دنو الهمة مسلك دنيء، ومركب وطيء، وخلق ساقط، وعمل مرذول لا يليق بأهل الفضل، ولا ينبغي من أهل النبل والعقل.



والناس إنما تتفاوت أقدارهم بتفاوت هممهم، ولذلك فداني الهمة لا قيمة له ولا قدر؛ لأنه ميالٌ للدعة، مؤثرٌ للراحة، مخلدٌ للأرض، قاعدٌ عن المكارم كَلِفٌ بالصغائر، مولعٌ بمحقرات الأمور، همُّه خاصة نفسه، فِكْرُه محصور في مطعمه وملبسه وقوت يومه وليلته، أما تطلاب المعالي ونشدان الكمال؛ فلا يخطر له بال، ولا يحوم له حول ما يشبهه خيال.
هذه بعض ملامح دنو الهمة، وتلك بعض صفات داني الهمة، تلك الصفات التي تجعل من صاحبها غرضًا للذم وعُرضة للَّوم.




ومنْ أعظمِ أسبابِ دنو الهِممِ اختلاقُ المعاذيرِ، والتماسُ المسوغاتِ التي نسوِّغُ بها إخفاقَنا، ونعلقُ عليها عجزنا. وكثيرًا ما تكونُ تلكَ المعاذيرِ مجردَ أوهامٍ لا حقيقةً تحتها، فلا تزالُ تلك الأوهامُ تكبرُ شيئًا فشيئًا حتى تكوّنَ لنا سدًا كبيرًا منيعًا، حِجارتُهُ سوءُ الظَّنِّ أحيانًا، وتخذيلُ النفسِ أحيانًا، والشَّكُّ في النتائجِ والخوفِ من الإخفاقِ أحايينَ أُخَرَ.
وقد تكونُ تلكَ المعاذيرِ سببًا حقيقيًا لدنوِّ الهمةِ كحال من يتعلل بقلة الذكاء أو عدم النبوغ، وكحال من يتعلل بسوء الحظ وقلةِ التوفيقِ أو نحوِها، إلا أنهُ لا يليقُ بالعاقلِ أن يستسلِمَ لها أو أن يسترسِلَ معها، فمَهما يكن من شيءٍ؛ فإنَّ الفرصةَ متاحةُ، وإن البابَ لمفتوحٌ على مصراعيهِ لمنْ أرادَ المعالي وسعى لها سعيَها، فالإنسانُ بتوفيقِ اللهِ ثم بعزمِهِ، وهمتِهِ وتربيتِهِ لنفسِهِ قادرٌ على التغلبِ على كثرِ من العقباتِ والصعاب.





للشيخ: محمد بن إبراهيم الحمد -حفظه الله-