ولقد أصبحت الأمة غُثاءً كغثاء السيل حتى نُزعت مهابتها من قلوب أعدائها كما في حديث ثوبان، وفي حديث عبد الله بن مسعود: (إذا ظَهرَ الربا والزّنا في قريةٍ أذن الله عز وجل بهلاكها) وقد ظهر ذلك ظهوراً بيّناً، وقد قيل لحذيفة رضي الله عنه: في يوم واحد تركت بنو إسرائيل دينهم!! فقال: (لا، ولكنهم كانوا إذا أمروا بشيء تركوه وإذا نُهوا عن شيء فعلوه حتى انسلخوا من دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه).


    وليُنظر حال الفلسطينين وغيرهم من العرب كيف شابهوا بني إسرائيل في ذلك، وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يا معشر قريش.. إنكم أهل لهذا الأمر ما لم تعصوا الله فإذا عصيتموه بعث عليكم من يلحاكم كما يُلحى هذا القضيب والقضيب في يده، ثم لحى قضيبه فإذا هو أبيض يصلد).


    فتأمل هذا وأنه ليس بين الله وبين عباده نسب، وانظر قوله صلى الله عليه وسلم: (... فإنكم أهل لهذا الأمر ما لم تعصوا الله فإذا عصيتموه بعث عليكم من يلحاكم كما يلحى القضيب) فأليس في هذا عبرة لمن يعتبر وموعظة لمن يتعظ!


    وإن كل شر في العالم فإنما سببه الذنوب وقد لا يرى العبد أثر الذنوب السيء في الحال فقد يتأخر تأثيرها فينسى ذلك ويظن أن الله لا يُغيّر عليه سواء في خاصته أو ما يعمّ شره من الذنوب.


    وقد قال ابن القيم رحمه الله في ذلك: (وسبحان الله ماذا أهلكت هذه النكتة من الخلق، وكم أزالت من نعمة، وكم جلبت من نقمة، وما أكثر المغترين بها من العلماء والفضلاء فضلاً عن الجهال، ولم يعلم المغتر أن الذنب ينقض ولو بعد حين كما ينقض السهم وكما ينقض الجرح المندمل على الغش والدغل)، ثم ذكر قول أبي الدرداء رضي الله عنه: (وأن الإثم لا ينسى).


    وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه "الجواب الكافي" أثار الذنوب والمعاصي وأطال، حتى أتى بما يُدهش وما بعضه يكفي في الزجر عن معاصي الجليل سبحانه وبحمده، بل وأتى بما بعضه يكفي لمعرفة سبب تسليط اليهود على العرب. وسأنقل نبذة مختصرة من كلامه في ذلك لمعرفة شؤم الذنوب وآثارها وعقوباتها في القلب والبدن في الدنيا والآخرة مما لا يعلمه إلا الله، فمن آثارها: (حرمان العلم وحرمان الرزق.


    "ومنها": وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لا يوازيها ولا يقاربها لذة أصلاً ولوْ اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تفِ بتلك الوحشة.


    "ومنها": الوحشة التي بينه وبين الناس ولا سيما أهل الخير منهم فإنه يجد وحشة بينه وبينهم، وكلما قويت تلك الوحشة بَعُدَ منهم ومن مجالستهم، وحُرم بركة الانتفاع بهم، وَقَرُب من حزب الشيطان بقدر ما بَعُد من حزب الرحمن.


    "ومنها": تعسير أموره فلا يتوجه لأمر إلا ويجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه، وهذا كما أن من اتقى الله جعل الله له من أمره يسراً.


    "ومنها": ظلمةٌ يجدها في قلبه حقيقة يحسُ بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا ادلهم، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره فإن الطاعة نور والمعصية ظُلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده.


    "ومنها": أن المعاصي توهن القلب والبدن.


    "ومنها": حرمان الطاعة.


    "ومنها": أن المعاصي تقصر العمر وتمحق بركته ولا بد.


    "ومنها": أن المعاصي تزرع أمثالها ويولّد بعضها بعضاً.


