اهتمت مجلة "آراب ليت" الأدبية الإيطالية المرموقة (La rivista di Arablit) فى عددها الأخير (صيف 2012) بديوان الشاعر المصرى شريف الشافعى "غازات ضاحكة "، الصادر هذا العام عن دار الغاوون فى بيروت، وهو خامس دواوين الشاعر، وثانى أجزاء متتاليته "الأعمال الكاملة لإنسان آلى".

نشرت المجلة فى خمس صفحات قراءة جادة للديوان كتبها الدكتور سيمونى سيبيليو، وهو باحث إيطالي، دارس للغة والثقافة العربية، متحصل على الدكتوراه فى الآداب المقارنة، وسبق أن ترجم ونشر بالإيطالية مختارات من الشعر الفلسطينى المعاصر، ونماذج من قصائد بعض الشعراء العرب (محمد الفيتوري، محمود درويش، عباس بيضون، عبد الله البردوني، عبد العزيز المقالح)، قدمت المجلة كذلك نبذة عن الشافعى وأعماله الشعرية، وكتابه البحثى "نجيب محفوظ: المكان الشعبى فى رواياته بين الواقع والإبداع" (الدار المصرية اللبنانية).

أشار الدكتور سيمونى سيبيليو فى قراءته ديوان "غازات ضاحكة" إلى أن تجربة "الأعمال الكاملة لإنسان آلي" تعكس رؤية جديدة للعصر وللشعر معًا، فى ظل هيمنة التكنولوجيا والامتداد الرقمى الذى طال كل شيء حتى العلاقات الاجتماعية، وقال: "كان ضروريًّا أن ينتقل هذا التأثير التقنى إلى الشعر والأدب الجديد، باعتباره ملمحًا من ملامح الحياة اليومية الحديثة".

قدم الباحث على نحو تفصيلى تحليلاً فنيًّا للديوان، كاشفًا عن حيلة الشاعر بسرد جميع مقاطع النص (532 قصيدة) على لسان "روبوت متمرد" يمثل الثورة على قوانين التحكم وتقاليد العصر، وقال د.سيمونى: "هذه اللعبة مبعثها شعور الشاعر بالمسؤولية، ورغبته فى التحرر من القيود، فالتسلح البشرى بالعلم حد الذروة لا يعنى نسيان الإنسان أو إهماله".

ولمس الكاتب الإيطالى ملامح الاختلاف والتجديد فى تجربة "إنسان آلى"، موضحًا أن الحرية تحققت هنا أيضًا فى الكتابة نفسها، فالشاعر تجول بين اليومى العابر والذهنى والعلمى، فضلاً عن الفضاء الرقمى وعوالم الكمبيوتر وشبكة الإنترنت، ومثل هذا الانطلاق يحيلنا إلى ما بشر به أدونيس بشأن تحولات الشعر فى العالم الجديد.

وأوضح د.سيبيليو، أن ثمة مفارقة لعب عليها الشاعر فى الديوان، وهى ثنائية "الزائف" و"الحقيقي"، فالآلى دائمًا زائف زائل، والإنسانى صادق باقٍ، وهذه الجدلية التى تبرز مخاطر الانقياد للتكنولوجيا تبدو من أولى الصفحات والإهداء، بل من لوحة الغلاف، فالوجه البارد الذى يتخذ هيئة شاشة كومبيوتر يضحك ضحكة آلية مصطنعة، ذلك أن مبعث الضحك هنا صناعى كيميائى (غاز الضحك أكسيد النيتروز).

وعلى الجانب الآخر، وفقًا للباحث، فإن الشاعر ينتصر دائمًا للقيمة الكبرى التى تمثلها الضحكة الإنسانية الصافية (الابتسامة الأورجانيك، بتعبير النص)، وقد كرر الشاعر تقديره لتلك القيمة فى أكثر من موضع، من بينها قوله: "حياة واحدة لا تكفى/ لاعتناق امرأة مبتسمة".

وفى ختام دراسته، وصف د.سيمونى تجربة الشافعى بأنها "مشروع طموح يثير الاهتمام"، متوقعًا قراءتها فى القريب مترجمة إلى لغات غربية، بوصفها "تقترح ابتكارًا فى الموضوع والأسلوب والتعبير".