.
2004 عام الدولار.. وتراجع عائدات الدول المصدرة للنفط
.
لندن: أيمن علي
فيما يلي نحاول تلخيص عام 2004 اقتصاديا بالإشارة إلى أهم ثلاثة ملامح نظنها صبغت الوضع الاقتصادي . وروعي في الاختيار العالمية ذات البعد الإقليمي، التداخل بين العالمية والإقليمية، والإقليمية ذات الدلالة, لذا اخترنا الدولار والنفط وأسواق المال العربية.
وليس معنى ذلك أن بقية الأحداث الاقتصادية ليست بذات الأهمية، ولكنها محاولة للتأشير والدلالة اكثر منها للحصر والتسجيل.
كان عام 2004 عام الدولار عند مراجعة الأحداث الاقتصادية. صحيح أن الدولار لم يفقد سوى نحو 8% من قيمته مقابل اليورو، ونحو 4% مقابل الين، إلا أن الأسس الاقتصادية التي تدعم العملة الأمريكية تعرضت لهزة غير مسبوقة، ويعود التراجع المستمر في سعر الدولار إلى أكثر من عجز يعاني منه أكبر اقتصاد في العالم تبدأ من عجز الميزان التجاري مع الخارج وعجز الحساب الجاري الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة وتنتهي مع عجز الموازنة الذي تجاوز نسبة 5% من إجمالي الناتج المحلي.
ومع أن الدولار فقد أكثر من ثلث قيمته (36%) في فترة ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش الأولى فإن معدل هبوطه هذا العام وعدم تأثير ذلك بوضوح في إصلاح العجز المزدوج في الاقتصاد الأمريكي ينذر باستمرار الهبوط خلال العام المقبل ربما بأكثر من ضعف نسبة هبوطه الأخيرة .
وإذا كان تأثير تراجع الدولار على بقية العالم هو أنه يجعل صادراتها أقل تنافسية ويزيد من فرص التصدير الأمريكية، فإنه في منطقتنا العربية مضاعف، أولا تربط معظم الدول العربية عملاتها الوطنية بالعملة الأمريكية (التي أصبحت مؤشر قياس دولي لثروة الأمم منذ خفوت قاعدة الذهب في بداية النصف الثاني من القرن الماضي)، ومن ثم تفقد تلك العملات من قيمتها بالنسبة نفسها التي يهبط بها الدولار. وثانيا أن سلعة التصدير الرئيسية من المنطقة النفط والغاز مسعرة دوليا بالدولار، وبالتالي تتراجع القيمة الحقيقية لعائدات الدول.
وإذا أخذنا مثال دول مجلس التعاون الخليجي، نجد أن نحو سبعين في المئة من وارداتها تأتي من آسيا وأوروبا، مقابل أقل من الثلث من أمريكا. وبالتالي تخسر تلك الدول بالقدر نفسه الذي يهبط به الدولار عن تحويل عملاتها إلى الين واليورو لتسديد فاتورة الواردات. ولعل مثال ارتفاع أسعار الأدوية (معظمها مستورد من أوروبا) في دول المجلس بشكل أثار قلق الناس يوضح تلك المشكلة. أضف إلى ذلك الارتفاع في كلفة المشروعات التنموية في دول المجلس الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل القومي.
والمشكلة الأساسية لمواطني دول المجلس والمقيمين فيها، أن أسعار السلع ترتفع نتيجة انخفاض سعر الدولار، في الوقت الذي لا ترتفع فيه الرواتب والأجور لأنها غير مرتبطة بمعامل التضخم الدولاري.
قد يكون فات بالفعل أوان التفكير في فك ارتباط العملات الوطنية لدول المنطقة بالدولار وربطها بسلة عملات مثلا، لأسباب عديدة أهمها أن مصدر الدخل الرئيسي لها مسعر بالدولار ولا سبيل لتغيير ذلك باعتبار الدولار عملة تسعير دولية. ثم أن دول الخليج مثلا في طريقها إلى عملة خليجية موحدة بحلول عام 2010، وبالتالي لا تتحمل أي اضطراب في أنظمتها المالية الآن، وهي بحاجة لمثبت لعملاتها مثل الدولار بغض النظر عن هبوط قيمته.
إلا أن الإدارة الأمريكية ربما لا تجد سبيلا لتخفيف وطأة مشاكلها الاقتصادية إلا باتباع سياسة نقدية تمكنها من تقليل قيمة ديونها الفيدرالية، وفي هذه الحالة تخسر البنوك المركزية لمعظم دول العالم التي تحتفظ بمكون دولاري ضخم في احتياطاتها من النقد الأجنبي، غالبا في شكل سندات خزينة أمريكية، تتراجع قيمتها بمعدل هبوط الدولار.
وفي هذا السياق تشير تقديرات مصرفيين في لندن إلى أن البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ربما خسرت نحو 20 مليار دولار في الأشهر الـ 18 الأخيرة نتيجة هبوط سعر الدولار، ذلك أنها تحتفظ بالكثير من استثماراتها في صورة دولارية أو أصول مقومة بالدولار. وهناك استثمارات عربية أخرى في صناديق تحوط دولارية، وسندات خزينة وغيرها، ربما تجعل خسارتها ضعف الرقم السابق.
والخلاصة أن هبوط الدولار أدى إلى تآكل قدر معقول من الثروة العربية، واحتمالات استمرار هبوطه ستعني المزيد من الخسائر.