    "ومنها": وهو أخوفها على العبد أنها تضعف القلب عن إرادته فتقوى فيه إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، فلو مات نصفه لما تاب إلى الله فيأتي بالاستغفار وتوبة الكذابين باللسان لشيءٍ كثير وقلبه معقود بالمعصية مصرٌ عليها عازم على مواقعتها متى أمكنه، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك.


    "ومنها": أنه ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ولا كلامهم فيه. وهذا عند أرباب الفسوق هو غاية التفكّه وتمام اللذة حتى يفتخر أحدهم بالمعصية ويُحدث بها من لم يكن يعلم أنه عملها.


    "ومنها": أن كل معصية من المعاصي فهي ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها الله عز وجل. فاللوطية ميراث عن قوم لوط.


    "ومنها": أن المعصية سبب لِهَوَان العبد على ربه وسقوطه من عينه. قال الحسن البصري: (هانوا على الله فعصوه ولو عَزّوا عليه لعصمهم). وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد كما قال تعالى: {وَمنْ يُهنِ الله فما له من مُكرم}. وإن عظَّمهم الناس في الظاهر لحاجتهم إليهم أو خوفاً من شرهم فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهْونه.


    "ومنها": أن العبد لا يزال يرتكب الذنوب حتى تهون عليه وتصغر في قلبه وذلك علامة الهلاك. فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله.


    وقد ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه عن ابن مسعود أنه قال: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه. وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار)!!


    "ومنها": أن غيره من الناس والدواب يعود عليه شؤم ذنبه فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم.


    "ومنها": أن المعصية تورث الذل ولا بد فإن العز كل العز في طاعة الله تعالى. قال تعالى: {من كان يُريد العزة فلله العزة جميعاً} أي فليطلبها في طاعة الله فإنه لا يجدها إلا في طاعة الله.


    "ومنها": أن المعاصي تفسد العقل فإن للعقل نوراً والمعصية تطفئ نور العقل ولا بد. وإذا طفئ نوره ضعف ونقص، قال بعض السلف: (ما عصى الله أحد حتى يغيب عقله) وهذا ظاهر فإنه لو حضره عقله لحجزه عن المعصية وهو في قبضة الرب تعالى، وتحت قهره وهو مطلعٌ عليه وفي داره على بساطه وملائكته شهود عليه ناظرون إليه وواعظ القرآن ينهاه وواعظ الإيمان ينهاه وواعظ النار ينهاه، والذي يفوته بالمعصية من خير الدنيا أضعاف أضعاف ما يحصل له من السرور واللذة بها، فهل يُقدم على الاستهانة بذلك كله والاستخفاف به ذو عقلٍ سليم؟


    "ومنها": أن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها.


    "ومنها": أن الذنوب تُدخل العبد تحت لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لعن على معاصي وغيرها أكبر منها فهي أولي بدخول فاعلها تحت اللعنة.


    "ومنها": حرمان دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوة الملائكة.


    "ومنها": أنها تحدث في الأرض أنواعاً من الفساد. والفساد المراد به الذنوب وموجباتها، ويدل عليه قوله تعالى: {ليذيقهم بعض الذي عملوا}.


    فهذه حالنا وإنما أذاقنا الله الشيءَ اليسير من أعمالنا، فلو أذاقنا كل أعمالنا لما ترك على ظهرها من دابة.


    ومن تأثير المعاصي: ما يحل بها من الخسف والزلازل ويمحق بركتها.


    وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ديار ثمود فمنعهم من دخول ديارهم إلا وهم باكون، ومن شرب مياههم ومن الاستسقاء من آبارهم) انتهى.


    فانظر قول ابن القيم: (فهذه حالنا... إلى آخره).. فأين في زماننا هذا من يعترف بأن سبب الحروب والمصائب وغيرها إنما هو بسبب ما نعمل من الذنوب؟!!. لقد سيطرت السياسات الطاغوتية على الملة الحنيفية!!


    ومن آثار المعاصي والذنوب؛ - كما يقول ابن القيم - : (أنها تطفئ من القلب نار الغيرة التي هي لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن فإن الغيرة حرارته وناره التي تخرج ما فيه من الخبث والصفات المذمومة كما يُخرج الكير خبث الذهب والفضة والحديد وأشرف الناس وأعلاهم قدراً وهمة أشدهم غيرةً على نفسه وخاصته وعموم الناس.


    ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أغير الخلق على الأمه والله سبحانه أشد غيرة منه كما ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه والله أغير مني).


    "ومنها": ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب، وهو أصل كل خير.وذهابه ذهاب كل خير بأجمعه.


    "ومنها": أنها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله وتضعف وقاره في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه.


    "ومنها": أن يرفع الله عز وجل مهابته من قلوب الخلق فيهون عليهم ويستخفون به كما هان عليه أمر الله واستخف به.


    "ومنها": أنها تستدعي نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه. وهنالك الهلاك الذي لا يرجى معه نجاة.


    "ومنها": إبعاده عن رفقة المؤمنين فيفوته دفاع الله لأن الله يدافع عن الذين آمنوا.


    "ومنها": أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة وتعوقه وتوقفه وتعطفه عن السير فلا تدعه يخطوا إلى الله خطوة.


    هذا إذا لم ترده عن وجهته إلى ورائه، فالذنب يحجب الواصل ويقطع السائر وينكس الطالب، والذنب إما أن يميت القلب أو يمرضه مرضاً مخوفاً أو يضعف قوته ولا بد.


    "ومنها": أنها تزيل النعم وتحل النقم فما زالت عن العبد نعمة إلا بسبب ذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه (ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع بلاء إلا بتوبة)، وفي بعض الآثار الإلهية عن الرب تبارك وتعالى أنه قال: (وعزتي وجلالي لا يكون عبد من عبيدي على ما أحب ثم ينتقل عنه إلى ما أكره إلا انتقلت له مما يحب إلى ما يكره. ولا يكون عبدٌ من عبيدي على ما أكره فينتقل عنه إلى ما أحب إلا انتقلت له مما يكره إلى ما يحب) انتهى.


    فتأمل قوله سبحانه: (ولا يكون عبد من عبيدي على ما أكره فينتقل عنه إلى ما أحب إلا انتقلت له مما يكره إلى ما يحب) إن تطبيق هذا عملياً من الفلسطينين وغيرهم من العرب إنما يكون بالكفر بالطاغوت وبالكفر بالتحاكم إليه من هيئة أمم وغيرها سوى الكتاب والسنة.


    ويكون ذلك أيضا بتسوية القبور وعدم الاعتقاد فيها والتعلق بها فلا يذبح لها ولا ينذر لها ولا يُدعى أربابها ولا يدعى عندها ولا يُتبرك بها ولا تُبنى عليها القباب.


    فهذا كله شرك ووسيلة إلى الشرك، وذلك من أعظم المحرمات.


    ويكون ذلك التطبيق العملي أيضا بتكفير الكفار وبغضهم والبراءة منهم ؛ وهذا هو أصل ملة الخليلين إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام. ويكون ذلك أيضا بإقامة الجهاد في سبيل الله لتكون كلمته هي العليا فحسب تجرداً من كل شعار جاهلي، ويكون أيضا بإقامة الحدود الشرعية على كل أحد وأداء الفرائض كما جاء في الشرع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتوبة من شرب الخمر والدخان وجميع المخدرات ومن حلق اللحى وتبرج النساء وكشف وجوههن وتحطيم التلفاز والدش والراديو والفيديو وأمثالها من الخوارق التي تمثل الأصوات والصور والاقتصار على علم الرسول صلى الله عليه وسلم دون أن تطلب به الدنيا، وكذلك إعدام الصور وتحريم التصوير والغناء واللواط والزنا والربا وجميع المنكرات. فمن أراد أن ينتقل الله له مما يكره إلى ما يحب فَلْيُري الله من نفسه خيراً.


    إن بعض ما ذكرتُه هنا من ذنوبنا ليكفي في تسليط الأعداء. وإننا لنخشى بأنه قد عُرج بالألباب لتنفذ المقادير.


