الإلتزام يتغير بين شدة وفتور..

[مصطفى شوكت]

الحمدلله والصلاه والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
من تأمل فى حال الكون يرى أنه لا يوجد شيء دائم على حاله فالكون كله في تغيير مستمر.

فليل يعقبه نهار, ثم ليل, ثم نهار
قال تعالى: ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)) الزمر.

ويموت إنسان ويولد إنسان
وتمر بنا الأيام بين الحزن والفرح
فكل شيء متغير
فما بال التزامنا أيضاً يتغير
بين شدة وفتور


وقفت يوماً مع نفسي
فقلت لها: ويحك يا نفسي ما بك تغيرتي وتكاسلتي.
قالت: لا أنا لم أتغير
قلت لها: بل تغيرتي
فكيف حالك مع ذكر الله؟ وكيف حالك من السنن الرواتب؟ وكيف حالك مع كتاب الله؟


قالتـ: آااااااااه قل ذكري لله, وتناسيت السنن, وقل وردي اليومي, يا ويلي نسيت بعض الأيات كنت أحفظها ولكني كنت دائمة المراجعة.
يا ويلى فقد تغيرت, لا أعلم ماذا دهاني, هل عندك إجابة لسؤالي؟ وغرقت نفسي في حزن عميق

قلت لها: يا نفسي أصابكِ الفتور

قالت: وما الفتور؟

قلت لها: هو سكن بعد حِدَّة، ولين بعد شدة، وضعف بعد قوة.
فمرحلة الفتور مرحلة بين الالتزام والانحراف..


قالت: لا أنا لم يصيبني فتور, أنا لم أقترب أبداً من الانحراف, أنا مازلت على الطريق الصحيح, لما قلتي أنني أصابني الفتور؟

قلت لها: ظهرت عليكِ علامات الفتور



قالت: وما هى علامات الفتور ؟

قلت لها:
تكاسلتي عن السنن والمستحبات، وفي ذلك تشبه بالمنافقين: قال تعالى: (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة:الآية54).
أصبح قلبكِ قاسي لا يتأثر عند سماع القرءان وذكر الموت: قال تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) (الحديد:الآية16).
لم تعدي تحملي هم الدعوة ولا تحزني عند انتهاك المحرمات "من أصبح لا يهتم بالمسلمين فليس منهم"
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: السيوطي - المصدر: الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم: 8453
خلاصة حكم المحدث: صحيح.

شغلتك الدنيا وزينتها قال تعالى: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (الأعلى:16-17)
استهنتي بصغائر الذنوب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إياكم و محقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ، كرجل كان بأرض فلاة فحضر صنيع القوم ، فجعل الرجل يجيء بالعود ، و الرجل يجيء بالعود ، حتى جمعوا من ذلك سوادا و أججوا نارا فأنضجوا ما فيها )
الراوي: - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2687
خلاصة حكم المحدث: صحيح

قالت: آااااااااه صدقتي, لقد أصابني الفتور
وهل يصيبني وحدي؟ ولكن ما لسبب يا ترى؟
وبكت نفسي بكاءاً مريراً

قلت لها: لا يصيبك وحدك
فالمسلم يجد في نفسه أحياناً نشاطاً، وإقبالاً على ربه، وفي حين آخر يجد في نفسه تهاوناً وضعفاً، وإهمالاً وتركاً. ينتقل من حالٍ إلى حال. ومن حركةٍ ودأبٍ إلى خمولٍ وكسل. ومن صلةٍ طيِّبةٍ وقويَّةٍ بالله إلى صلةٍ ضعيفةٍ به. وبالتالي ينقلب الميزان الذي يقيس به الإنسان أعماله. وتصبح الأعمال السيئة أكثر من الأعمال الحسنة.
وهذه الحالة الثانية قد يوفق العبد إلى الرجوع إلى سيرته الأولي، وإما أن يَخْلُد إلى الأرض، ولا يؤدي إلا الفرض، وهذا هو الفتور، ذلكم المرض الخطير الذي يصيب السالكين إلي الله من الدعاة وطلبة العلم وغيرهم من المؤمنين.