النفط
شهدت أسعار النفط ارتفاعا كبيرا في الأسواق العالمية دفع منظمة الدول المصدرة للنفط - أوبك - إلى الإنتاج بأقصى طاقتها عند حدود 30 مليون برميل يوميا للمرة الأولى منذ أكثر من ربع قرن. وعلا صراخ الدول المستهلكة للطاقة في أمريكا وأوروبا وآسيا، متهمة المنتجين والمصدرين بالتقصير لرفع الأسعار بأكثر من خمسين في المئة، ولم يكن هناك حديث سوى المليارات من العائدات التي ستزيد في دخول الدول المصدرة ومنها دول الخليج، وتجاهل الجميع تراجع القيمة الحقيقية للعائدات لنفس السبب.
إلا أن هناك إشكالية متعمدة وراء ما قد يبدو (حسدا) لدول الخليج على الفائض النقدي الذي توفر لها مع ارتفاع أسعار النفط. فتلك الحسابات لارتفاع الأسعار تعتمد على أسعار خام برنت وخام غرب تكساس، كمقاييس للأسعار العالمية، أما بالنسبة لدول الخليج وغيرها من الدول العربية فالمقياس هو سعر سلة أوبك، الذي لم يتجاوز ارتفاع سعره خلال العام في المتوسط نسبة الربع (من 28 دولاراً للبرميل متوسط سعر 2003 إلى 35 دولاراً متوسط سعر 2004). ويوضح ذلك المبالغة في تضخيم العائد المالي للدول المصدرة للعام المنصرم.
وبعيدا عن التغطيات الإعلامية الساخنة والتصريحات ذات الطبيعة السياسية أكثر منها الاقتصادية، فإن أساسيات سوق النفط (العرض مقابل الطلب) جيدة جدا، وهناك وفرة في الأسواق. وارتفعت الأسعار خلال العام نتيجة مضاربات صناديق التحوط التي دخلت بكثافة سوق العقود الآجلة للنفط ـ بدلا من أسواق الأسهم والعملات ـ وضاربت بشدة مستغلة تطورات سياسية وأمنية هنا وهناك.
على العكس، فإن الزيادة الكبيرة في الإنتاج جعلت الدول الصناعية المستهلكة تبني مخزونات تجارية قوية، خصوصا من النفط الخام. وإن كانت المخزونات من المشتقات ليست بالقدر نفسه، فذلك يعود لمشاكل التكرير والنقل لدى الدول المستهلكة ذاتها وهو ما يحافظ على قوة الأسعار حتى مع خروج صناديق التحوط من سوق النفط قرب نهاية العام.
ونتيجة ذلك اضطرت أوبك بداية ديسمبر إلى الاتفاق على سحب نحو مليون برميل يوميا من إنتاجها، في محاولة لاستباق انهيار الأسعار نتيجة زيادة المخزون واعتدال الجو في نصف الكرة الشمالي خلال الشتاء. وفي ظل مؤشرات الأسابيع الأخيرة، يتوقع أن تواصل الأسعار الهبوط في بداية العام المقبل، وربما تضطر أوبك إلى تخفيض سقف الإنتاج الرسمي نفسه في اجتماعها آخر يناير.
وعلى الرغم من استمرار النطاق السعري المستهدف لسلة أوبك من 22 إلى 28 دولارا للبرميل (متوسط 25 دولارا)، فإن متوسط السعر المستهدف الحقيقي، حتى وإن لم يعلن رسميا، هو الآن 35 دولارا للبرميل.
الأسواق
شهدت أسواق الأسهم العربية عاما نشطا ثالثا في 2004 وارتفعت أغلبية مؤشراتها في المتوسط بنحو خمسين في المئة. وشهدت بعض الأسواق في دول الخليج غليانا في أسعار الأسهم، كاد يؤدي إلى انهيار تصحيحي.
وتعود أسباب النشاط الكبير في الأسواق المالية العربية إلى توفر السيولة النقدية نتيجة ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنفاق الحكومي، وكذلك تساهل البنوك في الإقراض للاستثمار في الأسهم والعقارات. يضاف إلى ذلك أيضا النمو الاقتصادي الجيد للاقتصادات العربية، والأداء الجيد للشركات المدرجة التي حققت أرباحا معقولة تزيد عن أرباح 2003 بكثير خصوصا في قطاع البنوك مثلا.
وهناك أيضا ولو بقدر بسيط، عودة بعض الاستثمارات العربية التي تخشى الدخول في الأسواق الغربية بعد 11 سبتمبر 2001 إلى المنطقة ودخولها أسواق الأسهم.
وكان المأمول أن يؤدي التحسن الكبير في أداء الأسواق إلى تحول كثير من الشركات من شركات خاصة أو مساهمة مغلقة إلى شركات عامة تطرح في السوق. لكن ذلك لم يحدث باستثناء عدد محدود في السوق الإماراتية والسوق السعودية، ولم نشهد إقدام شركات في مصر أو الأردن مثلا على دخول السوق بطرح أولي للأسهم للاستفادة في تمويلها من السيولة في تلك الأسواق.
ويتوقع المراقبون والمحللون الاقتصاديون أن يزيد عدد الشركات التي تقدم على عمليات طرح أولي العام المقبل إذا استمر زخم النمو في الأسواق العربية.
مع ذلك هناك تحذير من تراجعات تصحيحية في مؤشرات الأسواق العربية لكنها قد لا تصل إلى حد الانهيار، وذلك بسبب التوقعات الإيجابية لنمو الاقتصادات العربية واستبعاد انهيارات في أسواق النفط وغيرها. إلا أن المعدل المتوقع لنمو المؤشرات يدور في حدود 10% لعام 2005، إذ يصعب الاستمرار في معدلات الارتفاع الهائلة التي شهدتها مؤشرات الأسواق دون زيادة إمكانية الانهيار.
---------------------------------
منقول من جريده الوطن عدد اليوم على الرابط