    قال الحسن البصري في مخالفة الرماة يوم أُحد وما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم وسادات الأولياء معه قال عند قوله تعالى: {ولقد عفا الله عنكم والله ذو فضلٍ على المؤمنين} قال رحمه الله: (كيف عفا عنهم وقد قُتل منهم سبعون وقتل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكُسرت رباعيته وشج في وجهه، قال ثم يقول: قال الله عز وجل: قد عفوت عنكم إذ عصيتموني ألا أكون استأصلتكم، ثم يقول الحسن: هؤلاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله غضاب لله يقاتلون أعداء الله نُهوا عن شيءٍ فصنعوه فوالله ما تُرِكوا حتى غُموا بهذا الغم، فأفسق الفاسقين اليوم من يتجرأ على كل كبيرة ويركب كل داهية ويسحب عليها ثيابه ويزعم أن لا بأس عليه فسوف يعلم) انتهى.


    ومن آثار المعاصي والذنوب؛ - كما يقول ابن القيم - : (ما يلقيه الله سبحانه من الرعب والخوف في قلب العاصي فلا تراه إلا خائفاً مرعوباً.


    "ومنها": أنها توقع الوحشة العظيمة في القلب فيجد المذنب نفسه متوحشة قد وقعت الوحشة بينه وبين ربه وبينه وبين الخلق وبينه وبين نفسه.


    "ومنها": أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه.


    "ومنها": أنها تعمي بصر القلب وتطمس نوره.


    "ومنها": أنها تصغر النفس وتقمعها وتدسيها وتحقرها حتى تصير أصغر من كل شيء وأحقره، كما أن الطاعة تنميها وتزكيها وتكبرها.


    "ومنها": أن العاصي في أسر شيطانه وسجن شهواته وقيود هواه. فهو أسير مسجون مقيَّد، ولا أسير أسوأ حالاً من أسير أسَره أعدى عدو له ولا سجن أضيق من سجن الهوى ولا قيد أصعب من قيد الشهوة فكيف يسير إلى الله والدار الآخرة قلبٌ مأسور مسجون مقيد، وكيف يخطو خطوة واحدة) انتهى.


    إن ما تقدم ذكره من الكفريات والمنكرات وترك الطاعات أعظم سجن للقلب وأعظم أسرٍ له وأشد قيد. وإن هذا ليحس به كوابيس الهم والغم المحيطة بالقلب وقد لا يعلم المصاب بذلك عن السبب وأنه بُعده من ربه وقربه من عدوه، ومن شاء فليسأل كل من تاب إلى ربه وأقبل على طاعته عن التغيير الذي شعر به وأحسه وسيجد الجواب بأنه قد وجد راحة نفسية وأُنساً واستنارة في قلبه ورقة وأن كوابيس الهموم والغموم قد زالت عنه وانجلت عن قلبه ظلمتها.


    ومن آثار المعاصي والذنوب؛ - كما يقول ابن القيم - : (سقوط الجاه والكرامة والمنزلة عند الله وعند خلقه.


    "ومنها": أنها تؤثر في نقصان العقل.


    "ومنها": أنها تجعل صاحبها من السفلة بعد أن كان مهيئاً لأن يكون من العلية.


    "ومنها": أنها تجرئ العبد على ما لم يكن يجرأ عليه.


    "ومنها": أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه.


    "ومنها": أنها تعمي القلب فإن لم تعمه أضعفت بصيرته ولابد.


    "ومنها": أنها تنسي العبد نفسه.


    "ومنها": أنها تزيل النعم الحاضرة وتقطع النعم الواصلة.


    "ومنها": أنها تباعد عن العبد وليَّه وأنصح الخلق له وأنفعهم له ومَن سعادته في قربه منه وهو الملك الموكل به وتدني منه عدوه وأغش الخلق وأعظمهم ضرراً له وهو الشيطان فإن العبد إذا عصى الله تباعد منه الملك بقدر تلك المعصية.


    "ومنها": أنها تستجلب مواد هلاك العبد في دنياه وآخرته فإن الذنوب هي أمراض القلوب متى استحكمت قتلت ولا بد.


    "ومنها": أنها مدد من الإنسان يُمد به عدوه عليه وجيشٌ يقويه به على حربه) انتهى.