وأسباب الفتور
أنكِ لم تخلصي النية في الأعمال والطاعات: قال تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(الكهف: الآية110)
لا يوجد عندك علم شرعى كافى: قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر:الآية28).
فإن لزمتي العلم وتعمقتي في الدراسة زادت خشيتك لله.

فتنكِ زوجك وأولادك وانشغلتي بهم: قال تعالى: (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) (التغابن: الآية14)
ولكن ليس معنى هذا أن تهملينهم
ابتعدتي عن الصحبة الصالحة قال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (الكهف:الآية28)
وصاحبتى أصحاب الهمم الضعيفة, أصبحت صحبتك مع من يميعون الدين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل)
الراوي: أبو هريرة المحدث: أبو نعيم - المصدر: حلية الأولياء - الصفحة أو الرقم: 3/194
خلاصة حكم المحدث: حسن غريب


ولا تنسىي العقبات على طريق السالكين: قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت:2).

وأنكِ تفردتى وبعدتي عن الجماعة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (- ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان ، عليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)
الراوي: أبو الدرداء المحدث: النووي - المصدر: تحقيق رياض الصالحين - الصفحة أو الرقم: 379
خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن


قالت: وما العمل إذاً؟
كيف لى أن أعود؟ ويحي ضللت عن الطريق
وأخذت نفسي تبكي وتعاتب نفسها

فقلت لها:
يا نفسي لا تيأسي, يا نفسي إلى ربكِ فارجعى, يا نفسي توبي وعاهديني على الرجوع إلى الطريق
وضعي يدك بيدي هيا لنبدأ من جديد

قالت: وهل من سبيل إلى الرجوع؟
قلت لها: نعم سأدلك على العلاج

قالت: وماهو علاج الفتور؟

هيا جددي الإيمان في قلبك وتوبي إلى الله
قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)) سورة التحريم.


هيا يا نفسي إستشعري رقابة الله عز وجل لكِ, وذكرتها بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحشر:18).

هيا يا نفس لا تتكاسلي عن ذكر ربك قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ۩ (206)) سورة الأعراف.
قال تعالى: ( وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)) سورة الأنبياء.
أي أنهم في عبادةٍ دائمةٍ ينزهّون الله عما لا يليق به. ويصلون ويذكرون الله ليل نهار لا يضعفون ولا يسأمون.

هيا يا نفس إلى مجالس العلم واطلبب العلم وارتقي, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده )
الراوي: أبو هريرة المحدث: النووي - المصدر: التبيان - الصفحة أو الرقم: 128
خلاصة حكم المحدث: رواه مسلم وأبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم


هيا يا نفس اختاري صحبة صالحة, ومعهم اعملي وهيا انصري دينك قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104)

[مصطفى شوكت]

قالت: ولكن أشعر بضعف ولا أستطيع أن أعود, وإن الله يقبل التوبة فسوف أتوب, ولكن لا يوجد حولي صحبة صالحة
وغرقت نفسي ووقفت عن التفكير

قلت لها: يا نفس ويحك, أرأيتي إن الفتور تمكن منكِ, يا نفسي إن الله يقبل التوبة, ولكن إحذري من التسويف, يا نفس إن الموت يأتي بغتة فهل تأمني توبة قبل الموت؟
قال تعالى: ( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَٰكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)) سورة ق.

فأي الفريقين تختاري؟ يا نفس تذكري القبر وظلمته وضمته
تذكري وقوفك بين يدي الله الذي لا تخفى عليه خافية يوم لا ينفع مال ولا بنون
قال تعالى: (وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا ۚ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)) سورة الحاقة.




فقالت نفسي :
يالله اقبل توبتي وأعني على التوبة وثبتني على دينك يارب


وجلست مع نفسي وأخذنا ندعو الله
ودعونا الله ليثبتنا
وتذكرنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقلت يا نبي الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء)
الراوي: أنس المحدث: محمد المناوي - المصدر: تخريج أحاديث المصابيح - الصفحة أو الرقم: 1/112
خلاصة حكم المحدث: رجاله رجال مسلم في الصحيح