صدر للناقد الدكتور سامى سليمان، كتاب "الشعر والسرد: تأصيل نظرى ومداخل تأويلية"، وذلك ضمن سلسة كتابات نقدية التى تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة. ويصوغ المؤلف مجموعة من الأطروحات النظرية، التى يفيد فيها من النقد الثقافى ونظريات التلقى ونظريات الأنواع الأدبية، لاسيما ما يتعلق منها بمسائل التداخل بينها ليطرح عددا من الأفكار الجديدة التى يحاول من خلالها إعادة النظر فى مجموعة من التصورات الراسخة فى النقد العربى الحديث خاصة ما يتصل بالمواقف من التراث العربى الإبداعى والنقدى.

ويتألف الكتاب من مدخل وثلاثة فصول تجمع بين الجوانب النظرية والتطبيقية فى وحدة واحدة تجعل من المقولات النظرية وسيلة لبلورة رؤى جديدة لعديد من القضايا النقدية، فى ذات الوقت، الذى تجعل فيه من المحاورات التطبيقية وسيلة لتجريب المقولات النظرية للكشف عن حاجتها للمراجعة والتطوير.. وفى المدخل يحلل المؤلف بشكل مكثف صيغَ العلاقة بين الشعر والسرد فى الثقافة العربية القديمة والوسيطة والحديثة ليثبت قِدم العلاقة من ناحية، وليلفت الانتباه من ناحية أخرى إلى ضرورة إعادة تأمل أشكال العلاقة بينها طوال مسيرة الثقافة العربية.. ويشكك المؤلف فى حقيقة المقولة المتوارثة والمتواترة عن أن "الشعر ديوان العرب"؛ ويرى أن حضور الأشكال النثرية الكثيف فى التراث العربى يدعونا إلى البحث عن صيغ العلاقة بين الشعر والسرد فى الثقافة العربية الوسيطة، مما يمكننا من اكتشاف مقولات وتصورات نظرية تهز التسليم بالمقولة المطروحة.. ويطرح المؤلف منهجية جديدة لقراءة النصوص الإبداعية والنقدية تقوم على التعامل معها على أنها خطابات تتضمن مجموعة من المستويات المتعددة، مما يجعل قراءتها نوعًا من التأويل الذى يستهدف الوصول إلى المستويات العميقة للخطابات عن طريق القراءة التزامنية والتعاقبية، التى تقوم بنوع من الجدل بين مكونات الخطاب فى ذات اللحظة، التى تحلل فيها تفاعلات الخطاب النقدى مع الخطابات الثقافية السابقة عليه والمعاصرة له.

ويحدد المؤلف مجموعة من الشروط الثقافية لتحقيق قراءة نقدية قادرة على التجاوز والإضافة، ومنها: إدراك تاريخية المقروء وتجاوزه للتاريخية فى الآن نفسه، وحرية الممارسة النقدية التى يبلورها المؤلف فى مقولته، التى ترى أن "النقد خطاب العقل الحر".

وفى الفصل الأول يقدم المؤلف قراءة لمصطلح "الاقتصاص" فى النقد العربى الوسيط ويربط بينه وبين موقف النقاد المحدثين من ظاهرة الشعر القصصى.. وإذا كان هذا المصطلح يشير إلى بناء الشاعر قصيدته على قصة أو حكاية أو خبر فإن المؤلف يؤوله على أنه كاشف عن صيغة من صيغ التداخل بين الشعر والأشكال السردية، مما يتيح للناقد المعاصر التماس صور العلاقة بين الشعر والسرد فى الثقافة العربية الوسيطة.. ويكشف المؤلف عن مفارقة غياب المصطلح عن النقد العربى الحديث فى ذات الوقت الذى صاغ النقاد المحدثون صيغا من الوعى بتفاعل الشعر والسرد نتيجة اتصالهم بنظريات النوع فى الثقافة الغربية.

وفى الفصل الثانى يقدم المؤلف قراءة تأويلية لتلخيص ابن رشد كتاب "الشعر" لأرسطو، فيكشف عن أن ابن رشد قد فهم من نظرية أرسطو أن القصيدة الشعرية تقوم على قصة أو حكاية أو خبر أو حديث، مما يعنى فيما يرى المؤلف أن هذا الفهم كان يقدم تصورًا ما لتداخل الشعر والأشكال السردية، مما جعل المؤلف يقوم بإعادة صياغة جزئيات أفكار ابن رشد ليستنتج صورة تأويلية لتفاعل الشعر والسرد لاسيما أن ابن رشد استطاع، فيما يؤكد المؤلف، أن ينفرد فى التراث العربى بصياغة مصطلحى "القصص الشعرى" و"الأشعار القصصية" مقابلين دلالين لمصطلح "الملحمة" عند أرسطو.. مما يكشف عن وعى عميق لابن رشد بظاهرة التداخل بين الشعر والأشكال السردية، وذلك ما لم يلتفت إليه النقاد المحدثون.

وفى الفصل الأخير يقدم المؤلف دراسة تطبيقية لأدوار السرد فى قصيدة "جدارية" لمحمود درويش، حيث يحلل أدوار الراوى وتحولاته فى مقاطع القصيدة كاشفا عن العلاقة بين تلك التحولات ومجازات القصيدة ولغتها، كما يتوقف عند تأثيرات السرد على البنية الزمنية فى القصيدة.. ويصل من خلال ذلك إلى أن هذه القصيدة عُنيت بسؤال الهوية، مما جعل جدل الهوية والصيرورة أساسيا فيها، مما يجعلنا نستطيع تأويلها على أنها سيرة ذاتية شعرية تبتغى إكمال ما لم تستطع الذات الشاعرة تحقيقه فى الواقع المعيش.