    هذا مختصر عقوبات وآثار المعاصي فكيف نستبعد تسليط الأعداء بالحروب وغيرها والرب سبحانه يقول: {وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال} فتأمل قول ربك عزوجل: {وتبين لكم كيف فعلنا بهم} لتعلم بأنه وعيد منه سبحانه وهو بمعنى: احذروا معصيتي لئلا تجري عليكم عادتي.


    ولقد غرقت بلاد العرب والمسلمين اليوم بموجبات السخط والعذاب من تسليط الأعداء وغير ذلك من العقوبات قال تعالى: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد}.


    إن من موجبات الغضب والعذاب؛


    الشرك القبوري وغيره، ومن ذلك: التحاكم إلى الطاغوت وهو ما خالف شرع الله سواء أكان ذلك من قوانين وتشريعات دولية أو خاصة، ومن ذلك أيضاً: البدع، وترك الفرائض من الصلوات الخمس وغيرها، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مقتضى الشرع لا التنظيم، وترك إقامة الحدود وترك الجهاد في سبيل الله لتكون كلمته هي العليا لا لشيءٍ آخر، وكذلك: شرب الخمور والدخان والزنا واللواط والربا وتبرج النساء ونزع الحجاب والغناء والشاشات بلا استثناء والرياضة والصور بلا استثناء وحلق اللحى والتشبه بالكفار باللباس وغيره، واستعمال الخوارق الشيطانية وطلب العلم للدنيا وللرياسة وخلطه بعلوم الكفار ولغاتهم ومُوادّة الكفار وتعظيمهم وعدم تكفيرهم.


    وقد تقدم بيان هذا، وإنما أعدته لبيان أهميته وعِظم خطره وكثرته وشموله، وإنه لا يُجنى من الشوكِ العنب فمن دخل هذه المداخل المظلمة الجالبة للعقوبة العاجلة فلا يلوم إلا نفسه إن أصابه ما أصابه، وهذه الخطايا ظاهرة مجاهر بها، والخطيئة إذا أخفيت لم تضر إلا أهلها وإذا ظهرت فلم تغير فإنها ضررها سيَعُمّ بلا شك.


    وإن فلسطين وغيرها من بلاد العرب قد امتلأت اليوم من هذه الموبقات وغيرها مما يصعب حصره، والله عز وجل يقول: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون}، والمطلوب إذا حل العذاب من الحروب وغيرها إنما يكون بالاستكانة والتضرع ويكون ذلك بالتوبة وهي الإقلاع بمقارنة الندم ومقارنة عدم العود إلى المُسخط فأين هذا لما حل العذاب؟ وأين إعدام المنكرات وفعل المأمورات؟


    لقد كان الناس فيما مضى إذا أصابهم عذاب من الله - إما تسليط أعداء أو غيره - فإنهم يبادرون بالتوبة فيكسرون آلات اللهو ويهرقون الخمور وغير ذلك من المعاصي ويهرعون إلى المساجد يدعون ويتضرعون فيكشف الله ما بهم.


    وأما اليوم فقد قست القلوب وأظلمت، ونخشى أن نكون ممن قال الله تعالى عنهم: {ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون}، وقد تقدم قول الفُضيل بن عياض للمجاهدين إذا أرادوا الخروج للجهاد حيث يقول: (عليكم بالتوبة فإنها ترد عنكم ما لا ترده السيوف)، وهو يقول هذا لمن يخرجون للجهاد إبتداءً وهم صُلحاء فكيف بمن يدهمهم الأعداء وهم غارقون بالذنوب والمعاصي، فأين التوبة والرجوع وأين الندم والنزوع؟ {أم على قلوبٍ أقفالها}؟!


    ولقد جعل الجليل للتمكين في الأرض شروطاً من أعطاه إياها أعطاه موعوده {ولن يخلف الله وعده} فأين شروط التمكين. والمراد به التمكين إنما هو المحبوب لله والذي هو مقارن ملازم لإقامة شرعه سبحانه. ونحن لم نقنط من رحمة الله ولكننا ننظر في آثار المعاصي والطاعات وإلا فقد لاحت البوارق في المشارق معلنة للعالَم ظهور معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم الصادق وأن الذي جاء به إنما هو من رب الخلائق فويل للمعاند والمشاقق، وتعساً وخيبة لكل كفور ومنافق.. يقول ملك الملوك سبحانه وبحمده للمؤمنين: {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}، ويقول للكافرين: {ولن تُغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت}.


    فتأمل قوله جل جلاله: {ولو كثرت} واعلم أن هذا لا يحده حدٌ يُعجز القوي العزيز فكيف وقد أعقبها سبحانه بقوله: {وأن الله مع المؤمنين}.


    إنها كنوز القرآن تبشر أهل الإيمان، وهي حسرة على أهل الطغيان.


    وإن تطهير المسجد الأقصى إنما يكون على أيدي من يبغضون اليهود، لأن اليهود هم أعداء ربنا المعبود ونبينا المحمود قَتَلَة الأنبياء الذين يقولون {الله فقير ونحن أغنياء} أَكَلَة السُحت والربا الذين يقولون {عزير ابن الله} عليهم لعائن الله. وإن تطهير الأقصى إنما يكون على يد مؤمنين متقين يعمرونه بطاعة الرحمن ومراغمة الشيطان.. يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.


    واعتبر بما ذكره ابن كثير في تاريخه عن القاضي الفاضل المؤازر للسلطان صلاح الدين الأيوبي رحمهما الله حيث قال: (كان القاضي الفاضل بمصر يدبر الممالك بها ويجهز إلى السلطان صلاح الدين ما يحتاج إليه من الأموال وعمل الأسطول والكتب السلطانية فيها فصاحة وبلاغة ومواعظٌ وتحضيض على الجهاد فرحمه الله من إنسان، ما أفصحه ومن وزير ما كان أنصحه، ومن عقل ما كان أرجحه فمنها كتاب يَذكر فيه أن سبب هذا التطويل في الحصار من الإفرنج على عكا كثرة الذنوب وارتكاب المحرمات بين الناس فإن الله لا يُنال ما عنده إلا بطاعته ولا يفرج الشدائد إلا بالرجوع إليه وامتثال أمره، فكيف لايطول الحصار والمعاصي في كل مكان فاشية، وقد صعد إلى الله منها ما يتوقع بعده الاستعاذة منه. وفيه أنه قد بلغه أن بيت المقدس قد ظهرت فيه المنكرات والفواحش والظلم في بلاده مالا يمكن تلافيه إلا بكلفة كثيرة، ومنها كتاب يقول فيه: إنما أُتِينا من قِبَل أنفسنا ولو صدقنا لعجل الله لنا عواقب صدقنا، ولو أطعناه لما عاقبنا بعدونا ولو فعلنا ما نقدر عليه من أمره لفعل لنا مالا نقدر عليه إلا به، فلا يختصم أحد إلا نفسه وعمله ولا يرجو إلا ربه، ولا يغتر بكثرة العساكر والأعوان. ولا فلان الذي يعتمد عليه أن يقاتل ولا فلان. فكل هذه مشاغل عند الله ليس النصر بها. وإنما النصر من عند الله. ولا نأمن أن يكلنا إليها. والنصر به والُّلطف منه.ونستغفر الله تعالى من ذنوبنا فلولا أنها تسد طريق دعائنا لكان جواب دعائنا قد نزل. وفيض دموع الخاشعين قد غُسل. ولكن في الطريق عائق. خار الله لمولانا في القضاء السابق واللاحق) انتهى من "البداية والنهاية" [12/338].


    فتأمل أحوال العارفين بالله الصادقين مع الله المتوكلين على الله.


    ولا تغتر بما آلت إليه أمور أهل الزمان من نسيان الرحمن والتعلق بأهل الكفر والطغيان فإن من تعلق شيئاً وُكِلَ إليه، وقد صار الإسلام عند الكثيرين إنما هو مجرد الانتساب والتسمي.


    وإذا تبين لك ما تقدم وهو قليل من كثير فإياك أن تشك في أن الذنوب والمعاصي من أعظم ما يستدعي تسليط الأعداء، فإن وفقك الله فإنك ستبادر إلى دواء الداء لتحصل على العافية والشفاء.


    قال ابن القيم رحمه الله: (فمما ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصي تضر ولا شك أن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها. وهل في الدنيا والآخرة شرور وداء إلا سببها الذنوب والمعاصي).


    ثم قال: (فما الذي أخرج الوالدين من الجنة؟).. ثم ذكر طرد إبليس ولعنه وإغراق قوم نوح وتسليط الريح على عاد وإرسال الصيحة على ثمود، وقلب قرى اللوطية وحصبهم بالحجارة، وسحائب العذاب كالظُّلَلِ على قوم شعيب وإغراق فرعون وقومه والخسف بقارون وداره وماله وأهله، ثم قال: (وما الذي بعث على بني إسرائيل قوماً أولي بأسٍ شديد فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوْا الذراري والنساء، وأحرقوا الديار ونهبوا الأموال ثم بعثهم عليهم مرة أخرى فأهلكوا ما قدروا عليه، وتبروا ما علوا تتبيراً، وما الذي سلط عليهم بأنواع العذاب والعقوبات مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد، ومرة بجور الملوك، ومرة بمسخهم قردة وخنازير وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى{ليبعثنَّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}) انتهى.


    وليعلم أن المراد ليس ذكر بني إسرائيل وما جرى لهم وإنما المراد هو معنى قوله تعالى: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب} فالاعتبار مراد في القرآن لما سبق من الخير والشر للاتعاظ والحذر، والمراد أيضاً معنى ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من اتباع أمته سُنن أهل الكتاب لئلا نستنكر إذا جاءتنا عقوبات ذنوبنا كما عوقبوا، فإن سنن الله لا تتبدل، وليست لنا الحلوة ولهم المرة كما يقول بعض الصحابة، فالدعوة الآن إنما هي إلى التوبة من الدواعي التي سلطت علينا الأعداء وجلبت إلينا البلاء. وإن سالك غير هذا المسلك إنما طريقه مسدود، وهو عن طريق نجاته مصدود، وتسليط عدوه عليه قد يتكرر ويعود، لأنه مصرٌ على مساخط مولاه، معرضٌ عن آخرته مقبل على دنياه، يرضى وربه غضبان ويغضب وربه راضٍ.


    وإنه لا يُجنى من الشوك العنب، فالذنوب والمعاصي مغناطيس العقوبات من تسليط الأعداء والبليات، وإن أعظم ما يعاقب به العبد إنما هو بإصراره على إسخاط ربه وموت قلبه.


    ولنختم هذه النصيحة [1] بذكر وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجيشه لصلتها الوثيقة بهذا الموضوع والشاهد فيها قوله رضي الله عنه: (... فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم)، وقوله: (... ورُب قوم سُلِّط عليهم من هو شرٌّ منهم كما سُلِّط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفارُ المجوس).


    فتأمل ذنوب الجيش التي هي عند الفاروق أخوف على المسلمين من عدوهم وتأمل التسليط على بني إسرائيل ما سببه؟


    وتلك الوصية التي كتبها عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ومن معه من الأجناد هي ما يلي: (... أما بعد؛ فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب، آمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة وإلا نُنصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا، فاعلموا أن عليكم في مسيركم حَفَظَةٌ من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منه ولا تعملوا بمعاصي الله، وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا إن عدونا شرٌ منا فلن يسلط علينا. فرُبَّ قوم سُلط عليهم شرٌ منهم كما سُلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخاط الله كفار المجوس، واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم، أسأل الله تعالى ذلك لنا ولكم) انتهى.



    والحمد الله ربنا العالمين

    والصلاة والسلام على بنيا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    المشاركات
    5,377

    افتراضي

    جزاك الله خيرا

  3. #3
    الصورة الرمزية المجازف 2011
    المجازف 2011  غير متواجد حالياً عضو نشيط
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    المشاركات
    7,048

    افتراضي

    جزانا واياك كل خير اخى المشتاق للجنه


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17